تبيان الصلاة المجلد 7

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

[تتمة كتاب الصلاة]

المقصد الرابع في الخلل فى الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 7

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* الحمد للّه رب العالمين و الصّلاة و السلام على عبده و رسوله محمد خاتم المرسلين و النبيين و على آله الطيبين الطاهرين و اللعنة على أعدائهم و مخالفيهم من الآن إلى يوم الدين، و بعد هذا جملة ممّا استفدته من بحث سيدنا الأعظم و استادنا المعظم رئيس الملة و مجدّد المذهب في القرن الرابع عشر الّذي شيّد اللّه بوجوده الدين و نصر ببركته المسلمين آية اللّه العظمى الحاج آغا حسين الطباطبائي البروجردي متع اللّه المسلمين بطول بقائه الشريف إن شاء اللّه تعالى في الخلل مع بعض ما خطر ببالي القاصر أقل أهل العلم على الصافي الگلپايگاني، فنقول بعونه تعالي:

اعلم أنّ الاخلال في الصّلاة يتحقّق و يحصل بالاخلال بما يعتبر فيها وجودا أو عدما بأن يحصل الخلل فيها إمّا بترك جزء من أجزائها، أو شرط من شرائطها، أو فعل مانع من موانعها، و أمّا الزيادة في الصّلاة فلا تكون من الخلل في حدّ ذاتها، نعم لو دلّ دليل على عدم جواز الزيادة فتعدّ الزيادة من أفراد الخلل باعتبار كونها على هذا من جملة موانع الصّلاة.

ثمّ إنّ كل من يكون مسلما، و يكون بانيا على إتيان الصّلاة و إطاعة أمر المولى فلا يخلّ بما يعتبر في الصّلاة عمدا، فمن أخلّ

بما يعتبر فيها عمدا لا يكون بنائه إتيان الصّلاة رأسا، لا أنّه يصلّي و مع ذلك يخلّ ببعض ما يعتبر فيها، فلا يوجد الاخلال العمدي بناء على هذا، فلا حاجة لاطناب الكلام في الاخلال العمدي في الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 8

إذا عرفت ذلك كله نقول بعونه تعالى و توفيقه مقدمة: بأنّ منشأ العمدة في الخلل الواقع في الصّلاة هو السهو، لأنّ الاخلال بما يعتبر فيها وجودا أو عدما يكون منشأه السهو و الذهول عن الواقع حتّى في ما يعرض الشّك في الصّلاة في ركعاتها له و غيرها يكون منشأه السهو، لأنّ منشأ الشّك أيضا يكون السهو و الذهول عن الواقع فيشك في شي ء، لأنّ كلا من الجهل بالموضوع سواء يكون جهلا مركبا أو بسيطا، أو يكون السهو المسبوق المرتفع في الزمان اللاحق يكون منشأه السهو، أعنى: ذهوله عن الواقع و غروب الواقع عن نظر الشخص، غاية الأمر تارة يعرض السهو للشخص، ثمّ يذهب سهوه و يتوجه و يلتفت بما سهاه، كما إذا سها عن الركوع أو غيره في الصّلاة، ثمّ بعد الفراغ أو قبله التفت بسهوه الركوع سابقا، ففي هذه الصورة ذهب سهوه و التفت بعد سهوه باخلاله بالركوع المعتبر في الصّلاة، فحصل الاخلال فيها، و كما ترى يكون السهو و ذهوله عن الركوع منشأ لهذا الخلل.

و تارة يسهو و يذهل عن الواقع، و لكن لا يذهب سهوه بعد، و لكن لأجل طرو هذا السهو يتخيل و يعتقد على طرف لجهله المركب، مثلا صار السهو و ذهول الواقع موجبا لتركه الركوع في الصّلاة، و صار سهوه هذا موجبا لاعتقاده باتيان الركوع، فهو مع بقاء سهوه يعتقد إتيان الركوع، و يكون جاهلا مركبا لاعتقاده خلاف

ما هو الواقع، و يكون هذا الجهل من باب سهوه الواقع و ذهوله عن خاطره و هو عدم إتيانه الركوع فهو في هذا الحال جاهل بالجهل المركب و منشأه السهو.

ففي هذه الصورة إما يبقى الشخص على جهله المركب إلى آخر عمره، فهو من باب جهله المركب لا يلتفت بوقوع خلل في صلاته حتّى يسأل عن حكمه، و إمّا يرتفع سهوه، و يدرى عدم إتيانه الركوع و يذهب جهله المركب أيضا، و يلتفت بوقوع خلل في صلاته لأجل طروّ السهو له، فهذا القسم أيضا من جملة الصور

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 9

الّتي صار السهو منشأ للخلل، و يكون داخلا في السهو، لأنّه واقع تحت جامع السهو، و هو ذهول الواقع و غروبه.

و تارة يكون طروّ السهو منشأ للجهل البسيط لا المركب و بعبارة اخرى يصير منشأ للشك مثلا لو فرض أنّ المصلّي سها عن الركوع و لم يأت به، و لكن بعد هذا السهو و غروب الواقع عنه يصير شاكا و مرددا في إتيان الركوع و عدمه، فهو و إن كان شاكا و جاهلا بالجهل البسيط، لأنّ في الجهل البسيط يكون الشخص شاكا و يكون منشأ شكه طروّ السهو و غروب الواقع عن نظره، فيحصل الاخلال في صلاته لأجل الشّك و الجهل، و لكن منشأ هذا الخلل هو سهوه، فهذا القسم أيضا من أقسام الاخلال السهوي.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ منشأ الخلل في الصّلاة من جهة ترك الجزء و الشرط، أو وجود المانع هو السهو و ذهول الواقع، سواء ارتفع السهو و توجه بالخلل بعد الصّلاة أو بعد مضى محلّ لا يتمكن معه من إعادة ما ترك، أو اعتقد من أجل سهوه للواقع بأنّه

أوجد الجزء أو الشرط و الحال أنّه لم يوجدهما، أو ترك المانع و الحال انّه فعله لأجل سهوه الواقع.

و بعبارة اخرى صار السهو سببا لجهله المركب، أو صار السهو سببا لجهله البسيط و الشك في إتيان ما يعتبر وجوده، أو ترك ما يعتبر عدمه فيها، لأنّه بعد عدم وجه لجعل العمد من جملة أسباب الخلل لما قلنا من أنّه كيف يتعمد الشخص الباني على إتيان الصّلاة المأمور به في ترك ما يعتبر وجوده فيها، أو فعل ما يعتبر عدمه فيها، نعم يمكن ذلك إذا لم يكن بانيا على امتثال الصّلاة و إن كان كذلك فهو لم يصلّ أصلا، لا أنّه يصلي و يخلّ بأجزائها و شرائطها، و بعد خروج العمد لا وجه لجعل الشك موجبا من موجبات الخلل في قبال السهو، لما قلنا من أنّه أيضا داخل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 10

السهو، لأنّ السهو ربما يوجب الجهل البسيط بالموضوع، فيشك لأجل السهو في أمر في الصّلاة فتكون النتيجة أنّ موجب الخلل هو السهو بأقسامه المتقدمة، و يدخل فيه الشك في الموضوع أيضا.

و ممّا قلنا من كون منشأ الشّك في الموضوع السهو عنه و ذهوله عن الواقع يظهر لك أنّ ما ورد في بعض الأخبار من التعبير بالسهو في مقام الشك، مثلا قال (رجل يسهو فيشك بين الثلاث و الأربع) يكون على وجه الحقيقة، و لا وجه لحمله على المجازية كما تخيّله بعض الفقهاء قدّس سرّهم، لأنّه بعد كون منشأ الشّك في الشّك في الموضوع هو السهو و ذهول الواقع، فيصح أن يقال (رجل يسهو فيشك) لأنّ منشأ شكه السهو، فافهم.

إذا تأمّلت في ما بينّا لك من أنّ الجهل بالموضوع بقسميه يكون مستندا بذهول

الواقع و السهو عنه نقول: أمّا الجهل المركب منه فما دام يكون الجاهل باقيا في جهله فلا يلتفت على خلل حتّى يسأل عن تكليفه، و أمّا إذا التفت بجهله و أنّه سها عن الواقع فهو السهو الّذي ارتفع، و هو القسم المتعارف من السهو، و الفرد الواضح منه، و أمّا الجهل البسيط في الموضوع فكما قلنا منشأه السهو أيضا، و حيث إنّ طروه من جهة السهو يوجب الخلل في الصّلاة، فينبغي أن يعلم حكم الخلل الحاصل في الصّلاة من أجل السهو في هذا القسم، و حيث إنّ في المقام تكون رواية معروفة، و يكون التعرض لها و فهم المراد منها و مقدار دلالتها مفيدا لنا في فهم حكم الخلل الواقع في الصّلاة، و لو فرض شمول الرواية لهذا القسم من السهو أى: الجهل البسيط في الموضوع، يفهم حكمه أيضا من الرواية فعلى هذا ينبغي التعرض لهذه الرواية، و هي الحديث المعروف بحديث (لا تعاد) فنقول بعونه تعالى: بأنّ الكلام في الخلل يقع في طىّ امور:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 11

الأمر الأول

في بعض القواعد الراجعة إلى الخلل

اشارة

و الكلام في هذه القواعد يقع في طى امور:

[الأمر الأول: في حديث لا تعاد]
اشارة

الامر الاول: روى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثمّ قال: القراءة سنة، و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة). «1»

و التكلم في دلالتها يقع تارة في المستثنى منه، و تارة في المستثنى،

أمّا الكلام في المستثنى منه فيقع في جهات
الجهة الأولى: [يقع الكلام في حديث لا تعاد في المستثنى و المستثنى منه]

في أنّ المراد من المستثنى منه هو خصوص ما يعتبر وجوده في الصّلاة أو الاعم منه و مما يعتبر عدمه فيها، و بعبارة اخرى لا يجب الاعادة في غير ما استثنى إذا كان ما ترك جزء أو شرطا منها، أو يعم الموانع أيضا، فلو تكلم في

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب القواطع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 12

الصّلاة ناسيا مثلا فلا يجب الاعادة بمقتضى الحديث.

الجهة الثانية: هل الحديث يشمل جميع الحالات الممكنة طروها للشخص أو لا؟
اشارة

و بعبارة اخرى لا يجب الاعادة في غير ما استثنى سواء كان منشأ الترك السهو و النسيان أو الجهل، بل و لو كان منشأه العمد، فمن ترك جزء أو شرطا عامدا فلا يجب عليه الاعادة بمقتضى الحديث، أو يشمل غير العامد من الجاهل و الشاك و الناسي، سواء كان جاهلا أو شاكا أو ناسيا للحكم أو للموضوع، أو لا يشمل إلّا خصوص الناسى.

الحق هو احتمال الثالث، أمّا خروج العامد عن الحديث فواضح، لأنّه لا معنى لكون الشخص في مقام امتثال أمر مولاه و إتيان الصّلاة، و مع ذلك يخلّ بأجزائها و شرائطها عمدا، و كيف يتقرب بها مع كونه تاركا لما يعلم دخله فيها، و كيف يشمل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 13

الحديث العامد، لأنّ شموله له مخالف مع إرادته اعتبارها فيها، فان كان الحديث يشمل العامد يكون لازمه عدم اعتبار الأجزاء و الشرائط المعتبرة غير الخمسة المستثناة في الصّلاة من رأس، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

[لا يشمل الحديث العامد و الشاك]

و أمّا الشاك في الحكم و الجاهل المقصر في الحكم فأيضا خارجان عن مورد الحديث، لأنّ وظيفتهما رفع الشّك و الجهل قبل الصّلاة، و ظاهر الحديث هو أنّ كل من يدري أحكام الصّلاة و يكون بسدد امتثال أمرها المتعلّق به، ثمّ ترك ما اعتبر فيها لأجل طروّ بعض ما يطرأ الانسان قهرا، و لا يكون الانسان خاليا عنه، ففي هذه الصورة لا يجب عليه الاعادة في غير الخمسة، و الشاك في الحكم و الجاهل به لا يدري من رأس ما هو تكليفه و حكمه و وظيفته، فهما خارجان عن مورد الحديث، نعم يمكن أن يدعى بأنّ الجاهل القاصر في جهله بالحكم بجزئية جزء أو شرطية شرط

من أجزائها، و شرائطها فيها المغفول عنها غالبا، بحيث لا يتخيل دخله فيها و إخلال فيها لو تركه لا يجب عليه الاعادة بمقتضى الحديث لو تركه، و لكن هذا أيضا مشكل.

و أمّا الجاهل البسيط في الموضوع، أعنى: الشاك في الموضوع، و هو قسم من اقسام السهو كما بينا لك فهو أيضا خارج عن الحديث، لأنّه بعد عدم كون المستثنى منه مذكورا فالقدر المتيقن لا يكون إلّا الصورة الّتي نبيّن لك، و هي خصوص صورة النسيان الطاري الموجب لذهول الواقع و سهوه و ترك ما يعتبر وجوده فيها لاجل السهو، ثمّ التفت إلى تركه و هو الجهل المركب في الموضوع، فالحديث لا يشمل إلّا هذه الصورة من الصور المذكورة.

الجهة الثالثة: [هل يشمل الحديث لصورة إتمام الصّلاة ثمّ تذكر أو في أثناء الصّلاة]
اشارة

هل الحديث يدلّ على عدم وجوب الاعادة في المستثنى منه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 14

إذا كان السهو الطاري الباعث لترك الجزء أو الشرط باقيا إلى أن يتم المصلّي صلاته، ثمّ بعد الصّلاة يتذكر ترك الجزء أو الشرط، أو يشمل صورة تذكره في أثناء الصّلاة بعد بلوغه إلى موضع لا يتمكن معه من التدارك.

و بعبارة اخرى حيث يكون لكلّ ما اعتبر في الصّلاة موضع يمكن اتيانه في هذا الموضع، بحيث ما دام يكون المصلّي في هذا الموضع لا يقال: بأنّه مضى محلّ إتيانه- و يأتى الكلام إنشاء اللّه في أنّه متى يكون محلّ كل جزء باقيا، و متى مضى محل إتيانه- مثلا لو قلنا بأنّ المصلّي ما لم يدخل في الركوع يكون محل إتيان الفاتحة باقيا، و بعد الدخول في الركوع مضى محلّ إتيانها.

فعلى هذا يكون الكلام في الجهة الثالثة في أنّ مفاد حديث (لا تعاد) هو عدم وجوب الاعادة في المستثنى منه في خصوص ما إذا

طرأ السهو و ترك الجزء أو الشرط و استمر النسيان إلى أن تتمّ الصّلاة، ثمّ تذكر المصلّي ترك الجزء أو الشرط، أو يعم هذه الصورة و الصورة الّتي طرأ النسيان و ترك المصلّي لأجله الجزء أو الشرط و تذكر بعد مضى محل إتيانه مع عدم خروجه عن الصّلاة بعد، كما إذا نسى القراءة و تذكر بعد الدخول في الركوع.

قد يقال: باختصاص الحديث بالصورة الاولى اقتصارا على ظاهر لفظ (لا تعاد) لأنّ ظاهره كون مورد الحديث ما لو لا الحديث لكان مورد إعادة الصّلاة، و الاعادة تصدق في ما إذا تمت الصّلاة فان وقعت على وجهها يقال لا إعادة، و إن تقع على غير وجهها يقال: عليه الاعادة، و أمّا في ما إذا تذكر في أثناء الصّلاة نقصها بعد مضى محلّ تدارك ما صار موجبا لنقصها، فإن كان هذا النقص موجبا لعدم الاكتفاء بهذه الصّلاة فلا يقال: أعد الصّلاة، كما أنّه لو اكتفي الشارع بها لا يقول

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 15

(لا تعاد) بل يقول: استأنف الصّلاة، أو بطلت الصّلاة أو لا تستأنف، أو لم تبطل الصّلاة، فالتعبير في الحديث بلا تعاد ظاهر في كون مورد عدم الاعادة في المستثنى منه هو ما إذا ارتفع النسيان بعد إتمام الصّلاة.

[الحقّ شموله لكلا القسمين]

و لكن نقول: بأنّ الحق شمول الحديث لكل من الصورتين لأنّه بعد كون مفاد الحديث هو الفرق في السهو بين بعض الأجزاء و الشرائط مع بعضها في أنّ نقص بعضها غير موجب للاعادة، و بعضها موجب للاعادة، فيبقى الكلام في أنّه هل تكون خصوصية التذكر للسهو بعد الصّلاة دخيلة في هذا الحكم أم لا، و يمكن دعوى الجزم بعدم الفرق في الحكم بين تذكر النقص في

أثناء الصّلاة أو بعدها، فظاهر (لا تعاد) و إن فرض كونه مورد التذكر بعد الفراغ، و لكن ندري عدم دخل هذه الخصوصية في الحكم، فبالغاء الخصوصية نحكم بكون الحكم في كلتا الصورتين.

و قد يقال في وجه شمول الحديث لصورة رفع النسيان بعد مضى محلّ التدارك في أثناء الصّلاة: بأنّ ذيل الحديث و هو قوله عليه السّلام (القراءة و التشهد سنة فلا ينقض السنة الفريضة) يدلّ على ذلك، لأنّ المستفاد من هذه الفقرة هو كون عدم الابطال و الاعادة في المستثنى منه كونه سنة، لأنّ القراءة و التشهد من جملته، فاذا كان ذلك علة الحكم، فلا فرق بين التفاته بسهوه بعد مضى محل تدارك المنسي أو بعد الصّلاة.

و فيه أنّ المستفاد من الذيل ليس إلّا كون ترك القراءة و التشهد غير مبطلين من باب عدم ورود نقص بالفريضة، أى: بفرض اللّه تعالى بسبب السنة أى: فرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا لا يدلّ إلّا على الفرق بين السنة و الفريضة في الجملة، و امّا كون الفرق من حيث الحكم بينهما في أيّ مورد و مع ايّ شرط فلا دلالة له عليه، فافهم فقد ظهر لك ممّا مر شمول الحديث لكل من الصورتين المتقدمتين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 16

ثمّ إنّه يتفرع على شمول الحديث لصورة طروّ النسيان و ترك جزء أو شرط، ثمّ حصول التذكر في أثناء الصّلاة بعد مضى محل تداركه، أمر و هو أنّه ما المراد من المحلّ الّذي يكون محلا للجزء و الشرط بحيث لو أتى به يقع في محلّه، و أين المحل الذي لو بلغ به مضى محل تداركه، بحيث لو تذكر النقص في هذا الموضع لا يجب

عليه الاعادة بمقتضى حديث (لا تعاد).

[في المراد من المحل الّذي إذا مضى لا يمكن التدارك]

و اعلم أنّ هذه الجهة أى: فهم أنّ ما هو محل إمكان تدارك المنسي، و ما هو محل عدم إمكان تداركه مشترك بين المستثنى و المستثنى منه من حديث (لا تعاد) قد يقال في الميزان في مضى محل التدارك و عدمه: بأنّه في كل مورد يوجب تدارك ما نقص من الأجزاء الزيادة في الصّلاة فقد مضى محلّ تداركه، و أمّا لو لم يوجب تداركه وقوع فعل زيادة في الصّلاة فلم يمض محل التدارك.

[في أنّ ما لا يمكن إتيان المنسي إلّا بإتيان الصّلاة فقد مضى المحل]
اشارة

ثمّ إنا نقول في الضابط في مضى محل التدارك و عدمه بانا نحاسب أوّلا بعض الصغريات الّذي يكون مضى محل تداركه بلا إشكال، ثمّ نتكلم و نحاسب بعض الصغريات الّذي يكون محل الاشكال، فنقول بعونه تعالى: لو نسي ذكر الركوع أو الطمأنينة منه و استمر نسيانه إلى أن رفع راسه من الركوع، ثمّ تذكر ترك الذكر او الطمأنينة، فنقول: إنّه بعد عدم دخل الذكر أو الطمأنينة في صيرورة الركوع جزء للصّلاة و ركنا، بل هما واجبان من واجبات الصّلاة (أو الركوع) فوقع الركوع صحيحا أى: واجدا للصحة التأهلية و جزء للصّلاة و إن صار الذكر أو الطمأنينة منسيا، فاتيان الذكر المنسي أو الطمأنينة المنسية لا يمكن إلّا باعادة الصّلاة و إتيان الركوع فيها و الذكر و الطمأنينة لأنّه لا يمكن تداركهما في محلهما في ما بيده من الصّلاة و إن فرض جواز إتيان ركوع آخر، و فرض عدم كون زيادة الركوع مبطلا، لأنّه لو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 17

أتى بركوع آخر و أتى بالذكر و الطمأنينة فيه فما وقعا في محلهما، لأنّ محلهما في الركوع الّذي يصير جزء للصّلاة، و هو الركوع الماتى به أوّلا المنسى فيه الذكر و الطمأنينة لا

الركوع الثاني، لأنّ الثاني ليس جزء لها فلا أثر في إتيانهما فيه، فان فرض لزوم إتيانهما مع رفع راسه من الركوع فلا يمكن إلّا باعادة الصّلاة، و إذا كان تداركهما غير ممكن إلّا باعادة أصل الصّلاة، فمقتضى حديث (لا تعاد) بناء على شموله للأثناء هو عدم وجوب إعادة الصّلاة لأجلهما.

و مثله إذا نسى الذكر أو الطمأنينة في السجدة الثانية، فكما قلنا لا يمكن تداركهما في محلهما لأنّ محلهما هو في السجدة الّتي نسيهما فيها، فلو أتى بسجدة اخرى و لم تكن زيادة في الصّلاة لا يمكن تداركهما في محلّهما، لأنّ محلهما مضى حيث إنّ محلهما في السجدة الواقعة جزء للصّلاة و هي صارت مأتي بها، فلا يبقى محل لهما إلّا باعادة الصّلاة، و على الفرض مقتضى حديث (لا تعاد) عدم الاعادة لأجلهما لأنّهما من جملة المستثنى.

و إن أردت أن تعلم أنّ الميزان في بقاء محلّ التدارك و عدم بقائه هو ما قلنا، لا ما قال بعض من أنّه كلما يوجب تداركه للزيادة فقد مضى محل تداركه و إلّا فلا، فانظر إلى ما إذا صار الذكر في السجدة الثانية مثلا منسيا، فلو أتى بسجدة اخرى لم يكن هذا من الزيادة المبطلة لعدم كون زيادة سجدة واحدة موجبة لابطال الصّلاة، و مع ذلك مضى محل التدارك الذكر لما قلنا من عدم إمكان تداركه في محل الموظّف من الشرع إلّا باعادة الصّلاة، و الحديث يدلّ على عدم وجوب الاعادة.

فقد ظهر لك ممّا مر أنّ الضابط في مضى محل التدارك هو كل مورد لا يمكن إتيان الجزء المنسيّ في محله المعهود له في الصّلاة إلّا باعادة الصّلاة، فان كان الجزء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 18

المنسيّ من الخمسة المستثناة

في الحديث يجب الاعادة لتداركه، و إن كان من جملة المستثنى منه لا يجب الاعادة. «1»

و لو دخل في السجدة الاولى أو رفع الرأس منها، ثمّ تذكر نسيان الركوع، فلو قلنا بكون وقوع هذه السجدة جزء للصّلاة موقوفا و مشروطا بوقوعها بعد الركوع و بعبارة، اخرى تكون صحتها التأهلية موقوفة بوقوعها بعد الركوع و أنّ الركوع تقدّم عليها، فتكون الوظيفة رفع اليد عن هذه السجدة و إتيان الركوع ثمّ السجدتين بعده، و تكون الصّلاة صحيحة، لأنّ من ناحية الركوع لم يقع خلل في الصّلاة بعد إتيانه، و أمّا من ناحية السجدة فالمأتي بها ثانيا بعد الركوع تتصف بوصف الجزئية للصلاة و لا تكون زيادة فيها، و المأتي بها قبل الركوع من باب نسيان الركوع فهي أيضا لم تكن زيادة، لأنّها متى وجدت ما وجدت متصفة بالوصف الزيادة، بل بعد اتيانها صارت زيادة و الزيادة المبطلة هي ما إذا وجدت وجدت متصفة بالزيادة.

و أمّا لو قلنا بعدم دخل وصف البعدية للركوع في صيرورة السجود جزء، و بعبارة اخرى لا تكون اتصاف السجود بالصحة التأهلية موقوفا بترتبه على الركوع في الوجود فعلى هذا في الفرض وقع السجود متصفا بالصحة التأهلية و وقعت جزء للصّلاة، فالركوع المنسي لا يمكن تداركه في هذا الحال، أى: في حال كونه في

______________________________

(1)- أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالي: ما أفاده يكون ضابطا لمضى محل التدارك و عدم مضيه، و لكن ليس ما أفاده من عدم كون السجدة الثالثة زيادة في الفرض الّذي نسى الذكر في السجدة الثانية بتمام، لأنّه بعد إتيان السجدتين و وقوعهما جزء فإن أتى المصلّي سجدة اخرى تكون زيادة في الصّلاة و موجبة لبطلانها، لأنّ زيادة سجدة

واحدة عمدا زيادة مبطلة للصّلاة، نعم يصح هذا الكلام في الفرض الآتي. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 19

السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس منها إلّا باعادة الصّلاة لأنّه لو أتى بالركوع بعد هذه السجدة فما أتى به في محله، لأنّ محله قبل السجود، و إن أتى به، ثمّ يأتي السجدة الاولى بعده ثانيا فأيضا ما وقع الركوع في محلّه لأنّ محله قبل السجود الّذي هو جزء للصّلاة، و على الفرض فالسجدة الّتي تكون جزء لها هي ما وقعت قبل الركوع المنسي لا السجدة الّتي يأتي بها بعد الركوع، فلا يمكن تدارك الركوع في محله إلّا باعادة الصّلاة، و مقتضى الحديث هي إعادتها لأنّ الركوع من الخمس.

و أمّا إن كان الضابط في مضى محل التدارك هو كل مورد يصير التدارك موجبا لوقوع الزيادة في الصّلاة ففي هذا المورد لم يمض محلّ التدارك، لأنّ السجدة الواقعة قبل الركوع المنسي لم تكن زائدة لوقوعها في محلّه فلم تقع زيادة، و مع ذلك مضى محل التدارك.

[الحقّ ما ذهب إليه المشهور في المورد]

فمن هنا يعلم أنّ الضابط في مضى محلّ التدارك و عدمه ما قلنا فظهر لك أنّه لو قلنا بعدم دخل تقدم الركوع على السجود في صيرورة السجود جزء (او تأخرها دخيلا في صيرورتها جزء للصّلاة) فلا يمكن تدارك الركوع في الفرض فتكون الصّلاة فاسدة و لا بدّ من استينافها، فعلى هذا يكون الحق ما ذهب إليه المشهور من بطلان الصّلاة بترك الركوع إذا تذكر في السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس من الاولى، كما كانت باطلة إذا تذكر بعد السجدة الثانية ترك الركوع، و لكن قد يقال بعدم بطلان الصّلاة في الفرض، أى: فرض التذكر في السجدة الاولى أو بعد رفع الرأس منها

لما بينّا احتماله من كون تقدم الركوع على السجود دخيلا في صيرورة السجدة جزء للصّلاة و متصفة بالصحة التأهلية، فيقال على هذا كما بينّا بأنّه لم يمض بعد محل تدارك الركوع، و لا توجب السجدة فساد الصّلاة لعدم كونها من الزيادة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 20

المبطلية، فما نقول في المقام.

[في ذكر موارد حكم نسيان بعض الأجزاء]
اشارة

ثمّ إنّ حكم نسيان بعض الأجزاء من حيث الاتيان في المحل الممكن تداركه و عدم البطلان في ما مضى محل تداركه، و عدم لزوم قضاء المنسي، أو لزوم قضاء المنسي فقط، أو بطلان الصّلاة إذا مضى محل تداركه منصوص لدلالة بعض الأخبار عليه بالخصوص غير حديث (لا تعاد) و نحن نتعرض لهذه الموارد إنشاء اللّه تعالى و هو الموفق و المعين:

المورد الأول: نسيان تكبيرة الإحرام.
اشارة

اعلم أنّ مقتضى حديث (لا تعاد) هو وجوب الاعادة في نسيان الوقت، و الطهور، و القبلة، و الركوع، و السجود، فما ذكر في المستثنى من الحديث الواجب فيه إعادة الصّلاة لو نسيه من الأجزاء و شرائط الصّلاة لا يكون إلّا الركوع و السجود، و لا تعرض في المستثنى من تكبيرة الاحرام أصلا، فلو كنا نحن و هذا الحديث كان المقتضى عدم وجوب إعادة الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، لأنّها من جملة المستثنى منه من الحديث باعتبار شمول المستثنى منه لها أيضا.

لكن وردت روايات خاصة الدالّة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و قبل التعرض لذكر روايات الباب و بيان المختار نقول: بأنّه لم يتعرض للمسألة في الصدر الأوّل أى: في زمن صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أحد من المسلمين، نعم تعرض لها من التابعين الزهري، و من تابعي التابعين الاوزاعي، و قالا: بأنّ المصلّي لو نسيها إلى أن كبّر تكبير الركوع يجزي عنها تكبير الركوع.

و أمّا عندنا فقد ادعى عدم الخلاف في كون الاخلال بها مبطلا عمدا و سهوا،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 21

و يظهر من كلام المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» أنّ هذا قول علماء الاسلام غير الزهري و الاوزاعي.

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]
اشارة

إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ بعض الروايات تدلّ على ذلك، أعنى: على بطلان الصّلاة بتركها نسيانا.

الرواية الاولى: و هي ما رواها جميل عن زرارة (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد). «2»

الرواية الثانية: و هي ما رواها العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما السّلام (في الّذي يذكر أنّه لم يكبر في أوّل الصّلاة، فقال: إذا استيقن أنّه لم يكبر فليعد، و لكن كيف

يستيقن). «3»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أقام الصّلاة فنسى أن يكبر حتّى افتتح الصّلاة، قال: يعيد الصّلاة). «4»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها علي بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصّلاة حتّى يركع، قال: يعيد الصّلاة). «5»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 151.

(2)- الرواية 1 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(5)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 22

سها خلف الامام فلم يفتتح الصّلاة، قال: يعيد الصّلاة و لا صلوه بغير افتتاح) «1» لان بها يطلق افتتاح الصّلاة.

الرواية السادسة: و هي ما رواها أبان عن الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال: لا، بل يعيد صلاة إذا حفظه أنّه لم يكبر). «2»

الرواية السابعة: و هي الرواية الّتي رواها ذريع بن محمد المحاربي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يسنى أن يكبر حتّى قرأ، قال: يكبر). «3»

بناء على دلالتها على أن يكبر و لا يعتنى بما أتى من القراءة، و أمّا لو كان المراد أن يكبّر بعد القراءة، فلا يكون لسانها مثل اللسان الروايات المتقدمة.

[المستفاد من الأخبار بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الإحرام]

و المستفاد من هذه الأخبار بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة

الاحرام سواء أتى تكبير الركوع أم لا.

و مفادها بطلانها بنسيانها سواء دخل في الركوع أم لا إلّا رواية علي بن يقطين فإنّ مورد السؤال فيها ما إذا دخل في الركوع ثمّ تذكر نسيانها، و هذا لا يوجب اختصاص البطلان بصورة استمرار النسيان إلى أن يدخل في الركوع).

و في قبال هذه الطائفة من الأخبار بعض الروايات.
الرواية الأولى: و هي ما رواها حريز بن عبد اللّه عن زرارة

عن

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 3 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 23

أبي جعفر عليه السّلام (قال: قلت له: الرجل ينسى اوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ، ثمّ ركع، و إن ذكرها في الصّلاة كبرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة و بعد القراءة، قلت: فإن ذكرها بعد الصّلاة، قال: فليقضها و لا شي ء عليه). «1»

و في هذه الرواية اضطراب، فما المراد أوّلا من قوله (الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح) لأنّه إن كان نظره من أوّل تكبيرة من الافتتاح، هو تكبيرة الاحرام فيكون لازمه كون كل واحد من التكبيرات الثلاثة أو الخمسة أو السبعة تكبيرة الاحرام و هو مختار المجلسي الاول، و إن كان المراد من تكبيرة الافتتاح الّتي فرض نسيان أو لها هو التكبيرات المستحبة لا خصوص تكبيرة الافتتاح، فليس مربوطا بما نحن بسدده، و على كل حال فما معنى نسيان (أوّل تكبيرة من الافتتاح) لأنّه من ينسى ينسى الآخر لا الأوّل لأنّه يأتي بالاول أوّلا و إن ترك أحدها نسيانا فيقال:

ترك الآخر لا الأوّل إلّا إذا كان نظر السائل من (أوّل تكبيرة من الافتتاح) هو الاشارة إلى تكبيرة الاحرام بناء على

كون الأوّل من السبع هو تكبيرة الاحرام، و هو قول الشّيخ البهائي رحمه اللّه في التكبيرات السبع، و لا دليل عليه.

و ثانيا ما المراد من قوله عليه السّلام في الرواية (و إن ذكرها في الصّلاة كبرها في قيامه في موضع التكبيرة قبل القراءة و بعد القراءة) و هل المراد من تذكره في الصّلاة هو بعد الركوع، فإن كان ذلك فيكون لازم هذه العبارة عدم كون المصلّي قبل الركوع في الصّلاة، ثمّ المراد من قوله (كبّر في قيامه الخ هو أنّه يؤتى بها حال القيام لا حال

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 24

الركوع و السجود، أو بينهما، و بعد ذلك كله.

نقول: و أمّا ثالثا فقوله (فإن ذكرها بعد الصّلاة، قال: فليقضها و لا شي ء عليه) كيف يمكن الأخذ به لعدم عامل به و لا بفقرتها السابقة من إتيانها لو تذكر في الصّلاة أى: بعد الركوع على ما احتملنا، و حمل قوله (فليقضها) على الأمر بقضاء الصّلاة كما احتمله الشيخ رحمه اللّه فلا نجد له وجها (مضافا إلى أنّه إن كان المراد قضاء الصّلاة، فما المراد من قوله عليه السّلام (و لا شي ء عليه) لأنّه لو أتى بالصّلاة فلا شي ء عليه قهرا و لا حاجة إلى أن يقال (لا شي ء عليه) إلّا أن يحمل القضاء المذكور في الرواية على القضاء المصطلح و لا شي ء عليه، أى: لا عقاب عليه بتركها في الوقت نسيانا).

و على كل حال يدلّ صدر الرواية على وجوب إتيانها لو تذكر قبل الركوع تركها سواء أتى بتكبير الركوع أم لا.

الرواية الثانية: و هي ما رواها عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(قال: سألته عن رجل نسى أن يكبر حتّى دخل في الصّلاة، فقال: أ

ليس كان من نيته أن يكبر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته). «1»

بناء على حملها على الاكتفاء بمجرد نيته التكبيرة فإذا كان من نيته أن يكبر ثمّ نسيها فلا يوجب تركها خللا في الصّلاة، ففي الحقيقة اكتفي الشارع في صورة النسيان بالنية، و على هذا الاحتمال لا فرق بمقتضى هذه الرواية بين كون تذكر نسيانها قبل الركوع أو بعده، و لا بين إتيان تكبير الركوع و عدمه، فعلى هذا تكون الرواية في حدّ ذاتها معارضة مع الرواية الاولى، لأنّ مفاد هذه الرواية كفاية النية

______________________________

(1)- الرواية 9 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 25

سواء تذكر قبل الركوع أو بعده بخلاف الاولى فإنّ مفادها الفرق بين التذكر قبل الركوع و بعده، مضافا إلى عدم دخل النية في عدم وجوب إعادة الصّلاة، هذا كله بناء على الاحتمال الّذي ذكرنا في الرواية الثانية.

و أمّا بناء على احتمال آخر يحتمل في الرواية ربما يقال: إنّ هذا الاحتمال هو الظاهر من الرواية، و هو أنّ قوله عليه السّلام فيها (أ ليس من نيته أن يكبّر) بيان إرشاده و إفادة أنّه ما تركها رأسا لأنّه بعد كون نية المصلّي إتيانها فلم يتركها أصلا فعلى هذا لا تكون هذه الرواية معارضة مع الطائفة الاولى رأسا.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قام في الصّلاة فنسى أن يكبر فبدأ بالقراءة، فقال: إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبر، و إن ركع فليمض في صلاته). «1»

و هذه الرواية تعارض كلا من الرواية الاولى و الثانية، لعدم دخل نية الاتيان في عدم بطلان الصّلاة بنسيانها كما هو مفاد الثانية، و لا أنّه يجب

إتيانها متى تذكر بعد الركوع، أو بعد الصّلاة كما هو مفاد الاولى.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها أحمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام

(قال: قلت له: رجل نسى أن يكبر تكبيرة الافتتاح حتّى كبر للركوع، فقال: أجزأه). «2»

تدلّ على إجزاء تكبير الركوع عنها إن كان ضمير (أجزأه) راجع إلى تكبير

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 3 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 26

الركوع كما لا يبعد كون ظاهرها، هذا فعلى هذا تدلّ على أنّه بمجرد أنّ المصلّي كبر تكبير الركوع فهو مجز عنها، و لا تجب إعادة الصّلاة، و مقتضاها بطلان الصّلاة بنسيانها لو لم يأت بعد تكبير الركوع و تذكر نسيانها سواء كان تذكره قبل الركوع أو بعده، أو كان من نيته أن يكبر فنسيها أولا، و أنّه بعد إتيان تكبير الركوع لو تذكر نسيانها لا يجب إتيانها لا في الصّلاة و لا بعدها، فظاهرها معارض مع الروايات الثلاثة المتقدمة عليها.

[في مقام الجمع]

و على كل حال لو كنا نحن و الأخبار الدالة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام مع تسلّم هذا الحكم عند العامة، يكون مقتضى القاعدة حمل هذه الطائفة على التقية، و لكن بعد كون حكم بطلان الصّلاة بنسيانها مشهورا عندنا، بل لا يرى نقل قول مخالف من فقهائنا قدّس سرّه من الأخذ بهذه الطائفة من الأخبار، و ردّ علم الأخبار المخالفة لها إلى أهلها، فهذه الأخبار المخالفة مع كون بعضها معارضا مع بعض الآخر لا يمكن العمل بها، فالحق هو بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام.

إذا عرفت هذا يقع الكلام في كيفية الجمع بين هذه الأخبار الدالة على بطلان الصّلاة بنسيان تكبيرة الاحرام، و بين حديث (لا تعاد) الدال بإطلاق المستثنى منه على عدم وجوب إعادة الصّلاة بنسيانها، لأنّها ليس من الخمسة،

فنقول في مقام الجمع: بأنّ تكبيرة الاحرام إمّا تكون خارجة عن مورد حديث (لا تعاد) تخصّصا من باب أنّ من لم يكبر تكبيرة الافتتاح فلم يدخل بعد في الصّلاة أصلا فإن كان المولى في سدد بيان وجوب إتيان الصّلاة و عدمه، أو تركها نسيانا فلا يصح أن يقول (تعاد الصّلاة) أو (لا تعاد الصّلاة) لأنّ مع ترك تكبيرة الاحرام فلم يدخل بعد في الصّلاة و ما صلّى رأسا حتّى يقول (لا تعاد الصّلاة) لأنّ الاعادة فرع سبق الاتيان،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 27

فيكون التكبير المنسي خارجا عن حديث (لا تعاد تخصصا).

و إمّا تكون تكبيرة الاحرام خارجة تخصصيا لأنّه على فرض شمول إطلاق المستثنى منه من حديث (لا تعاد) لتكبيرة الاحرام فيقيد إطلاقه الأخبار المتقدمة الدالّة على بطلان الصّلاة بنسيانها، فافهم.

المورد الثاني: من الموارد الّتي يكون حكمها منصوصا من حيث النسيان هو نسيان القراءة.
فاعلم أنّ نسيان القراءة على أنحاء:
اشارة

الأوّل: أن ينسيها في تمام الصّلاة بمعنى أنّ المصلّي ينسى و لا يقرأ في واحدة من ركعات الصّلاة و تتم صلاته بلا قراءة.

الثاني: أن ينسيها في الركعتين الأوّلتين من صلاته أو في إحداهما و لم يتذكر إلّا بعد الدخول في الركوع.

الثالث: أن يترك قراءة الفاتحة نسيانا و يتذكر أنّه نسيها قبل أن يدخل في الركوع، فالكلام يقع في هذه الموارد، و فيها أخبار قد خلط صاحب الوسائل رحمه اللّه الأخبار الواردة في كل واحد من الموارد الثلاثة بالآخر، و نحن نفكك بينها فنقول بعونه تعالى:

أمّا المورد الأوّل أعنى: صورة نسيان القراءة في جميع ركعات الصّلاة

، و لا يتذكر تركها إلّا بعد الصّلاة، فيدل على عدم بطلان الصّلاة به روايات: و هي الرواية 1 من الباب 27 من أبواب القراءة و 4 من الباب المذكور، و 2 و 4 من الباب 29 و 3 من الباب 30 من ابواب القراءة في الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 28

أمّا المورد الثاني أعنى: نسيان القراءة في الأوّلتين أو في إحداهما و عدم تذكر إلّا بعد الدخول في الركوع

، فتدل على عدم بطلان الصّلاة بنسيانها و عدم وجوب تداركها في الأخيرتين- كما هو مذهب العامة، بل جعل الأخيرتين الأولتين كما عن بعضهم- روايات، و هي 3 من الباب 29 و 1 و 2 من الباب 30 من أبواب القراءة.

(و الأمر بقضاء القراءة و التكبير و التسبيح الّذي فاته على ما في الرواية الاخيرة يكون قابلا للحمل على الاستحباب).

أمّا المورد الثالث؛ و هو نسيان الفاتحة و تذكره قبل الدخول في الركوع

، فتجب قراءة الفاتحة لعدم مضى محل تداركها، و يدلّ على ذلك بعض الروايات، و هي الرواية 1 و 2 من الباب 28 من أبواب القراءة و مفادهما هو أنّه لو تذكر نسيان الفاتحة قبل الركوع يأتى بها، و إذا ركع فلا شي ء عليه.

ثمّ إذا تذكر نسيان الفاتحة قبل الركوع فمقتضى الروايات الاتيان بها، فهل يجب بعد اتيانها إتيان السورة بعدها و إن كان أتى بها قبل ذلك، أو لا يجب إتيان السورة مجددا.

لا يبعد وجوب إتيانها بعد الفاتحة لأنّه مضافا إلى إمكان دعوى اعتبار الترتيب لصيرورة السورة جزء نقول: يمكن استفادة لزوم إتيان السورة من الرواية الثانية لأنّ فيها قال عليه السّلام (ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات) لدلالة قوله (حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات) هو لزوم الابتداء بها، و لا يصدق الابتداء إلّا إذا وقعت في محلّها الموظف لها، بأن يبتدأ بها ثمّ يأتى بعدها السورة، ثمّ ما بعدها من الأجزاء، فلو تذكر نسيان الفاتحة قبل الدخول في الركوع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 29

بعد إتيان السورة، فلا بدّ من إتيانها ثمّ اتيان السورة ثانيا، ثمّ الأجزاء اللاحقة.

المورد الثالث: من الموارد الّتي يكون حكم نسيانها منصوص نسيان السجدة الواحدة
اشارة

و السجدتين بناء على دلالة الروايتين الآتيتين عليه، و عدم إشكال في الدلالة أو في السند، و الكلام يكون في غير السجدة من الركعة الاخيرة، فإنّ للسجدة من الركعة الأخيرة كلاما تعرضناه في مبحث السجود.

و اعلم أنّ المستفاد من الروايات الواردة في المسألة هو أنّه لو نسى المصلّي سجدة أو سجدتين، فإن تذكر نسيانها بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة فإن كان المنسي سجدة واحدة قضاها بعد الصّلاة، و يدلّ على

هذا الحكم روايات:

و هي الرواية 2 من الباب 14 من أبواب السجود فهذه الرواية تدلّ على حكم تذكره بعد الركوع و أنّه يقضيها بعد الصّلاة و الرواية 4 من الباب المذكور، و هي تدلّ على أنّه يؤتى بها ما لم يركع و تذكر نسيانها، و قضائها بعد الصّلاة لو دخل في الركوع و تذكر نسيانها.

و الرواية 1 من الباب المذكور بناء على كون متن الحديث هكذا (في رجل نسى أن يسجد السجدة الثانية) كما في بعض النسخ، و يؤيد هذه النسخة ذيلها الدالّ على قضائها بعد الصّلاة لو تذكر بعد الدخول في الركوع، لأنّ هذا يصح في ما إذا نسى سجدة من السجدتين أعنى: خصوص السجدة الثانية من السجدتين لأنّه لو تركهما معا تبطل الصّلاة و لا معنى لوجوب القضاء.

و على كل حال الحكم في نسيان السجدة الواحدة و تذكره قبل الركوع و بعده منصوص، و لا إشكال فيه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 30

[الكلام في ما اذا نسي السجدتين معا]
اشارة

إنّما الكلام في ما إذا نسى السجدتين معا فنقول: ما يمكن أن يكون دليلا بالخصوص لوجوب إتيانهما لو تذكر نسيانهما قبل الركوع و بطلان الصّلاة لو نسيهما و تذكر نسيانهما بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، روايتان.

[في ذكر الروايات في الباب]

الاولى: الرواية الاولى من الباب المذكور بناء على كون متن الرواية هكذا (في رجل نسي أن يسجد السجدة من الثانية) كما في بعض النسخ، لا أن يكون متنها (السجدة الثانية) كما قدمنا الكلام فيه، فبناء على هذا يكون المراد من قوله (رجل نسى أن يسجد السجدة من الثانية) هو أنّه نسى طبيعة السجدة من الركعة الثانية، و بعبارة اخرى نسى السجدتين، لأنّه لا يصدق نسيان طبيعة السجدة إلّا نسيانهما معا.

فتدل الرواية على هذا على وجوب إتيانهما و تداركهما لو تذكر نسيانهما قبل الركوع، و أمّا لو تذكر بعد الركوع فمقتضى هذه الرواية قضائهما بعد الصّلاة، و هذا لا يمكن الالتزام به، لأنّه مع نسيانهما و مضىّ محل تداركهما تبطل الصّلاة لاجل نسيانهما، فمع كون النسخة مختلفة فلا يمكن التعويل على هذه الرواية في إثبات هذا الحكم أى: حكم نسيان السجدتين.

الثانية: الرواية 5 من الباب المذكور، و هي ما رواها الشّيخ رحمه اللّه عن محمد بن احمد بن يحيى عن علي بن إسماعيل عن رجل عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السّلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصّلاة و نسيان السجدتين في الأوّلتين و الاخيرتين سواء.

و لا يبعد دلالة الرواية على أنّ مفروض السائل نسيان السجدتين معا لأنّ

تبيان الصلاة، ج 7،

ص: 31

قوله (في الرجل ينسى السجدة في صلاته) يعني طبيعة السجدة، و نسيان الطبيعة يتحقق نسيان كل منهما، و لكن الاعتماد بهذه الرواية مشكل من حيث السند:

أمّا أوّلا فلأنّ سندها مضمر بابهام الواسطة لأنّ علي بن إسماعيل يروي عن رجل، و غير معلوم أنّ هذا الرجل أىّ شخص من الاشخاص.

و أمّا ثانيا فإنّ معلى بن خنيس المذكور حاله في الرجال كان من أصحاب الصادق عليه السّلام، و حبس و قتل بيد أمير المدينة، فكيف يروى الرواية عن موسى بن جعفر عليه السّلام بعد وفاته عليه السّلام، لأنّ التعبير (بأبي الحسن الماضى) يكون بالنسبة إلى موسى بن جعفر عليهما السّلام بعد فواته، و على هذا تكون الرواية ضعيفة السند، و الاعتماد عليها مشكل.

فعلى هذا لا دليل على بطلان الصّلاة بترك السجدتين سهوا في صورة تذكر نسيانهما بعد الركوع من الركعة اللاحقة إلّا حديث (لا تعاد) لأنّ السجدتين فيه من جملة المستثنى، و أمّا قبل الركوع لو تذكر نسيانهما فياتي بهما بناء على بقاء محلّ تداركهما.

المورد الرابع: من الموارد الّتي ورد النص بالخصوص في حكم نسيانها هو نسيان التشهّد الأوّل
اشارة

في الصلوات الرباعية و الثلاثية، و أمّا التشهّد الثاني فقد مضى الكلام في حكم نسيانه في مبحث التشهد، فنقول: يدلّ بعض الروايات على أنّه لو نسى المصلّي التشهد الأوّل، فإن تذكر قبل الدخول في الركوع الركعة الثالثة فيأتى به لبقاء محل تداركه، و إن تذكر بعد الدخول في الركوع الركعة الثالثة فيمضى في صلاته و يقضيه بعد الصّلاة فارجع الباب 1 من أبواب التشهّد من الوسائل.

إذا عرفت ما بينا لك من الموارد المنصوصة نقول: بأنّه يقع الكلام أيضا في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 32

بعض الأمور الراجعة بحديث لا تعاد:
الأمر الأول: [ما المراد من السجود]

في أنّه بعد كون السجود من جملة الخمس المستثنى في حديث (لا تعاد) يقع الكلام في أنّ المراد من السجود هل هو طبيعته بمعنى: أنّه يجب الاعادة إذا ترك طبيعة السجدة، و ترك طبيعتها يتحقّق بترك كل من السجدتين من كل ركعة، أو يكون المراد مطلق السجدة، فيكون ترك سجدة واحدة أيضا موجبا لا عادة الصّلاة لأنّ المطلق يصدق عليها.

فإن كان الأوّل هو المستفاد من حديث (لا تعاد) فلا يكون ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بنسيان سجدة واحدة من الروايات المتقدمة ذكرها معارضا مع الحديث، و أمّا إن كان مفاد الحديث الثاني فيكون مقتضى الحديث بطلان الصّلاة بفقد سجدة واحدة و لو كان نسيانا، و يكون مقتضى الأخبار الواردة في عدم بطلان الصّلاة بنسيان سجدة واحدة في صورة تذكر نسيانها بعد الدخول في الركوع من الركعة اللاحقة، هو عدم وجوب إعادة الصّلاة، بل يقضى السجدة بعد الصّلاة، فكيف نجمع بين الحديث و بين هذه الأخبار.

يمكن ان يقال: بأنّ مقتضى حديث (لا تعاد) هو لا بدية كون الصّلاة مع السجدة و عدم صحتها بدونها، و لو كنا نحن و الأدلة

الأوّلية المتعرضة لاعتبار السجدة في الصّلاة، لقلنا بأنّه يجب إتيانها فيها حتّى تكون الصّلاة مع السجدة، و مقتضى بعض الروايات الواردة في السجدة المنسية، و وجوب قضائها بعد الصّلاة أيضا هو اعتبار السجدة في الصّلاة و لا بدية كونها معها، غاية الامر يدلّ هذا البعض من الروايات على كون محلّها بعد الصّلاة إذا نسيها المصلّي في محلّها في الصّلاة، فلا معارضة بين حديث (لا تعاد) و هذه الطائفة من الأخبار، لأنّ حديث

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 33

(لا تعاد) متعرض لعدم تحقق الصّلاة بلا سجدة، و هذه الطائفة تعرضت لكون محلّها بعد الصّلاة في صورة النسيان حتّى دخل في الركوع، و لو أبيت عن ذلك فلا بدّ من الالتزام بتخصيص (لا تعاد) في خصوص نسيان السجدة الواحدة، فتأمل. «1»

الأمر الثاني: لو نسى المصلّي بعض ما يجب إتيانه في حال الركوع أو السجود فهل يكون داخلا في المستثنى

من حديث (لا تعاد) أو لا، مثلا إذا ترك ذكر الركوع أو السجود أو الطمأنينة في أحدهما، أو غير ذلك، أو ترك ما يعتبر في تحقّق الركوع الشرعى.

أمّا الذكر و الطمأنينة فيمكن دعوى عدم كونهما داخلا في السجود الواقع في المستثنى لأنّهما خارجان عن حقيقة السجود، بل يمكن كونهما واجبين من واجبات الصّلاة، و محلّهما في السجود، و امّا ما يعتبر في الركوع الشرعى، مثلا وصل بأوّل مرتبة يصدق معها الركوع، أعنى: الانحناء الخاص، و لكن نسى و لم يصل إلى حدّ يمكن معه وضع يديه على ركبته فقام، فلا يبعد كون نقصه موجبا للاعادة، لعدم تحقق ما هو ركوع عند الشرع، و ظاهر الركوع الواقع في حديث (لا تعاد) و هو هذا الركوع. «2»

______________________________

(1)- أقول: و يأتي في الأمر الثاني وجه الجمع بينهما إنشاء اللّه، و لا حاجة إلى هذه التكلفات.

(المقرر).

(2)- أقول- كما قلت بحضرته

مدّ ظله العالى و استرضاه و بيّن ما قلت ببيان شفاف- لا يكون حديث (لا تعاد) في مقام بيان المستثنى تفصيلا حتّى يقال بشموله لهذه الموارد المشكوكة.

بيانه أنّه بعد كون مقتضى إطلاق الأدلة الأوّلية الدالّة على اعتبار الأجزاء و الشرائط في الصّلاة، هو وجوب هذه الامور، و جزئيتها أو شرطيتها لها حتّى في حال النسيان، فلا يكون أمر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 34

الأمر الثاني: [من زاد في الصّلاة فعليه الإعادة]
اشارة

و من جملة القواعد الّتي ينبغي التعرض لها هي أنّ من زاد في الصّلاة فعليه الاعادة، و على طبقها بعض الأخبار، فنحن نتعرض بعض الروايات المربوطة بالمقام، ثمّ نتكلم في مفاده و مقدار دلالته إنشاء اللّه تعالى، فنقول:

[بعض الروايات المربوطة بالمقام]
الرواية الأولى: الرواية الّتي رواها في الكافي في باب السهو في الركوع

عن

______________________________

حاله كذلك محتاجا إلى بيان آخر بعد اقتضاء أدلتها ذلك، بل ما يلزم بيانه هو أنّه لو كان بعض هذه الامور المعتبرة فيها معتبرة فيها في خصوص حال العمد لا حال النسيان يبيّن للمكلفين، و من الواضح أنّ حديث (لا تعاد) ناظر إلى الأدلة المتكفلة للأجزاء و الشرائط، فما يكون أبو جعفر عليه السّلام في مقام بيانه في الحديث هو المستثنى منه، لا المستثنى، أعنى: يكون في سدد ما لا يوجب نسيانه الاعادة لأنّ ما يحتاج إلى البيان هو هذا، لا المستثنى لأنّ وجوب الاعادة في المستثنى لا يحتاج إلى البيان لكفاية الأدلة الأولية المتكفلة لاعتباره فيها لذلك، لأنّ معنى اعتباره فيها عدم تمامية الصّلاة بدونها.

فالحديث يكون في مقام بيان ما لا يوجب تركه نسيانا للاعادة، لا في مقام بيان ما يوجب تركه و لو نسيانا للاعادة، و بعبارة اخرى يكون في مقام بيان المستثنى منه لا المستثنى، و ذكر المستثنى يكون بنحو الاجمال، و لذا لم يذكر فيه التكبير، و ما ذكر فيه لم يذكر خصوصياته، فيكون في مقام الاهمال و الاجمال في مقام ذكر المستثنى، فلا معنى لأخذ الاطلاق في المستثنى أصلا.

و من هنا يظهر لك أنّه لا وجه لأن يقال: بأنّه عليه السّلام هل يكون مراده من الركوع أو السجود، هو الركوع و السجود مع ما يعتبر فيهما أولا؟ و هو ما تعرضنا له في الأمر الثاني، أو كان مراده سجدة واحدة أو

سجدتين، و هو ما تعرضنا له في الأمر الاول.

و بعد عدم كونه في مقام البيان من حيث المستثنى فلا إطلاق له من حيث السجود حتّى يقال:

بأنّ ما دلّ على عدم بطلان الصّلاة بسجدة واحدة معارض مع حديث (لا تعاد) أو لا يكون معارضا، فتكون النتيجة هو أنّه في الموارد المشكوكة في كونها داخلا في المستثنى من الحديث الشريف لا وجه للتمسك بالحديث، و دعوى إطلاقه و شموله أو عدم شموله للمورد المشكوك، بل لا بد من الرجوع على الأدلة الأوّلية، فافهم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 35

علي بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا استيقن أنّه قد زاد في الصّلاة المكتوبة ركعة لم يعتد بها و استقبل الصّلاة استقبالا.

الرواية الثانية: الّتي رواها الكليني رحمه اللّه في الكافي أيضا

في باب من سها في الأربع و الخمس و لم يدر زاد أو نقص أو استيقن أنّه زاد- عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا استيقن أنّه قد زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها و استقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا.

و هاتان الروايتان ذكرهما الكليني رحمه اللّه في الكافي كما قلنا في بابين، و نقل في الوسائل في الباب 19 من أبواب الخلل الرواية الثانية، و لكن زاد فيها لفظ (ركعة) بعد لفظ (المكتوبة) و الحال أنّ كلمة (ركعة) تكون في الرواية الاولى الّتي رواها زرارة، و العجب من العلّامة الهمداني رحمه اللّه «1» من أنّه قال بعد ذكر الرواية الثانية (هكذا رواه في المدارك و غيره، و لكن

في الوسائل رواه عن الكليني رحمه اللّه باسناده عن زرارة و بكير بن أعين) ثمّ نقل الرواية بالنحو الّذي نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه، و الحال أنّ في نقل صاحب الوسائل اشتباه كما قلنا، و لم ينظر إلى الكافي حتى يظهر له رحمه اللّه حقيقة الحال، و اكتفي بما رأى في المدارك أو غيره، ثمّ قال في ذيل كلامه بعد ما نقل: بأنّ في الوسائل قال روى الرواية الشّيخ (فالظاهر أن لفظة (ركعة) فيما رووه عن الشّيخ ساقطة) و الحال أنّه كما قلنا و فهمت أنّهما روايتان رواهما في الكافي، لا أنّ الشّيخ رحمه اللّه

______________________________

(1)- مصباح الفقيد، كتاب الصّلاة، ص 535.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 36

زاد لفظة (ركعة) في الرواية.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من زاد في صلاته فعليه الاعادة). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها زيد الشحّام

(قال: سألته من الرجل يصلّي العصر ست ركعات أو خمس ركعات، قال: إن استيقن أنّه صلّى خمسا أو ستا فليعد الحديث). «2»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها منصور بن حازم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة قال: لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من الركعة). «3»

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبيد بن زرارة

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شك فلم يدرأ سجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال: لا، و اللّه لا تفسد الصّلاة بزيادة سجدة، و قال: لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة). «4»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الكلام في الرواية الاولى و الثانية فتارة يقع في أنّهما هل تكونان رواية واحدة باعتبار كون مضمونهما تقريبا واحدا، و المروي عنه يكون واحدا، و هو أبو جعفر عليه السّلام، و روى عنه زرارة و بكير، غاية الأمر رواها عمر بن

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 37

أذينة تارة عنهما، و تارة عن أحدهما، أو تكونان روايتين باعتبار أنّ الكليني رحمه اللّه نقلهما في موضعين و مرتين، مضافا إلى أنّ راوي إحداهما زرارة و بكير معا، و راوي إحداهما زرارة فقط، و مضافا إلى أنّ في إحداهما تكون لفظة (ركعة) و في إحداهما ليست هذه الكلمة.

و تارة يقع الكلام في أنّه لو قلنا بكونهما رواية واحدة، فيدور الامر بين الزيادة و النقيصة، لأنّ في إحداهما تكون كلمة (ركعة) و لا تكون في الاخرى، و إذا دار الأمر بين الزيادة و النقيصة فأصالة عدم الزيادة محكّمة عند العقلاء، لأنّ السهو يقتضي نقصان ما

يريد الشخص إيجاده، و لا يوجب السهو عن الشي ء، زيادة في الشي ء فلا بدّ بحكم هذا الاصل الأخذ بالرواية الاولى المشتملة على زيادة (ركعة).

[في أن الروايات لا تشمل حال العمد]

ثمّ إنّه لا عموم و لا إطلاق للروايات يشمل حال العمد، أمّا الرواية الرابعة و الخامسة فواضح لصراحتهما في كون موردهما السهو، و أمّا الثلاثة الأوّل فأيضا لا إطلاق لها، بل تحمل على السهو، لأنّه بعد كون ترك جزء من أجزاء الصّلاة غير معقول على من يكون مسلما و بانيا على متابعة أمر اللّه تعالى في الصّلاة و إطاعته لأنّ من يكون كذلك كيف يزيد جزء عمدا في الصّلاة على خلاف وضعها الموظف، و لو فرض إيجاد زيادة فلا يكون إلّا على وجه التشريع، و لا يكون بسدد إطاعة امر المولى و التقرب بصلاته إلى جنابه تعالى، لا أنّه يصلي و مع ذلك يزيد في صلاته.

فعلى هذا يكون منشأ الزيادة السهو، و ذهول الواقع، و تخيل الساهي عدم إتيانه الجزء فيأتي به و الحال أنّه اتى به واقعا سابقا فسهي ذلك، أو يكون السهو منشأ للجهل البسيط فيشك في إتيانه و عدمه، ثمّ يأتى به، ثمّ بعد ذلك يتذكر انّه أتي به فزاد من باب الجهل فمنشأ الزيادة هو السهو.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 38

فتكون الروايات منزلة على صورة السهو، و مما قلنا من أنّ زيادة الجزء أو تركه غير متصور عمدا إلّا على وجه التشريع، يظهر لك أنّ صورة العمد خارج عن مورد الروايات لعدم فرضه حتّى نحتاج إلى بيان حكمه.

[المراد من الزيادة ما كان من جنس المزيد عليه او مطلقا]

ثمّ إنّه هل تكون الزيادة المبطلة للصّلاة هي كل زيادة تكون من جنس الصّلاة أى جنس المزيد عليه، أو لا يعتبر ذلك، بل تصدق الزيادة و إن كانت من غير جنس الصّلاة.

الحق هو الأوّل لأنّ ظاهر الزيادة كونها من جنس المزيد عليه، فلو طلب المولى من أحد عبيده كأسا من الماء بشرط عدم

الزيادة، فلو أتى العبد بكأسين من الماء تصدق الزيادة لأنّ الزائد من جنس المزيد عليه، و لكن لو أتى بكأس من الماء مع كأس من اللبن، فلا يقال: إنّه زاد في الماء لأنّ الزائد لا يكون من جنس المزيد عليه، كذلك في الصّلاة فلو زاد المصلّي في أحد أجزائها تصدق الزيادة، مثلا أتى بركعة زائدة، و أمّا إن كان ما أتى به غير مسانخ مع أجزاء الصّلاة فلا تصدق الزيادة، و في مثل التكفير لو قيل بصدق كونه زيادة في الصّلاة، فهو من باب توهّم المكفّر بأنّه جزء من الصّلاة و من سنخها في نظره باعتبار جعل الرواية في طرقهم على اعتباره فيها، فالظاهر من الزيادة ما يكون من سنخ أجزاء الصّلاة.

ثمّ إنّه هل يكون المراد من الزيادة المبطلة في الرواية الثالثة من الروايات المتقدمة، بل الثانية منها بناء على كونها رواية مستقلة، هو مطلق الزيادة الّتي تكون من سنخ الصّلاة، سواء كانت ركعة، أو ركوعا، أو سجودا، بل و إن كانت قراءة، أو سورة، أو غيرهما من الأجزاء، أو تختص بخصوص زيادة الركوع، و السجود، و الركعة، أو تختص بخصوص الركعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 39

[في ذكر كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه و الاشكال عليه]

قال بعض الأعاظم (آية اللّه الحائري «1» رحمه اللّه) لا يبعد ظهور اللفظ في ما يكون الزائد مقدارا يطلق عليه الصّلاة مستقلا كالركعة، لا أن يكون الزائد شيئا من الصّلاة، سواء كان ركعة أو غيرها، و لا مطلق الشي ء و إن كان من غير سنخ أجزاء الصّلاة.

و فيه أنّ هذا دعوى بلا دليل إذ الزيادة تصدق على كل ما يكون من سنخ المزيد عليه، و ما يكون مسانخا لأجزاء الصّلاة ليس خصوص الركعة، بل الركوع الزائد و السجدة

الزائدة تعد زيادة، لكونهما من سنخ أجزاء الصّلاة.

و أمّا ما قال: من أنّ الزائد لا بد و أن يكون خصوص الركعة لأنّها مقدار يطلق عليه الصّلاة مستقلا.

فنقول: بأنّ الركعة مصداق الزيادة، و لكن لا انحصار بها لعدم لزوم كون الزائد بمقدار يطلق عليه الصّلاة، و المثال الّذي مثّل به ليس كذلك، فإن قال الشخص بأحد: زاد اللّه في عمرك، ليس المراد خصوص عشر سنة أو عشرين سنة، بل كلما يطلق عليه العمر فهو زيادة في العمر و إن كان يوما، بل و لو كان ساعة، فكذلك لا يلزم أن تكون الزيادة في الصّلاة خصوص الركعة، فكلامه ليس في محله.

ثمّ إنّه قال بعض: بأنّه إن قلنا بكون عموم أو إطلاق للرواية يلزم تخصيص الأكثر لأنّ زيادة غير الركوع و السجدتين و الركعة إذا كانت عن سهو فلا توجب بطلان الصّلاة للأدلة الخاصة، فلا بدّ من تخصيص قوله (من زاد في صلاته) بتخصيصات كثيرة، بل يلزم تخصيص الأكثر، لأنّ أكثر أجزاء الصّلاة لا توجب

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائري، ص 312.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 40

زيادتها إبطال الصّلاة.

و قال بعض في جوابه: بأنّ تخصيص الأكثر مستهجن، و أمّا تقييد الأكثر فليس بمستهجن، و المقام من هذا القبيل.

[لا تفرض الزيادة في غير الركوع و السجود]

إذا عرفت ذلك كله نقول: أمّا أوّلا فأجزاء الصّلاة غير الركوع و السجود، كالقراءة و السورة و أذكار الركوع و السجود و غيرها، غير دخيل فيها كمية خاصة، بمعنى عدم دليل على أنّها اخذت في الصّلاة بشرط لا عن الزيادة من مرة واحدة فعلى هذا في غير الركوع و السجود لا تفرض الزيادة حتّى يقع الكلام في ان الروايات المتقدمة تشملها أو لا لأنّ هذه الروايات تدلّ على ان من

زاد في صلاته فعليه الاعادة و هذا يفرض في كل جزء يفرض فيه الزيادة و هو الركوع و السجود. «1»

و أمّا ثانيا فالدليل دلّ على عدم بطلان الصّلاة بزيادة غير الركعة و الركوع و السجدتين (و التكبير) إن وقعت الزيادة سهوا فلا يبقى للروايات مورد إلّا في زيادة الركعة و الركوع و السجدتين سهوا.

فهل الروايات المتقدمة تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة خصوص الركعة، أو تعم الركوع أيضا أو تعمهما و السجدتين أيضا فنقول: أمّا الرواية الرابعة فتدلّ على

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرة آية اللّه العظمى سيدنا الاستاد مدّ ظلّه العالي: بأنّ المتلقاة من المتشرعة من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا هو إتيان فاتحة واحدة، و سورة واحدة، و تشهد واحد و هذا يكفي في كونها جزء بكمية خاصة لأنّ هذه الكمية الخاصّة تلقّى من الشرع و إلّا فكيف يكون العمل عليه من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا، و بعد ما قلت ذلك بحضرته مدّ ظله العالى قال:

و لو فرض ذلك نقول: و أمّا ثانيا فالدليل ... (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 41

وجوب الاعادة في صورة زيادة ركعة من صلاة العصر أو ركعتين، و أمّا الرواية الخامسة و السادسة فيحتمل كونهما متعرضتين لزيادة الركعة، و يحتمل كون المراد من الركعة- الّتي حكم فيها باعادة الصّلاة لأجل زيادتها- هي الركوع للتعبير من الركوع بالركعة في بعض الأخبار كما قلنا سابقا من أنّ قوله مثلا في بعض الروايات (ثمّ ينهض إلى الركعة) اى: إلى الركوع، و هذا الاحتمال لا يكون بعيدا، و أمّا الرواية الاولى فتعرضت لزيادة الركعة، و أمّا الثالثة فهي مطلقة، و مفادها بطلان بمطلق الزيادة، و كذا الرواية الثانية بناء على كونها غير الرواية الاولى،

و لكن كما قلنا يمكن دعوى عدم إطلاق لها يشمل غير الركعة من الركوع و السجدتين لعدم اعتبار كمية خاصة في غيرها من الأجزاء حتّى تصدق الزيادة، و إلّا لو لم نقل بذلك فلا بد من الالتزام بتخصيصها أو تقييدها بغير الركعة و الركوع و السجدتين (و التكبير) لأنّ زيادة غيرها لا توجب بطلان الصّلاة، و لا يبعد كون زيادة الركوع و السجدتين سهوا موجبا للبطلان من باب كونهما مقومين للركعة، فلو زاد الركوع أو السجدتين فقد زاد ركعة لأنّهما مقومان لها.

[القدر المتيقن من الزيادة هو زيادة الركعة]

ثمّ يأتى الكلام إنشاء اللّه في أنّ زيادة الركوع أو السجدتين توجب الاعادة أم لا، بعد التعرض لذكر الطائفة الثانية من الأخبار المتعارضة مع الأخبار المتقدمة، هذا كله في الروايات الدالة على بطلان الصّلاة بالزيادة.

أمّا زيادة خصوص الركعة، أو الركوع أيضا، أو هما و السجدتين، فقدر المسلم من صورة بطلان الصّلاة بالزيادة السهوية هو زيادة الركعة إمّا من باب أنّ مورد الأخبار أو ظاهرها هذا، و إمّا من باب أنّه لو كان لبعض الروايات إطلاق فالركعة فرد المتيقن من المطلق.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 42

[في ذكر الروايات المربوطة بالباب]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في بعض الأخبار الدالة على عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة سهوا إذا جلس بعد الرابعة قدر التشهد على ما في بعضها، أو جلس بقدر التشهد على ما في بعضها الاخرى، و فيما يمكن أن يقال في مقام التعارض بين هذه الطائفة و الطائفة المذكورة، فنذكر الأخبار أولا ثمّ ما ينبغى أن يقال فيها ثانيا بعونه تعالى فنقول:

الرواية الاولى: و هي ما رواها جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى خمسا، قال: إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال في رجل صلّى خمسا: إنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة). «2»

و هل الروايتان رواية واحدة باعتبار كون الراوي فيهما الجميل، غاية الامر روى تارة بنفسه و تارة عن زرارة مضافا إلى اتحاد مضمونها تقريبا، أو هما روايتان باعتبار كون الراوي في إحداهما زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، و في إحداهما جميل عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام مضافا إلى اختلافهما من حيث المتن، كل محتمل، و على كل حال تدلّان على أنّ مجرد الجلوس بقدر التشهّد كاف في عدم البطلان و إتمام و لو لم يتشهد، أو تدلّان على إتيان التشهّد و كون التعبير بقوله (إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهد) كناية عن وقوع التشهّد و أنّه لو تشهد فقد تمت صلاته، لأنّ من يجلس

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 43

بعد الرابعة يجلس للتشهد.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها العلاء بن محمد بن مسلم (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمسا، قال: و كيف استيقن؟ قلت: علم، قال: إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامة، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة و سجدتين، فتكونان ركعتين نافلة و لا شي ء عليه). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلّى الظهر خمسا، قال: إن كان لا يدرى جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات هنا الظهر و يجلس و يتشهد، ثمّ يصلّي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات و يضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة). «2»

[في ذكر تعارض بين الطائفة الاولى و الثانية من الروايات]

و من المحتمل كون الروايتين الثالثة و الرابعة رواية واحدة و إن كان محمد بن مسلم يروي إحداهما عن أبي جعفر عليه السّلام و الاخرى منهما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و كان بين متنهما اختلاف، و لكن بعد كون الراوي في كليهما

هو العلاء، و هو يروى عن محمد بن مسلم فلا يبعد كونهما رواية واحدة.

و الرواية الرابعة غير خال عن الاضطراب لأنّها تدلّ على أنّه يجلس بعد الركعة الخامسة و يتشهد ثمّ يصلي ركعتين جالسا و أربع سجدات، فإن كانت الركعة الخامسة مع الركعتين من جلوس نافلة، فما معنى التشهّد بعد الركعة الخامسة أى: بين

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 19 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 44

النافلة مضافا إلى أنّه على هذا تكون النافلة ثلاث ركعات، إلّا أن يقال: بان ركعتين من جلوس يحسب ركعة، مضافا إلى دلالتها على أنّ مجرد الشّك في الجلوس بعد الرابعة كاف في عدم كون الركعة الخامسة مبطلة للصّلاة، و الحال أنّ مقتضى الرواية الثالثة عدم كونها زيادة مبطلة إذا علم بجلوسه بعد الرابعة، فمن هذا الحيث تنافي مع الثالثة.

و اعلم أنّ ما نحتمل قويّا هو أنّ الرواية الرابعة حيث رويها الصّدوق رحمه اللّه و هو نقلها عن حفظ اشتبه في مقام النقل، فهذه التعبيرات و المخالفات مع الرواية الثالثة وقعت من هذه الجهة لانه رحمه اللّه كان حافظا للأخبار و ربما ينقل عن حفظ فيقع الاشتباه، كما رأينا منه رحمه اللّه ذلك غير مرة، فكون الرواية الرابعة غير الثالثة غير معلوم.

و على كل حال تدلّ الثالثة على أنّه لو جلس المصلّى بعد الرابعة لا تكون الخامسة زيادة في الصّلاة، و لعلّ قوله عليه السّلام (إن كان علم أنّه جلس في الرابعة) كناية عن شي ء آخر، و هو أنّه أتى بالتشهد، بل بالسلام أيضا، فلا تكون الخامسة زيادة لأنّها وقعت بعد التشهّد و السلام، فلا تكون الركعة

الخامسة زيادة في الصّلاة، فلا يبقى على هذا ما يعارض مع الطائفة الاولى من الأخبار الدالة على بطلان بزيادة الركعة إلّا الرواية الاولى و الثانية من الطائفة الثانية الدالة على أنّه لو جلس بعد الرابعة بقدر التشهّد فقد تمت صلاته لو زاد بعدها ركعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الطائفة الاولى تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا جلس بعد الركعة الرابعة بقدر التشهّد أم لا، و تدلّ الرواية الاولى و الثانية من الطائفة الثانية على التفصيل بين الجلوس بقدر التشهّد بمفهومها، فهل يكون بينهما جمع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 45

عرفي، و بعبارة اخرى جمع دلالي بين الطائفتين أم لا، و قبل التعرض لذلك نذكر الأقوال في المسألة فنقول بعونه تعالى:

[في أن فى المسألة قولان للعامّة و قولان للخاصّة]

إنّ في المسألة قولين للعامة: أحدهما و هو المشهور بينهم صحة الصّلاة مع زيادة الركعة نسيانا مطلقا حصل فصل بجلوس و غيره بينها و بين الركعة الأخيرة أم لا، و ثانيهما ما ذهب إليه أبو حنيفة، و هو أنّه إن كان قعد في الرابعة بقدر التشهد، قام إلى الخامسة تمت صلاته الفريضة بهذا القيام، و انعقدت صلاته نافلة صحيحة يقوم و يضيف إليها اخرى، و قد صحت فريضة و صحت له الركعتان نافلة، و إن لم يكن قعد في الرابعة بطلت فريضته بهذا القيام.

و أمّا عندنا فالمسألة ذات قولين:

القول الأوّل: البطلان سواء جلس بقدر التشهّد بعد الرابعة أم لا،

القول الثاني: الصحة إن جلس بعد الركعة الرابعة، و الفساد إن لم يجلس بعدها، و هو مختار الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» و المحقق «2» رحمه اللّه و العلّامة «3» (في بعض كتبهما).

فظهر لك أنّ المسألة ذات قولين عندنا و عند مخالفينا، غاية الأمر قول

المشهور عندهم هو عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة السهوية، و قول المعروف بل المشهور عندنا هو البطلان مطلقا، و قول الغير المشهور عندهم أعنى: قول أبي حنيفة هو كون القيام للركعة الخامسة مخرجا عن الصّلاة فتقع الصّلاة تامة، و كون الزيادة

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 194.

(2)- المعتبر، ج 2، ص 380.

(3)- تحرير الاحكام، ج 1، ص 49.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 46

خارجا عن الصّلاة و قوله: بأنّ القيام إلى الخامسة بعد الجلوس بقدر التشهّد سببا لعدم وقوع الزيادة في الصّلاة متفرع على مبناه الفاسد من أنّ المخرج من الصّلاة كل شي ء وقع بعدها و إن كان الحدث بخلاف مذهبنا من أن المخرج منحصر بالسلام، و لهذا قال: بأنّ الخروج من الصّلاة يتحقّق بمجرد القيام بعد الجلوس في الركعة الرابعة، فتقع الركعة الخامسة بعد تمامية الصّلاة، فلا توجب إبطال الصّلاة.

فيظهر لك أنّ التزامه بالصحة في فرض الجلوس بعد الركعة الرابعة و القيام إلى الخامسة يكون من باب كون الصّلاة تامة لعدم كون التشهّد و السلام واجبا عنده، و تحقق المخرج من الصّلاة و هو القيام إلى الركعة الخامسة.

و أمّا قول الغير المشهور من القولين عندنا و هو التفصيل بين الجلوس بعد الرابعة و بين عدم الجلوس بعدها، فلا توجب زيادة الركعة السهوية اعادة الصّلاة في الاولى، و تفسد الصّلاة في الثانية، فمنشؤه ليس ما كان منشأ قول أبي حنيفة من التفصيل، لأنّ نظر المفصّلين منّا كما يظهر من المحقق رحمه اللّه في المعتبر «1» هو كون مجرد الجلوس سببا لعدم وقوع الزيادة في الصّلاة من باب أنّه بعد الجلوس فإن ترك التشهد و السلام فتركهما نسيانا، و تركهما نسيانا غير مضر بالصّلاة، فصارت صلاته تامة،

و على هذا تقع الركعة الخامسة بعد الصّلاة و لا تضر بالصّلاة، لعدم كون الزيادة في الصّلاة.

و بعبارة اخرى ليست الفتوى بالتفصيل من باب اختيار كون زيادة الركعة زيادة في الصّلاة و مع ذلك مغتفرة في صورة وقوعها سهوا إذا جلس بعد الركعة الرابعة، بل يقول المفصّل بأنّ الجلوس بعد الرابعة و ترك التشهّد و السلام سهوا بعد

______________________________

(1)- المعتبر، ج 2، ص 380.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 47

كونهما مغتفرين لعدم إيجابهما الاعادة إذا تركهما سهوا، فالصّلاة في هذا الفرض صارت تامة، فوقوع الركعة الخامسة يكون بعد الصّلاة، فلم تقع زيادة فيها تكون مبطلة لها، فظهر لك الفرق بين القول بالتفصيل عندنا و بين القول بالتفصيل عندهم.

[في ذكر وجهين للجمع بين الطائفتين من الاخبار و رد الوجه الاوّل]

ثمّ بعد ما عرفت الأقوال في المسألة، فما يمكن أن يقال في مقام الجمع- بين الطائفة الاولى من الروايات الدالّة على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا، و بين الطائفة الثانية من الأخبار الدالّة على عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركعة السهوية إذا جلس عقيب الركعة الرابعة بقدر التشهّد- وجهان:

الوجه الأوّل: أن يقال: بأنّ الطائفة الاولى تكون مطلقا و الثانية تكون مقيدا، فمقتضى الجمع العرفي هو حمل المطلق على المقيد، فتكون النتيجة بطلان بزيادة ركعة سهوا إذا لم يجلس المصلّي عقيب الركعة الرابعة بقدر التشهد، و عدم البطلان إذا جلس بقدره.

و يضعّف هذا الجمع أنّ مقتضاه كون الركعة مع كونها زيادة في الصّلاة تكون مغتفرة لأجل الجلوس بقدر التشهد، و بعبارة اخرى يقتضي هذا الجمع كون الفرد الخارج فردا خارجا، أعنى: إنّ الركعة الزائدة بعد الجلوس زيادة، و مع هذا لا تضر زيادتها تعبدا من باب حكم الشارع بكون الجلوس سببا لعدم كون هذه الزيادة محكومة بحكم غيرها، و هي

الزيادة الركعة الغير المفصولة بالجلوس بينها و بين الصّلاة، و هذا الفرق مشكل بنظر العرف لأنّهم لا يرون فرقا من حيث زيادة ركعة سهوا بين الفصل بالجلوس و عدمه.

الوجه الثاني أن يقال: بأنّ مفاد الطائفة الاولى كون زيادة الركعة سهوا مبطلة للصّلاة و مفاد الطائفة الثانية عدم كون الركعة الواقعة بعد الجلوس بقدر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 48

التشهد زيادة أصلا، فتكون الطائفة الثانية تخصصا بالنسبة إلى الطائفة الاولى لا تخصيصا «1» فلا تنافي بين الطائفتين من الأخبار و وجهه يظهر ممّا بينا في مقام ذكر القول بالتفصيل عندنا أعنى: مختار الشّيخ و المحقق و العلّامة رحمهم اللّه تعالى لأنّه بعد أنّ المصلّي مع جلوسه الفاصل بين الركعة الأخيرة من الصّلاة و الركعة الخامسة و نسيانه التشهّد و السلام، فرغ من الصّلاة، فالركعة الواقعة بعد الجلوس وقعت بعد الصّلاة، فلم تكن زيادة في الصّلاة، فلا تنافي بين الطائفتين المتقدمتين من الأخبار، لأنّ الاولى تدلّ على بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا فيها، و الثانية تدلّ على عدم كون الركعة الواقعة عقيب الجلوس ركعة زائدة في الصّلاة، فافهم.

[قبول الوجه الثاني فى الجمع الدلالي]

و هذا الوجه وجيه لو بينا على الجمع العرفي بخلاف الوجه الأوّل، هذا غاية ما يمكن أن يقال في مقام الجمع العرفي بين الطائفتين، و لكن الالتزام بهذا الجمع و الافتاء بعدم بطلان الصّلاة بزيادة ركعة سهوا لو جلس بعد الركعة بقدر التشهّد مشكل.

ثمّ بعد عدم إمكان الجمع بين الطائفتين و كون التعارض بينهما فالترجيح مع الطائفة الاولى من الروايات لأنّ أول المرجحات يكون الشهرة، و الشهرة على طبقها فتوى و رواية، فإن كانت الشهرة الروائية، كما قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه، مرجحا فالطائفة الاولى مشهورة بحسب الرواية، و

إن كانت الشهرة الفتوائية أول المرجحات، كما اخترنا في محله، فأيضا الترجيح مع الطائفة الاولى لأنّ المشهور أفتوا على طبقها، فلا بدّ من الأخذ بالطائفة الاولى، و تكون النتيجة بطلان بزيادة الركعة السهوية سواء جلس بقدر التشهّد بعد الرابعة أم لا.

ثمّ إنّه لو لم تدلّ رواية أبي بصير و رواية زرارة و بكير المتقدمتان و غيرهما

______________________________

(1)- أقول: بل تكون حاكما. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 49

من الروايات الطائفة الاولى على أزيد من بطلان الصّلاة بزيادة خصوص الركعة سهوا فما الدليل على بطلانها بزيادة الركوع و السجدتين؟ بعد عدم كون زيادة سجدة واحدة سهوية موجبة للاعادة، و كذا غير الركوع و السجدتين (و التكبير) من أجزاء الصّلاة.

[ما الدليل على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع او السجدتين]

قد يقال: بدلالة الرواية الخامسة أعنى: رواية منصور بن حازم «1»، و الرواية السادسة أعنى: رواية عبيد بن زرارة «2» من الطائفة الاولى على بطلان الصّلاة بزيادة ركوع سهوا لأنّ قوله عليه السّلام في الاولى منهما (لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة) و قوله في الثانية منها (لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة) دالّ عليه بدعوى كون المراد من ركعة فيهما هو الركوع لوقوع التعبير من الركوع بالركعة من باب اشتمال الركعة على الركوع، فالمراد من الركعة هو الركوع، و اطلقت الركعة مقام الركوع لاشتمالها عليه.

و فيه أنّه و إن قلنا بذلك نحن أيضا و أن السر في تعبير عن الركوع بالركعة اشتمالها على الركوع، لكن لا يمكن أن يقال: بأنّ في كل موارد إطلاق الركعة اريد منها الركوع، بل الظاهر منها الركعة لا الركوع، و الركوع و السجدة الواحدة و إن يكونا في بعض الموارد بنفسهما بدون شي ء آخر محققي الركعة،

مثل ما إذا نسى المصلّي القراءة و سجدة واحدة و ذكر بعد الركوع و السجود، فيتحقق الركعة بالركوع و سجدة واحدة في هذا الفرض، و لكن لا يوجب ذلك كون الحكم الثابت للركعة ثابت للركوع و السجود، فلا يلزم أن يقال ببطلان الصّلاة بزيادة الركوع سهوا أو سجدة

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 50

واحدة سهوا لو قلنا ببطلانها بزيادة ركعة، كما لم نقل في زيادة سجدة واحدة سهوية، فظهر لك عدم دلالة الروايتين المتقدمتين على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع سهوا.

إن قلت: إنّ المراد من ركعة في الروايتين هو الركوع بقرينة مقابلتها مع السجدة لأنه عليه السّلام قال (لا يعيد صلاته من سجدة و يعيدها من ركعة) فجعل الركعة في قبال السجدة فيكون الركوع مقابل السجود، فالمراد من الركعة الركوع.

قلت: إنّ هذا كلام سخيف لأنّه إن كانت زيادة الركعة سهوا مبطلة فهي تكون مقابل السجدة و لا يقتضي عدم كون سجدة، زائدة موجبا لابطال الصّلاة أن يكون في مقابلها زيادة الركوع موجبة للابطال، و لا وجه لأنّ يعبر عن الركوع بالركعة إن كان زيادة الركوع واقعا موجبا للابطال.

فهاتان الروايتان تدلّان على عدم بطلان الصّلاة بزيادة سجدة واحدة إذا زادها سهوا، و بطلانها بزيادة ركعة سهوية، و كما قلنا سابقا لا وقع لما يتخيل من أنّ وجه إطلاق الركعة بالركعة هو كونها مشتملة على الركوع، فيراد من الركعة الركوع، لأنّه و لو فرض كون منشأ إطلاق الركعة هذا، و لكن هذا لا يوجب كون المراد من الركعة الركوع في إطلاقاتها، بل الظاهر و المتبادر عند المتشرعة من

الصدر الأوّل إلى الحال من الركعة هو الركعة لا الركوع، فارجع الأخبار مثل الرواية الواردة في صلاة جعفر عليه السّلام و غيرها «1»، فافهم.

[الكلام في زيادة السجدتين سهوا في الصّلاة]

أمّا الكلام في زيادة السجدة أمّا زيادة سجدة واحدة سهوا فلا توجب بطلان الصّلاة لدلالة بعض الأخبار على ذلك، مثل الرواية 5 و 6 من الطائفة الاولى، أعنى:

رواية منصور بن حازم و رواية عبيد بن زرارة المتقدمتان، و أمّا زيادة السجدتين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب صلاة جعفر بن ابى طالب.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 51

معا سهوا فقد يقال: بدلالة هاتين الروايتين على كون زيادتهما سهوا موجبة لبطلان الصّلاة، لأنّ منطوقهما يدلّ على عدم البطلان بزيادة سجدة، و التعبير بسجدة منكرا يدلّ على الوحدة، فمفهومه وجوب الاعادة و بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين.

و فيه أنّ قوله عليه السّلام فيهما يكون جوابا عن سؤال السائل، و حيث إنّه سئل عن زيادة سجدة واحدة فأجاب عليه السّلام بعدم موجبية زيادتها للاعادة، و هذا لا يدلّ على وجوب الاعادة إذا زاد سجدتين و إلّا فإن كان قوله عليه السّلام بعدم وجوب الاعادة في سجدة مفهومه وجوب الاعادة في زيادة أكثر من سجدة واحدة، يلزم أن يكون قوله عليه السّلام بوجوب الاعادة في ركعة دالا بالمفهوم على عدم وجوب الاعادة في زيادة أزيد من ركعة واحدة و لأنّ كلمة ركعة تدلّ على الوحدة مثل كلمة سجدة، مضافا إلى أنّ لازم هذا المفهوم الّذي قيل هو بطلان الصّلاة بزيادة أزيد من سجدة واحدة سهوا و لو كانت في ركعات متعددة، مثلا زاد سجدة في الركعة الاولى و سجدة في الثانية من الصّلاة، و لا يلتزم به القائل.

[لا تشمل حديث لا تعاد لزيادة الركوع و السجدتين]

و مع قطع النظر عن الروايتين نقول في زيادة الركوع و زيادة السجدتين: بأنّه لا وجه للتمسك بحديث (لا تعاد) في وجوب الاعادة في زيادتهما السهوية بتوهم أنّ الركوع و السجود

من جملة المستثنى في الحديث، فيدلّ الحديث على وجوب الاعادة بالاخلال الحاصل في الصّلاة من ناحيتهما سواء كان بنقصهما أو بزيادتهما، لما قلنا في طي الجهات الراجعة إلى الحديث: بأنّ الحديث لا يشمل الزيادة أصلا بل متعرض للنقيصة.

ثمّ بعد ذلك نقول: بأنّه و إن لم يمكن استفادة بطلان الصّلاة بزيادة الركوع و السجدتين من الأخبار، و لكن يدلّ على ذلك الشهرة المسلمة عند القدماء قدّس سرّهم بل ادعى عليه الاجماع، و لكن هنا كلام، و هو أنّه و إن قلنا بكون الشهرة كافيا في إثبات

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 52

الحكم لكون الشهرة القائمة بين القدماء من أصحابنا قدّس سرّهم في غير المسائل التفرعية كاشفة عن وجود نصّ عندهم لم يصل بأيدينا، و لكن في المسألة يمكن كون منشأ الاشتهار عندهم بعض هذه النصوص المتقدمة ذكرها، و قد بينّا عدم دلالتها على بطلان الصّلاة بزيادتهما، فلا يبقى اعتماد لنا بكون نصّ آخر موجودا في المسألة عندهم و لم يصل بأيدينا، فاستفادة هذا الحكم من الشهرة مشكلة.

و على كل حال لو قلنا ببطلان الصّلاة و وجوب إعادتها بزيادة الركوع و السجدتين سهوا إمّا من باب دلالة بعض الروايات المتقدمة، و إمّا من باب الشهرة أو الاجماع، فيقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّ مقتضى الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزياد السجدتين سهوا سواء كان الدليل الشهرة أو غيرها هل هو بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين إذا وقعتا بعد السجدتين الواقعتين جزء للصّلاة، أو يعم ما إذا وقعتا غير محسوبتين جزء لها و لو لم تتقدمهما سجدتان الواقعتان جزء للصّلاة.

مثلا تارة يأتى المصلّي بوظيفته المفروضة، و هي إتيان السجدتين بعد الركوع من كل ركعة، ثمّ يزيد بعد

هاتين السجدتين سجدتين اخراوتين سهوا، مثل ما إذا سجد سجدتين، ثمّ نسى أنّه أتى بهما و تخيّل عدم إتيانهما فسجد سجدتين مجددا، فتقع السجدتان المأتى بهما بعد السجدتين الاولتين زيادة سهوية لأنّه زاد سهوا فرض اللّه تعالى عليه من السجدتين، فيصدق زيادة السجدتين، و شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية لهذا المورد مسلم.

و أمّا لو أتى بالسجدتين ثمّ بعد إتيانهما لم تكن هاتين السجدتان قابلة لصيرورتهما جزء للصّلاة لعلة، فلا بدّ المصلّي من الاتيان ثانيا بسجدتين، فيكون آتيا بما هو جزء للصّلاة، فبعد ما يسجد سجدتين مرة اخرى، فهل يصدق على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 53

السجدتين المأتى بهما أوّلا أنّهما زيادة في الصّلاة باعتبار عدم قابلتهما لصيرورتهما جزء للصّلاة، و ما صار جزء واقعا هو السجدتان المأتى بهما ثانيا، أو لا يصدق عليهما الزيادة بمقتضى الدليل.

و بعبارة اخرى الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية كما يدلّ في المثال الأوّل بان السجدتين المأتى بهما بعد السجدتين الاولتين الواقعتين جزء تصير زيادة في الصّلاة، تدلّ في المثال الثاني على كون السجدتين المأتى بهما أوّلا بعد عدم قابلتهما لصيرورتهما جزء تتصفان بالزيادة فتبطل الصّلاة بهما بعد ما تصير السجدتان المأتيّان بهما بعد السجدتين الاولتين جزء للصّلاة، أو لا يدلّ على كون هاتين السجدتين زيادة مبطلة في الصّلاة.

[القدر المتيقن من زيادة السجدتين الصورة الاولى]

و لا يخفي أنّ القدر المتيقن من الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين هو الصورة الاولى لأنّ فيها يصدق أنّه زاد السجدتين، و شمول الدليل لغير هذه الصورة غير معلوم سواء كان المدرك و الدليل هو الاجماع أو غيره، لأنّ متيقنه هذه الصورة.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في فرع تقدم ذكره، و هو ما إذا نسى

المصلّي الركوع و تذكر بعد إتيان السجدتين.

اعلم أنّه كما قلنا سابقا في طي المباحث المتعلقة بنسيان الأجزاء عند التكلم في نسيان الركوع حين دخوله في السجود أو بعد فراغه من السجدتين و أنّه هل مضى محل تدارك الركوع في هذا الحال أم لا: بأنّه تارة نقول: إنّ وقوع السجدتين قابلتان للصحة التأهلية، و قابليتهما لأن تصيرا جزء موقوف على وقوعهما بعد الركوع و إلّا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 54

لا تقعان قاتلين لأنّ تصيرا جزء للصّلاة، و تارة نقول: بعدم دخل تقدم الركوع عليهما في قابلية وقوعهما جزء للصّلاة.

[في ذكر فرع فى الباب]

فإن اخترنا الثاني فنقول: بأنّه على ما بينّا لك من أنّ الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين سواء كان الاجماع أو الشهرة أو بعض الأخبار فالمتيقن منه هي الصورة الّتي توجد السجدتان زائدتين في أوّل وجودهما، و هي تكون إذا أتى بالسجدتين، ثمّ يزيد السجدتين الأخراوين نسيانا، فتصدق على السجدتين الأخراوين أنّهما زيادة في الصّلاة و تشملهما الدليل، و لكن إذا لم يكن كذلك، بل السجدتان لم تقعا في أوّل وجودهما زائدتين و إن لم تقعا جزء للصّلاة، و السجدتان المتعقبان بهما صارتا جزء للصّلاة، فلا تكن السجدتان الموجدتان أولا متصفتين بالزيادة لعدم شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادتهما السهوية لهذه الصورة، و السجدتان الموجودتان ثانيا على الفرض لا تكونا زائدتين لأنّهما صارتا جزء للصّلاة من باب عدم صيرورة السجدتين الاولتين جزء لها، فتكون النتيجة هي وجوب تدارك الركوع بعد إلقاء السجدتين ثمّ اتيان السجدتين، فتصح لأنّ المصلّي بعد إلقاء السجدتين أتى بالركوع المنسي و لم يمض محل تداركه لأنّ السجدتين المأتى بهما قبل الركوع لا تصير جزء لعدم قابليتهما لذلك، فالمصلّي إذا أتى

بركوعه ثمّ بالسجدتين الأخراوين تصح صلاته، و لا وجه لبطلانها، لا لأجل الركوع لأنّه أتى به في محله، و لا لزيادة السجدتين لأنّ السجدتين المأتي بهما بعد الركوع صارتا جزء لها و لم تقعا زائدتين، و السجدتان المأتى بهما قبل الركوع لنسيان الركوع و إن لم تصيرا جزء لها، و لكن لا تتصفان بالزيادة لعدم شمول الدليل الدالّ على بطلان الصّلاة بزيادة السجدتين سهوا لهذا المورد.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 55

[في ذكر رواية محمد بن مسلم]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يدلّ على هذا الحكم- أى: وجوب إلقاء السجدتين، ثمّ إتيان الركوع و السجدتين، و ساير أجزاء الصّلاة و عدم وجوب شي ء عليه و صحة الصّلاة في ما نسى الركوع و دخل في السجدتين و أتى بهما، ثمّ بعد ما فرغ منهما تذكر نسيان الركوع- الخبر 2 من الباب 11 من أبواب الركوع، و هي ما رويت بعدة طرق عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال: فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبنى على صلاته على التمام، و إن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ و انصرف، فليقم فليصل ركعة و سجدتين و لا شي ء عليه) و رواه الصدوق رحمه اللّه باسناده عن العلاء و رواه ابن ادريس في آخر السرائر (و متنها غير موافق مع المتن الّذي نقله الشّيخ رحمه اللّه فراجع).

[روايات أربعة قبال تلك الرواية]

و في قبال تلك الرواية روايات أربع نذكرها حتّى يعلم أنّها معارض مع الرواية المذكورة أم لا فنقول بعونه تعالى:

الرواية الاولى: و هي ما رواها رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل ينسى ان يركع حتّى يسجد و يقوم قال: يستقبل). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل حتّى يضع كل شي ء من ذلك موضعه). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها أبو بصير (قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل نسى أن يركع، قال: عليه الاعادة). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب

10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 56

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الشيخ «1» في التهذيب عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصّلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع، استأنف الصّلاة). «2»

و هذه الرواية بهذا النقل مرسلة بابهام الواسطة، لأنّ صفوان لا يمكن أن يروي بحسب طبقته عن أبي بصير بلا واسطة، نعم بناء على نقل الشيخ «3» رحمه اللّه في التهذيب عن صفوان عن منصور عن أبي بصير لا يكون إشكال في الرواية من هذا الحيث إلّا أنّ في سندها إشكال اخر من حيث أنّ الراوي هل يكون منصور بن حازم أم منصور بن يونس الّذي كان من الواقفية.

و على كل حال يقع الكلام في دلالة هذه الروايات حتّى يعلم أنّها تتعارض رواية محمد بن مسلم المتقدمة أم لا، فنقول بعونه تعالى:

أمّا الرواية الاولى و الثانية فقوله عليه السّلام فيهما (يستقبل) يحتمل أن: يكون المراد منه الاستقبال نحو الصّلاة، و بعبارة اخرى (يستقبل) أى: يأتى بالصّلاة و يعيدها من أوّل الامر و يستأنفها فعلى هذا تعارضا مع رواية محمد بن مسلم لأنّه الاولى تدلّ على وجوب استيناف الصّلاة و بطلانها إذا نسى الركوع و تذكر بعد ما سجد و قام و كذلك الثانية، و الحال أنّ رواية محمد بن مسلم تدلّ على إلقاء السجدتين و إتيان الركوع، و لا تبطل الصّلاة. «4»

______________________________

(1)- التهذيب جلد 2 ص 148 حديث 580.

(2)- الرواية 3 من الباب 10 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- التهذيب، ج 2، ص 149، ح 587.

(4)-

أقول: إنّ في الرواية الثانية قال السائل (عن الرجل ينسى أن يركع، قال: يستقبل يضع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 57

[في ذكر احتمالين في الروايتين]
اشارة

و يحتمل أن يكون المراد من قوله (يستقبل) الاستقبال إلى الركوع و إتيانه فعلى هذا لا تكون الرواية الاولى و كذا الثانية معارضتان مع رواية محمد، و بعد كون محتمل الروايتين هذين الاحتمالين:

الأوّل كون المراد من قوله عليه السّلام فيهما (يستقبل) استقبال الصّلاة

و استينافها.

______________________________

كل شي ء من ذلك موضعه) فتذكر نسيان الركوع تارة يكون قبل السجود فلا إشكال في بقاء محلّه و غير معارض هذا الخبر على هذا مع رواية محمد بن مسلم، و تارة تذكره يكون بعد ما سجد سجدتين، فقوله (يستقبل) قابل لأن يكون المراد من الاستقبال استقبال الصّلاة و استينافها، فتعارض رواية محمد بن مسلم، و تارة تذكره يكون بعد الصّلاة قبل فعل المنافي، فمعارضته مع رواية محمد بن مسلم إن كان المراد من الاستقبال استقبال الصّلاة و استينافها لأنّ الفقرة الاخرى من رواية محمد بن مسلم تدلّ على وجوب القيام إلى الركعة و إتيان الركوع و السجود و لا شي ء عليه، و تارة تذكره يكون بعد فعل المنافي و يكون المراد من قوله (يستقبل) استقبال الصّلاة فتعارض رواية محمد بن مسلم لو كان إطلاق لفقرتها الاخيرة يشمل حال وقوع المنافي أيضا، و أمّا لو كان المراد من قوله (يستقبل) في الرواية الثانية استقبال الركوع و إتيانه ثمّ الأجزاء اللاحقة عليه فلا تعارض بينها و بين رواية محمد بن مسلم نعم قوله عليه السّلام فى الرواية الثانية (يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك مواضعه) يعارض رواية محمد بن مسلم و لو حمل قوله عليه السّلام (يستقبل) على استقبال الركوع لأنّ مفاد الفقرة الأخيرة من رواية محمد بن مسلم بنقل الشّيخ رحمه اللّه هو أنّه لو تذكر نسيانه بعد الانصراف يقوم إلى ركعة و يركع و يسجد و لا شي ء عليه، فلو

نسى الركوع من الركعة الاولى مثلا و تذكر نسيانه بعد الانصراف تدلّ هذه الفقرة من رواية محمد بن مسلم على أنّه يأتى به في هذا الحال بدون أن يعيد ما بعده من الركعات اللاحقة عليه، و الحال أنّ مقتضى قوله عليه السّلام في الرواية الثانية (حتى يضع كل شي ء من ذلك موضعه) بناء على حمل يستقبل فيها على استقبال الركوع أنّه يرجع و يركع ثمّ يسجد، ثمّ يأتي بكل ما وقع بعد الركوع، فلو نسيه في الركعة الاولى لا بد بعد إتيانه على هذا إتيان الركعات اللاحقة، و هذا مضافا إلى عدم إمكان الالتزام به للزوم زيادة الركعة و الركوع و السجود معارضة على هذا الفقرة الاخيرة من خبر محمد بن مسلم، هذا كله ما خطر ببالي في بدو النظر، فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 58

و الثاني كون المراد من قوله (يستقبل) الاستقبال إلى الركوع

و إتيانه بعد التذكر، فعلى الاحتمال الأوّل تتعارضان مع رواية محمد بن مسلم، و على الثاني لا تعارض بينهما، و لا ترجيح لأحد الاحتمالين، فلا يبقى ظهور للروايتين في الاحتمال الأوّل حتّى تكونا متعارضتين لها، هذا بالنسبة إلى الرواية الاولى و الثانية.

و أمّا الرواية الثالثة فلا تدلّ إلّا على أنّ نسيان الركوع يوجب إعادة الصّلاة، و بعد كون مفاد رواية محمد بن مسلم أن يلقى السجدتين و يركع، نفهم كون محل تداركه باقيا فتكون شارحة أو واردة على الرواية الثالثة، لأنّها تدلّ على وجوب الاعادة بنسيانه، و يطلق النسيان إذا مضى محلّ الشي ء، و مع بقاء المحل لا يقال إنّه صار منسيا، و رواية محمد بن مسلم يبين أنّ المحل الّذي يصدق أنّه المنسي ليس بعد إتيان السجدتين، بل محلّ تداركه باق بعد إتيان السجدتين أيضا، فلا تعارض

بينهما أصلا.

و أمّا الرواية الرابعة فقوله عليه السّلام (إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة) ظاهرة في أنّ تحقق اليقين يكون بعد الفراغ عن الصّلاة، لأنّه لا يقال على من يكون داخلا بعد في الصّلاة بأنّه ترك ركعة لأنّه مع كونه في الصّلاة يأتي بالركعة الباقية و لا يقال: ترك ركعة، فظاهر هذه الفقرة هو كون محل تذكر نسيان الركعة و تركها بعد الفراغ عن الصّلاة، و أمّا قوله عليه السّلام بعد ذلك (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) فالمراد به إمّا أنّ الامام عليه السّلام قال: إنّ الشخص المفروض في الكلام هو الّذي ترك ركعة بأن سجد سجدتين و ترك الركوع، فمعنى يقينه بترك الركعة ترك الركوع فقط، فقوله (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) بيان لنحو ترك الركعة، و إمّا أن يكون مراده عليه السّلام هو أنّ هذا الشخص الّذي تيقن ترك ركعة تيقن أنّه سجد سجدتين و ترك ركوعا آخر من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 59

ركعة غير الركعة الّتي تركها، و هذا خلاف الظاهر.

و على كل حال بعد كون زمان اليقين بترك ركعة بعد الصّلاة لما قلنا من أنّ ترك ركعة لا يفرض إلّا بعد الصّلاة، فظاهر قوله (و قد سجد سجدتين و ترك الركوع) هو كون اليقين باتيان السجدة و ترك الركوع في ظرف اليقين بترك ركعة، أعنى: بعد الصّلاة، فإذا كان مفاد الرواية استيناف الصّلاة إذا تيقن بعد الصّلاة ترك ركعة أى: ركوعا و ترك ركعة و ركوع على الاحتمالين المتقدمتين، و قدر المتيقن من ذلك صورة كون تذكر ترك الركعة بعد الصّلاة بعد وقوع المنافي، و لو فرض إطلاق لها يشمل ما إذا تذكر ترك الركعة بعد

الصّلاة قبل فعل المنافي، و ما إذا تذكر بعد وقوع المنافي، و يقال بإطلاق الفقرة الأخيرة من رواية محمد بن مسلم الدالة على أنّه لو تذكر بعد الانصراف نسيان الركوع يقوم و يركع و يسجد سجدتين، لأنّ إطلاقه يشمل ما إذا تذكر قبل وقوع المنافي و ما إذا تذكر نسيانه بعد فعل المنافي،

[في التعارض بين رواية محمد بن مسلم و الرواية الرابعة]

فإن كان لهذه الفقرة من رواية محمد بن مسلم إطلاق و للرواية الرابعة إطلاق، يقع التعارض بينهما، لأنّ مفاد رواية محمد بن مسلم بإطلاقها هو وجوب القيام إلى الركعة و الركوع و السجود حتّى إذا تذكر بعد الصّلاة و بعد فعل المنافي، و مفاد الرواية الرابعة بإطلاقها، بل متيقنها هو استيناف الصّلاة إذا تذكر نسيان الركوع بعد الصّلاة و بعد وقوع فعل المنافي، فيقع التعارض لأنّه لو تذكر نسيانه بعد الصّلاة و بعد فعل المنافي تدلّ رواية محمد بن مسلم على عدم البطلان و عدم وجوب استيناف الصّلاة، و مفاد الرواية الرابعة استينافها.

نقول: إنّه يمكن الجمع مع ذلك بينهما بحمل الظاهر من كل منهما بنص الآخر، فيحمل ظاهر رواية محمد بن مسلم و هو صورة التذكر بعد فعل المنافي الدالّ على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 60

عدم وجوب استيناف الصّلاة على نصّ الرواية الرابعة الدالّة على الاستيناف في هذا الفرض، لأنّ هذا متيقنها، و يحمل ظاهر هذه الرواية و هو الاستيناف في صورة تذكر نسيان الركوع بعد الصّلاة قبل فعل المنافي على النصّ من رواية محمد بن مسلم لأنّ المتيقن من فقرتها الأخيرة و التذكر بعد الصّلاة و عدم البطلان، هو قبل فعل المنافي فعلى هذا الاحتمال، و حمل الرواية على تحقق اليقين ترك ركعة بعد الصّلاة كما هو الظاهر، لا تعارض

بين رواية محمد بن مسلم و الرواية الرابعة.

و لكن لو قلنا كما يحتمل: بأنّ ظرف اليقين بترك ركعة باتيان سجدتين و ترك الركوع كان في أثناء الصّلاة بعد ما سجد سجدتين، و بعبارة اخرى بعد ما سجد تذكر ترك ركعة و ترك ركعة هو ترك ركوعها، فأمر عليه السّلام باستيناف الصّلاة في هذه الصورة في الرواية الرابعة فعلى هذا يقع التعارض بينها و رواية محمد بن مسلم، لأنّ مفادها إلقاء السجدتين و إتيان الركوع، و لكن بعد كون الرواية الرابعة تحتمل فيها احتمالان، و على الاحتمال الأوّل لا تعارض بينها و بين رواية محمد بن مسلم، و لا ظهور للرواية في الاحتمال الثاني، بل الظاهر منها الاحتمال الاول، فلا يبقى ظهور يقاوم ظهور رواية محمد بن مسلم لمجي ء الاحتمالين فيها.

فظهر ممّا مر عدم وجود دليل ظاهر يعارض رواية محمد بن مسلم لأنّ هذه الروايات الأربعة ما صارت حجة بمدلولها على خلافها.

فبعد ذلك هل يمكن الأخذ برواية محمد بن مسلم و الإفتاء بمضمونها من أنّه لو نسى المصلّي الركوع و تذكر بعد ما سجد سجدتين يلقهما و يأتى بالركوع، ثمّ بالأجزاء اللاحقة أم لا؟

قد يقال: إنّ رواية محمد بن مسلم ممّا أعرض عنها الأصحاب، و مع إعراضهم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 61

ليس فيه مقتضى الحجية، فلا يعمل بها، لكن نرى أنّ الشّيخ رحمه اللّه ينقل في كتاب التهذيب «1» و الخلاف «2» و المبسوط «3» أنّ بعض الأصحاب عمل بمضمونها، و هو أيضا عمل بمضمونها، غاية الأمر في خصوص الركعتين الأخيرتين، و وجه حملها على الأخيرتين هو أنّ الأولتين لا تحتملان السهو، و لأجل هذا لم يعمل في الأولتين بها، لا لضعف في سندها، بل

هذا طريق جمع بنظره الشريف، فحمل رواية محمد بن مسلم على الأخيرتين بقرينة بعض الأخبار الدالة على أنّ الأوّلتين لا تحتملان السهو، كأنّه جمع بين رواية محمد بن مسلم و بين ما يدلّ على بطلان الصّلاة بنسيان الركوع لو تذكر بعد السجدتين، بحمل رواية محمد بن مسلم على الأخيرتين و حمل ما يقابلها على الأوّلتين لكونه نصا فيهما، فلم يثبت إعراض الأصحاب عن رواية محمد بن مسلم. «4»

[فى ذكر مسألة في الباب]

مسئلة: لو شك في الركوع فركع، ثمّ ذكر قبل رفع الرأس أنّه كان ركع، فهل

______________________________

(1)- التهذيب، ج 2، ص 149- 150.

(2)- المبسوط، ج 1، ص 109.

(3)- الاستبصار، ج 1، ص 356.

(4)- أقول: لما بلغ الأمر إلى هنا لم يختر سيدنا الاعظم آية اللّه العظمى مدّ ظله العالى أحد طرفي المسألة، و لعلّه يتعرض بعد ذلك إنشاء اللّه، و قلت بحضرته متعنا اللّه بطول بقائه إن شاء اللّه:

بأنّه لو قلنا بحجية رواية محمد بن مسلم، و عدم تحقق إعراض فنعمل بها، و إن لم نقل بذلك من باب الاعراض، فلا يبقى لنا دليل على بطلان الصّلاة بنسيان الركوع لو تذكر نسيانه بعد السجدتين، لأنّ الروايات الأربعة المتقدمة مع ما بيّنتم في بيان مفادها لا يبقى لها ظهور دالّ على بطلان الصّلاة في الفرض، و لا وجه لدعوى الشهرة في المسألة مع دعوى الشّيخ رحمه اللّه عمل بعض الأصحاب على خلاف هذا الحكم أى: بطلان الصّلاة بنسيان الركوع في الفرض، فما الدليل على بطلان الصّلاة في مفروض المسألة و ما نقول في المقام. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 62

تبطل الصّلاة، كما قال المحقق رحمه اللّه في النافع: الا شبهه البطلان، أو لا تبطل به الصلاة، بل يرسل نفسه

إلى السجود كما قال به علم الهدى «1» رحمه اللّه، و الشيخ رحمه اللّه في النهاية، و ابن ادريس رحمه اللّه، و ابن حمزة رحمه اللّه، و ابن زهرة رحمه اللّه، و أفتى به الكليني رحمه اللّه في الكافي.

اعلم أنّ الشهيد رحمه اللّه في الذكرى «2» صار بسدد أن يصحح ما اختاره هذه الفحول من عدم البطلان على طبق القاعدة، و حاصل ما قاله هو أنّ السجود موقوف على الهوى إليه، فهذا الهوى الّذي وقع فيه قصد الركوع يكون مقدمة للسجود مسلّما، فهذا الهوى و إن كان بقصد الركوع لكن حيث كان متضمّنا لما هو مقدمة للسجود فيقع مقدمة له، و لا يضرّ قصد الركوع، و لم تقع زيادة في الصّلاة، لأنّ ما صدر وقع مقدمة لجزء الصّلاة أى: السجود.

و ضعّف هذا الوجه صاحب المدارك «3» رحمه اللّه و وجه الضعف على ما يأتي بالنظر هو أنّ الركوع من العناوين القصدية فيصير الخارج منطبق عنوان الركوع إذا قصده، و على الفرض قصد المصلّى الركوع و الخارج أعنى: الانحناء الخاص صار منطبقه قهرا و تحقق الركوع، و مجرد كون ذلك الهوى مقدمة للسجود لا ينافي صيرورته ركوعا أيضا بسبب قصده، و وقوع الخارج على طبق قصده.

ثمّ صار صاحب المدارك «4» بسدد توجيه كلامهم و جعله موافق القادة، و هو

______________________________

(1)- الجواهر، ج 12، ص 260 كافى، ج 3، ص 360 المبسوط، ج 1، ص 122 جمل العلم و العمل، ج 3، ص 35.

(2)- الذكرى، ج 4، ص 51.

(3)- مدارك احكام، ج 4، ص 224.

(4)- مدارك احكام، ج 4، ص 224.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 63

أنّه قال: بعد كون هذا الهوى الّذي قصد به الركوع باعتقاد عدم

إتيانه الركوع الواجب في الصّلاة مقدمة للركوع، فهذه الزيادة لا توجب تغيير هيئة الصّلاة، و لا خروجا عن ترتيبها الموظف و إن تحقق مسمى الركوع، فلا تكون هذه الزيادة مبطلة لانتفاء دليل دالّ على بطلان الصّلاة بهذه الزيادة.

و لكن فيه أنّ هذا التوجيه أيضا في غير محله فإنّ مجرد عدم تغير هيئة و عدم الخروج عن الترتيب الموظف في زيادة الركوع بهذا النحو لا يوجب عدم صدق الزيادة عليه، لأنّه إن كانت الزيادة المبطلة تحقق انحناء خاص بقصد الركوع فقد حصل على الفرض و إن حصل به مقدمة السجود.

و أيضا لأنّه بعد كون الركوع الانحناء الخاص مع القصد بدون كون حصول الطمأنينة و رفع الرأس عنه دخيلا فيه، ففي الفرض حصل هذا الركوع، فزاد المصلّي ركوعا في صلاته، و ما دل على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع يدلّ على بطلانه به.

ثمّ إنّ العلّامة الهمداني رحمه اللّه قال في صلاته: بأنّه يمكن توجيه ما قاله الشهيد رحمه اللّه بأنّ يقال: إنّ غرضه رحمه اللّه من عدم كون هذا الركوع ركوعا حقيقة ليس عدم كونه ركوعا عرفا، بل نظره إلى أنّ هذا الركوع ليس ركوعا صحيحا و ممضى شرعا بحيث يقع بهذا العنوان جزء للصّلاة، بل غرضه أنّ فعله الّذي أتى بعنوان الركوع قد انكشف عدم صحته بهذا العنوان، و لكن بعد كون هذا الهوى من حيث هو واجب مقدمة للسجود، و لا يعتبر في صيرورته مقدمة للسجود قصد عنوان المقدمية، فللمصلي أن يصرف هذا الهوى- بعد انكشاف استغنائه عن الركوع بعد علمه باتيان الركوع- إلى الهوى الّذي هو مقدمة السجود، فإذا صرف هذا الهوى إلى الهوى المقدمي، فما زاد في صلاته لأنّ الزيادة إنّما هي في الأفعال

لا في القصد، فهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 64

على الفرض لم يتحقّق فعلا زائدا لأنّ ما وقع خارجا صار بانصراف قصده مقدمة لجزء الصّلاة، فلم يبق إلّا قصد فقط، و به لا تتحقق الزيادة. «1»

و فيه أنّ هذا الكلام بمكان من الفساد لأنّه و إن لم يكن الهوى الّذي مقدمة للسجود في حصوله محتاجا إلى القصد، لكن الركوع من العناوين القصدية، فما لم يقصد بالخارج عنوان الركوع لا يصير الخارج منطبق هذا العنوان فإذا قصد بما وقع خارجا عنوان الركوع يقع هذا الخارج ركوعا قهرا، و بعد وقوعه ركوعا لا ينقلب الفعل عما وقع عليه، فعلى الفرض قصد المصلّي بهذا الانحناء الخاص الركوع فإذا بلغ حد الركوع و الحال أنّه قصد الركوع بهذا الحد الخاص فقد تحقق الركوع قهرا، و بعد تحققه ركوعا كيف يمكن صرفه عنه، و مجرد عدم كون الهوى الّذي يكون مقدمة للسجود محتاجا إلى القصد لا يوجب صرف ما قصد به الركوع بعد تحققه خارجا عن موضوع الركوع.

نعم بعد عدم كون الهوى المقدمي محتاجا إلى القصد، فبهذا الفعل أعنى:

الانحناء إلى مقدار الركوع تحقق بعض ما هو مقدمة للسجود، لكن هذا غير مناف مع كون ما يقبل لأن يصير مقدمة لوجود السجود ركوعا أيضا كما في الفرض، فعلى هذا يكون هذا التوجيه غير وجيه أيضا.

إذا عرفت ذلك كله يظهر لك أنّ كل هذه الوجوه الثلاثة- أعنى: الوجه الّذي ذكره الشهيد رحمه اللّه و صاحب المدارك رحمه اللّه و صاحب مصباح الفقيه رحمه اللّه- غير قابل لتصحيح هذه الفتوى الّتي أفتوا به هؤلاء الاعلام قدّس سرّهم من الحكم بالصحة في الفرض

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 540.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 65

و إرسال

النفس في هذا الحال إلى السجود.

و ما ينبغي أن يتكلم فيه و يتمّ به المسألة هو أنّه هل تكون فتوى هؤلاء الأعلام من القدماء قدّس سرّهم كاف لتحقق الشهرة الكاشفة عن وجود نصّ معتبر عندهم في هذا الحكم و لم يصل إلينا أو لا يكفي، فإن تحققت الشهرة في المسألة، فيقال: بأنا نكشف من هذه الشهرة وجود نصّ معتبر مخصص للدليل الدال على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع سواء كان هذا الدليل هو الاجماع أو غيره (أو يقال: إنّه مع فرض هذه الشهرة نكشف عدم كون مورد إجماعهم اى النص الّذي وقفوا عليه الدال على بطلان الصّلاة بزيادة الركوع شاملا لهذا المورد، فتكون النتيجة عدم بطلان في الفرض، فالدليل من رأسه قاصر عن الشمول لهذا المورد).

و أمّا لو قلنا بعدم تحقق الشهرة في المسألة فنقول ببطلان الصّلاة بزيادة الركوع بهذه الكيفية، و لعلّ ما قاله المحقق رحمه اللّه من كون البطلان أشبه كان من باب عدم تحقق الشهرة عنده، فافهم.

الأمر الثالث: [أن الركعتين الأوليين لا تتحمل السهو]
اشارة

من القواعد الّتي ينبغي التعرض عنها في الخلل هي أنّ الركعتين الأوّلتين من كل رباعية، و كذا ركعات المغرب لا تتحمّل السهو، و الأصل في ذلك روايات نتعرض لها إنشاء اللّه، فنقول بعونه تعالى و منّه و توفيقه:

[في ذكر الروايات الواردة في المورد]

الرواية الاولى: و هي ما رواها ابراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث (قال: ليس في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 66

ليس في الركعتين الاولتين من كل صلاة سهو). «1»

و روى في الوسائل عن يونس عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: ليس في المغرب و الفجر سهو) «2» و لعلهما رواية واحدة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سليمان عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: عرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزل بالصّلاة عشر ركعات: ركعتين، ركعتين فلما ولد الحسن و الحسين عليهما السّلام زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سبع ركعات، و إنّما يجب السهو في ما زاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فمن شك في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين استقبل صلاته). «3»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام: الاعادة في الركعتين الاولتين، و السهو في الركعتين الأخرتين). «4»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سهوت في الاولتين فاعدهما حتّى تثبتهما). «5»

الرواية السادسة: و هي

ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام (قال:

سألته عن السهو في المغرب، قال: يعيد حتّى يحفظ أنّها ليست مثل الشفع). «6»

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 2 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(4)- الرواية 10 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(5)- الرواية 15 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(6)- الرواية 4 من الباب 2 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 67

الرواية السابعة: و هي ما رواها زرارة بن أعين (قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:

كان الّذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعني: سهو، فزاد رسول اللّه سبعا و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأولتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شك في الأخيرتين عمل بالوهم). «1»

الرواية الثامنة: و هي ما رواها عامر بن جذاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصّلاة). «2»

الرواية التاسعة: و هي ما رواها الفضل بن عبد الملك (قال: قال لى: إذا لم تحفظ الركعتين الاولتين فاعد صلاتك). «3»

(و غير ذلك ممّا يستفاد منه هذا الحكم).

[في ان وردت روايات أخر الدالة على بطلان الصّلاة بالشك فى الركعة]

ثمّ اعلم أنّه قد وردت روايات اخر ربما تكون متواترة الدالة على بطلان الصّلاة بالشّك في الركعة إذا كان الشّك في الركعة الاولى و الثانية من كل صلاة، و في كل ركعة من ركعات المغرب.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّ هذا الحكم، أعنى: أنّ الركعتين الاولتين من كل صلاة و ركعات المغرب لا تتحمل السهو، يكون من

متفردات الامامية رضوان اللّه عليهم، و لم يكن بين المخالفين قائل به أصلا، و ما هو المتفق عليه مسلما في هذا الحكم

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 1 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 68

عندنا هو الصورة السهو المستتبع للشك في خصوص سهو الركعة من الأوّلتين من صلوات اليومية مطلقا، و خصوص الركعة الاولى و الثانية و الثالثة من المغرب، و بعبارة اخرى إذا طرأ للمصلّي السهو و غرب عنه الواقع، فلأجل غروب الواقع صار جاهلا بالجهل البسيط، فشك في أنّه هل صلّى ركعة واحدة أو اثنتين من الرباعية أو الثنائية، أو شك في المغرب في أنّه صلّى ركعة واحدة أو ركعتين، أو صلّى ركعتين أو ثلاث ركعات فتجب إعادة الصّلاة، لأنّ الأوّلتين من الرباعية، و الركعتين من الفجر، و ركعات المغرب لا تتحمل السهو، فهذه الصورة هي القدر المتيقن من الحكم المذكور الّذي تفردت به الامامية، و هنا فروع آخر يكون مورد الخلاف:

[في ذكر الفروع المربوطة]
الفرع الأول: أن يكون السهو في الأوّلتين من الصلوات أو في الركعات الثلاثة من المغرب

، و لا يكون السهو و غروب الواقع عن نظر المصلّي مستتبعا للشك، بل سها الواقع و صار جاهلا بالجهل المركب، و اعتقد الاتيان، ثمّ زال سهوه و علم بأنّه ترك الركعة الاولى أو الركعتين الاولتين، ففي هذا الفرع يكون السهو في الركعة لكن الفرق بينه و بين الصورة السابقة المتفق عليها، هو أنّه في الصورة السابقة كان السهو مقارنا للشك، و هو مع بقاء سهوه و غروب الواقع عن نظره لا يدري أ واحدة صلّى أم اثنتين، و لكن في هذا الفرغ زال سهوه و علم نقص

الركعة أو أزيد و يظهر من الشيخ رحمه اللّه و أتباعه شمول الروايات لهذه الصورة أيضا.

الفرع الثاني: إذا لم يكن السهو في نفس الركعة من الأوّلتين من الصلوات،

بل سها في فعل من أفعال الصّلاة سواء كان ركنا أو غير ركن، مثلا سها عن القراءة أو عن الركوع و السجود، سواء كان سهوه مقارنا للشك أو لا.

فهل يستفاد من الأخبار المذكور بطلان الصّلاة بالسهو في أجزاء الأولتين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 69

و ثلاثة المغرب أم لا؟

اختار الشّيخ رحمه اللّه بطلان الصّلاة في هذه الصورة أيضا، و لهذا قال لو نسي الركوع و دخل في السجدتين، أو فرغ منهما و تذكر نسيانه، فإن كان في الركعتين الأوّلتين فتبطل الصّلاة لأنّهما لا تتحملان السهو، و إن كان في الأخيرتين فيلقى السجدتين و يأتى بالركوع و بما بعده من الأجزاء لرواية محمد بن مسلم تعرضناها سابقا في ضمن البحث عن نسيان الركوع.

الفرع الثالث: إذا ظن بأحد طرفي الموضوع

، مثلا شك في الأوّلتين أو في المغرب بأنّه هل أتى بالركعة أم لا أو أتى الجزء الفلانى أم لا، فحصل له الظن بأحد طرفي الوجود و العدم فقال بعض: لا عبرة بالظن في الأوّلتين من الصلوات و في ركعات المغرب، و أمّا إن حصل الظن في الأخيرتين إلّا في الركعة الأخيرة من المغرب، فيعمل المصلّي بظنه.

الفرع الرابع: إذا كان المكلف صلّى الصّلاة الثنائية

، مثلا يصلّي صلاة الفجر ثم، بعد الفراغ منها قبل وقوع المنافي، تذكر نسيان ركعة منها، فحيث يقال: بأنّه يقوم و يضيف إليها ركعة و صحت صلاته، فقيل أو ربما يقال في هذا الفرض: تبطل هذه الصّلاة لأنّه سها عن ركعة فتبطل صلاته لدلالة الروايات المتقدمة على أنّ الأوّلتين لا تتحملان السهو.

و هذه الفروع الأربعة الّتي ذكرناها هي الفروع المتفرعة على الحكم الّذي بينّا من أنّ الاولتين من كل صلاة و الركعات الثلاثة من المغرب لا تتحمل السهو، و يظهر للمتتبع في كلمات القوم كون هذه الفروع محلّ الكلام عند بعضهم، و لكن في موجبية السهو للبطلان في نفس الأوّلتين من كل الصّلاة و ثلاثة المغرب إذا كان السهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 70

مستتبعا للشك لا يكون مورد الخلاف عندنا، فقدر المسلم من مورد هذا الحكم هو هذه الصورة، و إنّما الكلام في الفروع الأربعة المتقدمة.

[في ذكر مقدمة لبيان الفرع الأوّل]

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى شأنه: أمّا الفرع الأوّل فيظهر من ذكر مقدمة كون الأخبار شاملا له أو لا.

أمّا المقدمة فهى أنّه كما ذكرنا في صدر مبحث الخلل بأنّ منشأ الخلل يكون غالبا هو السهو و غروب الواقع عن ذهن المصلّي، و السهو على قسمين، لأنّ من يسهو و يترك ما كان ينبغى فعله أو يفعل ما كان ينبغي تركه في الصّلاة إمّا أن يسهو و جعل له في حال بقاء سهوه و غروب الواقع عن نظره أحكام، و بعبارة اخرى يسهو و لأجل سهوه يتردد في ما هو الواقع و يشك فيه، مثلا يسهو عن الركوع و لأجل سهوه هذا يشكّ في أنّه هل أتى ركوع صلاته أو لا، فهذه الصورة هي الصورة المعبر عنها بالجهل

البسيط، ففي هذه الصورة يكون منشأ الشّك في إتيان الركوع و عدمه هو السهو فصار السهو عن الواقع منشأ للشك، فالشك كما قدمنا قسم من السهو لأنّ السهو صار سببا لطروه.

و أمّا أن يسهو و يترك ما كان اللازم فعله أو يفعل ما كان اللازم تركه، و لكن يزول سهوه بعد زمان، و يلتفت بترك ما كان اللازم فعله أو العكس، فهذا القسم من الساهي له حالتان: حالة يكون سهوه باقيا و لا يلتفت إلى سهوه، و حالة يزول سهوه و يلتفت إلى سهوه السابق.

أمّا في الحال الّذي استمر سهوه و غرب عنه الواقع و لا يلتفت إلى سهوه فلأجل عدم الالتفات يعتقد خلاف ما هو الواقع، مثلا سها و ترك الركوع و لأجل عدم التفاته بسهوه يعتقد إتيان الركوع فهو في هذا الحال أى: حال عدم التفاته

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 71

بسهوه جاهل بالجهل المركب لكونه معتقدا خلاف الواقع و في هذا الحال لا يسأل عن سهوه حتّى يحكم عليه بشي ء لأنّه مع اعتقاده بأنّ ما فعل كان مطابقا للواقع و أتى بالركوع لا يسأل عن حكم ترك الركوع.

و أمّا في الحال الّذي يلتفت إلى سهوه و تركه الركوع للسهو و غروب الواقع عن نظره، فهو يعلم ترك الركوع، و لا يكون في هذا الحال شاكا، و يمكن له السؤال عما تركه أو فعله نسيانا.

[في أنّ الأخبار لا تشمل الّا السهو المقارن للشك و المستتبع له]

إذا عرفت كون السهو على قسمين: قسم مقارن للشك، و قسم غير مقارن له فنقول بعونه تعالى: إنّ الأخبار لا يشمل إلّا السهو المستتبع للشك و الترديد لأنّ الظاهر من الأخبار المذكورة (غير بعض منها لم يذكر فيه لفظ السهو كالرواية الثامنة و التاسعة) هو أنّ الحكم الثابت

للسهو لا يكون في الأوّلتين، و بعبارة اخرى يكون لسان هذه الطائفة من الأخبار الحكومة، و بلسانها تكون ناظرة إلى الأدلة المتكفلة لأحكام السهو، فيكون لسانها أنّ كل حكم ثبت للسهو مع قطع النظر عن هذه الروايات لا يكون في الركعتين الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب، فإذا كان هذا لسان الأخبار فكل حكم ثابت في الشرع للسهو فهو لا يكون للسهو في الأوّلتين و ثالثة المغرب، فنظر إلى كل مورد ثبت لنفس السهو الطاري حكم نقول بأنّ المورد لا يحتمل السهو.

فنقول على ما بينا في المقدمة: إنّ كل سهو صار سببا لطرو شك فهو يكون مورد الأخبار لأنّ من سها عن الركعة أو عن جزء آخر غير الركعة، ثمّ بسبب سهوه و زهوله عن الواقع صار شاكا في أنّه هل أتى بها أم لا، أو هل زادها أو لا، فكل حكم مجعول له من قبل الشارع من البناء على الأكثر أو البطلان أو عدمه فهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 72

حكم ثبت على نفس السهو، لا أن يكون هذا حكم الجزء المشكوك تركه و فعله، بل الحكم حكم ثابت للسهو أى: للشاك، فإذا قال (لا سهو في الأوّلتين) أو قال (السهو في الأخيرتين) أو قال (لا سهو في الفجر أو المغرب) فمعناه أنّ كل حكم ثابت لنفس السهو لا يكون في هذا المورد، فشمول الروايات للسهو المستتبع للشك ممّا لا إشكال فيه.

و أمّا السهو الّذي لا يقارنه الشك، أعنى: السهو المصطلح عند الفقهاء قدّس سرّهم في قبال الشك، فكما قلنا للساهي فى هذا القسم يكون حالتان: حالة قبل زوال سهوه، و حالة بعد زوال سهوه و التفاته بسهوه.

أمّا قبل زوال سهوه فهو

جاهل بالجهل المركب من باب سهوه و زهوله عن الواقع، و تخليه بأنّ الخارج وقع موافقا لما هو المطلوب واقعا، فمع سهوه عن الركوع و تركه واقعا يعتقد إتيانه، فهو جاهل مركب، و لأجل جهله هذا و اعتقاده على خلاف الواقع لا يسأل عن حكم سهوه حتّى يجاب عنه، بل ربما يبقى بجهله المركب إلى أن يموت، فهذه الصورة، أى: صورة عدم زوال سهوه، لا يكون محل الكلام و مورد الأخبار.

و أمّا بعد زوال سهوه و التفاته به، و علمه بأنّ سهوه السابق الزائل فعلا صار سببا لترك ركعة مثلا أو ترك ركوع، ففي هذا الحال حيث التفت بسهوه يسأل عن تكليفه، لكن يكون سؤاله من تكليفه من حيث تركه الجزء الفلانى، و المعصوم عليه السّلام أو الفقيه لو أجاب عن سؤاله و بين حكمه، يبين حكم الجزء المتروك نسيانا، و ما يورث تركه من بطلان الصّلاة أو إعادة الجزء أو غير ذلك أو لا يوجب شيئا، فكل حكم يكون مجعولا لهذا القسم من الناسي يكون مجعولا لنفس ترك الجزء أو وجود المانع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 73

و ما يورثه من الاعادة و غيرها لا أن يكون الحكم مجعولا لنفس سهوه، فبعد كون كل حكم مجعول في هذه الصورة للناسي يكون مجعولا لنفس الجزء المتروك أو فعل المانع لا للسهو، و ليس السهو من حيث انّه سهو محكوما بحكم، فلا يمكن تنزيل الأخبار المتقدمة على هذا القسم من السهو أو الحكم بشمول الأخبار إطلاقا أو عموما لهذا المورد، لأنّ ظاهر الأخبار أنّ الحكم الثابت للسهو مع قطع النظر عن هذه الأخبار لا يكون هذا الحكم في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب، و لا يكون حكم

مجعول على السهو إلّا في قسمه الأوّل أى: السهو المستتبع للشك الّذي لم يزل بعد، و لأجل عدم زواله يشكّ المكلف في أنّه هل أتى بما ينبغي إتيانه أو ترك ما ينبغي تركه أو لا.

و أمّا في القسم الثاني أعنى: السهو الزائل فلا يكون محكوما بحكم، بل كل حكم ثبت في مورد ثبت للجزء، مثلا إن كان السهو عن القراءة، و تذكره بعد الدخول في الركوع غير موجب للاعادة و إيجابه سجدتى السهو، فهو ليس حكما مترتبا على السهو، بل مترتب على نفس القراءة، و أن جزئيته ليست جزئية مطلقة، أو لو سها المصلّي عن الركوع و تذكر تركه بعد مضى محلّ تداركه، فالحكم بوجوب الاعادة ليس مترتبا على السهو، بل جزئية الركوع حيث كانت جزئية مطلقة اقتضت إعادة الصّلاة.

ففي هذا القسم ليس لنفس السهو حكم حتّى يقال: بأنّ لسان الأخبار الدالّ على عدم السهو في الأوّلتين هو أنّ الحكم الثابت للسهو ليس فيهما بخلاف القسم الأوّل، ففيه يكون نفس السهو محكوما بأحكام، و مفاد هذه الأخبار عدم كون هذه الاحكام في الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب، مثلا إذا قال (إذا سهوت

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 74

فشككت في شي ء فابن على الأكثر) فهو حكم ثابت للشك أعنى: السهو المقارن للشك، و الأخبار المتقدمة بعد دلالتها على عدم السهو في الأوّلتين و في ثالثة المغرب، فتدلّ على عدم كون الحكم بالبناء على الأكثر في الأوّلتين من كل صورة و ثلاثة المغرب.

[في الكلام المقرّر في المورد]

فظهر لك ممّا مر شمول الأخبار المتقدمة الدالّة على أنّ الأوّلتين و ثلاثة المغرب لا تحتمل السهو لخصوص القسم الأوّل من السهو، و هو السهو المقارن للشك لا للقسم الثاني، فما

يظهر من الشّيخ رحمه اللّه من شمول الأخبار للقسم الثاني أيضا ليس في محلّه. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّ الأخبار المذكورة كما يظهر من لسانها ناظرة إلى الأحكام الثابتة للسهو، فيكون مفاد (لا سهو في الأوّلتين) هو أنّ كلّ ما جعل في الصّلاة باعتبار طروّ السهو فهو ليس فيهما، و من الواضح أنّ في كل من القسمين المتقدمين من السهو تكون الاحكام المجعولة بالاعتناء بالشّك أو عدم الاعتناء أو بالبناء على الأكثر باعتبار طروّ السهو للمصلّي، فهذه الأخبار بلسانها تدلّ على عدم مجي ء السهو في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب، و عدم تحملها السهو.

و أمّا ما أفاده سيدنا الاعظم و استادنا المعظم مدّ ظله العالى من الفرق بين القسمين من أنّ في القسم الأوّل الّذي يكون السهو مقارنا للشك يكون للسهو بنفسه أحكام مجعولة فهذه الروايات تدلّ على عدم كون هذه الأحكام للسهو في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، و أمّا في القسم الثاني فالأحكام المجعولة إنّما جعلت لنفس ترك ما ينبغي فعله أو بالعكس لا للسهو، فلا وجه لشمول هذه الأخبار له.

فيمكن أن يقال جوابا عما أفاده مدّ ظلّه العالي: بأنّ في كل من الصورتين يكون كل حكم مجعول من الشارع مجعولا باعتبار طروّ السهو و كون السهو منشأه، فيكون لسان هذه الروايات من عدم السهو في الأوّلتين و في ثلاثة المغرب هو أنّ الحكم الثابت للسهو من البناء على الأكثر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 75

[في ذكر الفرع الثاني]

و أمّا الكلام في الفرع الثاني من الفروع الاربعة المتقدمة، و هو أنّ الحكم المذكور الّذي انفردت به الامامية قدّس سرّهم من أنّ الأوّلتين من كل صلاة و ثلاثة المغرب لا تحتمل السهو أى: لا تحتمل الشك، هل

يكون مختصا بما إذا كان السهو المقارن للشك في خصوص ركعة من الأولتين من كل صلاة و خصوص الركعات من المغرب أو يعم الشّك في غير الركعات، مثلا إذا سها عن الواقع فشك في أنّه هل صلّى واحدا أو اثنتين أو في المغرب سها و شك في انّه صلّى اثنتين أو ثلاثا فلا إشكال في شمول الروايات المتقدمة لها و بطلان الصّلاة بهذا الشك.

إنّما الاشكال في أنّه هل يشمل ما إذا سها الواقع فشك في جزء من أجزاء الركعة، مثلا شك في أنّه في الركعة الاولى أتى بالركوع أو السجدتين أم لا، فهل تشمل الأخبار لهذا المورد أم لا؟

فإن قلنا بالشمول تبطل الصّلاة بهذا الشك، و إن لم نقل به فيكون في هذا الشك حكما محكوما بما هو محكوم في الأخيرتين.

قد يقال: بأنّ الأخبار المذكورة مطلقة لشمولها للركعة و لغير الركعة من الأجزاء، و الأخبار الدالّة على عدم الاعتناء بالشّك في الأجزاء أو تجاوز عن المحل تكون مطلقة أيضا لشمولها للأولتين و الأخيرتين، فلكل طائفة من الطائفتين إطلاق من جهة، فتكون النسبة بينهما عموما من وجه، و يقع التعارض بينهما في الشّك في الأجزاء في الركعتين الأوّلتين من كل صلاة و في ثلاثة المغرب.

______________________________

أو عدم الاعتناء أو غير هما ليس في الموردين، و أنّهما لا يحتملان السهو، فيكون السهو فيهما موجبا للبطلان و إعادة الصّلاة فتأمل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 76

فتدلّ الطائفة الاولى على بطلان الصّلاة بمجرد طروّ الشّك في جزء من أجزاء الأوّلتين و المغرب إن تجاوز عن المحل، و تدلّ الطائفة الثانية على عدم بطلان بهذا الشّك إن تجاوز عن المحل، فيقع التعارض بينهما في هذه الصورة، و لا بدّ من أن

يعامل بينهما عمل تعارض من العموم من وجه.

قد يقال: بأنّ لسان الطائفة الاولى الحكومة و شرحا للأدلة الدالة على عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز المحل، لأنّ معنى (لا سهو في الأوّلتين) أو (لا سهو في المغرب) هو أنّ كل حكم ثبت للسهو ليس في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، فلا بدّ من تقديم الطائفة الاولى، و الحكم ببطلان الصّلاة إذا شك في إتيان فعل من أفعال الأوّلتين و إن لم يكن المشكوك ركعة و إن تجاوز محل المشكوك.

و لكن مع ذلك نقول: بأنّ رواية زرارة، و هي الرواية 1 من الباب 23 من أبواب الخلل تكون نصّا في عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز محله و إن كان الشّك في جزء من أجزاء الركعة الاولى و الثانية، و هي هذه (عن زرارة قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل في الاقامة، قال: يمضى، قلت: رجل شك في الأذان و الاقامة و قد كبّر: قال: يمضى، قلت: شك في التكبير و قد قرء، قال: يمضى، قلت: شك في القراءة و قد ركع: قال: يمضى، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال:

يمضي على صلاته، ثمّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره، فشككت فليس بشي ء.

لدلالتها على أنّه لو شك في الركوع و قد سجد لا يعتني بشكه، و كذا القراءة، و السجدة، و المراد هو الشّك في هذه الأجزاء في الركعة الاولى لسياق الرواية، لأنّ السؤال كان من الأذان ثمّ من الأذان و الاقامة، ثمّ من التكبير ثمّ القراءة، و الركوع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 77

و السجود، فهذا الترتيب يقتضي كون السؤال و الجواب عن أجزاء الركعة الاولى،

و تدلّ على عدم الاعتناء بالشّك فيها مع تجاوز محلّها.

فالرواية نصّ في عدم الاعتناء بالشّك في إتيان جزء من أجزاء الركعة الاولى مع تجاوز محلّه.

و مع نصوصية هذه الرواية يقتضي تقديمها على إطلاق ما يدلّ على عدم السهو في الأوّلتين على فرض إطلاق له.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا إذا شك في غير نفس الركعة في جزء من أجزاء الركعة الاولى و الثانية من كل صلاة و خصوص ثلاثة المغرب و قد دخل في الغير و مضى محله، نقول: بعدم البطلان، و عدم وجوب إعادة الصّلاة لأنّ رواية زرارة نصّ في عدم وجوب الاعادة و عدم الاعتناء، و الرايات الدالة على عدم السهو في الأوّلتين و في المغرب، على فرض إطلاق لها يشمل هذه الصورة، تكون ظاهرة في ذلك، و لا بدّ من حمل الظاهر على النصّ بمقتضى الجمع العرفي.

[الشك في أجزاء الركعة قبل تجاوز المحلّ يعتني به]

و لكن يبقى الاشكال في الصورة الّتي شك في الأجزاء في الأوّلتين قبل تجاوز محله لا بعد تجاوز محله، فهل يقال بمقتضى الأخبار المتقدمة الدالة على أنّه لا سهو في الأوّلتين و ثلاثة المغرب، ببطلان الصّلاة تمسكا بإطلاق هذه الاخبار، أو يقال بعدم بطلان الصّلاة في هذا الفرض أيضا (من باب دلالة الأخبار الواردة في الشّك بعد المحل على الاتيان إذا كان قبل انقضاء المحل لا البطلان).

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بعدم بطلان الصّلاة في ما إذا شك في إتيان جزء و عدم اتيانه في الأوّلتين و لو لم يتجاوز عن محله المشكوك و لم يدخل في الغير بعد إمّا من باب أنّ الروايات الواردة في عدم السهو في الأوّلتين تكون آبية عن التخصيص

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 78

و التقييد بقرينة ما في بعضها من

أنّ كون الاولتين فرض اللّه تعالى صار موجبا لكونهما محكومين بحكم عدم مجي ء السهو فيهما في قبال الأخيرتين، و بعد كون عدم السهو فيهما هو كونهما فرض اللّه نفهم من ذلك عدم شمول هذه الطائفة من الأخبار إلّا لنفس الركعة، لا للأجزاء لأنّها لو كانت شاملة لغير الركعة من الأجزاء فاللازم تخصيصها أو تقييدها بالنسبة إلى الشّك في الأجزاء بما قبل مضى المحل و الحال أنّ العلة و هو فرض اللّه موجودة سواء كان الشّك في الجزء قبل المحل أو بعد مضى محل تداركه، لأنّ في كليهما شك في الأوّلتين، و بعد ما قلنا من عدم شمولها لما بعد التجاوز بقرينة رواية زرارة المتقدمة، فلا بدّ من تخصيصها بغير مورد الشّك في الأجزاء إذا تجاوز عن المحل، فإمّا أن نقول: بعدم شمولها لما قبل تجاوز المحل، و بعبارة اخرى نقول: باختصاص الأخبار بالشّك في الركعة، و لا تشمل الشّك في الأجزاء سواء كان قبل مضى محلّها أو بعد التجاوز عنه من باب عدم إطلاق لها يشمل الأجزاء، فيبقى التعليل و هو كون الأوّلتين فرض اللّه بحاله.

و إمّا أن يقال: بشمول إطلاقها للأجزاء، غاية الأمر يقيد إطلاقها في خصوص الشّك في الأجزاء بعد تجاوز المحل، فلازمه تقييدها أو تخصيصها بغير هذا المورد، و الحال أنّ لسانها آب عن التخصيص خصوصا مع العلة المذكورة لأنّ كونهما فرض اللّه إذا صار موجبا لكون السهو في الجزء قبل تجاوز محله موجبا لبطلان الصّلاة، فكذا بعد تجاوز.

فلهذا نقول: بعدم شمول الأخبار راسا لغير الشّك في الركعة، و نقول: إذا شك في جزء من أجزاء الأوّلتين كالركوع و سجودهما فإن كان قبل مضى محله يأتى به، و إن مضى محله فلا

يعتني بشكه، و في كلا الصورتين لا تبطل الصّلاة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 79

و إمّا أن يقال: بعدم شمول الروايات للشك في الأجزاء في ما لم يتجاوز محلها، فهذا ممّا لا قائل له لأنّ القائلين بين من ينحصر الحكم، أى: عدم تحمل الأوّلتين السهو من كل صلاة و ثلاثة المغرب بصورة الشّك في خصوص الركعة، و بين من يتعدى عن الشّك في الركعة، و يقول بشمول هذا الحكم للشك في أجزاء الأوّلتين من كل صلاة و ثلاثة المغرب أيضا سواء كان الشّك قبل التجاوز أو بعده. «1»

الأمر الرابع: [في اعتبار الظن]
اشارة

من القواعد الّتي نبحث عنه في الخلل هو اعتبار الظن مطلقا أو عدم اعتباره مطلقا أو التفصيل، فنقول بعونه تعالى: أمّا عند العامة فالظاهر منهم عدم اعتباره مطلقا، نعم حكى عن أبي حنفية أنّه قال: لو تكرر الشّك يتحرى.

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: يمكن أن يقال: بأنّ المستفاد من رواية زرارة المتقدمة و بعض آخر من الروايات الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل مثل الرواية 2 من الباب 42 من أبواب الوضوء بأنّ الشّك إذا كان بعد تجاوز المحل فلا يعتنى به و إن كان قبل التجاوز فلا بد من الاعتناء بالشّك باتيان المشكوك حيث قال فيها (إنّما الشّك في شي ء لم تجزه) و قال جوابا عن ذلك: بأنّ الأخبار الواردة في الشّك بعد تجاوز المحل متعرضة لخصوص صورة التجاوز و أنّ في هذا الحال لا يعتنى بالشك، و أمّا قبل تجاوز المحل فغاية ما يدلّ عليه هذه الروايات، بمفهومها أو بمنطوق بعضها، هو عدم كونه مثل بعد التجاوز، و لكن لا تعرض لها بأنّ عدم كونه مثل ما بعد التجاوز حكما هل يكون حكمه المخالف

لبعد التجاوز هو الاعتناء بالشك و إتيان المشكوك، أو بطلان الصّلاة فلا تعرض لروايات الباب لهذه الجهة حتّى يقال: بدلالة الروايات على عدم بطلان الصّلاة إن كان الشّك في الجزء قبل التجاوز.

و لكن أقول: بعد كون ما بعد التجاوز مع الشّك في إتيان الجزء و عدمه غير موجب للبطلان، فكيف يكون الشّك قبل التجاوز مع بقاء محل إتيانه موجبا للبطلان، فالمستفاد من الأخبار هو الفرق بين التجاوز و عدمه في عدم الاعتناء و الاعتناء، و معنى الاعتناء هو فرض عدم إتيان الجزء فيأتي به في محله إلّا أن يدعى منع كون هذا لسان الروايات. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 80

[المعروف بين أصحابنا اعتبار الظن مطلقا]

و أمّا عند الخاصّة فنقول: المعروف بين أصحابنا حجية الظن في الصّلاة سواء كان في أفعالها أو عدد ركعاتها، كان في الأوّلتين أو في الأخيرتين، فحكى في المختلف عن المرتضى رحمه اللّه و رأينا في كتابه المسمّى بجمل العلم و العمل أنّه قال: كل سهو يعرض و الظن غالب فيه بشي ء، فالعمل بما غلب على الظن، و إنّما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن و تساويه انتهي.

و به قال الشّيخ رحمه اللّه في المبسوط و الاقتصاد و في التهذيب و الاستبصار و الجمل و العقود، و به قال القاضي رحمه اللّه، و به قال السيّد أبو المكارم رحمه اللّه في الغنية، و به قال ابن حمزة رحمه اللّه في الوسيلة، و به قال بن أبي المجد رحمه اللّه في الاشارة، و ابن ادريس رحمه اللّه و كلامه مضطرب.

و في قبال هذا القول هو ما يتراءى من الفقيه و المقنعة للصدوق رحمه اللّه و من الشيخ رحمه اللّه في النهاية «1» و الخلاف و

من المراسم من قصر اعتبار الظن بالأخيرتين في الرباعية، فيستفاد بعد المراجعة في كلمات الفقهاء قدّس سرّهم أنّ المسألة ذات قولين بين أصحابنا قدّس سرّهم.

[في ذكر الروايات المربوطة باعتبار الظن]
اشارة

و على كل حال ينبغي ذكر أخبار الباب فنقول بعونه تعالى:

الرواية الأولى: و هي ما رواها أبان عن عبد الرحمن بن سيابة

و أبي العباس جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا لم تدر ثلاثا صلّيت أو أربعا و وقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابن على الاربع فسلّم

______________________________

(1)- النهاية، ص 88.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 81

و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس). «1»

تدلّ الرواية على اعتبار الظن في صورة كون الشّك بين الثلاث و الأربع، لأنّ المراد من وقوع الرأى على الثلاث أو على الأربع هو الظن بقرينة قوله عليه السّلام (و إن اعتدل وهمك) ففرض صورة عدم اعتدال الوهم و الظن على الثلاث أو الاربع، فحكم بالأخذ بالمظنون، و صورة اعتدال الوهم فأمر بالانصراف و الإتيان بركعتين من جلوس.

الرواية الثانية: و هي ما رواها جميل

(الرواية مرسلة) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال فيمن لا يدرى أثلاثا صلّى أم أربعا و وهمه في ذلك سواء، قال: فقال: إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس الحديث).

هذا على نقل الوسائل عن الكافى، و لها ذيل على نقل الوسائل من الشيخ، و هي ما ذكرها في الباب 11 من أبواب الخلل، أعنى: جعلها الرواية 5 من 11، و هي هذه: (عن جميل عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال في رجل لم يدر اثنتين صلّى أم أربعا و وهمه يذهب إلى الأربع أو إلى الركعتين، فقال: يصلّي ركعتين و أربع سجدات، و قال: ان ذهب وهمك إلى ركعتين و أربع فهو سواء، و ليس الوهم في هذا الموضع مثله

في الثلاث و الأربع). «2»

هذه الرواية تدلّ على اعتبار الظن في ما تعلق بأحد طرفي الثلاث و الأربع

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 82

بالمفهوم لقوله عليه السّلام (إذا اعتدل الوهم فهو بالخيار بين ركعة عن قيام و بين الركعتين عن جلوس) كما عليه الفتوى و بعض أخبار اخر لأنّه بالخيار بين الركعة عن قيام و بين الركعتين عن جلوس، و على نقل التهذيب مضطرب المتن أيضا، لأنّه لو ذهب الوهم إلى الاربع أو إلى الركعتين ففي كل منهما قال (يصلّي ركعتين) و معنى ذلك عدم اعتبار الظن رأسا في الشّك بين الاثنتين و الاربع (إلّا أن يقال: بأنّ المستفاد من صدر الرواية على نقل الكافي في الجملة كون الحكم بصلوة الاحتياط في صورة اعتدال الشك و إن لا يمكن الأخذ بذيل الرواية و ما بيّن فيها في صلاة الاحتياط، فتأمل.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها الحسين بن أبي العلاء

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

ان استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهد). «1»

تدلّ مفهومها على عدم هذا الحكم مع عدم استواء الوهم (و بعد عدم هذا الحكم في صورة عدم استواء الوهم فإمّا أن يكون حكم صورة الظن بالنسبة إلى أحد طرفي الشّك هو العمل بالظن، أو البطلان فيقال. بقرينة بعض الروايات الدالة على اعتبار الظن في هذا المورد بأنّه في صورة الظن في احد طرفي الشّك يعمل و يؤخذ بالظن) و المراد من القصر في التشهّد في الرواية الاقتصار على مقدار الواجب منه، و عدم إتيان التشهدات الطويلة

المشتملة على بعض المستحبات.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها أبو بصير

(قال: سألته عن رجل صلّى فلم يدرأ في الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال: فما ذهب وهمه إليه إن رأى أنّه في الثالثة و في

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 83

قلبه من الرابعة شي ء سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب). «1»

تدلّ على اعتبار الظن في ما إذا شك في الثالثة و الرابعة بناء على حمل الأمر باتيان الركعتين بعد السّلام على الاستحباب كما لا يبعد ذلك، و لو حمل على الوجوب لا يمكن العمل به لاعراض الأصحاب عنها.

الرواية الخامسة: ما رواها الحلبي

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعا و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهد و سلّم ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأمّ الكتاب، ثمّ تشهد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانت هاتان تمام الأربع، و إن كنت صليت أربعا كانتا هاتان نافلة). «2»

تدلّ على أنّه لو ذهب الوهم أىّ الظن إلى أحد طرفي الشّك المزبور يبنى عليه بالمفهوم.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 83

الرواية السادسة: ما رواها صفوان

عن أبي الحسين عليه السّلام (قال: إن كنت لا تدرى كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصّلاة). «3»

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا الرواية الاولى و الثانية إن كان ما صدر من الامام عليه السّلام ما نقله الكافي و الرواية الثالثة و الرابعة تدلّ على اعتبار الظن في خصوص ما إذا شك المصلّي بين الثلاث و الأربع، و ذهب وهمه أى: ظنه إلى الثلاث أو الأربع،

______________________________

(1)- الرواية 7 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 15 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 84

و أمّا الرواية الخامسة و ذيل رواية الجميل أى: ذيل الثانية على النحو الّذي رواه الشيخ رحمه اللّه تدلّ على اعتبار الظن في ما إذا شك المصلّي بين الاثنتين و الأربع و قد ذهب ظنه إلى أحد طرفي الشك، مع ما قلنا من الاضطراب في ذيل رواية الجميل.

فعلى كل حال على فرض تمامية دلالة الروايات المتقدمة تدلّ هذه

الروايات، غير السادسة منها، على اعتبار الظن في الموردين: في الشّك بين الثلاث و الأربع و في الشك بين الاثنتين و الأربع، فلا عموم لهذه الأخبار حتّى تدلّ على اعتبار الظن في مطلق الركعات، بل و لا في مطلق الشّكوك الراجعة إلى الركعتين الأخيرتين، هذا حال الروايات غير السادسة منها.

و عمدة ما ينبغى أن يقع التكلم في مفاده و مقدار دلالته هو الرواية السادسة أعنى: رواية صفوان، فنقول بعونه تعالى: إنّ رواية صفوان تدلّ على وجوب إعادة الصّلاة في ما إذا لم يدر كم صلّى مع عدم ذهاب وهمه على شي ء، ثمّ إنّه يقع الكلام هو المراد من قوله عليه السّلام (إن كنت لا تدرى كم صلّيت) و أنّ المراد من هذه الفقرة هل هو فرض كون الشّك في كمية الصّلاة سواء كان الشّك في الأوّلتين أو في الأخيرتين.

و بعبارة اخرى هل يكون إطلاق لهذه الفقرة تشمل لكل من الأوّلتين و الأخيرتين، فيكون المراد أنّه متى يكون الشّك في عدد ركعات الصّلاة، فإن حصل الظن على أحد طرفي الشّك يأخذ به، و إلّا فتجب الاعادة.

أو يكون المراد من هذه الفقرة صورة خاصة، و هي ما إذا كان الشّك بين الركعة الاولى فما زاد، فلا يدرى مثلا في صلاة الظهر بأنّ ما بيده هل هي الركعة الاولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، ففي هذه الصورة أمر بوجوب الاعادة إلّا إذا ذهب الوهم إلى أحد الطرف الشك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 85

فإن كان المراد من قوله عليه السّلام (إن كنت لا تدري) الاحتمال الأوّل تشمل الرواية الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين بالإطلاق، و مقتضاه هو الأخذ بالظن سواء كان في الأوّلتين أو في الاخيرتين.

و إن كان المراد

من هذه الفقرة الاحتمال الثاني، فالرواية متعرضة لخصوص صورة، و هي الصورة الّتي لا يدرى كم صلّى من ركعة و ركعتين و أكثر، فيقال بعد فرض اعتبار الظن مطلقا في الأوّلتين و الأخيرتين.

في هذه الصورة باعتبار الظنّ في كل شك سواء كان الشّك متعلقا بالأوّلتين أو بالأخيرتين بعدم القول بالفصل.

[وقوع التعارض بين رواية صفوان و الاخبار الدالّة على اعتبار اليقين فى الركعتين الاوّلتين]

إذا عرفت ذلك اعلم أنّه لو قلنا بشمول الرواية إطلاقا أو بعدم القول بالفصل بين الأوّلتين و الأخيرتين، فمفادها اعتبار الظن في الركعات سواء كان الظن الحاصل حاصلا في الشّك المتعلّق بالأوّلتين أو بالأخيرتين، فنقول: إنّه يقع الكلام في جهة اخرى، و هي أنّه قد وردت روايات بأنّ الأوّلتين لا تتحملان السهو أو بمضامين اخرى.

فإنّ كان مفاد هذه الطائفة من الأخبار هو اعتبار تحصيل اليقين في الأوّلتين و عدم مجي ء السهو فيهما سواء كان الذهول عن الواقع الموجب للشك مقارنا للشك المساوي طرفيه أو للشك المقارن للظن، و معنى ذلك عدم اعتبار الظن في الأوّلتين، فيقع التعارض بين هذه الطائفة و بين الرواية السادسة المتقدمة رواها صفوان في ما إذا حصل الظن بأحد طرفي الشّك في الأوّلتين، لأنّ مفادها اعتبار الظن سواء كان في الشك الواقع في الأوّلتين أو في الأخيرتين، و الحال أنّ مفاد هذه الطائفة عدم اعتبار الظن فيها.

و هكذا تعارض رواية صفوان مع بعض الروايات الدالّة على البناء على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 86

الأكثر في بعض الشّكوك مثل ما إذا شك بين الثلاث و الأربع و غيره، لأنّ مفاد هذا القسم من الأخبار هو البناء على الأكثر في صورة الشك، و مفاد رواية صفوان وجوب الاعادة لو لم يذهب الوهم إلى أحد طرفي الشك، فيقع التعارض بينهما، فلا بد لنا من

رفع التعارض.

[في نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه فى المورد]

إذا عرفت ذلك يظهر من العلّامة الحائري رحمه اللّه «1» في صلاته بعد ذكر النبوى (إذا شك أحدكم في الصّلاة فلينظر أىّ ذلك أحرى) و رواية صفوان بأنّه يحتمل في رواية صفوان احتمالان و ذكر الاحتمالين المتقدمين، ثمّ قال يجب تقديم رواية صفوان على الأدلّة الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين إمّا بأن يقال: إنّ لسان رواية صفوان يكون جعل الظن معتبرا من باب الطريقة و أنّه بمنزلة العلم، فتكون حاكما عل هذه الأدلة، و إمّا بأن يقال: إنّ لسانها و إن لم يكن جعل الظن معتبرا من باب الطريقية، بل يكون وجه اعتباره و الأخذ بطرف الراجح تعبدا صرفا فأيضا تقدم على تلك الأدلة لأخصية مضمونها.

ثمّ استشكل على ذلك، و حاصله يرجع إلى أنّ النبوي ضعيفة السند، و مجرد مطابقة مضمونها مع فتوى المشهور لا يوجب جبر ضعف سندها لعدم معلومية كون استنادهم في فتواهم بهذه الرواية، و أنّ رواية صفوان فالمحتمل كون المراد من قوله عليه السّلام فيها (أنت كنت لا تدري كم صلّيت) هو المتردد بين احتمالات كثيرة، فلا يدري واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع، سواء كان متيقن في البين أم لا، فتكون النسبة بين هذه الرواية و بين النصوص الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين عموما من وجه.

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقّق الحائري، ص 352 و 353.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 87

(لأنّ مفاد رواية صفوان على هذا هو صورة يكون التردد بين احتمالات كثيرة من الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة، فهي مطلق من حيث شمولها لما إذا كان في البين متيقن أم لا، فحكم فيها باعتبار الظن سواء كانت الأوّلتان متيقنتين، و تردد بين احتمالات

شتّى، مثل ما إذا يعلم باتيان الأوّلتين لكن يشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، و غيره من الصور، أو لم تكن الأوّلتان متيقنتين، فالرواية من هذه مطلقة و الأدلة و النصوص الدالة على اعتبار اليقين في الأوّلتين مطلقا من جهة دلالتها على عدم اعتبار غير اليقين سواء كان الغير الشّك المساوي طرفاه، أو غير المساوي طرفاه بأن يكون الاعتقاد بأحد طرفيه راجحا، هذا حاصل ما قاله) و يأتي بعد ذلك إنشاء اللّه تمامية كلامه أو عدمه تماميته).

إذا عرفت ذلك نقول: حيث إنّه وقع الكلام في تعارض مفاد رواية صفوان مع ما يحتمل دلالتها على عدم اعتبار الظن في الأوّلتين نذكر الأخبار المربوطة بالمقام إنشاء اللّه كى تتضح حقيقة الحال، فنقول بعونه تعالى:

إنّ بعض الروايات الراجعة إلى عدم السهو في الأوّلتين و أنّهما لا تحتملان السهو بلسانه غير معارض مع رواية صفوان، لأنّ رواية صفوان تدلّ على عدم وجوب الاعادة لو شك في الركعات و وقع وهمه على أحد طرفي الشّك و إطلاقها يشمل ما إذا حصل الظن في الأخيرتين أو في الأوّلتين، و الاعادة لو لم يذهب الوهم إلى أحد طرفي الشّك و اعتدل الوهم، و مفاد هذا البعض من الروايات ليس إلّا أنّ السهو لا يأتى في الأوّلتين، أو أنّ الشّك فيهما يوجب الاعادة، أو أنّه إذا سلمتا سلمت الصّلاة.

[فى الجمع بين الروايات]

و كل ذلك قابل للحمل على ما لا ينافي رواية صفوان لأنّ المراد من السهو

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 88

يحتمل أن يكون السهو المقارن للشك المتردد بين طرفيه، و كذا الأمر بالاعادة في ما إذا شك في الأوّلتين قابل الحمل على كل شك يتساوى طرفيه، و كذا ما يدلّ منه على أنّه

إذا سلمتا سلمت الصّلاة يحمل على السلامة من الشك.

(و لو فرض الاطلاق لما دل على أنّه لا سهو في الأوّلتين يشمل السهو المقارن للشك و الظن كليهما، أو ما دل على وجوب الاعادة في الشّك الراجع إلى الأوّلتين كان له إطلاق يشمل الشّك و الظن أى: الشّك التساوي طرفاه، أو الشّك الراجح أحد طرفيه على الآخر فمع ذلك لا بد من الأخذ برواية صفوان لما نقول في مقام رفع التعارض بينها و بين بعض الروايات الدالة على اعتبار اليقين، كاحدى روايات زرارة، و إحدى روايتى محمد بن مسلم، و روية أبي بصير لأنّه بعد كون مفاد هذه الثلاثة اعتبار اليقين، نكشف أنّ المراد ممّا ورد من أنّه لا سهو في الأوّلتين أو تجب الاعادة في الشّك في الأوّلتين اذ إذا اسلمنا سلمت الصّلاة، كما هو مفاد أكثر الروايات الواردة في هذه الجهة الّتي ذكر صاحب الوسائل أكثرها في الباب 1 من أبواب الخلل، هو أنّه يلزم تحصيل اليقين، و بعد أخذ اليقين طريقا كما يأتى إنشاء اللّه تكون رواية صفوان حاكمة على ما دلّ على لزوم إحراز اليقين في الأوّلتين).

هذا كله بالنسبة إلى أكثر الروايات، فيبقى الكلام في الرواية 1 من الباب 1 من أبواب الخلل رواها صدوق رحمه اللّه، و ينتهي السند بحريز و هو يروي عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: كان الّذي فرض اللّه على العباد عشر ركعات و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم يعنى: سهوا، فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبعا و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شك في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شك

في الأخيرتين عمل بالوهم.)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 89

تدلّ ذيل الرواية على لزوم حفظ الأوّلتين من الشّك و أن يكون على يقين، و نقل الرواية الكليني رحمه اللّه في الكافي بدون هذا الذيل، و لهذا يحتمل كون قوله (يعنى سهوا الخ) من إضافات بعض الروات لا جزء كلام الامام عليه السّلام، و كان قوله (فمن شك الخ) من إضافات الصّدوق رحمه اللّه و كان هو فتواه نقله في ذيل الرواية، كما هو كثيرا ما دابه، فعلى هذا يكون ما صدر من المعصوم عليه السّلام الصدر فقط، و الصدر لا يدلّ على اعتبار اليقين في الأوّلتين.

لكن بعد ما نرى من أنّ ابن إدريس رحمه اللّه نقل الرواية في آخر مستطرفات السرائر مع هذا الذيل نطمئن بعدم كون الذيل من إضافات الصدوق رحمه اللّه، بل يكون الذيل أعنى: من قوله (فمن شك) جزء الرواية و إن كانت جملة (يعنى سهوا) من كلام بعض الواقع في طريق الرواية.

و الرواية 7 من الباب المذكور، و هي إحدى روايتي محمد بن مسلم فى هذا الباب و هي هذه: حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال: يستقبل حتّى يستيقن أنّه أتم، و في الجمعة و في المغرب و في الصّلاة في السفر.

تدلّ على وجوب استقبال الصّلاة أى: استينافها و تحصيل اليقين في الأوّلتين و في الجمعة و المغرب و الصّلاة في السفر، و هذه الرواية رواها حريز عن محمد بن مسلم، كما أن راوى الرواية السابقة كان هو حريز عن زرارة.

و الرواية 15 من الباب المذكور رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

قال: إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما.

بناء على كون الاثبات كناية عن لزوم تحصيل اليقين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 90

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ مفاد هذه الروايات الثلاثة لزوم تحصيل اليقين في الأوّلتين، و مفاد رواية صفوان بإطلاقها كفاية تحصيل الظن و اعتباره في الركعات.

فإن قلنا بلزوم الأخذ بمفاد هذه الروايات الثلاثة، و عدم اعتبار الظن في الأوّلتين يلزم طرح رواية صفوان في مورد التعارض لأنّ مفادها اعتبار الظن في كل من الأوّلتين و الأخيرتين، و معنى تقديم الأخبار الثلاثة عدم اعتبار الظن في الأوّلتين، و هذا معنى طرح رواية صفوان بالنسبة إلى صورة الظن الحاصل في الواقع في الأوّلتين.

و أمّا لو قلنا بتقديم رواية صفوان فلا يلزم طرح الروايات الثلاثة لأنّا نقول:

بعد كون مفاد هذه الروايات اعتبار العلم و اليقين في الأوّلتين فيقال: إنّ وجه أخذ اليقين في الروايات لا يكون إلّا من حيث كون اليقين طريقا و كاشفا عن الواقع، و بعد دلالة رواية صفوان على لزوم الأخذ بالظن في الركعات، نكشف كون الظن من أفراد الكاشف و الطريق، فتكون رواية صفوان حاكما على الروايات الثلاثة.

فيستفاد من مجموعها أنّ المعتبر في الركعات هو جامع الكاشف و الطريق، و يكون أخذ كل من اليقين و الظن من باب كونهما فرد الكاشف و الطريق، فيجمع بين الروايات بهذا النحو، و لا يوجب طرح واحدة من الطائفتين: لا ما دلّ على اعتبار اليقين في الأوّلتين و لا رواية صفوان المتقدمة.

فتكون النتيجة اعتبار الظن في مطلق الركعات من الأوّلتين و الأخيرتين كما هو مختار المشهور أو قول الاشهر بين قدماء أصحابنا رضوان اللّه عليهم.

و يؤيد ما قلنا من اعتبار الظن في مطلق الركعات بعض الروايات الواردة

الدالّة على جواز الأخذ بقول شخص واحد في حفظ الصّلاة كالرواية 1 من الباب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 91

33 من أبواب الخلل «1» و بعض الروايات الواردة الدالة على جواز الاعتماد في حفظ الصّلاة بالخاتم و الحصى، فإنّه لا يحصل منها إلّا الظن فتأمّل جيدا، هذا كله في اعتبار الظن و عدمه في الركعات.

و أمّا الكلام في اعتبار الظن و عدمه في أفعال الصّلاة
اشارة

، مثل ما إذا شك في أنّه أتى بالركوع أم لا، فظنّ إتيانه أو عدم إتيانه فهل يعتبر الظن و يجب الأخذ به أم لا؟

فنقول بعونه تعالى يظهر من كلام القدماء من الفقهاء قدّس سرّهم اعتبار الظن في أفعال كل ركعة من ركعات الصّلاة ان يكون الظن معتبرا فيها، فمن يقول باعتبار الظن في جميع الركعات يقول باعتبار الظن في أفعال جميع الركعات، و من يقول باعتبار الظن في غير الأوّلتين و في غير صلاة المغرب، و انحصر اعتباره بخصوص الأخيرتين من الرباعية، يقول باعتبار الظن في خصوص أفعالهما لا غير هما.

ففي الحقيقة هذه الطائفة أى: القدماء قدّس سرّهم مع اختلافهم في مورد اعتبار الظن في الركعات، متفقون على اعتبار الظن في الأفعال في كل ركعة يكون الظن معتبرا فيها، و بعبارة اخرى أنّهم مع اختلافهم في مورد اعتبار الظن في الركعات، متفقون على التلازم بين اعتبار الظن في الركعة، و بين اعتباره في افعال هذه الركعة.

نعم يظهر من بعض المتأخرين عدم التلازم بين اعتبار الظن في الركعة و بين اعتباره في أفعال الركعة.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكلام في اعتبار الظن و عدمه في الأفعال يقع تارة بعد مضيّ المحل و التجاوز عنه، مثل ما إذا شك في الركوع بعد ما دخل في السجود،

______________________________

(1)- أقول: و لكن فيها إشكال

من حيث اشتمالها على سهو الامام عليه السّلام. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 92

و تارة يقع قبل التجاوز عنه، مثل ما إذا شك في حال القيام، و في كل منهما تارة يكون المصلّي ظانا بالوجود، و تارة يكون ظانا بالعدم.

[في ذكر الصور الاربعة فى المقام]

فنقول: إنّ في الصورتين من هذه الصور الأربعة لا إشكال في اعتبار الظن:

الصورة الاولى: ما إذا شك في إتيان فعل من أفعال الصّلاة قبل تجاوز محله، و صار ظانا بعدم إتيانه، ففي هذه الصورة مقتضى كون الشّك قبل التجاوز الاتيان، فمع كون مقتضى شكه الاتيان، ففي صورة الظن بعدم الاتيان يكون أولى، فيجب الأخذ بالظن و إتيان ما ظن عدم اتيانه.

الصورة الثانية: ما إذا شك في إتيان فعل من أفعالها بعد التجاوز عنه، و ظن إتيان الفعل المشكوك، فلو لم يكن ظنّ بالامتثال كان مجرد الشّك في الاتيان موجبا لعدم الاعتناء لكون الشّك بعد المحل، فمع الظن يكون عدم وجوب الاتيان أولى.

فتبقى صورتان:

إحداهما: الصورة الّتي شك في فعل مع عدم تجاوز المحلّ و الحال أنّه ظن إتيان المشكوك، ففي هذه الصورة مقتضى بقاء المحل إتيان المشكوك لكون الشّك قبل التجاوز، فهل الظن معتبر في هذه الصورة حتّى يكون أثره عدم الاعتناء بهذا و إن لم يتجاوز المصلّي عن المشكوك أولا؟

الثانية: الصورة الّتي شك في إتيان فعل و قد تجاوز عنه، و لكن يظن عدم إتيانه، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم وجوب الاتيان و عدم الاعتناء بهذا الشك، و لكن إن كان الظن معتبرا في هذه الصورة يكون أثره وجوب إتيان المشكوك و إن تجاوز عن المحل، فهل الظن معتبر في الصورتين أم لا.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 93

[من اعتبار الظن فى الركعة نكشف اعتبار الظن فى الافعال]

اعلم أنّ من ظن باتيان الركعة أو بعدم إتيانها ينحل ظنه بظنون متعددة بحسب عدد أفعال الركعة، فمن ظن باتيان ركعة يظن قهرا باتيان القيام من الركعة و ركوعها و سجودها، فبعد كون الظن بالركعة منحلا بظنون نقول: بأنّ حكم الشارع باعتبار الظن في الركعة ينحل قهرا باعتبار

هذه الظنون المتعددة لأنّ الركعة ليست إلّا هذه الأفعال، فجعل الشارع الظن باتيان الركعة أو عدم إتيانها معتبرا ينحل إلى جعله الظن بالقيام، و الظن بالركوع، و الظن بالسجود معتبرا، لأنّ الظن بها منحل إلى الظن بها، و صيرورة الظن بالقيام، أو بالركوع، أو بالسجود معتبرا بهذا البيان ليس إلّا من باب تعلق الظن به لا بغيره، فالظن بالركوع معتبر لأجل تعلق الظن به، لا لأجل تعلق الظن به و بالقيام و السجود، فإذا كان الأمر كذلك، فمن جعل الظن معتبرا في نفس الركعة نكشف اعتبار الظن في أفعال الركعة بطريق الأولى، فلأجل هذا نقول باعتبار الظن. «1»

[في ذكر مسألة فى المورد]

ثمّ إنّ هنا مسئلة نتعرض لها، و هي أنّه بعد فرض عدم تأتى السهو أى: في الأوّلتين كما بينّا، و تأتى الشّك في الأخيرتين، يقع الكلام في ما يتحقّق به إكمال الركعتين، و أنّه هل هو برفع الرأس عن السجدة الثانية من الركعة الثانية كما نسب إلى المشهور، أو باكمال الذكر الواجب من السجدة الثانية كما اختار بعض، أو

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مدّ ظلّه من أنّه بعد كون الظن بالركعة منحلا بالدقة بالظن بأفعال الركعة و إن تم لا يصير سببا لأن يكون جعل الشارع الظن في الركعة حجة جعلا لحجية الظن بالقيام، أو بالركوع، أو بالسجود من الركعة مضافا إلى أنّه لو كان الأمر كذلك ليست الاولوية، بل هذا كشف مراد الشارع و أنّ حكم الصادر منه باعتبار الظن في الركعة يقتضي كون الظن حجة فيها و في أبعاضها بتنقيح المناط إلّا أن يقال: بأنّه بعد جعل الشارع الظن حجة في تمام الركعة، نفهم حجيته في بعض الركعة بالأولوية، و لكن كلا من تنقيح المناط

و الاولية قابل للمنع، فتأمّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 94

بالدخول في السجدة الاولى كما احتملنا سابقا، أو بالدخول في الركوع كما قيل حكي عن سيد بن طاوس رحمه اللّه في البشري، أو باكمال التشهّد الأوّل كما قال به العلّامة الحائري رحمه اللّه و قال: لو لا كونه مخالف الاجماع لكان هذا الوجه وجيه.

[محقّق اكمال الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية]

قد يقال: بأنّ محقّق إكمال الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية لأنّه متى لم يرفع رأسه منها لا يصدق خروجه من الأوّلتين، بل يصدق أنّه في الأوّلتين، و يؤيده بعض ما ورد في كيفية صلاة جعفر عليه السّلام لأنّ في بعض رواياته ما يدلّ على ذلك، مثل ما في واحدة منها بعد بيان ما شرع من التسبيحات قال: (فإذا رفعت رأسك من السجدة الثانية قلت: عشر مرات و أنت قاعد قبل أن تقوم، فذلك خمس و سبعون تسبيحة في كل ركعة) يستفاد منها أنّ تماميّة الركعة برفع الرأس عن سجدتيها لعده عليه السّلام على ما في الرواية تمام خمس و سبعين تسبيحة من الركعة و الحال أنّ عشرا منها يقرأ بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، فهل نقول: بأنّ محققه هو رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية أو الفراغ من الذكر من السجدة الثانية، أو مجرد الدخول فيها، أو مجرد الدخول في السجدة الاولى كما احتملنا سابقا، أو بمجرد تمامية الركوع من الركعة الثانية؟

أمّا كون تمامية ركوع الركعة الثانية محققا لاكمال الركعتين كما حكى عن سيد بن الطاوس رحمه اللّه في البشرى على المحكي عن مصابيح بحر العلوم رحمه اللّه فلا وجه له، و لا منشأ لهذا التوهّم إلّا إطلاق الركعة على الركوع في بعض الأخبار، و هذا

غير مفيد في المقام لأنّه من الواضح كون السجود من أجزاء الركعة، فما لم يسجد يكون المصلّي فيها، فمن يكون بعد ركوع الركعة الثانية و لم يسجد بعد فهو في الأوّلتين، و ليس له الأوّلتان متيقنا، فلا يكون ركوع الركعة الثانية محققا لتمامية الأوّلتين.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 95

و أمّا ما احتملنا من كون محققها الدخول في السجدة الاولى من الركعة الثانية فهو كان من باب أنّ فرض اللّه من الركعة هو الركوع و السجدة الاولى فقط لا الثانية، كما يظهر من الرواية المنقولة فيها حديث المعراج الدالّة على أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد رفع رأسه من السجدة الاولى رأى عظمة اللّه، فسجد سجدة ثانية.

فالمستفاد منها كون فرض اللّه من الركعة هو الركوع و السجدة الاولى، و في هذه الروايات الدالّة على عدم السهو في الأوّلتين ما يدلّ على أنّ عدم تأتى السهو فيها من باب كونهما فرض اللّه، فاذا حصل فرض اللّه من الأوّلتين فقد تم ما هو صار موجبا لعدم السهو.

و لكن هذا مجرد الاحتمال، و لا يعتنى به مع ما يظهر من الأخبار الدالّة على أنّ الأوّلتين لا تحتملان السهو من أنّه متى يكون الشّك في الأوّلتين و لم يتيقنهما تبطل الصّلاة ما دام لم يسجد الثانية.

و كذلك الاحتمال الّذي احتمل بعض من أنّ محقّق تمامية الأوّلتين مجرد الدخول في السجدة الثانية، لأنّ السجدة الثانية مع كل ما يعتبر فيها جزء للركعة، فمن دخل في السجدة و لم يأت بذكرها ما تمّ الركعة لبقاء جزء منها و هو الذكر.

[في ذكر الاحتمالان فى المورد]

فيبقى في المقام احتمالان: أحدهما كون محقّق تمامية الأوّلتين رفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية،

و ثانيهما كون محققها الفراغ من الذكر من السجدة الثانية من الركعة الثانية و لو لم يرفع رأسها عنها.

قد يقال بالاحتمال الثاني كما حكي عن الشّيخ الانصاري رحمه اللّه بدعوى أنّه بعد كون المصلّي في السجدة الثانية و قد أتى ذكرها فقد أتى بما هو محقّق ماهية الرّكعة و إن لم يفرغ بعد من جزئها لعدم رفع رأسه منها، فيصدق عليه أنّه أتى بالركعتين الأوّلتين،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 96

فالشك في هذا الحال لم يكن إلّا بعد يقينه بالأوّلتين لحصولهما في الخارج، فيكون وجودهما يقينا و هذا الشّك لم يتعلق بالأوّلتين، فلهذا بمجرد فراغ المصلّي عن ذكر السجود الثاني من الركعة يتحقّق ما هو موضوع تمامية الركعة، و يكون السهو في هذا الحال غير مبطل للصّلاة.

[في ذكر كلام الشيخ رحمه اللّه]

إذا عرفت ذلك نقول: كما يظهر من روايات الباب لا تحتمل الأوّلتان السهو فتدلّ هذه الروايات بظاهرها على أنّ الشّك إذا كان ظرفه و محله الأوّلتين و متعلقا بهما يوجب البطلان، فليس الميزان كون الشّك في الأوّلتين و ظرفه فيهما فقط بدون كونه متعلقا بالأوّلتين كما أنّه ليس الميزان كون المشكوك الركعتين الأوّلتين و لو لم تكونا ظرف الشك، فإذا كان المصلّي فيهما و لم يفرغ منهما، و شك في الركعة، مثلا شك في أنّه صلّى ركعة واحدة أو ركعتين، فمعنى (لا سهو في الأوّلتين) بطلان الصّلاة بهذا الشك.

فإذا كان الأمر كذلك فنقول: بأنّه مع كون المصلّي في الركوع من الركعة الثانية، أو في السجدة الاولى منها، أو في السجدة الثانية منها قبل إتيان ذكرها لو شكّ كان شكه في الأوّلتين و ليستا متيقنين، و أمّا إذا فرغ من ذكر السجدة الثانية من الركعة الثانية قال الشّيخ رحمه اللّه:

تحقق ما تتمّ به الركعة لأنّه في هذا الحال تحققت طبيعة الركعة.

و الحق أنّه إن قلنا: إنّ ظاهر روايات الباب هو أنّ الشّك لو كان في الأوّلتين يوجب البطلان نقول: بأنّه بعد كون السجود الحاصل بوضع الجبهة على الأرض يمكن تحصله في ضمن الفرد القصير، و يمكن تحصله في ضمن الفرد الطويل، ففي الفرض بعد ما وضع المصلّي جبهته على الأرض بقصد السجدة الثانية من الركعة الثانية و أتى بذكرها، فرفع رأسه فورا تحقق فرد السجود، و امتثل الأمر بالسجدة،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 97

و لو بقى بعد الذكر في السجدة فهو في السجود، و كل هذا الوجود الخاص سجود، فلا وجه لكلام الشّيخ رحمه اللّه لأنّه على الفرض في السجود و لم يفرغ بعد منه، فلو كان مفاد الروايات بطلان الصّلاة إذا كان ظرف الشّك الأوّلتين فما لم يرفع رأسه من السجدة وقع الشّك في الأوّلتين، لأنّ المصلّي شك في حال كونه في جزء من الركعة الثانية و هو السجود الثاني منها.

و أمّا لو كان مفاد الروايات الدالّة على عدم السهو في الأوّلتين هو أنّه متى لم يكن وجود الأوّلتين متيقنا و يحصل الشّك له فصلاته باطلة، و أمّا إذا طرأ الشّك بعد كونهما متيقنة فلا تبطل الصّلاة نقول: بأنّه بعد طروّ الشّك بعد الذكر من السجدة الثانية قبل رفع الرأس عنها يكون وجود الأوّلتين بأجزائهما متيقنا، لأنّه أتى بهما و لو لم يرفع رأسه بعد عن جزئها الاخر و هو السجدة، فيصح كلام الشّيخ رحمه اللّه بعد مقدمتين:

[في ذكر مقدمتين لكلام الشيخ رحمه اللّه]

الاولى: عدم كون رفع الرأس من السجدة الأخيرة من أجزاء الركعة (أو من جزء جزئها أو شرطها) لأنّه لو كان رفع الرأس من الأجزاء أو

الشرائط لم يكن وجود الأوّلتين متيقنا حال طروّ الشك، بل يكون الشّك فيهما.

الثانية: أن يكون لسان الروايات هو أنّه مع عدم اليقين بوجودهما و طرو الشك فيهما تبطل الصّلاة (و لا يتأتى السهو) و مع اليقين بهما و طرو الشّك يتأتى السهو، لأنّه على هذا يكون المجال لأن: يقال إنّه بعد الفراغ من ذكر السجدة الأخيرة و لو لم يفرغ من جزء الركعة و لكن وجود الركعة متيقنا و الشكّ طار بعد اليقين بوجودهما، و امّا لسان روايات الباب ان كان دالا على بطلان الصّلاة لو طرأ في الأوّلتين، ففي الفرض طرأ الشّك فيهما، لأنّه ما دام يكون المصلّي في السجدة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 98

الاخيرة من الركعة الثانية يصدق وقوع الشّك فيهما.

و لا يبعد كون تمامية الركعة برفع الرأس من السجدة الثانية لأنّ المصلّي متى يكون في السجدة الثانية لم يخرج من الركعة، بل هو واقع في جزئها الأخيرة و هو السجدة، و إذا رفع رأسه عنها يعدّ خارجا عن الركعة، و يؤيده بعض الروايات الواردة في صلاة جعفر عليه السّلام كما بينا سابقا الدالّة على أنّه بعد رفع الرأس تتمّ الركعة فعلى هذا كون محقّق تمامية الأوّلتين رفع الرأس من السجدة الأخيرة من الركعة الثانية غير بعيد. «1»

______________________________

(1)- أقول: أمّا لو كان الوجه في كون رفع الرأس من السجدة محقّق لتمامية الركعة بعض ما ورد في صلاة جعفر عليه السّلام ففيه أنّه لو كنا و هذه الروايات لا بد من الالتزام بأنّ محقّق الاتمام هو الجلوس بعد الركعة لأنّ مفادها هو أنّه بعد ما يجلس المصلّي بعد الركعة و يسبح خمس عشرة تسبيحة فقد تمت الركعة، لأنّه قال فيها: إنّه في كل

ركعة خمس و سبعون تسبيحة، و من جملة هذا العدد عشر تسبيحات بعد الجلوس بعد السجود، فهذا دليل على أنّ الجلوس بعد السجدة جزء من الركعة أيضا فعلى هذا تدلّ هذه الأخبار على خلاف المطلوب، و هو كون محقّق تمامية الركعة رفع الرأس من السجدة.

و لكن الحق هو أنّ إطلاق الركعة تارة يكون في قبال فرد من الركعة، و تارة في مقام بيان عدد الصّلاة في قبال صلاة اخرى، مثلا تارة يقال الركعة الاولى في قبال الثانية، ففي هذا الاطلاق ليست الركعة إلّا مجموع ما هو واجب فيها، ففي هذا الاطلاق لا يبعد أن تكون الركعة محققة بمجرد وجود سجدتها الأخيرة، و رفع الرأس منها و الجلوس بعدها ليسا جزءين أو شرطين لها، بل يرفع رأسه لأن يقوم إلى الركعة الثانية أو الثالثة.

و تارة تطلق الركعة في قبال صلاة اخرى مثلا يقال: إنّ صلاة الظهر أربع ركعات و في هذا الاعتبار يعدّ التشهّد و السلام جزء الركعات، و كلامنا في المقام في القسم الأوّل و أنّه لا يأتى السهو في الأوّلتين، فالمراد هنا نفس الركعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 99

الأمر الخامس: [في قاعدة التجاوز]
اشارة

من القواعد الّتي يبحث عنها في الخلل هو قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ ...

و مفاد هذه القاعدة عدم الاعتناء بالشّك في الشي ء إذا تجاوز محله، و كذلك عدم الاعتناء بالشّك في شي ء ممّا يعتبر في الصّلاة بعد فراغ المصلّي عن الصّلاة.

و هل تكون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة غير قاعدة التجاوز، أو هما قاعدة واحدة يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه، و مدرك قاعدة التجاوز أخبار نذكرها بعونه تعالى و ما هو مفادها إنشاء اللّه فنقول:

[في ذكر الاخبار فى المورد]
الرواية الأولى: و هي ما رواها زرارة
اشارة

(قال: قلت: لابي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الأذان و قد دخل الاقامة، قال: يمضى، قلت: رجل شك في الأذان و الاقامة و قد كبّر، قال: يمضي، قلت: رجل شك في التكبير و قد قرء، قال: يمضي قلت: شك في القراءة و قد ركع، قال: يمضي، قلت: شك في الركوع و قد سجد، قال: يمضي على صلاته، ثمّ قال: يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك

______________________________

إذا عرفت ذلك يظهر أنّ الجزم بكون المحقق في تمامية الأوّلتين هو رفع الرأس من السجدة الاخيرة مشكل، كما أنّ الجزم بقول الشّيخ رحمه اللّه مشكل أيضا، فلو استظهرنا من الروايات أنّ المراد منها أنّ الشّك إذا كان ظرفه الأوّلتين تبطل الصّلاة لا بد من الالتزام بأنّ تمامية الأوّلتين برفع الرأس من السجدة كما لا يبعد ذلك.

و اعلم أنّ كلما يقال في المقام من الأقوال إن دلّ عليه دليل فهو، و إلّا فلا إجماع في المقام على واحد منها لأنّه كما عرفت لم يتعرض القدماء قدّس سرّهم للمسألة، و أوّل من حكي عنه التعرض للمسألة سيد بن طاوس رحمه اللّه في البشرى، ثمّ إنّ طريق الاحتياط معلوم. (المقرر)

تبيان الصلاة،

ج 7، ص: 100

فليس بشي ء). «1»

[الكلام في المستفاد من رواية زرارة]

و الظاهر من الموارد الّتي سئل عنها زرارة كون الشّك في أصل وجودها، فيكون شاكّا في إتيانه و عدمه لأنّ ظاهر قوله (رجل شك في الاذان و قد دخل في الاقامة) سؤاله عن تعلق شكه بالأذان بعد دخوله في الاقامة، و كذلك ساير الأسئلة التي سألها تعلق الشّك بشي ء يكون المشكوك وجوده و عدمه، لا أن يكون الشّك في صحته و فساده بعد العلم بوجوده لأنّ ظاهر لفظ (في) كون الشّك في الوجود لا في الصحة و فساد، الموجود هذا بالنسبة إلى الموارد الّتي وقع السؤال عنها.

و أمّا قوله عليه السّلام في ذيل الرواية (يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكك فليس بشي ء) هل المراد منه بيان القاعدة الكلية أيضا لما إذا تعلق الشك بنفس وجود الشي ء و عدمه، أو يعم هذه الصورة و ما إذا كان الشّك في صحة الشي ء و عدمه بعد مفروغية وجوده.

قد يقال: بالتعميم نظرا إلى أن ظاهر قوله عليه السّلام (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) يدلّ على أنّه بعد الخروج من الشي ء و الدخول في الغير لا يكون الشك مورد الاعتناء، سواء كان بعد الخروج و الدخول في الغير شاكا في أصل وجوده و عدمه، أو كان شاكّا في صحته و فساده، فظاهر هذه الفقرة التعميم (إن لم نقل بكون الشّك في الصحة و الفساد متيقنها، أو هو موردها بالخصوص من باب أنّ فرض الخروج من الشي ء يصح في ما إذا أتى به و خرج منه، فلا بدّ من أن يكون الفرض خروجا عن نفس الشي ء مسلما، و يكون الشّك في صحة ما خرج

______________________________

(1)- الرواية 1

من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 101

منه و فساده).

و لكن لا يبعد ظهور هذه الفقرة أيضا في خصوص الشّك في الوجود بقرينة المذكورات في الصدر، فإنّه بعد كون الظاهر من الموارد المذكورة فرض الشّك في أصل وجودها يكون الامام عليه السّلام في بيان قاعدة كلية، و القدر المتيقن من هذه القاعدة ما إذا كان الشّك في أصل الوجود.

و لكن لو قلنا: باختصاص الفقرة الأخيرة من الرواية بما إذا كان المشكوك أصل وجود جزء و عدمه فمع ذلك نقول: بعدم الاعتناء بالشّك في صحة جزء و فساده إذا خرج منه و دخل في الغير من باب الأولوية، لأنّه بعد ما كان الشّك في أصل الوجود ممّا لا يعتنى به عند الشارع، فالشك في صحته و فساده لا يعتنى به بطريق الأولى عند الشارع أيضا، و أمّا الكلام في اعتبار الدخول في الغير في عدم الاعتناء بالشّك و عدم اعتباره فيأتى الكلام فيه بعد ذلك إنشاء اللّه. «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها فضالة عن حماد بن عثمان

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد، فلا أدرى ركعت أم لا، قال: امض). «2»

الرواية الثالثة: و هي ما رواها صفوان عن حماد بن عثمان

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أشك و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا، فقال: قد

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ الشّك في الصحة و الفساد ليس إلّا من باب الشّك في إتيان ما اشترط وجوده أو عدمه، فيكون الشّك في الشي ء مثلا إذا شك في صحة القراءة لأجل الشّك في أنّه جهر بها في محل الجهر أم لا، فهو شاك في هذا الشرط، فهو إذا شك فيصح أن يقال: بأنّه خرج منه أى: عن محله و شك فيه فبهذا الاعتبار تشمل الرواية الشّك في الصحة. (المقرر)

(2)- الرواية 1 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 102

ركعت أمضه). «1»

و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة، و على كل حال تدلّان على المضى و عدم الاعتناء بالشّك في خصوص الركوع بعد ما شك فيه في السجود.

الرواية الرابعة: و هي ما رواها العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم

عن أحدهما عليهما السّلام (قال: سألته عن رجل شك بعد ما سجد أنّه لم يركع، قال: يمضي في صلاته). «2»

الرواية الخامسة: و هي ما رواها أيضا العلاء عن محمد بن مسلم

عن أبي جعفر عليه السّلام (في رجل شك بعد ما سجد أنّه ركع، قال: يمضى في صلاته حتّى يستيقن الحديث (و لا يبعد كون الروايتين رواية واحدة و إن كان المروي عنه في واحدة منهما ابي جعفر عليه السّلام و في الاخرى أبي عبد اللّه عليه السّلام). «3»

و تدلان على اعتبار قاعدة التجاوز في الركوع، و مورد الشّك بعد ما سجد.

الرواية السادسة: و هي ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه

(قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أهوى إلى السجود فلم يدر ركع أم لم يركع، قال: قد ركع). «4»

و نقل صاحب الوسائل رحمه اللّه رواية اخرى عن عبد الرحمن، و هي ما يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- الرواية 7 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(4)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 103

أن يستوي جالسا، فلم يدرأ سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما، فلم يدرأ سجد أم لم يسجد؟ قال: يسجد). «1»

و لكن اعلم أنّهما رواية واحدة، لأنّ الراوى في كل منهما هو احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فهما رواية واحدة.

الرواية السابعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن جابر

(قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض، كل شي ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه). «2»

ذكر صاحب الوسائل هذه الرواية في الباب 15 من أبواب السجود أيضا، و هي رواية 4 و تدلّ الرواية على عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز محله.

و الكلام في أنّها قاعدة في خصوص الصّلاة أو مطلقا، و في أنّها مختصة في أصل الوجود أو يعم الشّك في الصحة و الفساد، و في أنّ موردها بعد التجاوز عما

شك فيه أو يعتبر الدخول في الغير، و في أنّ الغير الّذي يعتبر الدخول فيه على تقدير اعتباره هل هو مطلق الغير أو ما يكون من سنخ المشكوك، بمعنى أن يكون جزء من الأجزاء، يأتى الكلام فيه إنشاء اللّه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب السجود من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(3)- أقول: و هذه الرواية كالرواية الاولى في الدلالة على قاعدة التجاوز، و يشمل الشّك في الوجود و في الصحة من جهة الشّك في وجود الشرط). (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 104

الرواية الثامنة: و هي ما رواها العلاء عن محمد

عن أحدهما عليهما السّلام (في الّذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: إذا استيقن أنّه لم يكبر فليعد، و لكن كيف يستيقن). «1»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب تكبيرة الاحرام من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 105

[الأمر السادس في] قاعدة الفراغ
اشارة

و أمّا القاعدة الفراغ- و هي الأمر السادس من الامور الّتي يبحث عنها في المقصد الأوّل- فتدل عليها روايات:

[في ذكر الروايات الواردة في الباب]
الرواية الأولى: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

(في الرجل شك بعد ما ينصرف من صلاته، قال: فقال: لا يعيد و لا شي ء عليه). «1»

الرواية الثانية: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام

(قال كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد). «2»

تدلّان على عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ في خصوص الصّلاة، و لا تستفاد منها قاعدة كلية تشتمل غير الصّلاة كالصّلاة.

الرواية الثالثة: و هي ما رواها محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

أنّه (قال:

إذا شك الرجل بعد ما صلّى فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا، و كان يقينه حين انصرف

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 106

أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصّلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك). «1»

الرواية الرابعة: و هي ما رواها ابن بكير
اشارة

عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: كلما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو). «2»

و مفادها قاعدة الفراغ لأنّ الفرض كون الشّك في الصحة لا في الوجود حتى يقال: إنّه مفاد قاعدة التجاوز لأنّه عليه السّلام قال (كلما شككت فيه ممّا قد مضى) و المضىّ لا يصدق إن كان الشّك في الوجود لأنّه مع مضيه منه يكون أصل الوجود مفروغا عنه. «3»

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 27 من ابواب الخلل من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 23 من ابواب الخلل من الوسائل.

(3)- أقول: و يحتمل كون مورد الرواية قاعدة التجاوز إن لم يكن ظاهرها، لأنّ المضى يكون باعتبار المضىّ عن المحل، كما قلنا في الرواية الاولى من الروايات المتمسك بها لقاعدة التجاوز، فإنّ قوله عليه السّلام فيها (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) قلنا بأنّ المراد هو الخروج عن المحلّ بقرينة الموارد المذكورة في الرواية، أو كما يجي ء بعدا إنشاء اللّه لا حاجة إلى تقدير المحل مع كون المراد الشّك في الوجود، و قوله عليه السّلام في هذه الرواية (كما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه) يكون مثله في الظهور في المضىّ عن المحل، فالرواية لو لم تكن ظاهرة في قاعدة التجاوز، ليست ظاهرة في قاعدة الفراغ.

نعم

يمكن أن يقال: بأنّ الظاهر من قوله عليه السّلام في ذيل الرواية الاولى أعنى: رواية زرارة (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) و كذا قول المعصوم عليه السّلام في هذه الرواية (ممّا قد مضى) في حدّ ذاته هو الخروج و التجاوز عن نفس الشي ء، فيكون الشّك في الصحة و يكون مفادهما قاعدة الفراغ، لكن في الرواية الاولى نضطر إلى حمل (خرجت) على الخروج عن المحلّ باعتبار ذكر الموارد الّتي لا يناسب إلّا مع الشّك في نفس الوجود، فيتصرف في الذيل بقرينة الصدر.

و أمّا في هذه الرواية لا بد من حفظ الظهور لعدم مانع فيه، فتكون هذه الرواية دليلا على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 107

[يستفاد من رواية ابن بكير قاعدة كليّة غير مختصة بالصّلاة]

و يستفاد من هذه الرواية قاعدة كلية، و هي أنّه بعد الفراغ عن كل عمل مركب أو بسيط لا يعتنى بالشك، سواء كان منشأ الشّك فيه الشّك في إتيان أجزاء المركب أو في صحتها، فعلى هذا لا اختصاص للقاعدة بخصوص الصّلاة.

لكن روى ابن بكير عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام رواية اخرى الدالّة على اختصاص هذه القاعدة بخصوص الطهارة و الصّلاة، و هي ما نذكرها بعنوان الرواية.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها ابن بكير عن محمد بن مسلم

(قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا، فامضه و لا اعادة عليك فيه). «1»

و يحتمل كونهما رواية واحدة و إن كان المروي عنه فيهما مختلفا، لأنّ المروي عنه في واحدة منهما أبو جعفر عليه السّلام و في الآخرة أبو عبد اللّه عليه السّلام مع إمكان كون هذا الاختلاف بين النقلين عن اشتباه بعض الوسائط في نقل الرواية، فبعد هذا الاحتمال

______________________________

قاعدة الفراغ.

لكن بعد ما يأتى بالنظر عند التكلم في لزوم تقدير المحلّ و عدمه، أنّه لا حاجة إلى تقدير المحل أصلا، لأنّ المراد من التجاوز عن الشي ء إمّا يكون التجاوز عنه واقعا فإن كان هذا فلا معنى للشك، لأنّه قد تجاوز عن الشي ء واقعا فلا معنى للشك في وجوده، فلا بدّ من أن يكون المراد التجاوز عن الشي ء بحسب اعتقاده، لأنّه من يكون في مقام إتيان شي ء و ينتقل عنه و يدخل في غيره، ليس معنى خروجه عنه إلّا خروجه بحسب اعتقاده، فعلى هذا نقول في كل من القاعدتين، سواء كانتا قاعدتين أو قاعدة واحدة: بأنّ التجاوز عن الشي ء، لكن بحسب الاعتقاد، فعلى هذا لا إشكال في حمل كل من الروايتين على قاعدة التجاوز. (المقرر)

(1)-

الرواية 6 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 108

لا يمكن الاعتماد على وجود رواية دالّة على كون قاعدة الفراغ قاعدة كلية في كل عمل فرغ منه الشخص.

و على كل حال دلالة هذه الرواية على قاعدة الفراغ في الجملة واضحة بناء على كون (من) في قوله عليه السّلام (من صلاتك الخ) بيانية لا تبعيضية، و لا يبعد كونها بيانية.

و هل يكون مورد الرواية صورة الشّك أو يكون صورة النسيان بقرينة قوله عليه السّلام (فذكرته تذكرا) فعلى الأوّل يشمل ما إذا شك بعد الفراغ في صحته و فساده، و على الثاني يتذكر نسيان بعض ما يعتبر في العمل بعد الفراغ، لا يبعد كون موردها الأوّل.

الرواية السادسة: و هي ما رواها زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذرا عيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه أنّه لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه، و قد صرت في حال اخرى في الصّلاة أو غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوئه، لا شي ء عليك فيه (الحديث). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، و جريان قاعدة الفراغ فيه.

الرواية السابعة: و هى ما رواها عبد اللّه بن أبي يعفور
اشارة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 109

(قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكك بشي ء، إنّما الشك إذا كنت في شي ء لم تجزه). «1»

و هذه الرواية تدلّ على قاعدة الفراغ إن قلنا بأنّ ضمير في (غيره) يرجع إلى الوضوء لا إلى (شي ء) لأنّه إن كان يرجع إلى (شي ء) يكون المراد كون الشّك في شي ء من أجزاء الوضوء لا في نفس الوضوء، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به لعدم إجراء قاعدة التجاوز في أفعال الوضوء.

و أمّا لو كان ضمير في (غيره) راجعا إلى نفس الوضوء كما لا يبعد ذلك تكون مفاد الرواية أنّه إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غير الوضوء يعنى:

كان الشّك بعد الفراغ من الوضوء، و شككت في صحته بأن شككت في إتيان جزئه الفلانى و عدمه فليس شكك بشي ء، فتكون الرواية من جملة أدلة قاعدة الفراغ و اعتبارها في الوضوء. «2»

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 42 من

ابواب الوضوء من الوسائل.

(2)- أقول: بعد كون الرواية ذا احتمالين و على الاحتمال الأوّل بعد كون دلالة الرواية السابقة عليها نصّا في عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فلا بدّ من تخصيص عموم ذيل هذه الرواية في باب الشّك في أجزاء الوضوء بالرواية السابقة و تخصيص عمومها في خصوص المورد مستهجن، و لا يكون عرفيا، لأنّه على هذا الاحتمال صدر هذه الرواية يكون دالا على عدم اعتبار الشّك بعد التجاوز في الوضوء، فتخصيص عموم الذيل بباب الوضوء بقرينة الأدلة السابقة مستهجن، بل غير ممكن، لأنّ عموم الذيل على هذا الاحتمال نص في اعتبار قاعدة التجاوز في باب الوضوء، فكيف يمكن تخصيص عموم ذيل هذه الرواية بالرواية السابقة، فيقع بينهما التعارض، و حيث إنّ هذه الرواية ذو احتمالين و يكون مجملا يؤخذ بالرواية السابقة، و النتيجة عدم حجية قاعدة التجاوز في باب الوضوء، و يكون نتيجة إجمال هذه الرواية عدم صحة التمسك

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 110

[المستفاد من الرواية السابعة كون الشك في الموضعين]

ثمّ إنّه نقول: يستفاد من هذه الرواية امر آخر و هو أنّ الدخول في غير ليس غير التجاوز من المشكوك كما ربما يحتمل ذلك، لأنّ الظاهر من الرواية كون الشّك في شي ء في موضعين:

الموضع الاول: ما إذا كان الشّك فيه و دخل في غيره،

الموضع الثاني: كون الشّك فيه قبل التجاوز عنه، فبعد كون المراد من الذيل هو المورد الّذي لم يتجاوز عن المشكوك، و المراد من صدرها ما إذا تجاوز عن المشكوك، غاية الأمر يتحقّق التجاوز بالدخول في الغير، فلم يكن الدخول في الغير امرا آخر ما وراء التجاوز عن المشكوك و هو عين التجاوز.

______________________________

بها لا لقاعدة التجاوز و لا لقاعدة الفراغ.

إن قلت: يمكن الجمع بين الروايتين بتخصيص هذه

الرواية بالرواية السابقة، بناء على كونها ظاهرة في قاعدة التجاوز مع الرواية السابقة الّتي نصّ في عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، و حجية قاعدة الفراغ فيه، لأنّ مقتضى هذه الرواية على احتمال كون مفادها قاعدة التجاوز هو عدم اعتناء بالشّك بعد التجاوز عنه، و حيث إنّ الشّك تارة يمكن أن يحدث في أثناء الوضوء، و تارة يمكن أن يحدث بعد الفراغ عن الوضوء، و إطلاقه يشمل كلا من الصورتين تخصيصها بصورة عروض الشّك في الأثناء بالرواية السابقة، فتكون النتيجة أنّ الشّك في الجزء إن حدث قبل إتمام الوضوء يعتنى به، و إن حدث بعد الفراغ لا يعتنى به.

قلت: لو فرض إمكان تخصيص صدر هذه الرواية و هو قوله عليه السّلام (إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شككت بشي ء) لكن ما يصنع بقوله (إنّما الشّك إذا كنت في شي ء لم تجزه) فلو حمل على قاعدة التجاوز يقتضي مفهومه عدم اعتبار كل شك تجاوز عنه و إن كان بالدخول في الجزء البعد حتى تمام العمل، فالذيل يعارض مع الصدر، فلا بدّ إما عن الالتزام باجمال الرواية، أو بكونها متعرضة لقاعدة الفراغ، أو يقال: بأنّ الصدر فرضا صار مجملا، و لكن لا مانع من الأخذ بمفهوم الذيل و هو يساعد مع قاعدة التجاوز. (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 111

الرواية الثامنة: و هي ما رواها ابن أبي عمير عن محمد بن مسلم:

(قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصّلاة، قال: يمضى على صلاته و لا يعيد). «1»

و اعلم أنّه سقطت الواسطة بين ابن أبي عمير و محمد بن مسلم في سند الرواية لأنّه لا يمكن أن يروى بحسب الطبقة ابن أبي عمير عن محمد بن

مسلم بلا واسطة.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها بكير بن أعين

(قال: قلت له عليه السّلام: الرجل يشك بعد ما يتوضأ، قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك). «2»

هذا كله الروايات الواردة في الباب، إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه تارة يقع الكلام في أنّه من يكون بنائه إتيان مركب ذى الأجزاء و الشرائط، أو أمر بسيط غير مركب و قد فرغ منه يشكّ في أنّه أتى به على وجه الصحة أم لا، و بعبارة اخرى إنّ الشخص، بعد ما يزعم أنّه أتى بالمأمور به، يشكّ بعد فراغه عنه في صحة ما أتى به و فساده من باب شكه في أنّه أتى بجزئه أو شرطه الفلاني أم لا.

و بعبارة ثالثة بعد ما يأتي المكلف بالمأمور به و يفرغ عنه و يزعم فعل المأمور به كما هو، يشكّ بعد الفراغ في أنّه هل أتى به صحيحا و موافقا للواقع أم لا، فيكون شكه في صحة ما أتى به و عدمها بعد الفراغ عن وجوده و إن كان شكه هذا مسببا عن الشك في إتيان ما يعتبر فيه وجودا أو عدما و عدم إتيانه، ففي هذا الفرض يكون أصل وجود الشي ء مفروضا، و إنّما يكون الشّك في صحة ما وجد و فساده.

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 42 من ابواب الوضوء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 112

و تارة يقع الكلام في أصل وجود الشي ء و عدمه، فإمّا يكون في محلّه فلا بدّ من إتيانه، و إمّا يكون بعد تجاوزه عن محله، فالشخص، بعد تجاوزه عن المحل المقتضى لاتيان الشي ء في هذا المحل، يشكّ في أنّه هل أتى به أم لا، ففي هذا الفرض لا يكون

الشك في صحة المأتى به و فساده، بل يكون الشّك في أصل الوجود و اتيانه و عدمه بعد التجاوز، و المراد بالتجاوز عن المشكوك ليس التجاوز عن نفسه، لأنّه في الفرض نفس الشي ء يكون مشكوك الوجود، بل المراد التجاوز عن محلّه.

[في أنّ الكلام يقع في مقامين]

إذا عرفت ذلك تعرف أنّ الكلام يمكن أن يقع في المقامين:

المقام الاول: في ما إذا كان الشّك في صحة المأتي به و فساده بعد الفراغ عنه.

و المقام الثاني: في ما إذا كان الشّك في أصل وجود الشي ء و إتيانه و عدمه بعد تجاوز الشخص عن محلّ المشكوك.

فلا بدّ لنا من فهم أنّ أيّ رواية من الأخبار المذكورة متعرضة لحكم المورد الاوّل، و أيّ رواية منها متعرضة لحكم المورد الثاني، فنقول بعونه تعالى: إنّ الروايات المتعرضة لحكم قاعدة التجاوز و قاعدة الفراغ تبلغ سبع عشرة رواية.

ثمّ اعلم أنّ بعض الروايات المتقدمة الواردة في الشّك بعد التجاوز يدلّ على المضىّ و عدم الاعتناء في موارد خاصة مثل الرواية الثانية و الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادسة و الثامنة، و بعضا منها تدلّ على هذا الحكم و غير مختص بمورد خاص من أجزاء الصّلاة مثل الرواية السابعة حيث قال عليه السّلام فيها (كل شي ء شك فيه و قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه) و مثل الرواية الاولى من الروايات المتقدمة في طى أخبار قاعدة التجاوز فإنه فيها قال (يا زرارة إذا خرجت من شي ء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 113

ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء).

نعم يمكن النزاع في أنّ المستفاد منهما هل هو وجوب المضى في خصوص الصّلاة أو تعمان غيرها من المركبات، و كذلك هل يستفاد منهما وجوب المضى و عدم الاعتناء

في خصوص ما إذا كان الشّك في أصل الوجود أو يعمان لما إذا كان الشك في صحة ما تجاوز عنه بعد الفراغ عن وجوده حتّى لا يكون المراد من (غيره) في كلامه عليه السّلام خصوص الجزء المرتب على الجزء المشكوك و كان أعمّ منه، هذا بالنسبة إلى الروايات المتعرضة لقاعدة التجاوز.

[الكلام فى الروايات الدالة على قاعدة الفراغ و كون الشك في صحّة المأتي به]

و أمّا الروايات الواردة في قاعدة الفراغ المتعرضة لحكم الشّك بعد الفراغ عن العمل المركب الّذي فعله لترتب أثر عليه كامتثال الأمر المتعلّق به، و كونه معتقدا عند الفراغ بواجدية العمل لذلك، سواء كان الشّك في إخلاله بجزء أو شرط أو غيرهما ممّا يعتبر فيه، فيرجع الشّك فيه إلى الشّك في صحة العمل المأتي به و تماميته، فقد ذكرنا رواياته الواردة بعضها في باب الصّلاة مثل الرواية الخامسة، و بعضها في باب الوضوء مثل الرواية الثامنة و التاسعة، و كذا السادسة بناء على إرجاع ضمير في (غيره) إلى الوضوء لا إلى (شي ء) كما لا يبعد ذلك بقرينة قوله عليه السّلام في ذيلها (إنّما الشك في شي ء لم تجزه) لظهور هذه الفقرة في أنّ الشّك الّذي يعتنى به هو الشّك الّذي وقع في شي ء لم تجزه أى: في العمل الّذي لم تفرغ منه على أن يكون ظرف الشّك العمل الّذي لم تفرغ منه، و لو لم تسلم ذلك تصير الرواية مجملة.

فعلى احتمال تكون متكفلا لحكم قاعدة التجاوز، و هي على هذا غير معمول بها لعدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، و على احتمال تكون متكلفة لحكم قاعدة الفراغ، و على فرض كون الرواية في مقام بيان قاعدة التجاوز نقول: حيث إنّ العرف

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 114

لا يرى فرقا بين الوضوء و الصّلاة تدلّ

الرواية على اعتبار قاعدة التجاوز في الصّلاة، و أمّا في الوضوء فغير معلوم لعدم اعتبارها فيه كما عرفت، و تدلّ الرواية على قاعدة الفراغ بالأولوية. «1»

و بعض رواياتها وارد في الصّلاة مثل الاولى و الثانية و الثالثة من الروايات التي ذكرناها في جملة أخبار قاعدة الفراغ، و بعضها في الصّلاة و غيرها مثل الرواية الرابعة (إن كان غير الرواية الخامسة الدالّة على خصوص الصّلاة و الطهور كما ذكرنا احتماله سابقا) هذا حال الروايات، و قد عرفت دلالة بعضها على خصوص قاعدة التجاوز، و بعضها على قاعدة التجاوز، و الفراغ على احتمال و بعضها على خصوص قاعدة الفراغ.

[هل يكون جامع بين الشكين المذكورين او لا؟]

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّه هل يكون جامع بين الشكين المذكورين بحسب مقام الثبوت و الاثبات، و دلالة الأدلة على أن يكون الحكم بالمضى و عدم الاعتناء فيهما بملاحظة هذا الجامع حتّى يكون موضوع الحكم هذا الجامع، فلا تكون هاتان القاعدتان قاعدتين مستقلتين كل واحد منهما في قبال الاخرى، أو لا يكون كذلك، بل لا يكون جامع بينهما و يكون لخصوصيات الشكين دخل في ثبوت الحكم لهما، و تكونان قاعدتين مستقلتين بحسب مقام الاثبات.

[هل تشمل رواية إسماعيل بن جابر لغير الصّلاة]

فنقول بعونه تعالى: بأنّ الروايات الدالة على حكم الشّك في الأثناء بعد دخول المصلّي في غيره بعضها خاصة لدلالته على الشّك في الركوع أو السجود بعد التجاوز، و بعضها مطلق مثل الرواية السابقة من الروايات المذكورة، و هي رواية

______________________________

(1)- أقول: اما أفاده أخيرا في فرض كون الرواية متعرضة لقاعدة التجاوز محل تأمل.

(المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 115

إسماعيل بن جابر فإنّ قوله عليه السّلام (كل شي ء الخ) يشمل الركوع و السجود و غيرهما من أجزاء الصّلاة، و هل تشمل بإطلاقها غير الصّلاة إذا شك الآتي به في شي ء من أجزائه بعد تجاوزه عن محلّه أم لا؟ و هكذا هل تشمل الشّك بعد الفراغ بإطلاقه أم لا؟

الاظهر الثاني لأنّ ضمير قوله (شك) في قوله (كل شي ء شك فيه) يرجع إلى ما يرجع إليه ضمير قوله (إن شك في الركوع و إن شك في السجود) و هو المصلّي كما هو الظاهر، و لو لم نسلم ذلك فهو مردد بين المصلّي و غيره، فأيضا لا يتم الاستدلال بظاهر الروايات على شمولها لغير الصّلاة.

و أمّا الرواية الاولى من الروايات المتقدمة في طى أخبار قاعدة التجاوز، و هي رواية زرارة فإنّ قوله (إذا خرجت

من شي ء) مطلق يشمل غير الموارد المذكورة في صدر الرواية من الأجزاء، كما أنّه يشمل غير الصّلاة من المركّبات، و أمّا الشمول للشك بعد الفراغ عن العمل، فإن كان الشّك في الصحة راجعا إلى الشّك في وجود جزء غير السلام، فيشمله هذه الرواية، لا لأنّ هذا الشّك شك في صحة المأتى به بعد الفراغ مع الاعتقاد بتماميته حين الفراغ، بل لأنّه شك في الجزء بعد الدخول في غيره، و أمّا إن كان الشّك من جهة وجود شرط أو طروّ مانع أو قاطع فالظاهر عدم شموله له. «1»

و أمّا الأخبار الدالة على الشّك بعد الفراغ فهي متعرضة لخصوص حكم ما إذا كان الشّك في صحة الصّلاة و الطهور أو غيرهما بناء على إطلاق لها يشمل غير

______________________________

(1)- أقول: و قد بينا في طى الرواية الاولى بأنّ الشّك في وجود الشرط يكون الشّك في وجود الشي ء، نعم لا يمكن دعوى شموله لما إذا كان الشّك في الصحة لاجل الشّك في المانع أو القاطع. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 116

الصّلاة و الطهور بعد الفراغ عنه، فلا يستفاد منها جامع يكون هذا الجامع موجودا في مورد قاعدة التجاوز.

[لا يستفاد من الأخبار وجود جامع بين الشكين]

فقد ظهر لك ممّا مرّ عدم إمكان استفادة جامع بين أخبار باب التجاوز و باب الشك بعد الفراغ حتّى يقال: باتحاد القاعدتين من هذا الحيث، بل الروايات الواردة في حكم كل من القاعدتين تكلفت لحكم مورد غير المورد الآخر.

و هل يمكن أن يقال: باتحاد القاعدتين من باب دعوى كون حكم كل من الموردين من باب وجود ملاك واحد أوجب الحكم بعدم الاعتناء أم لا، فلو فرض عدم جامع بينهما من باب كون مورد أدلة إحدى القاعدتين الشّك في الوجود، و في

الاخرى الشّك في الصحة، هل يمكن أن يقال: بأنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في وجود الشي ء بعد تجاوز محله، و بالشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل كما هو مفاد الأخبار يكون من باب ملاك موجود في كل من الموردين أم لا؟

اعلم أنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ من الطهارة أو من يكون من باب أمر لم يكن هذا في قاعدة التجاوز، و هو أنّه كما أنّ أفعال المسلمين تحمل على الصحة، و به حكم الشرع و العقل، و منشأ ذلك هو أنّ حفظ النظام موقوف على ذلك، لأنّه لو لم يحمل فعلهم على الصحيح لاختل أمر نظام الناس، و يوجب العسر و الحرج الشديد، مثلا لو لم تكن صلاة الشخص محمولة على الصحة مع الشك في صحّتها و فسادها، فلا يمكن الاقتداء رأسا بامام لأنّه لا يمكن إحراز صحة صلاة إمام بالقطع حتّى يجوز الاقتداء به، فلا بدّ إمّا من عدم حصول موضوع الجماعة خارجا و إمّا من الاكتفاء بأصالة الصحة في فعل المسلم، و ليس المراد حمل فعل المسلم على الصحة عنده، لأنّه لو كان هذا لا يكفي أيضا لترتيب الأثر على فعله للغير، بل معناه حمل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 117

فعله على الصحيح الواقعى، و كما أنّه لو لم يحمل فعل الغير على الصحيح، و لا تجرى أصالة الصحة في فعل الغير لاختل النظام، كذلك لو لم تجر أصالة الصحة في فعل الشخص نفسه أيضا يوجب العسر و الحرج و اختلال النظام.

و بعبارة اخرى من يعمل أعمالا لترتب آثار، ثمّ بعد الفراغ منها يشكّ في صحتها و فسادها و لا يكون له قاعدة الفراغ، و أنّه لا يعتنى بهذا الشّك

لاختل أمره و يقع في عسر و حرج شديد، لأنّه قل فعل يصدر من الشخص تكون صحته بعد الفراغ محرزا عند الفاعل بالقطع، فلو كان البناء على الاعتناء بالشّك بعد الفراغ لكان اللازم الاشتغال في ساعاته، و أيامه باتيان ما وجب عليه من المركبات و الأفعال لعدم القطع بصحتها، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فما هو ملاك قاعدة الفراغ هو ما قلنا، و لهذا يمكن أن يقال: باعتبار قاعدة الفراغ في جميع الأفعال المركبة من الأجزاء شك في صحتها بعد الفراغ عنها إذا كان منشأ الشّك فيها الشّك في إتيان ما اعتبر فيها و عدمه كما يظهر ذلك من الرواية الرابعة من الروايات المذكورة في ضمن أخبار القاعدة الفراغ، هذا ما يمكن أن يكون ملاك عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ.

[ليس الملاك في قاعدة التجاوز و الفراغ واحدا]

و هذا الملاك لم يكن موجودا في الشّك بعد تجاوز محله، لأنّه لا يكون الحكم بعدم الاعتناء في هذا الشّك من باب كون الاعتناء بالشّك موجبا للعسر و الحرج، و اختلال النظام، و مع هذا لا تجرى قاعدة التجاوز في غير الصّلاة من الوضوء و غيره، كما يظهر ذلك من الرواية السادسة من الروايات المتمسّك بها على قاعدة الفراغ الّتي رواها زرارة، لأنّها تدلّ على عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فعلى هذا يستفاد عدم وجود ملاك واحد في القاعدتين و إن حكم في كل منهما بعدم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 118

الاعتناء بالشك، بل هما قاعدتان مستقلتان. «1»

إذا عرفت ما بينا لك من كون قاعدة التجاوز غير قاعدة الفراغ موردا، و عدم كونهما متحدتين ملاكا، لا بد من عطف عنان الكلام إلى خصوص كل من القاعدتين و ما يتفرع عليهما، فنقول بعونه

تعالى: يقع الكلام في المقامين:

[في قاعدة التجاوز]
اشارة

المقام الأوّل: في قاعدة التجاوز، و قد عرفت كون موردها ما إذا خرج الشخص من محلّ جزء، ثمّ دخل في غيره فشك في أنّه أتى بما جاوز عن محله أم لا، فيكون الشّك في الوجود فيقع الكلام في امور:

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بكونهما واحدة لكون موردهما واحدا و هو الشّك في وجود الشي ء بعد التجاوز عنه أمّا فى مورد قاعدة التجاوز فواضح لكون الشّك في الوجود.

و أمّا في مورد قاعدة الفراغ ففيها و إن كان الشّك في الصحة، لكن حيث يكون الشّك في الصحة مسببا عن الشّك في وجود الجزء أو الشرط للصّلاة، أو شرط الجزء من أجزاء و عدمه، يكون الحكم بعدم الاعتناء في مورد الشّك في الوجود أيضا.

ففي كل من القاعدتين يكون الشّك في وجود الشي ء و عدمه، فحكم بعدم الاعتناء في موردهما، و إن أبيت عن شمول أخبار التجاوز للشك في صحة الجزء و عدمها، و كذلك إن أبيت عن شمول أخبار قاعدة الفراغ لشمولها لما إذا كان منشأ الشّك الشك في صحة جزء من أجزاء المركب نقول بشمول الطائفتين من الأخبار لهما بالأولوية القطعية فعلى هذا تكونان قاعدة واحدة.

نعم يبقى إشكال و هو أنّه على هذا لا بد من القول باعتبار قاعدة التجاوز في غير باب الصّلاة لعموم بعض أخبارها مضافا إلى أنّه على ما قلت يكون المنشأ الشّك في الوجود، فلا فرق بين و غيرها.

نقول في جواب هذا الاشكال: بأنّه نلتزم بشمولها لغير الصّلاة، لكن لم نقل باعتبارها في خصوص الوضوء لدلالة رواية زرارة، و هي السادسة من أخبار قاعدة الفراغ، على عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 119

[في ذكر أمور في الباب]
الأمر الأول: اعلم أنّ هذه القاعدة تختص بالصّلاة

، و لا تتعدى إلى

غيرها لأنّ بعض الأخبار يدلّ على عدم الاعتناء بهذا الشّك في بعض الموارد كالركوع و السجود، و بعضها و إن كان المذكور فيهما بيان قاعدة كلية مثل رواية زرارة و إسماعيل، لكن المستفاد من ذيلهما كون هذا الحكم في كل أجزاء الصّلاة حتّى ما لم يذكر في هاتين الروايتين، و أمّا غير أجزاء الصّلاة فلا، و قد دلّت رواية زرارة المتقدمة في أخبار قاعدة الفراغ عدم اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء، فقدر المتيقن من محل اعتبار قاعدة التجاوز هو الصّلاة.

و أمّا ما ربما يتوهم شمولها لغير الصّلاة بقرينة رواية- زرارة لأنّ فيها عدّ من جملة ما لا يعتني بالشّك فيه مع التجاوز عنه الأذان و الاقامة لأنّهما ليسا من أجزاء الصّلاة، فهذا يدلّ على عدم اختصاص القاعدة بخصوص الصّلاة- ففاسد لأنّ الأذان و الإقامة أيضا يعدّ من أجزاء الصّلاة بنحو من العناية باعتبار كونهما من جملة مقدماتها المقارنة، و كأنهما مدخل الصّلاة، و من جملة تشريفات الدخول في الصّلاة، لهذا عدّهما من أجزاء الصّلاة فكونهما من صغريات القاعدة لا يوجب التعدي بغير الصّلاة.

الأمر الثاني: يستفاد من روايات الباب عدم الاعتناء بالشّك في ما تجاوز عن الشي ء
اشارة

و دخل في الغير لقوله عليه السّلام في رواية زرارة (يا زرارة إذا خرجت من شي ء دخلت في غيره فشككت فليس بشي ء) و قال المعصوم عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر (كل شي ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه).

و المراد من قوله (إذا خرجت من شي ء) ليس الخروج عن نفس الشي ء إذ الخروج عن الشي ء لا يجتمع مع الشّك في الشي ء، لأنّه لو يعلم خروجه عن شي ء،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 120

فكيف يشكّ في وجود هذا الشي ء، فالمراد من الخروج عن الشي ء الخروج عن محلّ الشي ء

أى: المحل الّذي يقتضي ايجاد هذا الشي ء في هذا المحل، و يأتي منا وجه آخر في قوله (إذا خرجت من شي ء) و قوله (كل شي ء ممّا قد جاوزه) من أنّ المراد من التجاوز الخروج عن الشي ء بحسب الاعتقاد.

[المراد من الغير هل هو مطلق الغير]

و على كل حال يقع الكلام في الأمر الثاني في أنّه ما المراد من الغير الّذي إذا دخل فيه المصلّي فشككه ليس بشي ء، هل المراد من الغير المحقق للتجاوز أو أمر آخر معتبر في عدم الاعتناء بالشّك غير التجاوز عن المشكوك، هو خصوص الأجزاء المستقلة من الصّلاة كالتكبير، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهد، و لا يعم غيرها، فإذا شك في واحد منها مع الدخول في واحد آخر منها لا يعتني بالشك، أو يكون المراد من الغير كلّ ما يكون غير المشكوك و إن لم يكن من الأجزاء المستقلة، كأبعاض الأجزاء مثل بعض القراءة، بل مطلق الغير و إن لم يكن بجزء و لا جزء الجزء أصلا مثل مقدمات الأفعال كالهوى إلى السجود، و النهوض إلى القيام، فيعمّ الأجزاء المستقلة و غيرها من أبعاض الأجزاء، و مقدمات الأجزاء.

قد يقال: بأنّ الغير خصوص الأجزاء المستقلة كالركوع لأنّ بعض الروايات المربوطة بالباب لا يدل إلّا على عدم الاعتناء بالشّك في جزء بعد الدخول في جزء آخر، مثل ما إذا شك في الركوع و قد دخل في السجود، و أمّا بعضها المطلقة مثل ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر فأيضا لا دلالة لهما على أزيد من ذلك، لأن ذيلهما و إن كانت دالة على عدم الاعتناء بالشّك في الشي ء بعد التجاوز عنه و الدخول في الغير، و لم يقيد الغير بكونه من الأجزاء المستقلة إلّا أنّه بعد

كون الصدر من الخبرين المفروض فيهما هو الشّك في الشي ء مع الدخول في الغير الّذي هو جزء مستقل من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 121

أجزاء الصّلاة،

[في توضيح رواية زرارة و إسماعيل في ما نحن فيه]

فاطلاق الذيل يقتضي شمول الحكم لكل جزء مستقل من الصّلاة لأنّ كلّ ما فرض من الغير في رواية زرارة و إسماعيل بن جابر فهو جزء مستقل، مثل ما شك في الأذان و قد دخل في الاقامة، أو شك فيهما و قد دخل في التكبير، و هكذا، ثمّ بعد ذلك قال (إذا خرجت الخ) فصار المعصوم عليه السّلام في مقام ضابط كلي لعدم اختصاص هذا الحكم بخصوص المذكورات في السؤال، بل يعم كل مورد شك في جزء و قد دخل في غيره، و لكن بقرينة الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في المذكورات بعد الدخول يكون كل أمثلته من الأجزاء المستقلة، لا يبقى للذيل ظهور في غير الأجزاء المستقلة فقوله (إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره) لا يدلّ إلّا على أنّه إذا خرج من جزء و دخل في جزء آخر لا يعتنى بالشك، لا أنّه إذا خرج من شي ء و دخل في غيره سواء كان هذا الغير جزء مستقلا أو غير مستقل أو لم يكن جزء أصلا.

و هكذا رواية إسماعيل بن جابر لأنّ ذيلها و إن كانت في مقام إعطاء قاعدة كلية إلّا أنّه بقرينة ما في صدرها من الشّك في الركوع و قد دخل في السجود، لا يمكن الاستظهار من الغير الواقع في الذيل، من عدم الاعتناء بالشّك في شي ء إذا جاوز عنه و دخل في الغير، إلّا الغير الّذي يكون من الأجزاء المستقلة.

و قد يقال: بالتعميم في الغير لمطلق الغير سواء كان من الأجزاء المستقلة أم لا، و

سواء كان من الأفعال مثل جزء الجزء أم لا مثل الهوى إلى الركوع، أو السجود:

أمّا أوّلا فلما يظهر من إطلاق ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر لأنّ إطلاق الغير يشمل كل غير و لو لم يكن فعل من الأفعال، بل كان من مقدمات الأفعال، و مجرد عدّ بعض الأجزاء المستقلة في صدر الخبرين أفرادا للغير لا يوجب رفع اليد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 122

عن إطلاق الذيل.

و أمّا ثانيا فإنّ الرواية السادسة أعنى: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع) تدلّ على أنّ الغير يشمل كلّ ما يكون غير المشكوك و لو كان من مقدمات فعل اللاحق، لأنّه بمجرد الهوى إلى السجود حكم بعدم الاعتناء بالشّك في الركوع.

[عند القدماء كون الغير المحقّق للتجاوز هو الاجزاء المستقلة]

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ المشهور عند القدماء كون المراد في الدخول في الغير المصحّح لعدم الاعتناء بالشّك خصوص الأجزاء المستقلة، و لم يعملوا بهذه الفقرة من رواية عبد الرحمن الدالة على أنّ الهوى إلى السجود من جملة الغير المصحّح لعدم الاعتناء بالشك، لا من باب الأخذ بفقرتيها الأخرتين الدالتين على أنّه لو رفع رأسه من السجود فشك فيه، أو نهض إلى القيام فشك فيه يجب عليه السجود و الاعتناء بالشك، بل ظاهرهم كون الغير مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن خصوص الأجزاء المستقلة.

فهل نقول: باختصاص الغير المحقق للتجاوز بالأجزاء المستقلة من باب أنّ الشهرة على هذا القول، أو نقول: بأنّ المراد مطلق الغير سواء كان من الأجزاء المستقلة أو غيرها؟

اعلم أنّه لو كنا نحن و روايات الباب مع قطع النظر عن الشهرة كان مقتضى القاعدة

شمول الغير لمطلق الغير، لأنّ الغير في قوله عليه السّلام في رواية زرارة (إذا خرجت من شي ء، ثمّ دخلت في غيره) و قوله عليه السّلام في رواية إسماعيل بن جابر (كل شي ء ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه) مطلق الغير، لأنّ المستفاد من الفقرتين هو أنّ المصلّي- بعد كونه بحسب ارتكازه قاصدا لاتيان الأفعال مترتبا، و لا يوجب عدم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 123

العمل على ما ارتكزه إلّا الذهول و الغفلة، فلو وقع في موضع لا يقع فيه إلّا بعد إتيان الأفعال السابقة بحسب ارتكازه- لو شك في ما مضى من الأجزاء لا يعتني به، فمن في الجزء اللاحق، أو في بعض الجزء اللاحق ممّا هو مترتب على جزء جزء سابق أو دخل في ما لا يدخل فيه إلّا بعد إتيان الجزء السابق من المقدمات كما إذا هوى إلى الركوع فشك في القراءة لا يعتني بشكه.

فالظاهر من الفقرتين هو أنّ مجرد الدخول في الغير و التجاوز موجب لعدم الاعتناء بالشّك في إتيان الجزء السابق، و الغير مطلق فيعمّ كلّ ما يكون غيرا.

و مجرد ذكر الأجزاء المستقلة في مقام الدخول في الغير في الروايتين لا يوجب حصر الغير بها لأنّ ما ذكر في صدر رواية زرارة من كلام السائل، و مجرد حصر السؤال بالأجزاء المستقلة لا يوجب رفع اليد من إطلاق الذيل لأنّ السائل و إن سئل عن هذه الموارد إلّا أنّ جواب الامام عليه السّلام يكون عنها و عن غيرها بحسب إطلاق كلامه.

و أمّا في رواية إسماعيل بن جابر فهو و إن كان من كلام الامام عليه السّلام إلّا أنّه فرض موردا ثمّ بين قاعدة كلية، فلا يوجب حصر الغير بخصوص

ما ذكر في الصدر خصوصا مع إمكان كون فرض الشّك في الركوع و قد دخل في السجود في هذه الرواية من باب أنّ الشّك غالبا و نوعا يقع في السجود، لأنّه بمجرد رفع اليد عن الركوع و الهوى إلى السجود لا يحصل الشك.

[لا يمكن رفع اليد عن اطلاق ذيل الروايتين المتقدمتين]

فعلى هذا لا يمكن رفع اليد عن إطلاق ذيل الروايتين بتوهم أنّ المذكور من الغير في صدر الروايتين هو الأجزاء المستقلة.

(و أمّا التعبير ب (ثم) في رواية زرارة في قوله (ثمّ دخلت في غيره) فلا يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 124

مؤكدا لكون المراد من الغير خصوص الأجزاء المستقلة بدعوى دلالتها على التراخي، فليس الهوى إلى الركوع بعد القراءة أو إلى السجود بعد الركوع غيرا لعدم كونهما مؤخّرا عما قبله من الأجزاء المشكوكة فينقض بالقراءة بعد التكبير لأنّه ليست القراءة مؤخرة عن التكبير و الّا يحصل الفصل بينهما و الحال أنّ المذكور في الرواية كون الشّك في التكبير مع الدخول في القراءة من موارد التجاوز، و ليس الركوع مؤخرا عن القراءة حتّى يكون إطلاق (ثمّ) من باب تراخيه عنها، و كذا السجود عن الركوع، فمصحّح إطلاق (ثم) مجرد المباينة الذاتية بين السابق و اللاحق لا التراخي بحسب الزمان.

و أمّا رواية عبد الرحمن فنقول: نقل في الوسائل عنه روايتين يرويهما الشيخ رحمه اللّه في التهذيب.

الرواية الاولى: و هي هذه (و عنه عن أبي جعفر عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع). «1»

الرواية الثانية: و هي هذه (و عن سعد عن أحمد بن محمد

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل رفع رأسه من السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر اسجد أم لم يسجد قال: يسجد، قلت: فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوى قائما فلم يدر اسجد أم لم يسجد، قال: يسجد). «2»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 13 من ابواب الركوع من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 15 من ابواب السجود من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 125

و لا يبعد بحسب ما يأتي بالنظر عدم كونهما روايتين مستقلتين، بل هما رواية واحدة، لأنّ المروي عنه في كلتيهما أبو عبد اللّه عليه السّلام، و الراوى عنه واحد و هو عبد الرحمن، و الراوي عنه أيضا واحد و هو أبان بن عثمان، و الراوى عنه واحد و هو أحمد بن محمد بن أبي نصر، فهما رواية واحدة و إن عدّه الشّيخ رحمه اللّه في التهذيب روايتين و لكن لا يبعد كما قلنا كونهما رواية واحدة، و وقع التقطيع في الرواية من أحد الروات قبل الشّيخ رحمه اللّه.

[المشهور لم يعتنوا برواية عبد الرحمن و المتأخرون عملوا بها]

فبعد ذلك نقول: بأنّ المشهور لم يعتن بهذه الرواية، و قالوا باعتبار الدخول في الجزء المستقل في تحقق التجاوز، و قال بعض من المتأخرين بكفاية مطلق الغير و بالعمل برواية عبد الرحمن بالنسبة إلى الهوى إلى السجود، و أمّا الحكمين الآخرين المذكورين فيها من إتيان السجود لو شك فيه بعد رفع الرأس عنه و كذا قبل أن يستوى قائما، فهما و إن كانا على خلاف إطلاق رواية زرارة و إسماعيل بن جابر لكن نقول: بتقييد إطلاق روايتهما في هذين الموردين بالخصوص

برواية عبد الرحمن، و نقول بالاعتناء بالشّك لأجلها حتّى أن السيّد رحمه اللّه قال في العروة «1» الوثقى: لو نهض إلى القيام و شك في السجود نقول بوجوب السجود، و إن نهض إلى القيام قبل أن يستوى قائما لو شك في التشهّد لا يعتني بالشك، و الفارق بينهما النص، فإنّ رواية عبد الرحمن تدلّ على الاعتناء في خصوص الشّك في السجود، و إن كان هذا التفصيل مشكل لو عملنا بالرواية. «2»

______________________________

(1)- العروة، ج 1، ص 613- 614، مسأله 10.

(2)- أقول: إن أمكن العمل بالرواية فما قاله السيّد رحمه اللّه تمام، لأنّ خروج الموردين من الاطلاق تعبد خاص في موردهما، فلا وجه للتعدي إلى التشهد. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 126

و لكن بعد عدم معلومية كون روايتي عبد الرحمن روايتين، و عدم بعد في كونهما رواية واحدة يقع التعارض بين صدرها و ذيلها، لأنّ صدرها تدلّ على كفاية الدخول في كل غير و إن كان الهوى في تحقق التجاوز، و الذيل على عدمها، و لكن المشهور أعرض عن الرواية فليست فيها مقتضى الحجية موجودا. «1»

اعلم بأنّ الكلام يقع تارة مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن، و تارة لا مع قطع النظر عنها أمّا مع قطع النظر عنها نقول: إنّ المستفاد من إطلاق الغير في ذيل رواية زرارة و إسماعيل بن جابر هو مطلق الغير و الشهرة في المقام على كون المراد من الغير خصوص الأجزاء المستقلة ليست بكاشفة عن وجود نصّ لم يبلغ بنا حتّى نعتنى بالشهرة، لأنّ هذه المسألة ليست من الاصول المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام تلقاها منهم يدا بيد، بل من الخصوصيات الطارية على هذه الاصول، فالشهرة ليست بحجة في المقام، فلا

بدّ أن نقول بمقتضى ما استظهرنا من إطلاق ذيل رواتي زرارة و إسماعيل الواردتين في بيان قاعدة كلية: بأنّ الغير المحقق للتجاوز في قاعدة التجاوز مطلق الغير، فيعم الجزء المستقل كالركوع و السجود، و أبعاض الأجزاء كآية من القراءة، و كل ما يقع بعد الجزء المشكوك و إن كان من مقدمات الجزء اللاحق كالهوى إلى الركوع و السجود، و النهوض إلى القيام بعد السجود و بعد

______________________________

(1)- أقول: بعد ما بلغ بحث سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى إلى هنا قلت بحضرته: إنّ هذه الشهرة ليس بشهرة قلت بكونها كاشفة عن وجود النصّ، بل كان منشأ فتوى المشهور استظهارهم من روايات الباب عدم كون محقّق التجاوز الدخول في كل غير، بل خصوص ما يكون جزء مستقلا، فاختيارهم كون الغير خصوص الأجزاء المستقلة استنباطهم و فهمهم من الروايات، و ليس فهمهم بنفسه حجة لنا، فاذا قلت ذلك تعرض لما قلت في اليوم اللاحق في مجلس البحث، و قبل الاشكال، ثمّ قال: اعلم بأنّ الكلام ... الخ. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 127

التشهد، هذا كله مع قطع النظر عن رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه.

[في توجيه رواية عبد الرحمن]

و أمّا روايته فيمكن توجيهها بحيث لا تنافي مع ما استظهرنا من الاطلاق من كون الغير أعمّ بأن يقال: إنّ الدخول في الغير و إن كان من مقدمات الأجزاء كالهوى إلى الركوع كاف في حقيقة التجاوز، لكن لا بدّ من كون هذا الفعل الواقع في ظرفه الشك من الأفعال الواقعة بعد المشكوك المختصة إيجادها بعد الجزء المشكوك، فإن كان من الامور المشتركة بين السابق على الجزء و لاحقه لا يكون محققا للتجاوز، لعدم معلومية دخول المصلّي في الغير و أنّه تجاوز عنه،

و من هذا القبيل ما إذا شك في السجود بعد رفع الرأس و في حال الجلوس فإنّ هذا الجلوس مشترك بين كونه الجلوس السابق على السجود، أعنى: الجلوس المحقق بعد الهوى إلى السجود يسجد عن جلوس، و بين كونه الجلوس المحقق بعد السجود، فهو في زمان يصير شاكا يكون شاكا في أنّه تجاوز عن السجود أو لا، و الغير المحقق للتجاوز مشكوك، لعدم معلومية كون الجلوس الواقع فيه الجلوس السابق على السجود أو الجلوس اللاحق به بعده.

و كذلك في النهوض إلى القيام، فهو و إن كان ناهضا إلى القيام و يشك قبل أن يستوي قائما في أنّه سجد أم لم يسجد، لكن في الآن الّذي يشكّ في الجلوس لا يدرى أنّ هذا الآن هو الآن الّذي لا بد أن يهوى إلى السجود أو الآن الّذي لا بد و أن ينهض إلى القيام من باب كونه شاكّا في أنّه هل سجد أم لم يسجد، فهذا الآن مشترك بين السابق على السجود و اللاحق عليه، فلم يتحقّق التجاوز حتّى يكون الشّك في شي ء بعد الخروج عنه و الدخول في غيره.

فبما قلنا يمكن أن يقال: بعدم كون الحكم في رواية عبد الرحمن بالسجود رفع رأسه و شك في السجود قبل أن يستوي قائما بعد النهوض إلى القيام، منافيا مع كون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 128

المراد من الغير أعمّ من الأجزاء المستقلة، لأنّه في الموردين المذكورين في هذه الرواية لم يكن الدخول في الغير الواقع بعد السجدة و هو الجلوس بعدها، و النهوض بعد القيام منها معلوما حتّى يقال: إنّه مع وجود الدخول فيهما محكوم بالاعتناء بالشك على طبق هذه الرواية، فيقال: إنّ هذا مناف مع كون المحقق

لعدم الاعتناء بالشك مطلق الغير. «1»

______________________________

(1)- أقول كما قلت بحضرته مدّ ظلّه العالي: بعد كون المفروض في رواية عبد الرحمن كون الشك في السجود بعد النهوض إلى القيام قبل أن يستوي قائما، فنقول: إنّ هذا حال غير مشترك بين الهوى و النهوض حتّى يقال: بأنّ المصلّي لم يتجاوز و لم يدخل في الغير، بل مفروض الكلام ما إذا شك بعد النهوض إلى القيام، فهذا الحال ظرف شكه، فهو في حال يكون هذا حالا و هيئة يقع بعد السجود، و يكون غير السجود، فدخل في الغير و شك، فتحقق ما هو موضوع الشّك بعد التجاوز، و ليس حال ينهض إلى القيام حالا مشتركا بين الهوى قبل السجود و بين النهوض بعده كما أفاده مد ظله.

ثمّ قال في مقام الجواب: بأنّا لم نقل: إنّ النهوض إلى القيام مشترك بين الهوى إلى السجود و النهوض إلى القيام بعده، بل نقول: بأنّ المصلّي في الآن الّذي يكون من جملة الآنات الّتي يتحقق في ظرفها النهوض و يحصل له الشّك في هذا الآن لا يدرى أنّ هذا الآن هل هو الآن الّذي قبل السجود و لا بدّ من أن يقع مقدمة للسجود، أو هو الآن بعد السجود الّذي لا بد و أن يقع مقدمة للقيام بعد السجود، لأنّ شكه في أنّه سجد أم لا يصير سببا لأن لا يعلم أنّ هذا الآن من الآنات التي تكون مقدمة للسجود، أو من الآنات الّتي تكون مقدمة للقيام بعده، فهو لأجل عدم علمه بذلك لم يتحقّق له التجاوز عن السجود حتّى يقال: لا يعتني بشكه في السجود، في هذا الحال من باب قاعدة التجاوز، لعدم كون الغير المحقق للتجاوز محققا عنده.

و لكن فيه

أنّه إن قلنا بلزوم ذلك في صدق التجاوز بمعنى: أنّه ما لم يكن ما دخل فيه ممّا يعلم كونه بعد المشكوك و من الأفعال الواقعة بعده المختصة بوقوعها بعد المشكوك و أنّ الحكم بالاعتناء في الشّك في السجود بعد النهوض إلى القيام في رواية عبد الرحمن يكون من أجل

هذا، فلم حكم المعصوم عليه السّلام في روايتها الاخرى- على تقدير عدم كونهما رواية مستقلة أو صدر هذه الرواية على تقدير كون روايتيه رواية واحدة- بأنّه لو هوى إلى السجود فشك في الركوع لا يعتني به، مع كون الآن الّذي يشكّ فيه حال الهوى على ما أفاده مشتركا بين كون هذا الآن من الآنات الّتي تكون مقدمة للركوع، أو من الآنات الّتي تكون مقدمة، للسجود فإن كان الميزان في الغير المحقق للتجاوز هو الغير المختص بما بعد المشكوك، فكان اللازم أن يحكم المعصوم عليه السّلام فيما شك في الركوع و قد أهوى إلى السجود بالاعتناء بالشك، لا بعدم الاعتناء.

و مع قطع النظر عن صدر الرواية إن كان المعتبر الدخول في الغير المعلوم كونه الغير المختص بما بعد المشكوك كما أفاده، فلا بدّ و أن يلتزم في الشّك في الركوع حال الهوى إلى السجود قبل الوصول بحد الركوع بالاعتناء بالشك، لأنّ هذا الهوى مشترك بين الهوى للركوع و بين الهوى للسجود، هذا كله ما يرد عليه نقضا.

و أمّا حلا فكما يأتى إنشاء اللّه منه دام ظله عند التعرض لكلام الشّيخ أنصاري رحمه اللّه، لا بد أن يكون الدخول في الغير بحسب اعتقاده الاتيان بشي ء، فيدخل في اللاحق منه، ثمّ بعد الدخول في الغير يشكّ في ما خرج عنه بحسب اعتقاده فعلى هذا نقول: إنّ النهوض إلى القيام يكون

الغير الواقع فيه الشّك في السجود بعد المضى و الخروج عنه باعتقاده، ثمّ في حال النهوض يشكّ في أنّه سجد أم لم يسجد، فيكون النهوض إلى القيام من الغير المحقق لموضوع عدم الاعتناء في السجود، فلا يتم توجيهه مدّ ظلّه في هذه الجهة.

ثمّ إنّه مد ظله العالي لم يتعرض لما هو الغير المحقق للتجاوز لو لم نقطع النظر عن رواية عبد الرحمن، فأقول: لو قلنا باعراض المشهور عنها فلا يكون فيها مقتضى الحجية، و أمّا لو لم نقل بذلك لأنّ ما يكون في البين ليس إلّا الشهرة على كون الغير خصوص الأجزاء المستقلة، و هذه الشهرة ليست بشهرة كاشفة عن وجود نصّ معتبر لم يبلغ إلينا، و ليس منشأ عدم عملهم برواية عبد الرحمن إلّا فهمهم الاطلاق في الغير، لا أنّهم أعرضوا عنها لخلل فيها من حيث الصدور أو جهة الصدور.

فنقول: إن قلنا: بأنّ حكمه عليه السّلام في إحدى روايتي عبد الرحمن (رجل شك في الركوع و قد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 130

[في نقل كلام الشيخ الانصاري رحمه اللّه]
اشارة

إذا عرفت ما بينّا لك من الأخبار الدالّة على قاعدة التجاوز و الفراغ و مورد هما نقول: يظهر من الشّيخ الانصاري رحمه اللّه في الرسائل «1» كون القاعدة الفراغ

______________________________

أهوى إلى السجود) كان من باب أنّ المراد من الهوى السقوط، و كان فرضه كان الشّك واقعا حال السجود، فلا تكون هذه الفقرة دليلا على كفاية مطلق الغير، لأنّ الشّك على هذا لم يقع حال الهوى.

و إن لم نقل بذلك و قلنا: بأنّ الظاهر من هذه الفقرة كون الشّك حال الهوى، فإن قلنا بكون روايتيه روايتين مستقلتين يقع التعارض بينهما لو لم نقل بالتوجيه الّذي أفاده سيدنا الاعظم في روايته الدالة على الاعتناء

بالشّك في السجود حال رفع الرأس عن السجود أو حال النهوض إلى القيام، و كذلك لو قلنا بكونهما رواية واحدة كما هو ظاهر كلام سيدنا الاستاد مد ظله، فيقع التعارض بين الصدر و الذيل، فإذا بلغ الأمر إلى التعارض نقول: أمّا روايته الدالة على عدم الاعتناء بالشّك لو شك في الركوع بعد الهوى إلى السجود تكون موافقا للقاعدة، لأنّا قلنا مقتضى بعض الاطلاقات كون المراد من الغير مطلق الغير، و هذه الرواية تدلّ على ذلك، لأنّه عدّ فيها الهوى من جملة الغير المحقق للتجاوز،

و أمّا روايته الاخرى الدالة على عدم الاعتناء بالشّك في السجود لو طرأ الشّك حال النهوض إلى القيام، فنقول: بأنّها تخصيص للعام أو تقييد للمطلق الدالّ على كفاية مطلق الغير في تحقق التجاوز كما قال السيّد رحمه اللّه في العروة، و لكن تخصيص أو تقييد في خصوص المورد المذكور في الرواية لا غيره، فلو شك في التشهّد و قد نهض إلى القيام نقول: بعدم الاعتناء، لأنّه لا بدّ من الاقتصار في التخصيص على مورده و إن كان سيدنا الاستاد قال: بأنّه على تقدير الأخذ برواية عبد الرحمن الدالة على هذا الحكم لا فرق بين كون الشّك في حال النهوض إلى القيام من السجود، أو من التشهّد لعدم فرق بينهما، أو عدم كون هذا الحكم حكما تعبديا في خصوص الشك في السجود.

لكن كما قلت: لا وجه للتعدي إلّا أن يستكشف ملاك قطعي موجود في الشّك في السجود حال النهوض، و بين الشّك في التشهّد حال النهوض، فيقال، بعدم الفرق، و ليس لنا قطع بذلك، فلا بد من الاقتصار بمورد النص، فافهم. (المقرر)

(1)- فرائد الاصول، ص 410- 411.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 131

راجعة إلى

قاعدة التجاوز، و كون الأخبار كلها واردة في بيان حكم واحد في موضوع واحد، فإنّه رحمه اللّه نقل بعض أخبار الباب و لم يستقص كلها (و نحن ذكرنا كل الأخبار) و قال: بأنّ مفاد الأخبار لا يختص بباب الطهارة و الصّلاة، ثمّ قال: إن الكلام في تنقيح مضامين الأخبار، و دفع ما يتراءى من التعارض بينهما يقع في مواضع، و ذكر مواضع سبعة:

[في ذكر مواضع سبعة فى الباب]
الموضع الأول: في ما هو المراد من الشّك في الشي ء الوارد في الأخبار

فقال ما حاصله يرجع إلى أنّ الظاهر من الشّك في الشي ء كون الشّك في نفس وجود الشي ء، و ما في أخبار الباب من أنّ الشّك يكون في الشي ء بعد الخروج عنه و المضىّ عنه أو التجاوز عنه لا يمكن حمله على الشّك في الوجود، لأنّه يكون مفاده الشّك بعد الخروج عنه، فلا بدّ من أن يكون الوجود مفروغا عنه، و حيث أنّه لا يمكن حمل الروايات إلّا على مورد واحد، فلا بدّ إمّا من أن يقال: إنّ مورد الروايات هو في صحة الشي ء من باب الشّك في إتيان ما اعتبر فيه شطرا أو شرطا حتّى يصح أن يقال شك في الشي ء بعد الخروج عنه أو المضى عنه بأن يقال: إنّه بعد كون الخروج عن الشي ء مفروغا عنه يكون الشّك فيه قهرا في إتيانه على الوجه المعتبر أم لا و إمّا من تقدير المحلّ بأن يقال: بأنّ المراد من الشّك في الشي ء بعد الخروج أو المضى عنه هو خروجه و مضيه عن محله، فيكون المراد الشّك في نفس وجود الشي ء بعد المضى عن محلّه.

أمّا وجه عدم إمكان حمل الروايات على كلا الموردين- أعنى: مورد الشّك في الصحة و الشك في الوجود كليهما- فلأنّه يلزم اجتماع اللحاظين، فلا يمكن إرادة الشك في الوجود و

الشك في الصحة كليهما في استعمال واحد، فلا بدّ إمّا من حملها على

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 132

الشك في الوجود لدلالة غير واحد من أخبار الباب على ذلك، و قوله في رواية محمد بن مسلم فامضه كما هو أو ما في رواية ابن ابى يعفور لقابلية حمله على الشّك في الوجود كما هو ظاهر بعض الآخر من الأخبار و إن كان قابلا للحمل على الشّك في الصحة فاختار الشيخ رحمه اللّه في الموضع الأوّل كون المصحح من تعبير المعصوم عليه السّلام بالخروج عن الشي ء أو المضى عنه أو التجاوز عنه مع كون الشّك في أصل الوجود هو المحل يعنى أنّه أطلق الخروج عن الشي ء باعتبار الخروج عن محلّ هذا الشي ء.

الموضع الثاني: في المراد من المحلّ الّذي به يتحقّق الخروج و المضىّ

، فهل هو المحلّ العقلى أو المحل الشرعى أو العادى، فقال رحمه اللّه: بأنّ المراد من المحل (هي المرتبة المقررة له بحكم العقل، أو بوضع الشرع، أو غيره و لو كان نفس المكلف من جهة اعتياده باتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل، فمحل تكبيرة الاحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع، و محل (أكبر) قبل تخلل الفصل الطويل بينه و بين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام، و محل (الراء) من أكبر قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل، و محل الغسل الجانب الأيسر و بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة قبل تخلل فصل طويل يخلّ بما اعتاده من الموالاة.

هذا كله ممّا لا إشكال فيه إلّا الأخير فإنّه ربما يتخيل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة، فمن اعتاد الصّلاة في أوّل وقته، أو مع الجماعة فشك في

فعلها بعد ذلك، فلا يجب عليه الفعل).

و ذكر أمثلة اخرى من الفروع الّتي قال بعدم إمكان الالتزام به للفقيه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 133

و الاعتناء بالشّك في هذه الموارد و إن كان الظاهر من قوله عليه السّلام في ما تقدم (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل، فهو دائر مدار الظهور النوعي و لو كان من العادة، و لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل.

و يتحصل من كلامه في الموضع الثاني أنّ المحل الّذي صح باعتباره إطلاق الشك في الشي ء مع الخروج عنه هو مطلق المحل الّذي يكون المقرر إتيان هذا الشي ء في هذا المحل و لو كان من باب العادة، ثمّ رأى أنّ ذلك يوجب ما لا يلتزم به بالنسبة إلى المحل العادى بحسب النوع، فاستشكل و خرج عن المطلب مع الاشكال في أنّه يكتفي المحل العادى بحسب النوع أم لا.

(و قال في الدرر في هذا المقام بكفاية المضي عن المحل العادى بحسب النوع).

الموضع الثالث: بأنّه هل يكون المعتبر الدخول في الغير أم لا

، فقال رحمه اللّه ما حاصله: بأنّه إن كان الغير ممّا لا يتحقّق بدونه التجاوز فهو و إن لم يكن دخيلا في التجاوز، بل حصل التجاوز عن المحل به، فهل نقول: باعتبار الدخول في الغير في إجراء القاعدة أم لا، ظاهر بعض الأخبار التقييد بالدخول في الغير و ظاهر بعضها الاطلاق، فهل نحمل الاطلاق على مورد التقييد، و نقول: باعتبار الدخول في الغير، أو نحفظ الاطلاق و نحمل القيد على الغالب، بمعنى: أنّ التقييد بالدخول في الغير في بعض الأخبار يكون من باب أن ما يتحقّق به التجاوز غالبا الدخول في الغير لا من باب موضوعية للدخول في

الغير، أو يحمل الاطلاق على مورد التقييد من باب أنّ المطلق منزّل على المتعارف، و المتعارف هو الدخول في الغير، و اكتفي رحمه اللّه في هذا الموضع بذكر الاحتمالين فقط، أى: احتمال حفظ الاطلاق و حمل القيد على الغالب،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 134

و احتمال حمل المطلق على المقيد إما من باب أنّ بعض الأخبار مقيد بالدخول في الغير، و إمّا من باب حمل المطلق على المتعارف و هو الدخول في الغير.

الموضوع الرابع: بخروج الطهارات الثلاث عن الكلية المذكورة

إمّا من باب التخصيص، أو من باب كون الوضوء بنظر الشارع فعلا واحدا.

الموضع الخامس: هل الشّك في الشروط يكون مثل الشّك في الأجزاء

من حيث هذا الحكم أم لا، و حاصل ما قال في المقام: إنّ الشّك في الشرط إن كان بعد الفراغ عن مشروطه لا يعتني به لقاعدة التجاوز، و أمّا لو كان الشّك في أثناء المشروط قال بالتفصيل بين ما كان محلّ الموظّف لإحرازه قبل المشروط كالوضوء بالنسبة إلى الصّلاة، و بين ما لا يكون كذلك كشرطية الاستقبال و النية للصّلاة، ففي الأوّل لا يعتنى بالشك، و في الثاني يعتنى به، و قال: المسألة محلّ إشكال.

الموضع السادس: بأنّ حكم الشّك في صحة المأتى به هو الحكم في الاتيان

، بل هو هو.

الموضع السابع: الظاهر أنّ المراد بالشّك في موضوع هذا الأصل هو الطاري بسبب الغفلة عن صورة العلم

، فلو علم كيفية غسل اليد و أنّه كان بار تماسها في الماء لكن شك في أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا، ففي الحكم بعدم الالتفات وجهان.

هذا كلّه في المواضع الّتي تعرض لها الشّيخ الانصاري رحمه اللّه بعد زعمه كون مفاد الأخبار المتقدمة قاعدة واحدة، و هي القاعدة التجاوز، فذكر التفريعات المتقدمة.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا مفاد الروايات المتقدمة فقد عرفت كونه مختلفا فبعضها يدلّ على مورد يكون الشّك في أصل وجود الشي ء، و بعضها يدلّ على مورد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 135

يكون الشّك في صحة الشي ء بعد مفروغية أصل وجوده فالروايات متكلفة لبيان حكم الموردين بعضها على المورد الأوّل غير دال على المورد الثاني، و بعضها بعكس ذلك، و بعضها قابل الحمل على كل من الموردين كما أشرنا عند التعرض للروايات.

و على كل حال ليست الروايات كلها واردة في بيان حكم واحد، و هو قاعدة التجاوز، و لا جامع واحد يكون كل من قاعدة التجاوز و الفراغ فردا لهذا الجامع كما زعم بعض، بل بعضها متكفل لبيان حكم قاعدة التجاوز، و بعضها للفراغ، و أنّهما قاعدتان مستقلتان كما قال شيخنا العلّامة الخراساني رحمه اللّه.

[في ذكر مختار المحقّق الخراساني رحمه اللّه]

إذا فهمت ذلك و يأتى الكلام فيه بعد ذلك إنشاء اللّه نعطف عنان الكلام إلى المواضع الّتي تعرض لها الشّيخ الأنصاري رحمه اللّه فنقول بعونه تعالى: أمّا ما قاله الشيخ رحمه اللّه في الموضع الأوّل من لزوم تقدير المحل لمصححية الشّك في الشي ء و قد خرج أو جاوز عنه أو مضى منه.

فنقول: لا حاجة إلى التقدير و التأويل أصلا لا في الأخبار الدالة على قاعدة الفراغ، و لا في الأخبار الدالة على قاعدة التجاوز، لأنّه إن كان

المراد من الخروج الخروج من المشكوك واقعا، فلا يعقل معه الشك، فمن الواضح أنّ المراد بالخروج و التجاوز عن المشكوك هو التجاوز و الخروج و المضىّ بحسب اعتقاد الشخص، فمن يدخل في الفعل المترتب على المشكوك بحسب وضعه، و يكون في صدد إتيانه بهذا الوضع المرتب، فهو لا يدخل في الفعل اللاحق عن المشكوك بحسب وضعه إلّا من باب الاعتقاد بأنّه أتى بالفعل الّذي يشكّ فيه بعد الخروج عنه، فمن يكون بنائه على إتيان الصّلاة بوضعها الموظّف شرعا، و يكون الركوع بوضعه سابقا على السجود، و السجود مترتب عليه، فهو لا يدخل في السجود إلّا بعد اعتقاده إتيان الركوع،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 136

فمعنى كون الشّك في الشي ء بعد الخروج عنه أو المضى أو التجاوز عنه الخروج عنه بحسب اعتقاد الشخص، و مفاد الأخبار أنّه إذا خرج الشخص عن الشي ء أو مضى أو تجاوز عنه بحسب اعتقاده، و دخل في الغير لا يعتني بالشك، فمما قلنا يظهر لك عدم الحاجة إلى تقدير المحل أصلا في أخبار الباب كما أفاد الشّيخ رحمه اللّه.

و إذا عرفت ذلك من كون معنى المضىّ المضىّ بحسب الاعتقاد لا يبقى مجال للموضع الثاني من المواضع الّتي تعرضها من أنّه بعد كون المضى باعتبار المضى عن محل الشي ء، فما هو المراد من المحل هل هو محلّه العقلي أو الشرعي أو العادي لأنّه على ما قلنا لا حاجة إلى تقدير المحل من رأس حتّى يقع الكلام في ما هو المراد من المحل.

و أمّا ما قاله في الموضع الثالث فنقول: أمّا في قاعدة التجاوز يعتبر الدخول في الغير لأنّ المستفاد من أخبارها كون الدخول في الغير من مقومات هذه القاعدة، بل هو تمام المناط

في إجرائها سواء كان الدخول في الغير محققا للتجاوز أو امر آخر غير التجاوز، لأنّ الظاهر من أخبارها ذلك حيث إنّ العمدة في مستند قاعدة التجاوز هي رواية زرارة و إسماعيل بن جابر، و في كل منهما اعتبر الدخول في الغير، و ليس في أخبارها خبر مطلق غير مقيد بالدخول في الغير حتّى يقال ما قاله الشّيخ رحمه اللّه من أنّه هل يحمل المطلق على المقيد أو يؤخذ بالإطلاق و يحمل القيد على الغالب.

و أمّا في قاعدة الفراغ لا يعتبر الدخول في الغير كما قدمنا، لأنّ رواياتها ساكتة عن هذه الجهة، و لا يظهر منها إلّا كون الشّك بعد الفراغ عن العمل، و أمّا الرواية الخامسة من رواياتها المتقدمة، أعنى: رواية زرارة ففيها و إن قال عليه السّلام (فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى) لكن لا يستفاد منها كون الدخول و الصيرورة في حال آخر معتبرا في عدم الاعتناء بالشك، بل المراد أيضا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 137

الفراغ بقرينة ساير رواياتها، و خصوصا مع ما في ذيلها (و قد صرت في حال اخرى في الصّلاة أو في غيرها) و غيرها يشمل كل غير و إن كان السكوت بعد العمل، فلا يستفاد منها إلّا كون الشّك بعد الفراغ، و لا يعتبر الدخول في الغير.

[في ردّ بعض الأمور الّتي تعرّض لها الشيخ الأنصاري رحمه اللّه]

و أمّا الرواية السادسة من رواياتها ففيها و إن قال (و قد دخلت في غيره) لكن كون هذه الرواية من جملة الروايات الدالّة على قاعدة الفراغ محل إشكال لما قلنا عند ذكرها من أن ضمير في (غيره) يكون راجعا إلى (شي ء) أو إلى (الوضوء) فقد ظهر لك ممّا مرّ أنّ عدم الاعتناء بالشّك في

قاعدة التجاوز يعتبر فيه الدخول في الغير، و أمّا عدم الاعتناء بالشّك في قاعدة الفراغ لا يعتبر فيه الدخول في الغير.

فما قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه: من أنّ بعض الروايات مطلق من حيث الغير و بعضها مقيّد، فهل يقيد المطلق أو يحمل القيد على الغالب، لا يكون بصحيح، لأنّ المطلقات الّتي قالها الشيخ رحمه اللّه واردة في مقام بيان حكم قاعدة الفراغ، لأنّها متكفلة لحكم ما كان الشّك في الصحة كما قلنا، و ليس في أخبارها ما يدلّ على اعتبار الدخول في الغير أصلا.

و أمّا الأخبار المقيدة فهي واردة في بيان قاعدة التجاوز، و هي رواية زرارة و إسماعيل بن جابر و هما واردتان في بيان قاعدة التجاوز أعنى: في ما كان الشّك في أصل الوجود.

فالمطلقات واردة في مقام بيان حكم غير مربوط بالحكم الّذي تكون المقيدات متكلفة لبيانه، فلا تعارض بينهما حتّى تصل النوبة بحمل المطلق على القيد أو حمل القيد على الغالب، فمما مر ظهر لك ما في كلامه رحمه اللّه في الموضع الثالث.

[في ذكر الفرق بين القاعدة التجاوز و الفراغ]
اشارة

و اعلم أنّه فرق بين قاعدة التجاوز و الفراغ من بعض الجهات، و اشتراك من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 138

بعض الجهات، أمّا الفرق بينهما:

الفرق الأوّل: أنّ مورد إجراء قاعدة التجاوز، على ما يظهر من أخبارها، كون الشّك في أصل الوجود كما بينّا

، و مورد إجراء قاعدة الفراغ ما إذا كان الشّك في صحة ما وجد و أنّ ما وجد وجد صحيحا و على الوجه المعتبر أم لا.

فتشمل هذه القاعدة كل مورد يكون الشّك في صحة الشي ء، سواء كان في صحة العمل المركب من الأجزاء و الشرائط مثل ما إذا كان شك المكلف في صحة الصّلاة من باب الشّك في إتيان جزء من أجزائها، و كذلك لو شك في وجود شرط من شرائطها كما نقول بعد إنشاء اللّه عند التكلم في شمول القاعدتين للشك في الشرائط و عدم شمولها، و نقول إنشاء اللّه بأنّ قاعدة التجاوز لا تشمل الشّك في غير الأجزاء من خصوص الصّلاة، فلا تشمل غير أجزاء الصّلاة و لا الشرائط من الصّلاة، لأنّ مورد أخبارها الشّك في الأجزاء من الصّلاة،

و أمّا قاعدة الفراغ فتشمل على ما يستفاد من الأخبار المربوطة بها كل مورد يكون الشّك في صحة العمل، سواء كان منشأ الشّك وجود جزء و عدم وجوده، أو شرط من شرائطه و عدم وجوده، و سواء كان الشّك في صحة نفس الجزء مثل ما إذا شك في أنّه أتى بركوع الصّلاة فشك في صحة الصّلاة و فسادها باعتبار هذا الشك، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم الاعتناء في كل من الموردين، فالفرق بين القاعدتين كون الشك في واحدة منهما في الوجود و في الاخرى في الصحة سواء كان منشأ الشّك في الصحة الشّك في وجود جزء أو شرط من المركب، أو يكون الشّك في صحة الجزء الموجود و فساده.

الفرق الثاني: بين القاعدتين أن قاعدة التجاوز مختصه بخصوص ما

إذا كان

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 139

الشك في جزء من الاجزاء الصّلاة فلا تشمل بدليلها غير الاجزاء من الصّلاة و لا الأجزاء من غير الصّلاة، و

لهذا قلنا في ضمن بعض الأبحاث السابقة أنّ الاذان و الاقامة المذكورتين في رواية زرارة من صغريات قاعدة التجاوز يكون بنحو من العناية، و كونهما جزء للصّلاة من باب كونهما مقارنين لها فعلى هذا يكون الشّك في وجود جزء من أجزاء غير الصّلاة خارجا عن موضوع هذه القاعدة رأسا، فالشك في جزء من أجزاء الطهارات الثلاثة بعد الدخول في الجزء اللاحق خارج عن موضوع قاعدة التجاوز، فلا نحتاج في خروج الطهارات الثلاثة إلى ما قاله الشيخ رحمه اللّه من خروجها عن تحت قاعدة التجاوز بالتخصيص أو الاجماع أو غيرهما لأنّه على ما قلنا لا عموم للقاعدة راسا يشمل غير أجزاء الصّلاة حتّى نحتاج في خروج الشك في أجزاء الطهارات الثلاثة إلى التخصيص لاختصاص الأخبار الواردة في قاعدة التجاوز على ما عرفت بخصوص الأجزاء من الصّلاة.

و أمّا قاعدة الفراغ فلا تنحصر بدليلها لخصوص الأجزاء من الصّلاة، بل تعم غيرها، ففي كل مورد يكون الشّك في صحة ما أتى به بعد الفراغ عنه لا يعتنى من باب كون الشّك بعد الفراغ.

الفرق الثالث: بين القاعدتين هو أنّه يعتبر في عدم الاعتناء بالشّك في قاعدة التجاوز الدخول في الغير

، و لا يعتبر ذلك في مورد الشّك بعد الفراغ كما قلنا سابقا، لأنّ مقتضى الأخبار اعتبار الدخول في الغير في الاولى، و مقتضى الأخبار عدم الاعتبار في الثانية.

و أمّا ما به الاشتراك بين القاعدتين:

الأوّل: أنّ منشأ التجاوز في كل منهما اعتقاد الاتيان، ففي مورد قاعدة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 140

التجاوز لا يتجاوز عن المشكوك إلّا مع اعتقاده إتيانه، ثمّ مع هذا الاعتماد و التجاوز عنه يشكّ في أنّه أتى بما تجاوز عنه أم لا، و كذا في قاعدة الفراغ، فالفارغ عن العمل يفرغ عنه باعتقاده إتيان العمل على الوجه الصحيح، ثمّ بعد الفراغ يشكّ في وقوع العمل صحيحا و عدمه فمن هنا يظهر أنّ مورد كل من القاعدتين يكون كالشك السارى، فإنّه بعد التجاوز أو الفراغ يشكّ في ما اعتقده سابقا، فيكون شاكّا في ما كان معتقدا به.

و لا يقال: بأنّه على هذا تكون هذه الأخبار الواردة في القاعدتين من جملة أدلة قاعدة اليقين و الشك الساري.

لأنّا نقول: عدم الاعتناء بالشّك في مورد القاعدتين و إن كان منطبقا على الشك الساري، لكن لا يصير هذا سببا لحجية الشّك الساري مطلقا و في كل مورد، و لعلّ منشأ ما ذهب إليه الشّيخ رحمه اللّه- من كون مفاد الأخبار قاعدة واحدة، و هي قاعدة التجاوز- هو الوجه الاشتراك المتقدم بين القاعدتين، و لكن هذا لا يوجب الاتحاد.

و أمّا ما قال الشّيخ رحمه اللّه في الموضع الرابع من تخصيص الطهارات الثلاث أو خصوص الوضوء من الأخبار.

فنقول: أمّا على ما اخترنا من كون مفاد الأخبار مختلفا، فبعضها متعرض للشك في الوجود، و بعضها للشك في الصحة، و يسمى الأوّل قاعدة التجاوز.

و الثاني: قاعدة الفراغ، فكما قلنا سابقا: إنّ الأخبار المربوطة بقاعدة التجاوز،

فمختصة بخصوص أجزاء الصّلاة، فلا عموم و لا إطلاق لها يشمل غير الأجزاء من خصوص الصّلاة حتّى نحتاج في خروج الشّك في أجزاء الطهارات الثلاث إلى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 141

الالتزام بالتقييد أو التخصيص.

و أمّا قاعدة الفراغ فحيث يكون لسان أخبارها عام أو مطلق يشمل الصّلاة و غير الصّلاة لا نحتاج إلى تكلف في الطهارات الثلاث لأنّ قاعدة الفراغ محكمة فيها أيضا.

[في ردّ كلام الشيخ فى الموضع الخامس و السادس]

و أمّا ما قال في الموضع الخامس من أنّه هل تشمل الأخبار الشّك في الشرائط أم لا الخ.

فنقول بعونه تعالى: أمّا إذا كان الشّك في إتيان شرط من شروط المركب، فلا مجال لأن يقال بعدم الاعتناء، لما قلنا من أنّ الشّك في الوجود يكون مورد قاعدة التجاوز، و لا تشمل إلّا الشّك في وجود خصوص الأجزاء من الصّلاة، و لا يعم الشك في غير الأجزاء من الصّلاة و لا الأجزاء من غير الصّلاة.

و أمّا في قاعدة الفراغ إذا كان الشّك بعد الفراغ عن العمل في صحته، و كان منشأ الشّك في صحته و فساده الشّك في إتيانه بالشرط الفلانى و عدمه، فلا إشكال في إجراء قاعدة الفراغ.

و أمّا ما قاله رحمه اللّه في الموضع السادس من أنّ الشّك في صحة المأتى به حكمه حكم الشّك في الاتيان، بل هو هو لأنّ مرجعه إلى الشّك في وجود الشي ء الصحيح، و قال: بأنّ المراد من الشّك في الصحة يكون في ما لا يكون الشّك راجعا إلى الشّك في ترك بعض ما يكون معتبرا في صحة شي ء، مثل ما إذا شك في تحقق الموالاة المعتبر في حروف الكلمة أو الكلمات من الآية، لأنّه لو كان الشّك في الصحة من باب الشّك في إتيان بعض ما

هو المعتبر في الشي ء يكون من صغريات الشّك في الاتيان، و يكون مورد الأخبار بنظره لأنّه يكون الشّك في الوجود.

فمراده في هذا الموضع هو ما إذا شك الشخص في صحّة المأتي به، مثل ما إذا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 142

علم أنّه أتى بالركوع و لكنه شاك في أنّه أتى به صحيحا أم لا، ثمّ قال بعدا: بأنّ الالحاق غير خال عن الاشكال، لأنّ ظاهر الأخبار مختص بغير هذه الصورة إلّا بدعوى تنقيح المناط، و أنّ المناط في عدم الاعتناء بالشّك يكون من باب التجاوز عن المشكوك مثلا، و هذا الملاك موجود في ما إذا كان الشّك في الاتيان أو الصحة أو ببعض ما يستفاد منه العموم مثل رواية ابن أبي يعفور أو بجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا مستقلا، و مدركه ظهور حال المسلم أو التعليل الوارد في رواية بكير بن أعين (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) فان المستفاد منها كون الأذكرية موجبا لاتيان الشي ء على الوجه الصحيح.

[اشكال المحقّق الخراساني على ما قاله الشيخ]

و استشكل المحقق الخراساني رحمه اللّه في حاشيته على الرسائل على ما قاله الشيخ رحمه اللّه- من أنّ الشّك في صحة المأتى به حكمه حكم الشّك في الاتيان، بل هو هو- بأنّه لا تقتضى قاعدة التجاوز إلّا الحكم بوجود المشكوك و تحققه، و أمّا الحكم بصحة الموجود فلا إلّا على القول بالاصول المثبتة لاستلزام الشّك في صحة الموجود في الوجود الصحيح، فلا يترتب على الموجود آثار الصحة إلّا على القول بالأصل المثبت لأنّ معنى عدم الاعتناء بالشّك في مورد قاعدة التجاوز هو الحكم بوجود المشكوك و تحققه، و مجرد ذلك لا يكفي لاتصاف ما وجد بالصحة و أنّ الموجود متصف بالصحة

إلّا أن يقال: بأنّ لازم وجود ما شك فيه هو وجوده صحيحا و متصفا بالصحة، و هذا لا يثبت إلّا مع الالتزام بالأصل المثبت.

إذا عرفت ذلك كله نقول: بأنّه بعد كون الشّك في إتيان شي ء و عدمه شكا في أصل الوجود، و الشك في وجود الشي ء غير ملازم مع الشّك في صحة هذا الشي ء، و بعبارة اخرى إن كان الشاك في وجود شي ء شاكّا في صحة هذا الشي ء، مثلا من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 143

يكون شاكّا في وجود الركوع شاك في وجود الركوع الصحيح، أعنى: كما أنّه شاك في وجوده يكون شاكّا في صحته بالملازمة، لكان كلام الشّيخ رحمه اللّه- من أنّ الشاك في صحة المأتى به حكم الشاك في أصل الاتيان بل هو هو- لأنّ مرجعه إلى الشّك في وجود الشي ء الصحيح.

و لكن بعد كون الشّك في أصل وجود الشي ء غير الشّك في وجود الشي ء الصحيح لأنّه في الأوّل يكون الشّك متعلقا بأصل الوجود و في الثاني يكون متعلقا بصحة الشي ء الموجود، فتكون الأخبار على ما بينه راجعا إلى الأوّل فلا تشمل الثاني، فلا يكون الشّك في الصحة كالشك في الاتيان فكلامه غير تمام.

و لو أغمضنا عما استشكلنا على كلامه رحمه اللّه فما أورده عليه المحقق الخراساني رحمه اللّه- من كون إثبات الصحة بهذه القاعدة مثبتا- ليس بتمام، لأنّه إن كان الشّك في الصحة على ما قال الشّيخ رحمه اللّه من صغريات أخبار قاعدة التجاوز فليس الحكم بالصحة مثبتا، لأنّ معنى عدم الاعتناء الحكم بوجود المشكوك تعبدا، و إذا كان الشّك في الصحة فمعنى عدم الاعتناء الحكم بالاتيان على ما ينبغي و أنّه وقع تاما، و هذا معنى الصحة، فليست الصحة من لوازمها

حتّى يكون الاثبات بالقاعدة مثبتا، بل الصحة أثرها إذا كان الشّك في الصحة من موارد القاعدة، فمعنى عدم الاعتناء الحكم بالصحّة.

و أمّا ما قال الشّيخ رحمه اللّه من التمسك لشمول القاعدة للشك في الصحّة بتنقيح المناط.

فنقول: إن كان المراد من تنقيح المناط كشف مناط عام يشمل الشّك في الصحّة كما يشمل الشّك في الوجود، ففي غير محله، لعدم كشف المناط القطعى، و إن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 144

كان المراد مفهوم الموافقة، فيكون له وجه كما قلنا سابقا، لأنّه بعد كون الشّك في الوجود محكوما بعدم الاعتناء بعد التجاوز فالشك في الصحّة أولى بذلك.

[في ذكر فروع في الموضع السابع]
اشارة

و أمّا ما قال رحمه اللّه في الموضع السابع من المواضع السبعة، فنقول لتوضيح ما هو الحق في المقام: بأنّه في المسألة فروع:

الفرع الأوّل: أن يكون الشخص شاكا في وجود شرط من شرائط العمل

قبل الشروع في العمل، ثمّ غفل و دخل فيه بهذا النحو، ثمّ بعد العمل يشكّ في صحة العمل من باب الشّك في وجود هذا الشرط و عدمه، مثلا كان المكلف قبل الصّلاة شاكا في وجود الوضوء، و نفرض عدم وجود استصحاب الطهارة ثمّ غفل و دخل فى الصّلاة بدون احراز الطهارة، ثمّ بعد الفراغ عنها يشكّ في صحتها من باب الشّك في أنّه صلّى مع الطهارة، أم بلا طهارة، فهل يكون هذا الفرض مورد إجراء قاعدة التجاوز بمعنى الشيخ رحمه اللّه، و مورد قاعدة الفراغ على مختارنا أم لا؟

الظاهر عدم شمول الأخبار للمورد لأنّ ظاهر الأخبار صورة حدوث الشك بعد العمل، لا ما كان الشّك مسبوقا على العمل و كونه شاكّا من قبله.

الفرع الثاني: ما إذا أتى بالعمل، ثمّ بعد الفراغ منه شك في صحته

من باب الشك في وجود ما يعتبر فيه و كان الشّك حادثا بعد العمل، و لكن كان منشأ الشك الطارئ الذهول و الغفلة عن صورة العلم، ففي هذه الصورة لا يعتني بالشّك للأخبار، بل هذه الصورة هي القدر المتيقن من الأخبار.

الفرع الثالث: أن يطرأ الشّك بعد العمل

، و لكن لا يكون الشّك من باب الغفلة و الذهول عما فعل، بل يدرى ما صنع، لكن لا يدري أنّه مع ما يدري أنّه ما صنع هل وقع الفعل صحيحا أم لا؟ مثل من يشكّ بعد الفراغ عن الوضوء في أنّ ماء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 145

الوضوء هل وصل إلى ما تحت خاتمه أم لا، و كان عالما بوضع ما فعل، مثلا يدرى كون الخاتم في إصبعه و يدرى عدم تحريكه الخاتم و عدم تغيير محله لأن يصل الماء تحته، و لكن مع ذلك يشكّ في وصول الماء الوضوء تحته و عدمه فهو في هذا الشّك غير ذاهل عما فعله و عالم بنحوة فعله إلّا أنّه يكون شاكّا في أنّه مع هذا هل تحقق ما اعتبر في الفعل، ففي المثال هل وصل الماء تحت خاتمه من البشرة أم لا، فهل يكون المورد مورد القاعدة أم لا؟

قال الشّيخ الانصاري رحمه اللّه: بأنّ في المسألة وجهان: وجه الشمول إطلاق بعض الاخبار، و وجه عدم الشمول التعليل الوارد في رواية من الروايات المتقدمة (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) لدلالة التعليل على كون الحكم مخصوصا بمورد، فمورد عدم الاعتناء ما يكون مجال لأن يقال: هو حين ما يعمل العمل أذكر منه حين يشك، و في الفرض لا يكون مجال لذلك لأنّ الشاك يكون حين الشّك متذكرا بكيفية ما فعله مثل الزمان الّذي، عمله، لكن

مع ذلك يشكّ في أنّه بما فعله أوقع ما يجب عليه إتيانه أم لا، فهل نقول بالشمول أم لا.

اعلم أنّ الالتزام بالشمول مشكل (لأنّ ظاهر الأخبار عدم الاعتناء في ما إذا كان الشّك في الصحة بعد العمل في وقوع شي ء و عدم وقوعه من باب الشّك في أنّه أوقع العمل على نحو وقع المشكوك أم لا، و في الفرض يعلم بأنّه مع تذكره بما أوقع فلا يوجب وقوع المشكوك، بل يكون شاكا في أنّه هل وقع قهرا ما يجب عليه وقوعه بما فعله أم لا. «1»

______________________________

(1)- أقول: قلت بحضرته مد ظله، بناء على ما اخترته من كون القاعدتين بنفسهما قاعدتين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 146

و على كل حال الحكم بشمول الأخبار لهذا الفرع غير معلوم.

الفرع الرابع: صورة طروّ الشّك بعد العمل مع كون منشأ الشّك احتمال ترك الجزء

و مع ذلك يشكّ في أنّه لو تركه فرضا هل الترك كان نسيانا أو عمدا.

[في كلام الشيخ الأنصاري و اختياره و تماميّته]

يظهر للمراجع إلى كلام الشّيخ رحمه اللّه أنّه لا يفرق في حكم المحتمل تركه بين كون تركه نسيانا و بين كون تركه عمدا لأنّه رحمه اللّه- بعد ما فرض صورة الشّك بعد العمل في إتيان الجزء و لكنّه عالم بنحوة فعله و مع هذا يشكّ في أنّه وقع الجزء أم لا، مثل ما إذا شك في أنّ ما تحت خاتمه غسل بالارتماس أم لا- قال: بأنّ في شمول الأخبار لهذه الصورة و عدم الشمول وجهان: من إطلاق بعض الأخبار و من التعليل بقوله (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك) إلى أن قال: نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا أو تركه عمدا الخ.

______________________________

مستقلتين غير مربوطة كل منهما بالاخرى، و قلت: بأنّ الأخبار الواردة في قاعدة الفراغ تحكم بعين ما يكون مرتكز العقلاء لأنّ مرتكزهم عدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ عن العمل، و قلت: بأنّ هذه القاعدة لم تكن قاعدة تعبدية بخلاف قاعدة التجاوز، فيكون لازم ما أخذت- من كون منشأ حجية قاعدة الفراغ، و عدم الاعتناء بالشّك في الصحة بعد الفراغ عن العمل هو سيرة العقلاء- هو كون الأخبار الواردة إمضاء لطريقتهم، فلو كان فرضا لهذه الأخبار إطلاق حيث لا يكون لسانها لسان التأسيس، بل لسان الامضاء أو عدم الردع، فلا بدّ من فهم ما هو عليه سيرة العقلاء، فإن كانت سيرتهم عدم الاعتناء بالشّك حتّى في هذا الفرض فنقول بعدم الاعتناء، لكون الأخبار المطلقة إمضاء لسيرتهم، نعم لو استكشفنا عن بعض الأخبار تقييد إمضاء الشارع بغير هذا الفرض، لا يمكن العمل بالسيرة لكون ذلك ردعا

عن طريقتهم، و إن كانت سيرتهم على عدم الاعتناء في غير مفروض الفرع، فلا مجال للالتزام بعدم الاعتناء في هذا الفرع تمسكا بإطلاق الأخبار، لأنّ الأخبار ناظرة إلى ما هو بناء العقلاء، و ليس على الفرض بنائهم في هذا الفرض، و لمّا قلت ذلك بحضرته كأنّه استرضاه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 147

و كلامه محتمل لأن يكون متفرعا على الفرع الّذي ذكره سابقا أى: الفرع الثالث الّذي ذكرناه، و أنّه لا فرق في شمول الأخبار و عدم شمولها للفرع الثالث بين أن يكن المتروك المحتمل تركه عمدا أو نسيانا، و لأن يكون كلاما مستقلا، و أنّه لا فرق في ما هو مورد الأخبار بين كون منشأ الترك المحتمل للترك نسيانا أو عمدا.

و على كل حال نقول: بأنّ ما افاده لا يكون في محله، لأنّ مورد أخبار الباب على ما هو ظاهرها مختص بصورة كون الشّك بعد التجاوز في وجود شي ء و عدمه، أو بعد الفراغ في صحة شي ء و فساده من باب صيرورة النسيان سببا لتركه أو لفساده، لأنّ الأخبار متعرضة لما يكون الشخص بحسب قصده و ارتكازه عازما على إتيان شي ء و إيجاده على الوجه الصحيح، ثمّ عروض النسيان و غروبه عن الواقع صار سببا لتركه، أو لعدم إتيانه على الوجه الصحيح لا صورة احتمال كون منشأ تركه، أو إتيانه فاسدا العمد، و هذا ممّا لا شبهة فيه.

و لكن مع ذلك نعترف بتمامية كلام الشّيخ رحمه اللّه و شمول الأخبار لكل من الصورتين: صورة احتمال كون الترك أو الاتيان فاسدا النسيان، و صورة احتمال كون الترك، أو الاتيان فاسدا العمد، بدعوى ظهور إطلاق الأخبار الواردة أو عمومها في عدم البطلان و عدم الاعتناء بالشّك

لكل من الصورتين لأنّ مفادها عدم الاعتناء بالشك بعد التجاوز أو بعد الفراغ مطلقا.

أو بدعوى الألوية و أنّه بعد كون مفاد الأخبار عدم الاعتناء بالشّك إذا كان منشأ الشّك احتمال تركه أو إتيانه فاسدا نسيانا، فبالأولوية لا يعتنى بالشّك إذا كان منشأ احتمال الترك أو الاتيان فاسدا عن عمد أو سهو لأنّه بعد حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشّك عن تركه مع كون منشأ الشّك نسيانه مع كون الترك من باب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 148

النسيان كثير الاتفاق، فبالأولوية نقول: بعدم وجوب الاعتناء بالشّك فيه مع كون منشأ احتمال الترك هو تركه عمدا مع ندرة وجود ذلك، بل عدم اتفاقه لأنّه من كان بنائه إتيان مركب بداعي غرض كيف يترك جزء من أجزائه أو يأتى به فاسدا عمدا، فالترك عمدا في غاية البعد و الترك نسيانا يتفق كثيرا، فمن الحكم بعدم الاعتناء في ما يكون كثير الوجود نحكم بعدم الاعتناء بالشّك في ما هو عزيز الوجود بالأولوية فتأمل.

الأمر السابع: في الشّك بعد الوقت.
اشارة

اعلم أنّه من القواعد الّتي ينبغي البحث عنها في المقصد الأوّل هي عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت في الصّلاة، مثلا لو شك بعد مضى وقت الظهرين في أنّه هل صلّى الظهرين أم لا، لا يعتني بشكه و يبنى على إتيانهما و هذا الحكم مسلّم بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و هل تكون هذه القاعدة قاعدة مستقلة في قبال قاعدة التجاوز و الفراغ، أو متحدة معهما، و كلها واقع تحت ملاك واحد جامع بينها كما يظهر من الانصاري رحمه اللّه حيث ذكر الرواية الدالة على هذه القاعدة في جملة أخبار قاعدة التجاوز، فكما قال بكون قاعدة التجاوز و الفراغ قاعدة واحدة كذلك هما مع هذه القاعدة قاعدة واحدة فكل

هذه الثلاثة قاعدة واحدة، يحكم في موردها بعدم الاعتناء بالشّك بملاك واحد.

[في نقل كلام السيد و المحقّق الحائري]

لم أر تعرضا من الفقهاء قدّس سرّهم لهذه القاعدة مع كون حكمها مسلما عندهم إلّا ما

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 149

يرى من تعرض السيّد رحمه اللّه في العروة الوثقى لها، و العلّامة الحائري رحمه اللّه في صلاته «1» و الأوّل نقل ما نقل على سبيل الفتوى بدون ذكر دليلها لعدم كون كتابه معدّا لذلك، و الثاني تعرض لها و قال: بأنّه لا يعتني بالشّك بعد الوقت لعمومات الواردة في باب قاعدة التجاوز و الفراغ، و لأخبار خاصة، و اقتصر بذلك فقط.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: تارة يقال بكون هذه القاعدة من صغريات قاعدة التجاوز و الفراغ كما قال الشّيخ رحمه اللّه بدعوى كون الجامع بينها، و هو كون الشّك في الوجود سواء كان الشّك في وجود الجزء أو المركب.

و تارة يقال: بكونها قاعدة مستقلة كما قلنا بكون قاعدة الفراغ قاعدة مستقلة في قبال قاعدة التجاوز و بالعكس.

فإن قلنا بالأوّل فالدليل عليها هو الأخبار الدالة على عدم الاعتناء بعد المضى عنه، و إن قلنا بكون كل من هذه الثلاثة قاعدة مستقلة مختلفات من حيث المورد كما قلنا سابقا، لأنّ مورد قاعدة التجاوز هو الشّك في وجود جزء من الأجزاء في خصوص الصّلاة بمقتضى أخبارها، و مورد قاعدة الفراغ عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ في ما إذا كان الشّك في صحة المأتى به و فساده بمقتضى أخبارها، و لا اختصاص لهذه القاعدة بخصوص الصّلاة، بل تجرى في كل مركب أتى به، ثمّ بعد الفراغ عنه يشكّ في أنّه أتى به صحيحا أم لا.

و أمّا في الشّك بعد الوقت فيكون الشّك في إتيان أصل

المركب و عدمه، فلا يكون الشّك بعد الوقت من صغريات قاعدة التجاوز لأنّ موردها الشّك في وجود

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى رحمه اللّه، ص 343.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 150

جزء المركب، و في هذا المورد يكون الشّك في وجود أصل المركب و عدمه، و لا من صغريات قاعدة الفراغ لأنّ موردها الشّك في الصحة لا في وجود المركب.

فقاعدة عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت قاعدة مستقلة غير قاعدة التجاوز و الفراغ، و لا وجه لعدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت في إتيان المركب و عدم إتيانه بأخبار قاعدة التجاوز و الفراغ.

[في ذكر روايتان في المورد]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: ما يمكن كونه دليلا على عدم الاعتناء لو شك بعد الوقت في إتيان الصّلاة و عدمه روايتان:

الرواية الأولى: و هي ما رواها حماد عن حريز عن زرارة
اشارة

و الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام. «1»

(في حديث) قال: متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها او في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتّى يستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصليها في أيّ حالة كنت.

تدلّ على أنّه لو تيقن أو شك في فعل الفريضة- و المراد بالفريضة الصّلاة بقرينة قوله: إنّك لم تصلّها في وقت الفريضة- تجب الصّلاة، و كذا لو تيقن أو شك في وقت فوتها و يحتمل أن يكون المراد من (وقت فوتها) أنّه تيقّن أنّه فانت صلاة منه، ثمّ فى وقت الفوت، أى: بعد مضى وقتها و يقينه السابق بعدم إتيانها، يتقن أو شكّ في أنّه هل أتى بها أى: قضاها فيجب إتيانها أى: قضائها.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 60 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 151

[الكلام فى محتملات الرواية]

و يحتمل أن يكون المراد من (وقت فوتها) وقتا لو تأخر إتيانها عن هذا الوقت لفات وقتها، مثل ما إذا تيقن أو شك في آخر الوقت الّذي لم يبق إلّا مقدار أداء العصر في أنّه لم يأت بالعصر، فيجب إتيانها.

فيكون المراد من قوله (متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة) اليقين أو الشك في إتيان الفريضة في الوقت المضروب لها مثلا للظهر و العصر بين الزوال و الغروب، و يكون المراد من (وقت فوتها) آخر وقتها الّذي لم يبق إلّا مقدار أدائهما.

و الشاهد على أنّ المراد هذا الاحتمال مضافا إلى ما في صدر الرواية المذكورة في الكافي، قوله عليه السّلام بعد ذلك (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و

قد دخل حائل فلا إعادة) و هذه الفقرة مقابل الفقرة الاولى.

فالمراد من الشّك في وقت الفريضة أو وقت فوتها صورة بقاء الوقت، و المراد من الذيل أى: بعد ما خرج وقت الفوت صورة مضى الوقت، ففي الاولى يجب إتيان الصّلاة، و في الصورة الثانية لا يجب إتيانها إلّا إذا تيقن تركها.

فيستفاد من الرواية عدم الاعتناء بالشّك في الصّلاة بعد مضىّ وقتها، و هل يستفاد منها كون هذا الحكم في جميع الواجبات الموقتة غير الصّلاة أيضا أم لا، ظاهر الرواية اختصاص الحكم بالصّلاة. «1»

______________________________

(1)- أقول: يحتمل استفادة الاطلاق من قوله عليه السّلام في الرواية (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل حائل فلا إعادة عليك) بناء على كون الصادر من المعصوم عليه السّلام (فقد دخل) بلفظ (فاء) لا و قد دخل بلفظ (واو) فيقال، بناء على كون الصادر (فقد دخل) على ما رأيته في بعض نسخ الكافي، بأنّ الظاهر من كون ثبوت الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في بعد مضىّ وقته

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 152

هذه الرواية في الكافي «1» باب من قام عن الصّلاة أو سها عنها (حماد عن حريز عن زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه تبارك اسمه: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا، قال: يعنى مفروض، و ليس يعني وقت فوتها إنّك إذا جاز ذلك الوقت ثمّ صلّاها لم تكن صلاته هذه مؤداة، و لو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السّلام حين صلّاها لغير وقتها، و لكن متى ما ذكرها صلّاها، قال: قال:

و متى) إلى اخر ما نقلناه في المتن.

الرواية الثانية: و هي ما رواها ابن إدريس

في آخر السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضى الحائل و الشك جميعا، فإن شك في الظهر في ما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن، لأنّ العصر حائل في ما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلّا بيقين). «2»

و هذه الرواية أيضا على ما ترى رواها حريز عن زرارة فقط بخلاف الرواية الاولى رواها عن زرارة و فضيل، و على كل حال يستفاد من قوله عليه السّلام (اذا جاء يقين

______________________________

معللا بدخول ما هو العلة، و هو وجود الحائل، ففي كل موقت بعد وقتها دخل الحائل فلا يعتنى بالشّك في أنّه هل أتى بها أم لا.

و أمّا إذا كان الصادر عنه عليه السّلام (و قد دخل) فلا يكون هذا علّة بل تكون هذه الفقرة من متممات قوله (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت) و يكون الجزاء للشرط قوله (فلا إعادة عليك) و لكن مع ذلك الحكم بالتعميم لغير الصّلاة مشكل لاختلاف النسخ أوّلا، و عدم ظهور محرز لكون (فقد دخل) علّة حتّى بناء على كون الصادر (فقد) مع الفاء. (المقرر)

(1)- الكافي، ج 3، ص 294، ح 10.

(2)- الرواية 2 من الباب 60 من ابواب المواقيت من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 153

بعد حائل قضاه) وجوب القضاء بعد وجود الحائل إذا تيقن فوت الفريضة و المضىّ على اليقين، و قال بعد ذلك (و يقضى الحائل و الشك جميعا) فإن كان المراد من الحائل الفريضة اللاحقة، و كانت هذه الفقرة متمما للفقرة الاولى، فما معنى قوله (و

جميعا) لأنّه لم يكن شك، بل كان اليقين بالفوت، لأنّ المفروض في الفقرة السابقة هذا، فتصير الرواية لأجل ذلك مضطربة المتن. «1»

ثمّ إنّ الحكم بعدم الاعتناء بالشّك في إتيان الظهر بعد ما صلّى العصر في الرواية حيث قال (و إن دخله الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت الخ) ممّا لا يفتى به، و لا يمكن الالتزام به.

[المستفاد من الرواية الأولى حكم الشك بعد الوقت]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّ دلالة الرواية الاولى على المسألة واضحة، فتدل على أنّه لو شك في إتيان الصّلاة في وقتها المضروب لها يجب إتيانها، و إن شك بعد ما خرج وقتها لا يجب الاتيان بها، و أمّا لو تيقن عدم إتيانها يجب إتيانها سواء حصل اليقين في الوقت أو في خارجه، فهذا الحكم يستفاد من الرواية في الجملة.

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام (و يقضى الحائل و الشك جميعا) جملة مستقلة، و يكون المراد أنّه يقضي الحائل أى: الصّلاة الّتي هو في وقتها مع الصّلاة الّتي مضى وقتها، و يكون المراد من القضاء هو الاتيان لا القضاء المصطلح بقرينة التعبير بالنسبة إلى الحائل بالقضاء، لأنّه قال (يقضى الحائل) و الحال أنّ الحائل لم يمض وقتها، و بعد كون ذلك جملة مستقلة تكون الجملة الواقعة بعدها تفريعا على ذلك أعنى: قوله (فإن شك في الظهر في ما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها) يعنى لو شك قبل أن يصلّي العصر في أنّه هل صلّى الظهر أم لا يقضى الظهر لعدم دخول حائل، و يقضى العصر أى: يأتي به قهرا لعدم إتيانها (و إن دخل الشّك بعد أن يصلّي العصر فقد مضت إلّا أن يستيقن لأنّ العصر حائل في ما بينه و بين الظهر

الخ).

فلم يبق من حيث قوله عليه السّلام (و يقضى الحائل و الشك جميعا) إشكال، نعم يبقى إشكال آخر تعرض له سيدنا الاعظم مدّ ظله العالي و هو هذا. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 154

[في ذكر المسألة في الباب]

مسئلة: لو شك في إتيان الصّلاة و عدمه و قد بقي من الوقت مقدار لا يدرك إلّا بعض الركعة لا تمام الركعة، فهل يعتنى بالشّك فيجب إتيان الصّلاة، أو لا يعتني بالشك فلا يجب إتيانها وجهان:

أمّا وجه الأوّل فهو أن يقال: إنّ المستفاد من الرواية السابقة وجوب الاتيان في الوقت و عدم الاعتناء بالشّك في خارج الوقت، ففي الفرض يكون الوقت باقيا فيجب اتيان الصّلاة.

و أمّا وجه الثاني فهو أنّ يقال: إنّ الملاك و الميزان في الحكم بالاعتناء في الوقت بالشك، هو أنّه بعد الشّك يأتى بالصّلاة، فلا بدّ من أن يكون مورده كلما يمكن إتيان الصّلاة و في الوقت، و في الفرض لا يتمكن المكلف من ذلك، فلهذا لا يكون مورد هذا الحكم، بل يكون المفروض من صغريات الشّك بعد الوقت.

اختار الثاني في العروة و قواه، و قلنا في حاشيتنا عليها: بأنّ القوة محل تأمّل، و يأتى الوجه في كون الحق هو الوجه الأوّل إن شاء اللّه في المسألة اللاحقة. «1»

[في ذكر المسألة الثانية في الباب]

مسئلة: إذا شك في الصّلاة و قد بقى من الوقت مقدار ركعة، فهل ينزل منزلة تمام الوقت أولا، وجهان:

وجه كون هذا الشّك من الشّك في الوقت هو أن يقال: بأنّ لسان من أدرك يجعل خارج الوقت منزلة الوقت، ففي الفرض يكون الشّك في الوقت.

وجه عدم كونه من الشّك في الوقت هو أن يقال: بأنّ لسان من أدرك إنّما هو التنزيل لمن لا يدرك الصّلاة في الوقت الاختيارى، و لأنّ من أدرك لا يدلّ إلّا على

______________________________

(1)- أقول: و يأتى إنشاء اللّه كون القريب بالنظر هو الوجه الأوّل. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 155

أنّه من لم يأت الفريضة حتّى لم يبق من الوقت إلّا

مقدار ركعة يدرك الوقت، و يكون لسانه التوسعة و تنزيل غير الوقت منزلة الوقت، و أمّا من يكون شاكا في أنّه أتى بالفريضة أم لا يكون خارجا عن موضوع من أدرك، لأنّ موضوعه من لم يأت بالفريضة لا من يكون شاكّا في إتيانها و عدمه.

و ما يقال من أنّ المكلف في هذا الوقت الّذي لم يبق من الوقت إلّا مقدار إدراك ركعة، شاكّ في الإتيان و عدمه، لكن ببركة استصحاب عدم الاتيان يكون محكوما بعدم الاتيان لأنّه لم يأت بها سابقا فيستصحب عدم الاتيان إلى هذا الزمان، و بعد كونه محكوما بعدم الاتيان بالاستصحاب يكون داخلا في موضوع من أدرك، لأنّه ممّن لم يأت بالفريضة بعد الاستصحاب فببركته يدخل في موضوع من أدرك، فيكون له الوقت باقيا، و لهذا يقال في فرض المسألة: بوجوب إتيان الفريضة، و كون الشك في الوقت.

نقول في جوابه: بأنّ هذا الكلام في غير محلّه، لعدم مجال للاستصحاب في مورد قاعدة الشّك بعد الوقت، لأنّه لو كان الاستصحاب جاريا في مورده يلزم عدم وجود مورد لها أصلا، إذ في كل مورد من موارده يكون الاستصحاب لأنّ المكلف شاك في إتيان الصّلاة، فان كان الاستصحاب جاريا يلزم لغوية القاعدة المستفادة من الرواية، أى: قاعدة عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت، فعلى هذا لا مجال لاستصحاب عدم الاتيان أصلا حتّى يقال بعد إجرائه: يشمل من أدرك للمورد، و لهذا قلنا في الاصول بتقديم هذا الأصل على الاستصحاب، هذا حال ما قاله العلّامة الحائري رحمه اللّه في المقام في صلاته. «1»

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للمحقق الحائرى، ص 346.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 156

و لكن لا يخفي عليك أنّ ما قاله رحمه اللّه في وجه عدم كون

مسئلتنا من صغريات الشك في الوقت لا وجه له، لأنّ لسان من أدرك ليست التوسعة في الوقت، و بعبارة اخرى لا يكون لسانه جعل الوقت المضروب أطول، و كون الوقت و الزمان بمقدار ما بقى من الصّلاة في خارج وقتها المضروب وقتا للصّلاة أيضا، فلا يكون لسان من أدرك كون وقت صلاة الفجر الممتد إلى طلوع الشّمس ممتدا إلى ما بعد طلوع الشمس بمقدار زمان إتيان ركعة لمن لم يأت بصلوة الفجر حتّى لم يبق إلا مقدار إدراك ركعة من صلاة الفجر كما ربما يتوهم.

بل لسان من أدرك هو تنزيل من أدرك ركعة من الوقت منزلة من أدرك تمام الوقت.

و بعبارة اخرى من لم يصلّ إلى أن لا يبقى من الوقت إلّا مقدار إدراك ركعة جعل من أدرك الركعة المدركة من الوقت كافية له، و إن وقع ما بقي من صلاته خارج الوقت.

و بعبارة ثالثة يكون لسان من أدرك التوسعة و التنزيل في الشرطية، بمعنى: أنّ ظاهر الأدلة الأولية اعتبار شرطية الوقت لجميع الصّلاة، و يكون لسان من أدرك كفاية وجود هذا الشرط في ركعة واحدة و لو لم يكن ما بقى من الصّلاة واجدا لهذا الشرط.

فعلى هذا نقول: إنّ من أدرك- و لو كان له إطلاق يشمل صورة الشك و الاتيان أو ببركة الاستصحاب يكون صورة الشّك موضوعا له- لم يفد لما نحن بصدده، لأنّ في مسئلتنا يكون الكلام في أنّه هل تكون من صغريات الشّك في الوقت حتّى يعتني بالشك، أو لا حتّى لا يعتني به، و كما قلنا (من أدرك) لا يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 157

لسانه التوسعة في الوقت حتّى يقال بأنّه في المورد يكون الوقت باقيا ببركته، لأنّه لا

يجعل خارج الوقت من الوقت، بل يكون لسانه تنزيل فاقد الوقت منزلة واجد الوقت.

إذا عرفت ذلك يظهر لك عدم تمامية ما قيل في هذا الوجه، ثمّ بعد ذلك نقول:

بأنّ هنا نكتة دقيقة، و هي أنّ مضىّ الوقت المضروب للصّلاة، مثلا كون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس وقتا لصلاة الغداة، هو أنّه في أيّ جزء من أجزاء هذه القطعة من الزمان تقع هذه الصّلاة فقد وقعت في وقتها.

و بعبارة اخرى معنى جعل هذا الوقت وقتا لها هو أنّه يمكن للمكلف إيقاع الصّلاة في هذا الوقت بحيث إنّه يقع كل جزء من أجزاء هذه الصّلاة في جزء من أجزاء هذا الوقت و الزمان بحيث أنّه لو شرع في الصّلاة أوّل الوقت يقع أول جزء منها في أول جزء من هذا الوقت، و جزئها الثاني في الجزء الثاني من هذا الوقت، و هكذا إلى أن تتمّ الصّلاة، أو لو شرع في وسط هذا الوقت فيها يقع كلّ جزء، في قبال جزء و هكذا لو شرع في آخر الوقت بحيث لم يبق من الوقت إلّا مقدار أداء يقع كل جزء منها في جزء من أجزاء هذا الوقت، فيقع قهرا كل قطعة من الزمان المضروب في قبال جزء من أجزائها، و ليس معنى كون الوقت وقتا لها أنّ كل جزء من الوقت وقتا لجميع الصّلاة لاستحالة ذلك، لعدم إمكان وقوع الصّلاة جميعا في آن من آنات الوقت.

إذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى: إنّه بعد معنى كون الزمان المضروب وقتا لصلاة ما قلنا من أنّ مجموع الزمان لمجموع الصّلاة فقهرا يكون كل جزء ظرفا و وقتا لجزء من الصّلاة، و بهذا الاعتبار صارت قطعة من الزمان وقتا للصّلاة، و

ورد من الشرع بأنّ هذه القطعة من الزمان وقتا لهذا، فإذا كان مجموع الوقت وقتا لها

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 158

بهذا الاعتبار، فمتى يكون جزء من الوقت باقيا يكون المكلف في الوقت، فيكون الشك الحاصل له شكّا في الوقت.

و لا يمكن أن يقال لو كان الوقت باقيا و لو بجزء من الصّلاة: بأنّه خرج الوقت، و إلّا يلزم أن يكون منتهى الوقت إلى حدّ يمكن إتيان تمام الصّلاة فيه لا بعضها، يلزم أن يكون وقت صلاة الغداة غير ممتد إلى طلوع الشمس، بل يكون ممتدا إلى مقدار زمان إدراك ركعتين قبل طلوع الشمس، و بعد انقضاء زمان إتيان تمام الركعتين فقد خرج الوقت و لو لم تطلع الشّمس بعد و لا يمكن الالتزام بذلك.

فإذا كان الامر هكذا يكون المورد من صغريات الشّك في الوقت فلو لم يبق من الوقت، إلّا مقدار أداء ركعة نقول: بكون الشّك شكّا في الوقت، لا لاجل (من أدرك) بل لكون الوقت باقيا بالبيان الّذي ذكرناه.

و من هنا يظهر لك أنّ المسألة السابقة، و هي ما إذا شك في إتيان الفريضة في وقت لم يبق من الوقت إلّا مقدار إتيان بعض من ركعة واحدة في الوقت تكون أيضا من صغريات الشّك في الوقت لما قلنا.

إذا عرفت ذلك ففي فرض بقاء الوقت بقدر بعض الركعة و الشك في إتيان الصّلاة فبناء على كون الشّك في الوقت و لزوم الاعتناء به و وجوب إتيان الصّلاة، فهل يجب إتيانها فعلا فيصلّي صلاة مركبة من الأداء و القضاء، لأنّ بعضها يقع في الوقت و بعضها في خارجه، أو يتخير بين إتيانها فعلا و الشروع فيها، و بين الصبر و القضاء بعد الوقت، أو يجب

التأخير لعدم صحة صلاة مركبة من الأداء و القضاء؟

يمكن أن يقال بالتخيير بين الاتيان فعلا، و بين الصبر و القضاء بعدا و لكن لا يبعد تعين الاتيان فعلا لأنّه مهما يمكن حفظ شرطية الوقت يجب حفظها و لو بالنسبة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 159

إلى بعض أجزاء الصّلاة، و على الفرض يكون المكلف قادرا على حفظها بالنسبة إلى بعض الركعة). «1»

______________________________

(1)- أقول: و يأتى بالنظر الاشكال في كون المسألتين من صغريات الشّك في الوقت من جهتين:

الاولى: أنّه يمكن دعوى أنّ الرواية الاولى- من بعض الروايات السابقة المتمسك بها لأصل قاعدة لزوم الاعتناء بالشّك في الوقت و عدم الاعتناء في خارجه- تدلّ على ما قلت حيث إنّه عليه السّلام قال فيها (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك) و المراد كما قلت سابقا هو كون الشّك بعد خروج وقت الفوت، أى: الوقت الّذي لو لم يأت بالفريضة يفوت وقتها: أى: لا يوسع العبد لها، و قلنا: بأنّ الصدر هو قوله (أو في وقت فوتها) يكون المراد هو الزمان الّذي لو تأخر إتيانها يفوت وقتها، فعلى هذا يستفاد من الرواية صدرا و ذيلا أنّ مورد الاعتناء بالشّك هو في ما يكون طروّ الشّك في الوقت إمّا وقتها الموسع أو في آخر الوقت الّذي يكون الوقت بقدر الفريضة بحيث لو تأخر الاتيان عن هذا الوقت لم يبق الوقت لتمام الفريضة، و أمّا إذا انقضى وقت الفوت سواء مضى الوقت بتمامه، أو أنّه و لو لم يمض بتمامه و لكن المقدار الباقى منه غير واف لأن تشغله الفريضة بتمامها، مثلا إذا لم يبقى من الوقت إلّا مقدار ركعة أو بعض الركعة

فيشك في أنّه أتى بها أم لا، فلا يعتني بهذا الشك لكون الشّك بعد خروج وقت الفوت و قد دخل الحائل، و دلّت الرواية على عدم الاعادة، و لأجل هذا لا يكون المفروض في المسألتين المتقدمتين من صغريات الشّك في الوقت.

و لكن قد يقال: بأنّ قوله عليه السّلام في الرواية المذكورة (و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك) يكون المراد من دخول الحائل مضىّ الوقت و في المسألتين لم يمض الوقت على الفرض، فلا يكون موردها من الشّك بعد الوقت).

الثانية: أنّ ما أفاده سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى في معنى كون قطعة من الزمان وقتا مضروبا للصّلاة و إن كان في محله، لكن نقول: بأنّ مورد الاعتناء بالشّك إن كان مطلق الوقت و إن كان وقتا بحسب سعته و ضيقه لبعض الفريضة لصحّ ما قال من كون مورد بقاء الوقت بقدر ركعة أو بعض الركعة من الشّك في الوقت، و أمّا إن كان الميزان في كون الشّك في الوقت كون الشّك واقعا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 160

[في ذكر مسألة أخرى]

مسئلة: ما قلنا في المسألتين السابقتين يكون في ما إذا كان الوقت لصلاة واحدة، مثلا يشكّ في صلاة الغداة و لم يبق من وقتها إلّا مقدار أداء ركعة واحدة أو بعض من الركعة في الوقت، و قلنا إنّ الحق كون الشّك فيهما من الشّك في الوقت، و أمّا لو طرأ الشّك في وقت مضروب للصلاتين مثل وقت الظهر و العصر، أو المغرب و العشاء، مثلا شك في وقت لم يبق من وقت الظهر و العصر إلّا مقدار خمس ركعات، أو اربع ركعات و نصف ركعة، فهل يكون من الشّك في

الوقت أو من خارجه.

فنقول في الفرض تارة يشكّ في إتيان الظهر و العصر كليهما، بمعنى: أنّه يحتمل عدم إتيان كل منهما بحيث إنّه لو أتى أتى بهما، و لو لم يأت لم يأت بكليتهما، و تارة مع احتمال تركهما يحتمل إتيان أحدهما فيحتمل إمّا ترك كل منها، أو ترك الظهر فقط، أو ترك العصر، فهذه صور ثلاثة، فنقول:

أمّا في الصورة الاولى، و هي صورة احتمال إتيانهما معا و احتمال تركهما معا بحيث إنّه باحتماله أمره دائر بين تركهما معا أو فعلهما معا، فبناء على ما هو المشهور بين الفقهاء رضوان اللّه عليهم من كون آخر الوقت مختصا بالعصر بمقدار أدائها على خلاف ما قال ابن بابويه رحمه اللّه من كون تمام الوقت مشتركا بين الظهر و العصر، و كذا المغرب و العشاء، و كذا بناء على أنّه لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار خمس

______________________________

في زمان يفي المقدار الباقي من الوقت لإدراك تمام الصّلاة في هذا الوقت، فلا يكون المورد من الشك في الوقت، و الرواية الّتي دلت على عدم الاعتناء بالشّك بعد الوقت و الاعتناء به في الوقت إن لم تكن ظاهرة في وقت تمام الفريضة لم تكن ظاهرة في الاعتناء و لو في الوقت الوافى لبعض الفريضة، فتأمّل في المقام و عندى بعد في المسألتين تأمّل في كونهما من صغريات الشّك في الوقت أو في خارجه. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 161

ركعات، و يعلم بعدم إتيان الظهر و العصر يجب إتيانهما، ففي هذه الصورة يظهر من العلّامة الحائري رحمه اللّه (بناء على ما قال في المسألة السابقة- أعنى: صورة ما لم يبق من الوقت إلّا مقدار ركعة فشك في إتيان صلاته و

عدمه- من أنّ الشّك يكون بالنسبة إليها شكّا في خارج الوقت) بأنّه يكون الشّك بالنسبة إلى الظهر شكّا بعد الوقت، و بالنسبة إلى العصر يكون شكّا في الوقت، و لكن يعلم بلغوية العصر، لأنّه لو أتى بها واقعا فيكون إتيانها لغوا، و لو لم يأت بها واقعا- حيث يعلم بأنّه لو لم يأت بها لم يأت بالظهر أيضا، لأنّه المفروض في هذه الصورة- فيكون الاتيان بها لغوا أيضا، لأنّه مع عدم الظهر لا تقع العصر صحيحة لفقد شرطية الترتيب، لأنّه مع بقاء ركعة من الظهر يمكن حفظ الترتيب، فالمكلف يعلم بلغوية العصر على كل حال.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 161

و بعد لغويته إمّا أن يقال: بعدم وجوب إتيان العصر أيضا كالظهر، و إمّا أن يقال: بوجوب إتيان الظهر و العصر، أمّا العصر فلبقاء وقتها و كون الشّك بالنسبة إليها شكا في الوقت، و امّا بالنسبة إلى الظهر فلوجوب إتيانها مقدمة كى يعلم بفراغ الذمة عن العصر، لأنّه لا يعلم بفراغ الذمّة من العصر إلّا بعد إتيان الظهر، لأنّه لو اشتغل الذمّة بالعصر تشتغل بالعصر الواقع بعد الظهر، فلأجل العلم بفراغ الذمّة عن العصر يجب إتيان الظهر مقدمة أيضا.

فوقع هذا القائل رحمه اللّه- من أجل ما التزم به من أنّه مع بقاء الوقت بقدر ركعة من الفريضة يكون الشّك من الشّك في خارج الوقت- في الاشكال الّذي ذكره.

و أمّا بناء على ما اخترنا من أنّ الوقت باق، و يكون الشّك من الشّك في الوقت و لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار ركعة أو بعض من ركعة،

فلا نقع في الاشكال.

في هذه المسألة، لأنّه نقول (بناء على الالتزام بوجوب إتيان الظهر و العصر

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 162

كليهما في ما بقى من الوقت بمقدار إتيان خمس ركعات كما هو مختار أكثر الفقهاء قدس سرّهم و إن كانوا قائلين بأنّ الوقت الظهرين يكون أوله بقدر أداء الظهر للظهر، و آخره بقدر أداء العصر للعصر، و لا يقولون بمقابلة ابن بابويه رحمه اللّه من أنّ الوقت بتمامه مشترك بينهما من أوله إلى آخره) بأنّه بعد تسلّم وجوب إتيانهما في ما علم عدم إتيانهما، و قد بقى من الوقت مقدار خمس ركعات نكشف عدم تزاحم بين الظهر و العصر في الوقت و إن كان الوقت بمقدار أربع ركعات من آخر الوقت مختصا بالعصر لو لا عدم إتيان الظهر.

فعلى هذا نقول: بأنّه يكون الشّك النسبة إلى كل من الظهر و العصر شكّا في الوقت بالبيان الّذي قدمنا في المسألة السابقة.

[في ذكر مسألة فى الباب]

مسئلة: لو علم إجمالا بأنّه لم يأت واحدة من الظهر و العصر، فأمّا يكون في الوقت المشترك بينهما، و إمّا في الوقت المختص بالعصر، فإن كان الوقت المشترك باقيا يأتي بأربع ركعات بقصد ما في الذمة، و إن كان في الوقت المختص بالعصر، فإنّه و إن كان المكلف لو أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة يبرأ ذمته، و يكون موافقا مع الاحتياط، و لكن يكفي الاتيان بأربع ركعات بقصد العصر، لأنّه بعد إتيان العصر ينحل العلم الاجمالى، و يكون الشّك بالنسبة إلى الظهر شكّا بدويا، و لا مانع من إجراء الأصل بالنسبة إليها، فافهم.

هذا تمام الكلام في المقصد الأوّل من الخلل، و قد تعرضنا فيه القواعد السبعة ينتج فهمها في المسائل الراجعة بالخلل، و

هي القاعدة المستفادة من حديث (لا تعاد) و من زاد في صلاته فعليه الاعادة، و أن الركعتين الأوّلتين من كل رباعية و كذا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 163

ركعات المغرب لا تحتمل السهو، و قاعدة التجاوز، و قاعدة الفراغ، و قاعدة بعد الوقت، و قاعدة اعتبار الظن في الصّلاة و عدمه، إذا عرفت ذلك كلّه يقع الكلام بعونه تعالي في المقصد الثاني إنشاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 165

المقصد الخامس فى القضاء من الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 167

كتاب القضاء من الصّلاة

[في أنّ وجوب قضاء الصّلاة في الجملة مسلم بين العامة و الخاصّة]

في قضاء الصلوات: اعلم أن وجوب قضاء الصّلاة في الجملة مسلّم بين العامة و الخاصة و روي في ذلك روايات في طرقهم و طرقنا، و الكلام في قضاء الصّلاة يقع في امور:

[الكلام في قضاء الصّلاة يقع في أمور]

الأمر الأوّل: يقع الكلام فيه من حيث الشخص الّذي يجب عليه القضاء

و من حيث الصّلاة الّتي يجب قضائها فنقول: إن الصّلاة الّتي صارت متروكة في وقتها عن الشخص إمّا أن تكون من باب عدم تعلق تكليف بها على الشخص، و إمّا أن يكون تركها مع فرض تعلق التكليف بها عليه

و يكون من القسم الأوّل، الصّلاة الّتي تركها غير البالغ فلا يجب قضائها، و الصلوات الّتي تركها المجنون حال جنونه، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها فاقد الطهورين في الوقت، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها الحائض و النفساء في صورة كونها حائضا أو نفساء في تمام الوقت، و أمّا إذا لم يكن الحيض و النفاس مستوعبا لجميع الوقت، فياتى الكلام فيه إن شاء اللّه، و من هذا القبيل الصّلاة الّتي تركها المغمى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 168

عليه في جميع الوقت على وجه، و الغافل و الساهى عن الصّلاة في جميع الوقت على وجه.

و يكون من القسم الثانى، و هو من تركها مع تعلق التكليف بها في الوقت هو العامد، و العامد إمّا أن يكون مسلما و إمّا أن يكون كافرا اصليا «1» و إمّا يكون مرتدا مليا أو فطريا، و المسلم إمّا يكون من المخالفين و إمّا يكون منّا، و في كل منهما إمّا يكون مع كونه ممّن انتحل الاسلام و مقرا به و مع ذلك محكوم بالكفر كالنواصب من المخالفين و الغلاة منّا، و إمّا لا يكون كذلك كسائر الفرق منهم أو منّا، و من هذا القبيل المغمى عليه

و الساهى و الغافل في تمام الوقت على وجه يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه، و كل هذه الموارد يقع البحث عنها كما قلنا من حيث الصّلاة الّتي يجب قضائها و الشخص الّذي يجب عليه القضاء.

الأمر الثانى: يقع الكلام في قضاء الصّلاة من حيث الخصوصيات المعتبرة

و الدخيلة في صلاة القضاء، و يشترط فيه بعد وجوب أصل القضاء مثل اللزوم و الفورية في القضاء و عدمه.

أمّا الأمر الأوّل: [الشخص الذي وجب عليه القضاء]

اشارة

فيقع الكلام فيه في جهات:

[البحث حول صلاة الكافر]
اشارة

الجهة الأولى: كما قلنا الكافر الأصلي يكون ممّن ترك الصّلاة في الوقت و فاتت عنه مع فرض تعلق التكليف به في الوقت، و في المقام اشكال، و هو أنّه كيف يمكن الجمع بين كون الكفار مأمورين بقضاء الصّلاة حال الكفر من باب انّهم مأمورون بالفروع كما هم مأمورون بالاصول، و يعاقبون عليها كما يعاقبون على

______________________________

(1)- اى باقيا على الكفر، و جعلنا المرتد في قبال الكافر يكون لأجل امكان اختلاف حكمهما من حيث القضاء.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 169

الاصول، و بين ما يلتزم به الامامية من أن الكفار إذا أسلموا سقط عنهم القضاء لأنّ الاسلام يجبّ ما قبله، فيكون تكليفهم بالقضاء تكليفا بغير مقدور، لانّهم على الفرض متى لم يسلموا لا يكونون قادرين على القضاء، لأنّ صحة قضاء الصّلاة منهم مشروطة بالاسلام، فما لم يسلموا لا يقدرون على امتثال التكليف، و على الفرض بمجرد أن يسلموا يسقط التكليف بالقضاء عنهم، ففي اى زمان يتمكنون من امتثال الأمر، فتكليفهم بالقضاء يكون تكليفا بغير مقدور.

[ذكر الإشكال و الجواب عنه بالنسبة إلى الكفّار]

و يمكن أن يقال: إن كان النظر في هذا الإشكال إلى عدم امكان كونهم مأمورين بالصّلاة حتّى في الوقت فنقول: في مقام الجواب عن هذا الإشكال ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه بأنّه نحن نلتزم بعدم كون الكافر مأمورا بالقضاء حتّى يرد هذا الإشكال، و أنّ ما قاله رحمه اللّه في جواب الإشكال كلام حسن، إذ ما يكون مسلّما هو كون الكافر مأمورا بالفروع في الجملة لا في كل مورد حتّى في خصوص القضاء، و مع الغض عن هذا الجواب بعد كونهم في الوقت مكلفين بقضاء الصّلاة فهم قادرون على امتثاله لقدرتهم على أن يسلموا و يمتثلون الأمر، فيكون التكليف بالمقدور.

و إن

كان النظر في الإشكال إلى أنّه بعد مضىّ وقت الصّلاة و فوتها عنهم، لا يمكن كونهم مكلفين بقضائها فنقول: بأنّه تارة يقال: إن القضاء تابع للاداء و لا يكون بأمر جديد بل بالأمر الأوّل بمعنى أن الأمر المتعلّق بالصّلاة مثلا ينحل إلى امرين أمر متعلق باصل طبيعة الصّلاة بدون تقيده بوقت خاص، و امر متعلق بخصوص المقيد اى الصّلاة في الوقت، فعلى هذا يكون الأمر بنحو تعدد المطلوب، و تارة يقال بأنّه بأمر جديد.

فإن قلنا بالأوّل، فيمكن دفع الإشكال المذكور بأن يقال: إن الأمر بالمقيد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 170

و هو المتعلّق بالصّلاة في الوقت سقط بعد مضى الوقت، و أمّا الأمر المتعلّق بالطبيعة فهو غير مقيد بالوقت و خارجه، و اذا تعلق بالمكلف كان امتثاله مقدورا لانه صار مأمورا بامتثال طبيعتها فالكافر صار مأمورا به في أول الوقت، و هو متمكن من امتثال هذا التكليف لتمكنه من تحصيل شرطه و هو الاسلام، و هذا التكليف حيث لا يكون مقيدا بالوقت فهو باق بحاله، فالامر الّذي يكون بعد الوقت لا يكون امرا مستقلا حتّى يقال: أن هذا الأمر امر بغير المقدور، بل الأمر بالطبيعة كما يدعو نحو المامور به اى الصّلاة قبل مضى الوقت، كذلك يدعو نحوه بعد مضيه، و على الفرض كان الأمر بالطبيعة مقدورا للمكلف لأنّه كان متمكنا من إن يوجد شرط صحتها و هو الاسلام في ظرف التكليف، و هو مقدار بقاء الوقت بأن يسلم و يأتي بالصّلاة. «1»

و أمّا إن قلنا: إن القضاء يكون بأمر جديد، بأنّه في مقام الاثبات حيث لا يمكن

______________________________

(1)- أقول- كما قلت بحضرته مد ظله في مجلس البحث- لا يرتفع بهذا البيان الإشكال المتقدم، لأنّ

بعد مضى الوقت إمّا أن تقول ببقاء الأمر المتعلق بطبيعة الصّلاة، و بعبارة اخرى إمّا أن تقول بوجوب القضاء بمقتضى هذا الأمر المتعلّق بالطبيعة، و إمّا أن تقول بعدم بقاء الأمر و عدم بعثه نحو طبيعة الصّلاة بعد مضى الوقت. فإن تقل بالاول فيعود الإشكال، لأنّ المستشكل يقول: كيف تقول بكون الكافر مأمورا بقضاء الصّلاة بعد الوقت مع فرض أنّه لا يتصور له الا حالتان: حالة الكفر و في هذا الحال غير قادر على الامتثال لأنّ شرط صحة صلاته الاسلام، و حالة الاسلام و على الفرض بمجرد اسلامه لا يكون مأمورا بالقضاء، ففي اى حال يكون هذا التكليف مقدورا حتّى يمكن الأمر و البعث نحوه؟ و أمّا إن قلت: بعدم كون الأمر بالطبيعة بعد الوقت داعيا إلى الطبيعة و لا يكون الكافر مأمورا بهذا الأمر على القضاء فهذا خلاف الفرض، لأنّ الإشكال يكون على فرض كون الكافر مأمورا بالقضاء، مثل ساير الفروع، فلا يدفع الإشكال بما قاله مد ظله العالى). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 171

أن تكون الأدلّة الاوليّة المتكفلة لوجوب الصّلاة و تشريعها في الوقت متكفلة لوجوبها في خارج الوقت، بل لا بد من دليل آخر يدلّ على أنّه على فرض الفوت في الوقت لا بدّ من إتيانها بعد الوقت.

فنقول: إن غاية ما يقال بناء على هذا هو ما قلنا: من كون القضاء في مقام الاثبات بامر جديد، و أمّا في مقام الثبوت فكما يمكن أن يكون امر بالصّلاة مقيدة بالوقت، و امر آخر بالصّلاة في خارج الوقت معلقا على الفوت في الوقت، و بعبارة اخرى امر بالصّلاة في الوقت و امر آخر بها خارج الوقت، كذلك يمكن أن يكون في مقام الثبوت ينحل

الامر الى أمرين امر بالصّلاة المقيدة بالوقت، و امر آخر بطبيعتها، بنحو تعدد المطلوب و لكن حيث يرى أن امرا واحدا غير قابل لذلك ففي مقام الاثبات امر بصلوة مقيدة بالوقت و امر بامر آخر بها خارج الوقت، و حيث إنّه لا دليل على كون ذلك في مقام الثبوت بالنحو الأوّل، فيمكن أن يكون بالنحو الثانى فبناء عليه و لو قيل بكون القضاء بامر جديد يمكن أن يقال في مقام دفع الإشكال المتقدم بما قلنا بناء على كون القضاء بالامر الأوّل، فبهذا النحو يمكن أن يقال في دفع الإشكال المتقدم ذكره.

[نقل كلام المحقّق الحائري رحمه اللّه في رفع الإشكال]
اشارة

ثمّ إن بعض الاعاظم (و هو آية اللّه العظمى الحائرى رحمه اللّه) ذكر في مقام دفع الإشكال وجها و حاصله هو أنّه في أول الوقت كما تعلق أمر بالصّلاة في الوقت، كذلك في أول الوقت تعلق امر بالصّلاة في خارج الوقت غاية الأمر يكون الأمر الأوّل مطلق و الأمر الثاني مشروط بعدم اتيان الصّلاة في الوقت، و كما أن الاسلام شرط في صحة الصّلاة في الأوّل كذلك شرط في صحتها في الثانى أيضا، فهو يكون مقدمة لهما، أمّا لصحة العمل الأدائى فواضح و أمّا لصحة العمل القضائي فلانه لو لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 172

يعلم إلى أن انقضى الوقت، فإن بقى على الكفر فلا يصح منه الصّلاة و إن اسلم فيخرج عن موضوع التكليف، فلا بد له من تحصيل هذا الشرط في الوقت و لكن يكون في الثاني دخله و اشتراطه فيها بنحو الشرط المتقدم، بمعنى أنّه بمجرد دخول الوقت و التكليف بالصّلاة في خارج الوقت، يجب تحصيل هذا الشرط اى الاسلام، و إن لم يحصل بعد شرط الوجوب و هو عدم الإتيان

في الوقت فعلى هذا يصير التكليف بالقضاء مقدورا لأنّ الكافر قادر على أن يسلم في الوقت و يجب عليه ذلك لتوقف كل من الواجبين اى الصّلاة في الوقت و الصّلاة خارجه عليه.

فلو أسلم في الوقت و يأتي بالصّلاة فيه، فلا يتوجه الأمر بالقضاء عليه، لعدم وجود شرط التكليف و هو عدم الإتيان في الوقت، و أمّا لو اسلم و لم يأت بها في الوقت فيتوجه إليه التكليف بعد الوقت لحصول شرط التكليف و هو الترك في الوقت و شرط المكلف به و هو الاسلام.

و لو لم يسلم في الوقت و ترك الصّلاة، فترك الصّلاة في خارج الوقت مستند إلى عدم تحصيل شرط الاسلام، فبهذا النحو يمكن تصوير كون الكافر مخاطبا بالصّلاة في خارج الوقت مع الالتزام بأنّه لو اسلم خارج الوقت يسقط التكليف. «1»

[إشكالات على هذا القول]
[الإشكال الأول]

و لكن فيه أمّا أولا، إن في مقام الاثبات إن كان دليل على أن شخصا كما يكون بعد حصول الوقت مكلفا بالصّلاة في الوقت، كذلك يكون بمجرد دخول الوقت مكلفا بالصّلاة بعد الوقت، غاية الأمر يكون التكليف الثانى مشروطا بعدم امتثال التكليف الأوّل، ثمّ بالنسبة إلى الكافر صار مورد الإشكال باعتبار عدم معقولية

______________________________

(1)- كتاب الصّلاة للعلامة الحائرى رحمه اللّه، ص 557- 558.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 173

كونه حال الكفر مأمورا بالصّلاة بعد الوقت، مع فرض كون شرط صحة صلاته الاسلام، و على فرض الاسلام يسقط هذا التكليف.

فيمكن أن يقال في مقام دفع الإشكال: إنّ ما دلّ عليه الدليل هو كونه بعد دخول وقت مأمورا بالقضاء، غاية الأمر مشروطا بعدم اتيانه الصّلاة في الوقت، و الاسلام الّذي هو شرط في المامور به اى في صحتها يجب تحصيلها في الوقت أيضا لا

بعد الوقت، و مع الاسلام في الوقت و عدم إتيان الصّلاة فقد أوجد الشرط و يجب عليه الصّلاة بعد الوقت، فهو متمكن من امتثال التكليف القضائى، فلا يكون تكليفا بغير المقدور. و لكن بعد كون دليلنا الدال على وجوب القضاء- (و هو بعض الأخبار الوارد في الباب من أبواب القضاء)- يدلّ على أن القضاء يجب في طول الأداء، بمعنى أنّه من لم يصل في الوقت يتعلق به الأمر بعد الوقت بإتيانها، أو بعد كون المكلف من المسلم و الكافر مأمورا بالصّلاة بعد الوقت بالأمر المتعلّق بهما بعد مضى الوقت لا بعد دخول الوقت، فلا يكون في الوقت امر متعلق بالصّلاة بعد الوقت و لو مشروطا بتركها في الوقت حتّى يقال: انّ بعد وجود امر بالصّلاة بعد الوقت بمجرد دخول الوقت، فيكون الاسلام الّذي هو شرط في صحتها واجب التحصيل في الوقت. و بهذا النحو يدفع الإشكال عن كون التكليف بالقضاء على الكافر يكون تكليفا بغير المقدور، بأن يقال: بأنّه بعد كون الاسلام الّذي شرط في صحتها واجب في الوقت، فهو إذا لم يسلم في الوقت جعل نفسه مضطرا و الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار.

فما قال رحمه اللّه في توجيه دفع الإشكال يصير مجرد تصور غير قابل الانطباق مع ما يدلّ عليه الدليل في مقام الاثبات، فلا يتم هذا التوجيه و لا يدفع به الإشكال.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 174

[الإشكال الثاني]

و أمّا ثانيا، فنقول أن ما قاله رحمه اللّه من أن الاسلام شرط في صحتها، و لكن يجب ايجاد هذا الشرط في الوقت لكونه دخيلا في الصّلاة بنحو الشرط المتقدم، و لهذا قال:

يكون التكليف بالقضاء مقدورا من باب تمكنه من حفظ الشرط اى الاسلام في الوقت،

ليس في محلّه.

لأنّ الاسلام شرط في صحة العمل، و يعتبر وجود هذا الشرط حال العمل فيجب تحصيله حال إتيان الصّلاة في خارج الوقت، و لا يجب ايجاده قبل ذلك في الوقت، فالاسلام الّذي هو مقدمة لصحتها يجب ايجادها مقارنا لها بحيث تقع حال الاسلام، لا قبل ذلك في الوقت كما توهم رحمه اللّه، و سقوط التكليف بالقضاء لو أسلم بعد الوقت لا يوجب عدم كون الاسلام بعد الوقت مقدمة لصحة العمل من باب تحصيل أن الاسلام بعد الوقت يكون سببا لانتفاء موضوع القضاء، فكيف يكون مقدمة لها و مما يتوقف العمل عليه، لأنّ الاسلام حتّى بعد الوقت يكون شرطا في صحتها و غير منعزل عن شرطيته لكن التكليف يسقط بالاسلام، و هذا لا يوجب عدم امكان كونه شرطا في هذا الحال، بل القدر المسلم من مقدميته للصّلاة كونه مقدمة لها حال العمل، و كيف يمكن الالتزام بعدم كون الاسلام مقدمة للصحة بعد الوقت. «1»

______________________________

(1)- (أقول: كما قلت بحضرته مد ظله العالى، ليس غرض بعض الاعاظم رحمه اللّه كون دخل الاسلام في المكلف به اى في صحة الصّلاة بنحو الشرط المتقدم، بل يكون غرضه أنّه بعد كون التكليف بالصّلاة بعد الوقت متوجها بالمكلف بعد الوقت مثل التكليف بالصّلاة في الوقت، غاية الأمر أنّه مشروط بعدم إتيانها في الوقت، و الواجب المشروط يجب حفظ ساير شروطه غير ما علق عليه الطلب، لأنّه لو كان ترك الواجب مستندا إلى غير ما علق عليه الطلب يصح عليه المؤاخذة، فيجب على الكافر أن يسلم في الوقت مقدمة، لأنّه لو لم يسلم حتّى مضى الوقت و لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 175

[الإشكال الثالث و الحقّ ما قاله صاحب المدارك]

و ثالثا، على ما قاله رحمه اللّه لا بدّ

من التزامه بكون الكافر عاصيا و معاقبا على ترك الصّلاة في خارج الوقت من باب عدم إسلامه في الوقت و ان أسلم خارج الوقت، لكونه تاركا للواجب كما ذكره في لا يقال، و لا يتم ما قاله في جوابه بقوله لانّا نقول بأنه مكلف في الوقت بأحد الامرين: إمّا الصّلاة في الوقت و إمّا الإسلام خارجه.

و يجب عليه القضاء على تقدير ترك الصّلاة في الوقت، فلو أسلم فقد أمتثل الواجب الأولى و أتى بالفرض الاصلى.

لأنّ هذا خلاف ما قاله من كونه مكلفا في الوقت بالقضاء أيضا بعد دخول الوقت، و ان الاسلام في الوقت يجب مقدمة له، فإن كان الواجب عليه أحد الأمرين من الصّلاة في الوقت أو الاسلام خارجه، فلم يجب عليه الاسلام في الوقت مقدمة لصحة الصّلاة خارجه لأنّه على ما قال يمكن له ترك الصّلاة في الوقت و اختيار الاسلام بعد الوقت، و لو لم يحصل في الوقت و لم يسلم بعد الوقت فيعاقب على ترك الواجب التخييرى، لا على ترك الاسلام في الوقت.

فتلخّص أن ما قاله رحمه اللّه في جواب الإشكال المتقدم لا يدفع الإشكال، و العمدة في الجواب هو ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه من عدم تسلم كون الكافر مأمورا

______________________________

يتمكّن من اتيان الصّلاة فيصح المؤاخذة عليه، لأنّه ترك ما وجب عليه مع كونه مقدورا له باعتبار قدرته على الاسلام في الوقت، فهو لا يقول: بان الاسلام لا يكون مقدمة لصحّة حال العمل، بل يقول: إنّه يجب حفظ هذه المقدمة بعد تعلق الوجوب لما قال في الاصول من لزوم حفظ المقدمات المفوتة، فلا يرد عليه ما اورده مد ظله العالى ثانيا الا إن ينكر المبنى من عدم لزوم حفظ

هذا القسم من المقدمات، نعم إن كان غرضه ان الاسلام بعد الوقت لا يكون مقدمة اصلا، بل المقدمة هو الاسلام في الوقت كما يلوح من ذيل كلامه، فيرد عليه ما افاده مد ظله العالى ثانيا فتامل). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 176

بالقضاء حال الكفر، و قد ذكرنا وجها على سبيل الاحتمال في دفع الإشكال، و لكن التحقيق للجواب كما قلنا يكون ما قاله صاحب المدارك رحمه اللّه.

ثمّ بعد ذلك نقول بأن من يترك الصّلاة في الوقت إن كان كافرا اصليا فلا يجب عليه القضاء لو أسلم مسلّما و الاسلام يجب ما قبله.

و أمّا شمول هذا الحكم للمرتد سواء كان مليّا أو فطريّا بناء على قبول توبته أو كون عدم قبول توبته مخصوصا ببعض الآثار لا كل الآثار حتّى عدم صحّة عبادته أو كون المرتدّ امرأة لا رجلا فغير معلوم.

فعلي هذا لو أسلم المرتد يجب عليه قضاء الصلوات الّتي تركها حال ارتداده.

و أمّا المخالف من المسلمين فلا يقضى الصلوات الّتي أخل بها حال المخالفة بعد استبصاره، بشرط إيتانها موافقا لمذهبه حال كونه مخالفا، و يدلّ عليه بعض الروايات الدالة على عدم وجوب قضاء ما أتى به من العبادات حال المخالفة الا الزّكاة.

و أمّا المخالف الّذي استبصر و لم يأت حال المخالفة صلاة اصلا أو أتى بها و لكن لا على وفق مذهبه فهو يتصور على نحوين:

إمّا أتى بها على طريق المذهب الحق اى مذهبنا.

و إمّا أتى على غير طريقه و طريقنا، فهل يجب عليه قضائها مطلقا، أو عدم قضائها مطلقا، أو التفصيل بين الصور الثلاثة.

لا يبعد وجوب القضاء على المخالف لو لم يأت بها اصلا أو أتى بها لا على طبق مذهبه و لا على طبق

مذهبنا، و أمّا لو أتى بها على طبق مذهبنا بان أتى في حال كونه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 177

مخالفا بالصّلاة على كيفية نقول نحن بها مع تمشي قصد القربة فلا يبعد عدم وجوب القضاء عليه، لانه أتى بما هو تكليفه، و عدم كون عمله مع الولاية لا يضر بعد استبصاره، لما دل على صحة صلاته، لعدم وجوب قضائها لو استبصر، و الحال أنّه أتى بها على طبق مذهبه مع كون عمله فاقد الولاية.

[في حكم قضاء الناصبي]

و في حكم هذا القسم من المخالف من انتحل الاسلام أو يكون كافرا مثل الناصبى لو استبصر فحكمه حكمه.

و أمّا من ترك الصّلاة منّا فلو تركها عامدا يجب قضائها عليه مسلّما، و يدل عليه ما ورد في النائم و الناسى بالاولوية.

و يجب قضائها على النائم و الناسى المستوعب نومه و نسيانه جميع الوقت لدلالة بعض الروايات عليه فارجع الباب 1 من أبواب القضاء من الوسائل.

و لا يجب القضاء على الحائض و النفساء في تمام الوقت لدلالة بعض الأخبار عليه، و كذا على فاقد الطهورين في جميع الوقت.

و أما المغمى عليه فلا يجب عليه قضاء الصّلاة إذا كان الإغماء مستوعبا لجميع الوقت و كان اغمائه باسباب غير اختيارية لا بفعله و لا بفعل غيره، نعم يستحبّ له القضاء جمعا بين الأخبار الدالة على الأمر بالقضاء، و الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء عليه بحمل ما دل على الأمر بالقضاء على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم القضاء، و ما دل على القضاء في ثلاثة ايام و عدم الوجوب في ازيد منها، و ما دل على القضاء ليوم واحد لا أكثر، فيحمل على مراتب الفضل، فيقال:

لا يجب القضاء على المغمى عليه و لكن

يستحبّ له القضاء مطلقا و استحبابه أشدّ و افضل بالنسبة إلى ثلاثة أيام، كما أنّ القضاء فى ثلاثة أيام افضل بالنسبة الى يوم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 178

واحد، و هذا ما لا اشكال فيه.

إنما الكلام في ما كان الاغماء بسبب من نفسه أو من غيره: أمّا إذا كان حدوثه من قبل نفسه فلا يبعد وجوب القضاء عليه و عدم شمول الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه للمورد، لأنّ ما ذكر في بعضها من أنّه «كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه اولى بالعذر» لا يشمل المورد، لأنّه ليس ممّا غلب اللّه بل بعمل نفسه.

و أمّا إذا كان بعمل غيره مثل ما إذا صار مغمى عليه بسبب دواء يداويه الطبيب فهل يجب عليه القضاء أم لا وجهان:

و حيث إن المهم المبحوث عنه في مبحث صلاة القضاء يكون أمرين، نعطف عنان الكلام إليهما إن شاء اللّه فنقول:

[أما الأمر الثاني خصوصيات قضاء الفوائت]

[ذكر مسألتين في أن هل يجب قضاء الفوائت فورا و هل يجب الترتيب]
اشارة

هل يجب قضاء الفوائت فورا و المبادرة إلى فعله أو لا؟ و هل يجب الترتيب فيها أم لا؟ فهنا مسئلتان:

المسألة الأولى: هل يجب المبادرة إلى فعل القضاء و إتيانه فورا

أو لا يجب ذلك؟

المسألة الثانية: هل يجب الترتيب فيه أم لا؟

و فيها جهتان:

الجهة الأولى: في وجوب الترتيب بين الفوائت بمعنى وجوب اتيان كل فائتة حسب ترتيبها على الاخرى.

الجهة الثانية: وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، بمعنى وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة ما لم يتضيق وقت الحاضرة، فنقول بعونه تعالى:

المسألة الاولى: هل يكون امر قضاء الصّلاة مبنيّا على المضايقة او المواسعة، و قد يعبر في بعض الكلمات عن هذا النزاع بأنه: هل يكون الترتيب بين

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 179

الفائتة و الحاضرة أم لا؟ و عبروا عن ذلك بالمضايقة و المواسعة، فمن يقول بالترتيب يكون معناه المضايقة و من يقول بعدمه يكون معناه المواسعة.

[الأقوال فى المضايقة و المواسعة ستة]
اشارة

اعلم أن الاقوال في المسألة على ما تتبعنا ستة:

القول الأوّل: وجوب اتيان الفائتة فورا مطلقا

يعنى المضايقة و هذا القول منسوب إلى السّيد و الشيخين و بعض آخر و ادعى بعض كون ذلك مجمعا عليه أو المشهور أو الاشهر، و ربما يكون لازم هذا القول الاشتغال باتيان الفوائت و الاشتغال عن غيرها حتّى الاكل و الشرب الا بمقدار الضرورة.

القول الثانى: عدم وجوب الفورية و كون الأمر يبنى على المواسعة مطلقا

، و هذا القول مختار الطاوس، و نسب هذا القول إلى عبيد اللّه بن على الحلبى و حسين بن سعيد من الاصحاب و بعض الفقهاء، و هو مختار غالب المتاخرين.

القول الثالث: التفصيل بين فائتة واحدة و اكثر

، فإن فاتت عن المكلف صلاة واحدة يجب المبادرة إلى قضائها و إن كان أكثر فلا.

القول الرابع: التفصيل بين فائتة يوم و غيره

، فيجب القضاء فورا في الأوّل و عدمه في الثانى.

القول الخامس: التفصيل بين فائتة واحدة من يومه و غيرها

فلو فاتت عنه صلاة واحدة من يومه الّذي هو فيه، يجب عليه المبادرة إلى قضائها و إلّا فلا.

القول السادس: بين ما إذا كان منشأ الفوت النسيان و غيره

، ففي الأوّل يجب قضائها فورا و في الثانى لا يجب ذلك، و هذا القول محكى عن ابن حمزه في الوسيلة.

هذا كله الاقوال في المسألة، و العمدة القولان الاولان، و يمكن ان يقال بكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 180

ساير الاقوال من الاقوال النادرة، و القائل بالقول الأوّل اكثر القدماء، بل ربما لا يوجد منهم قائل بالقول الثانى، و ما قال ابن طاوس من كون القائل بالقول الثانى عبيد اللّه بن حلبى غير مسلّم.

و ما تمسك به القائلون بالمضايقة امور ثلاثة:
الأمر الأوّل: الفوريّة و أنّه يجب اتيان ما فات من المكلف فورا

بمعنى وجوب المبادرة إليها متى تذكر ترك الصّلاة. و مرادهم من الفوريّة إمّا يكون بمعنى كون وقت تذكر فوت الصّلاة وقتا لها، فكما ان زمان الأداء وقتا لها كذلك زمان التذكر يكون وقتا لها، و يمكن ان يكون بمعنى وجوب إتيانها في ذلك الزمان فورا لا كون هذا الزمان وقتا لها، فإن كان مرادهم الاحتمال الأوّل فلازمه كون إتيانها بعد ذلك الزمان إتيانا في ما بعد الوقت، لأنّ الزمان الأوّل وقتا لها على الفرض و قد مضى هذا الوقت و أمّا إن كان المراد اتيانها فورا فلا يكون إتيانه بعد ذلك الزمان إتيانا لها بعد وقته.

الأمر الثانى: في الترتيب بمعنى وجوب كون الحاضرة مرتبة على الفائتة

فيجب أولا المبادرة إليها ثمّ إلى الحاضرة، و المراد من ذلك يحتمل أن يكون بمعنى شرطية الترتيب و أنّه يشترط في الحاضرة كونها مترتبة على الفائتة كما يشترط في العصر تأخّرها عن الظهر، و يحتمل أن يكون المراد من الترتيب مجرد وجوب الفائتة فورا لا شرطية الترتيب، فاذا وجب إتيانها فورا فيجب تأخر الحاضرة من باب كون الأمر بشي ء مقتضيا للنهى عن ضده.

الأمر الثالث: وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة

لو شرع فيها نسيانا فتذكر في أثنائها عدم إتيانه بالفائتة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 181

و قبل الشروع في بيان استدلال الطرفين و ما يقتضي الادلة نعطف عنان الكلام إلى ما يقتضيه الاصل بحيث لو وقعنا في الشّك نرجع إليه.

فنقول بعونه تعالى: إن ما يقتضيه الاصل هو البراءة عما شك فيه أعنى وجوب الفورية، فإن شك في كون زمان التذكر وقتا لها أم لا، فمعناه وجوب إتيانها في ذلك الوقت و عدم جواز تاخيرها عنه، فهو مشكوك و الاصل يقتضي البراءة، و إن كان معناه مجرد وجوب الفورية فكذلك لأنّه يكون الشّك أيضا في التكليف و هو مجرى البراءة.

هذا بناء على كون المحتمل الفورية باحد النحوين.

و أمّا إن كان المشكوك شرطية ذلك بمعنى كون شرط الحاضرة ترتبها على الفائتة و صار ذلك مشكوكا، فيكون مجرى البراءة أيضا لكونها من صغريات في جزئية شي ء أو شرطيته للمركب.

و كذلك لو قيل بوجوب ترتب الحاضرة على الفائتة لا من باب احتمال استفادة شرطية ذلك كما في الاحتمال السابق، بل من باب احتمال وجوب فورية إتيان الحاضرة.

ثمّ يقال بأن مقتضى كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فيجب تاخير الحاضرة عنه، و تكون النتيجة هو تقديم الحاضرة على الفائتة.

فأيضا يقال أولا: إن وجوب فورية الحاضرة مشكوك فيدفع

باصالة البراءة و ثانيا الأمر بالشي ء لا يقتضي النهى عن ضده.

و أمّا وجوب العدول- اعنى الوجه الثالث ممّا استند إليه القائل بالمضايقة-

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 182

فلو شك في أنّه إذا شرع في الحاضرة و تذكر في أثنائها كون وقتها مشغولة بالفائتة فهل يجب العدول منها إلى الفائتة، فأيضا يكون الاصل عدم وجوب العدول، لأنّ الشك إن كان في وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة، فيكون ذلك مشكوكا فأصالة البراءة عن وجوب المشكوك تجري أيضا هذا حال الاصل لو شك في احد الامور الثلاثة المتمسكة بها.

و لكن هنا اشكال في إجراء أصالة البراءة ذكرناه في رسالتنا الّتي كتبناها في المواسعة و المضايقة (و أشار بهذا الإشكال صاحب الجواهر رحمه اللّه و الشيخ الانصارى رحمه اللّه في رسالته في المواسعة و المضايقة) و هو أنّه إذا شك في وجوب اتيان الفوائت فورا و عدمه، فيقال: يكون المورد موردا لأصالة الاحتياط بأن يقال: بعد ما يعلم تعلق الوجوب بقضاء الصّلاة فلو أتى المكلف في الآن الأوّل بعد ما تنجز عليه التكليف فيحصل الامتثال، و لو أخرها و لم يأت بها فورا فلو لم يقدر المكلف على امتثالها بعد ذلك فيصح بحكم العقل عقوبته، فبعد كون مصحح العقوبة موجودا في نظر العقل في هذا الفرض يجب عليه المبادرة باتيانها في أوّل زمان تعلق الوجوب كى لا يقع في عقوبة مخالفة التكليف المنجز، و ليس هذا من باب كون الامر دالا على الفورية كى يقال في جوابه بأن الأمر لا يقتضي الفورية.

لا يقال: بأنّه بعد كون الأمر لا يدعو الا إلى متعلقه و متعلقه ليس الا نفس الطبيعة غير مقيدة بالفورية و التراخى، و لا يكون مقيدا بوقت و

زمان خاص، فالأمر لا ينبعث إلا نحو نفس الطبيعة، و العقل لا يحكم إلا بامتثال أمر المولى، و على حسب الفرض ليس أمر المولى موقتا باول زمان التذكر أو موقتا بهذا الوقت، فيكون بحكم العقل مخيرا في ما بين إتيانه في الوقت أو أوقات اخر، فكيف يحكم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 183

العقل بوجوب إتيانه في أوّل الزمان، و إلّا يصحّح العقل عقوبته.

لانا نقول: نحن لا نقول: بدلالة الأمر على الفورية و لا على التوقيت باول الوقت، بل نقول: بأنّه بعد ما يعلم العبد بأن المولى طلب منه طبيعة الصلاة، و يعلم بأنه لو أخّر عن هذا الزمان امتثال الأمر فبعده لا يتمكن من امتثاله، أو لا يعلم بتمكنه عن الامتثال، بل يحتمل عدم تمكنه عن الامتثال بعد ذلك، ففي هذا الفرض يحكم العقل بوجوب امتثاله في أول الوقت و فورا و يصحّح العقوبة بتركه في أوّل الوقت، فلو اخّر و تمكّن من امتثاله بعد الوقت و امتثل فلا يعاقب على ترك المامور به لكن يحسب متجريا على مولاه و لو لم يتمكن من الامتثال بمجرد قدرته على امتثاله في أوّل الوقت يصح بحكم العقل عقوبته، و لأجل هذا نقول: بأنّه مع الشّك يكون مقتضى الاصل الاحتياط لا البراءة. «1»

______________________________

(1)- (أقول- كما قلت اجمالا بحضرته مد ظله العالى- إنه مع كون الأمر متعلقا بنفس طبيعة الصّلاة فالعقل لا يحكم الا بوجوب اطاعة هذا الأمر، و على الفرض ليس الامر و لا المامور به مقيدا بالفورية حتّى يحكم العقل بمصححية العقوبة مع التأخير.

فقال مد ظله العالى: بأنّه و لو لم يكن المبعوث إليه الا نفس الطبيعة، و لكن بعد ما يرى العبد أنّه لو أتى بها

فورا يحصل امتثال أمر المولى، و لو أخّر يمكن تفويت غرضه فيحكم العقل باتيانه فورا و حفظ غرضه.

ثمّ اعلم أن التكليف المتعلّق بالطبيعة بدون تقيده بالفور و التراخى و إن كان يحكم العقل بكون المكلف مخيرا فيها بحسب الازمان، أى له أن يأتي بها في الآن الأوّل أو غيره من الآنات، و لكن المكلف تارة يدرى بقدرته على امتثال الأمر في ساير الآنات مثل الآن الأوّل و بعبارة اخرى يعلم تمكنه من إتيان الصّلاة في الآن الثانى و الثالث و الرابع مثل الآن الأوّل، و تارة يعلم عدم تمكنه في غير الآن الأوّل من الامتثال و تارة لا يدرى بأنّه هل يتمكن من الامثال في الآنات

اللاحقة كما يتمكن من ذلك في الآن الأوّل أولا يتمكن من ذلك.

و يكون نظره الشريف إلى صورتى الثانية و الثالثة على الظاهر، لأنّه فى الصورة الاولى لا يمكن أن يقال: بأنّ العقل يصحّح العقوبة مع التأخير، لأنّه لم يطلب منه الا الطبيعة و لها افراد باعتبار الازمنة، و العقل يحكم بالتخيير بينها، و على الفرض يتمكن من الامتثال في كل الازمنة فلا يحكم العقل بلزوم الامتثال في أول الازمنة.

و أمّا في صورتى الثانية و الثالثة، أمّا في ما يعلم بعدم التمكن من الامتثال في الآنات اللاحقة، فيقول مد ظله العالى بأن العقل يحكم بوجوب المبادرة فى هذه الصورة مسلّما لأنّه بعد ما يعلم العبد ان المولى طلب منه ايجاد الطبيعة، و يعلم أنّه لا يتمكن من الامتثال بعدا لو لم يأت به في الزمان الأوّل فيصحّح العقل العقوبة على تركها، لأنّ العقل يحكم بلزوم الخروج عن عهدة التكليف، و هو يعلم بأنّه لو لم يأت به فورا لا يتمكن من

الخروج عن عهدته.

و أمّا في ما لا يدرى تمكنه في الآنات اللاحقة من الامتثال أم لا، فقد يقال باستصحاب حياة المكلّف فيكون أثره عدم وجوب الفورية، لأنّه ببركة هذا الاستصحاب يكون الشخص كمن يعلم بقائه في الازمنة اللاحقة.

و قال مد ظله العالى في جواب ذلك: بأن الاستصحاب لا يجرى لعدم اثر له، لأنّ الشّك يكون في وجوب البدار و عدمه و استصحاب حياته لا يثبت عدم الفورية.

و لكن أقول: بأن اصالة السلامة و هى أصل من الاصول العقلائية يقتضي بقائها و يعمل بها عند الشك و مثبتها حجة أيضا، فببركتها يحكم ببقائه، فلا يكون العقل حاكما بوجوب المبادرة من باب احتمال عدم التمكن من الامتثال في الازمنة اللاحقة، و لو فرض حكم العقل بمصحّحية العقوبة لو ترك الامتثال في الزمان الأوّل و لكن لا يحكم بذلك في الصورة الأولى أعنى: صورة علمه ببقائه في الآنات اللاحقة، ففي هذه الصورة لا يجب على المكلف المبادرة إلى القضاء، فلا يكون الأمر مبيّنا على المضايقة في هذه الصورة، فعلى هذا لا ينتج هذا الاصل على تقدير جريانه في الصورة الثانية أو هى و الثالثة أعنى: في صورة علمه بعدم التمكن من الامتثال في غير زمان الأوّل و في صورة شكه في ذلك لاثبات المضايقة المطلقة، أى وجوب فورية القضاء مطلقا، لما عرفت من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 185

هذا حال الاصل في المسألة، اعلم أنّه كما قلنا يقع الكلام تارة في الاقوال في المسألة فقد عرفت أنّه بلغ ستة (بل ثمانية على ما ذكره الشّيخ الانصارى رحمه اللّه) عندنا، و الكلام يقع في مورد الخلاف و الكلام، فمورد الكلام يكون في جهات ثلاثة:

[يقع الكلام في جهات ثلاث]
الجهة الأولى: في أنّه هل يجب قضاء الفوائت فورا أو لا يجب ذلك؟

ففي هذه الجهة عندنا اقوال، و

عمدتها الفورية المطلقة إمّا بنحو التوقيت بمعنى الزمان الأوّل و امثالها، و إمّا بمعنى وجوب الإتيان بها فورا لا على نحو التوقيت، و لازمه عدم اشتغال بشي ء الا بقضاء الفوائت على من عليه الفوائت حتّى لتهيئة الأكل و الشرب الا بقدر الضرورة، و مقابل هذا القول عدم الفورية و كون البناء على المواسعة.

الجهة الثانية: وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة بمعنى شرطية ذلك للحاضرة

، أو بمعنى وجوب تقويم الفائتة، و لازمه عدم جواز الحاضرة قبلها، و هذه الجهة مورد الخلاف بيننا، فبعضهم قالوا باعتبار ذلك بنحو الوجوب و بعضهم بعدم وجوب ذلك و كون التقديم إمّا بنحو الاستحباب أو مجرد الجواز.

الجهة الثالثة: و هي متفرعة على الجهة الثانية و هى أنّه إذا شرع في الحاضرة فتذكر في أثنائها الفائتة عليه

يجب العدول منها إلى الفائتة على قول، و عدمه على قول.

و كما أن هذه الجهات الثلاثة مورد الكلام و الخلاف عندنا، كذلك يكون عند العامة، ففي الجهة الأولى قال بعضهم بوجوب الفوريّة و بعضهم بعدمه.

______________________________

أن في صورة العلم بالتمكن من الاطاعة في الازمنة اللاحقة لا يحكم العقل بوجوب اتيانها فورا). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 186

و في الجهة الثانية قال بعضهم بوجوب الترتيب مطلقا حتّى في ما ضاق وقت الحاضرة، و بعضهم بوجوبه في ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

و في الجهة الثالثة كلهم يقولون بعدم جواز العدول على خلاف ما عندنا، فإن أصحابنا متفقون على الجواز و إن اختلفوا بين وجوبه و عدمه، و لكنهم يقولون بعدم جواز العدول غاية الأمر بعضهم يقولون بأنّه لو تذكر في أثناء الحاضرة فوت الفائتة يقطع الحاضرة و يشرع في الفائتة، و بعضهم يقولون باتمام ما بيده من الحاضرة و إتيان الفائتة ثمّ إتيان الحاضرة أيضا، و لازمه إتيان صلاة الحاضرة مرّتين، و هذا قول موافق للاحتياط.

[الأخبار في الباب]
اشارة

و أمّا الأخبار ففي طريقهم وردت بعض الروايات رواها في نوع صحاحهم و مسانيدهم عن سبعة صحابى، فبعضهم ينقلون ما يدل على انّه يؤتى بالفائتة إذا تذكّر و بعضهم ينقلون ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نام في سفر عن الصّلاة حتّى طلع الشّمس ثمّ أتى بها، و بعضهم ينقلون أنّه اشتغل في الخندق ففات منه صلاة على ما في رواية، و صلوات اربع على ما فى رواية اخرى فاتى بها متى ما ذكر.

و اعلم ان ما يدلّ على أنّه يؤتى بها إذا ذكر لا يدل على الفورية، بل الغرض اتيانها بعد تذكرها كما هو المتعارف في مكالماتنا، فيقول

أحد: انّي نسيت مثلا فعل كذا، فتقول له: لا مانع، افعله إذا ذكرت، و الغرض أنّه ما وقع شي ء و يمكن إتيانه فعلا، و الشاهد على ذلك ما في بعض الروايات المنقولة في طرقهم من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما أيقظ من نومه و فات عنه صلاة الغداة أمر بالارتحال عن هذا المكان، ثمّ أتى بالركعتين، ثمّ قضاها و الحال أنّه إن كان الواجب الفورية لا يناسب تاخيرها.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 187

و أمّا قضية الخندق، فهو نقل فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو لا يدلّ على الوجوب فلو كنا في محيط العامّة و هذه الروايات لكان الحق اختيار قول الشافعى من عدم لزوم الفورية و عدم المضايقة، و لكن نحن بحمد اللّه- مع ما نحن عليه من الولاية و التمسك بالعترة الّتي أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالتمسك بهم صلوات اللّه عليهم، و جعلهم عدل القرآن و حجة مثله- ففي غنى عن التمسك بما تمسكون به من الاقيسة و الاستحسانات، و العمل بقول كل صحابى و لو كان في الكذب و الطعن في الدين ما كان، بل نعمل بالكتاب و السنة النبويّة و اخبار اهل البيت المعصومين عليهم السّلام الّذي أمرنا رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالتمسك بقولهم في الحديث المشهور بين الفريقين، و هو قوله: اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى الخ، فالازم لنا ذكر الأخبار الواردة في طرقنا، و كما ان الكلام في جهات ثلاثة قدمنا ذكرها، كذلك اخبارنا تعرضت لهذه الجهات الثلاثة.

فطائفة منها متعرضة لحيث الفورية و عدمها، و

طائفة لحيث الترتيب و عدمه، و طائفة لحيث العدول.

[/ الطائفة الأولى من الأخبار متعرضة لحيث الفورية و هي على قسمين]
اشارة

أمّا الطائفة الأولى فهى قسمان، فبعضها ما يستدل به على المضايقة و الفورية، و بعضها على عدمها.

أمّا القسم الأوّل [ما يستدل به على المضايقة و الفورية]

: منها فروايات:

الأولى: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (إنّه قال: اربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها ادّيتها، و صلاة ركعتى طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصّلاة على الميت، هذه يصليهنّ الرجل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 188

الساعات كلها) «1».

و هل يستفاد من قوله (متى ما ذكرتها ادّيتها) الفورية أم لا يدل على ذلك؟، الحق عدم دلالتها عليه، بل يدلّ ظاهر هذه العبارة على أن يحدث هذا العمل اى الصّلاة بعد التذكر و عدم بأس على صيرورتها متروكة قبل التذكر، كما هو المتعارف من هذه العبارة عندنا في ما لو صار شخص مطالبا بعمل، فيرى الآمر و الحال أنّه ينسى ان يعمل العمل فيقول: نسيته، فيقول له: ائت بها بعد التذكر، فليس هذا الكلام إلا في مقام ان العمل يؤتى به بعد التذكر و ما مضى مطلوبيته، و أمّا لزوم الفورية و البدار فلا يستفاد من هذا الكلام خصوصا بعد ما نذكر ان شاء اللّه من التعبير بهذا الكلام مع تجويز التأخير و عدم فرض البدار كما في الخبر الّذي يأتي ان شاء اللّه، مضافا إلى أنّه لو كان ظاهر العبارة هو ما توهّم فيكون لازمه كون زمان التذكر وقتا لها و هذا بعيد.

الثانية: ما رواها حماد بن عثمان (إنّه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشّمس أو عند غروبها، فقال: فليصل حين يذكر) «2».

و وجه دلالتها مثل السابقة.

و فيه ما قلنا مضافا إلى احتمال كون النظر فيها على

عدم بأس في اتيان عند طلوع الشّمس و غروبها، فيكون الأمر في مقام توهّم الحضر و لا يستفاد من الامر الا الجواز.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 39 من أبواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 189

الثالثة: ما رواها معاوية بن عمار (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: خمس صلاة لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و اذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و اذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة) «1».

الرابعة: الروايات 5 من الباب المذكور، و هى ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: خمس صلوات تصليهنّ في كل وقت: صلاة الكسوف، و الصّلاة على الميت، و صلاة الاحرام، و صلاة الّتي تفوت، و صلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشّمس و بعد العصر إلى الليل). «2»

لا يبعد كون النظر فيها إلى عدم بأس في اتيانها في أى وقت، فتكون في مقام نفي توهّم الحظر.

الخامسة: ما رواها الرازى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات، فذكر عند طلوع الشّمس و عند غروبها؟ قال: فليصل حين ذكره.) «3»

السادسة: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسى صلوات لم يصلها، أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها في أى ساعة ذكرها. «4»

السابعة: ما رواها حريز عن زرارة عن أبى جعفر (و فيها قال عليه السّلام: و إن كنت قد صلّيت الظهر و قد فاتتك الغداة فذكرتها، فصل الغداة أى ساعة ذكرتها و لو

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 39

من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 16 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 190

بعد العصر، و متى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها الخ.) «1»

الثامنة: ما رواها يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أ يصلى حين يستيقظ أو ينتظر تبسط الشمس؟ فقال: يصلى حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلى الركعتين؟ قال: بل يبدأ بالفريضة.) «2»

و لا يبعد ورود الأمر مقام توهّم الخطر.

التاسعة: ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى؟ فقال إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها.) «3»

اعلم أن المستفاد من هذه الروايات ليس إلا بيان ان الإتيان بالقضاء يحدث بعد التذكر، و أمّا وجوب ذلك بمجرد التذكر فلا يستفاد منها، خصوصا إن قيل بأن ظاهرها التوقيت و كون زمان التذكر وقتا لها، لأنّ القائل بالفورية لا يلتزم بذلك، و الشاهد على عدم كون المراد منها هو وجوب الإتيان بها فورا بمجرد التذكر بحيث لا يعمل عملا الا ان يشتغل بها، هو ما ورد في بعض الروايات الدالة على المواسعة من التعبير بعين ذلك، مع الأمر باتيان الصّلاة القضائية بعد فصل، و عدم لزوم اتيانها فورا كما نرى في الرواية الثالثة، و هى ما رواها سماعة بن مهران ففيها مع قوله (يصلّيها حين يذكرها) علل ذلك بفعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

و سلم من أنّه بعد ما رقد عن صلاة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب المواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 191

الصبح حتّى طلعت الشّمس، ثمّ صلّيها حين أستيقظ، و لكنه تنحى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى، مع ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد ما تنحى عن مكانه قضاها، فهذا شاهد على أن قوله (يصليها حين يذكرها) لا ينافى مع الفصل بين التذكر و بين اتيانها.

فعلى هذا نقول: ليس لهذه الروايات ظهور في وجوب الفورية لا في التوقيت و كون زمان التذكر وقتا لها و لا بمعنى الفورية.

و أمّا القسم الثانى: أعنى الأخبار الّتي يستدل بها على المواسعة و عدم وجوب الفورية

نذكرها ان شاء اللّه.

الأولى: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى أذاه حر الشمس، ثمّ استيقظ فعاد ناديه ساعة و ركع ركعتين ثمّ صلّى الصبح، و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدنى الّذي ارقدك يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: و كره المقام و قال: نمتم بوادى الشيطان. «1»

الثانية: ما رواها الشهيد في الذكرى بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: قال رسول اللّه: إذا حضر وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة يبدأ بالمكتوبة. قال: فقدمت الكوفة فاخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منى، فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر عليه السّلام فحدثنى: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه

و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا فقال بلال: انّا، فنام بلال و ناموا حتى طلعت الشمس. فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللّه أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الّذي أصابكم فيه

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 192

الغفلة، و قال يا بلال أذّن، فأذّن فصلى رسول اللّه ركعتى الفجر، و أمر أصحابه فصلوا ركعتى الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسى شيئا من الصّلاة فليصلّها اذا ذكرها، فإن اللّه عز و جل يقولوا: (أقم الصّلاة لذكرى) قال زرارة:

فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه، فقالوا نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبى جعفر عليه السّلام فأخبرته بما قال القوم. فقال: يا زرارة ألا اخبرتهم إنّه قد فات الوقتان جميعا، و أن ذلك كان قضاء من رسول اللّه.) «1»

الثالثة: ما رواها سماعة بن مهران (قال: سألته عن رجل نسى أن يصلى الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال يصليها حين يذكرها، فإن رسول اللّه رقد عن صلاة الصبح حتّى طلعت الشمس، ثمّ صلّيها حين استيقظ، و لكنه تنحى عن مكانه ذلك، ثمّ صلى.) «2»

الرابعة: ما رواها سعيد الأعرج (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول ان اللّه أنام رسوله عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثمّ صلّى الفجر) «3» الحديث.

و هذا القسم من الأخبار لأجل كون ظاهرها مخالفا للمذهب، لا بدّ من رد علمه إلى أهله، فلا يمكن الاستدلال بها للمطلب.

الخامسة: الرواية المفصلة الّتي رواها حريز عن

زرارة ففي ذيلها (قال ابو جعفر عليه السّلام: و إن خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة ثمّ صل

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 61 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 1 من ابواب القضاء من الوسائل.

(3)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 193

المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما لانّهما جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس قال: قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوتها.) «1»

السادسة: ما رواها ابو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ان نام رجل و لم يصل صلاة المغرب و العشاء، أو نسى فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما فإن خاف أن تفوته إحداها فليبدأ بالعشاء الآخرة، و ان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح، ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلها.) «2»

السابعة: ما رواها محمد بن مسلم (قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال: يصليها إن شاء بعد المغرب و ان شاء بعد العشاء.) «3»

الثامنة: ما رواها الحلبى (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء، إن شاء بعد المغرب و إن شاء بعد العشاء.) «4»

التاسعة: ما رواها ابن أبى يعفور (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: صلاة النهار يجوز قضائها أى ساعة شئت من ليل او نهار.) «5»

العاشرة: ما رواها الحسين بن أبى العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: اقض

صلاة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 62 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 39 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(5)- الرواية 12 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 194

النهار أى ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء.) «1»

و هل المراد من صلاة النهار في الاربعة الأخيرة هو مطلق الصّلاة أعم من الفريضة و النافلة، أو خصوص النوافل أى الرواتب اليومية وجهان، و لا يبعد كون النظر فيها إلى خصوص نافلة النهار لا الفريضة.

و يستدل عليها أيضا ببعض الأخبار الّتي نتعرض لها في طى الأخبار المربوطة باعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدمها الدال على جواز إتيان النافلة قبل الفريضة الفائتة، فلو كان وجوب القضاء فوريّا لا يناسب تجويز ذلك.

الحادية عشرة: الخبر الّذي رواه على بن موسى بن طاوس في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى عن حريز عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قلت له:

رجل عليه دين من صلاة تام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصل صلاة ليلة تلك؟ قال: يؤخّر القضاء و يصلى صلاة ليلة تلك.) «2»

الثانية عشرة: ما عن السيّد بن طاوس أيضا في رسالة المواسعة عن أمالي السيد أبى طالب الحسينى باسناده إلى جابر بن عبد اللّه (قال: قال رجل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كيف أقضى؟ قال: صل مع كل صلاة صلاة مثلها. قال: يا رسول اللّه قبل أم بعد؟ قال: قبل). «3»

الثالثة عشرة: خبر عمار المروى عن الذكرى

و غيره (قال: قال سليمان بن

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 39 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 61 من ابواب المواقيت من الوسائل؛ بحار الانوار، ج 88، ص 327.

(3)- بحار الانوار، ج 88، ص 331.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 195

خالد لأبى عبد اللّه عليه السّلام و انا جالس: انّي منذ عرفت هذا الأمر اصلّى في كل يوم صلاتين أقضى ما فاتني قبل معرفتى؟ قال: لا تفعل فإنّ الحال الّتي كنت عليها اعظم من ترك ما تركت من الصّلاة.) «1»

وجه الاستدلال أنّه عليه السّلام اعلم خطائه في لزوم القضاء و لم يعلمه خطائه في كيفية قضائه من إتيانه كل يوم بصلاتين، فإن كان وجوب القضاء فوريّا كان اللازم بيانه.

أقول: و فيه أنّه حيث إنّه عليه السّلام كان بسدد بيان عدم وجوب القضاء رأسا عليه، لا يلزم تخطئته في كيفية قضائه.

الرابعة عشرة: رواية عمار المشتملة على مسائل متفرقة، (و فيها قال: سألته عن الرجل يكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: نعم، يقضيها بالليل على الارض، فأما على الظّهر فلا، و يصلى كما يصلى في الحضر.)

و يستدلّ على المواسعة ببعض الأخبار الآتية ان شاء اللّه الدالة على عدم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و جواز تقديم الحاضرة عليها، و كذلك بعض الأخبار الدالة على جواز تقديم النافلة على الفائتة فلو كان البناء على الفورية و المضايقة كان تقديم الحاضرة و النافلة عليها غير جائز.

إذا عرفت ذلك نقول: أمّا أولا فإن الروايات المستدل بها على المضايقة لا ظهور لها في ذلك كما بنيا.

و ثانيا يبعّد ذلك أنّه لو التزمنا بالفورية المطلقة يلزم أن لا يشتغل من عليه

______________________________

(1)- الذكرى،

ج 2، ص 432؛ الرواية 4 من الباب 31 من ابواب مقدمات العبادات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 196

الفوائت بشي ء من امور الدنيا و حوائجه الا بمقدار الضرورة، و هذا ممّا يشكل الالتزام به.

و ثالثا لو فرض دلالة الطائفة الأولى على الفورية و المضايقة فبعد دلالة الطائفة الثانية على جواز التأخير و عدم الفورية، فمقتضى جمع العرفى بين الطائفتين من الأخبار، هو حمل الطائفة الأولى على الاستحباب، فتكون النتيجة في الجهة الأولى عدم وجوب البدار و عدم كون البناء في قضاء الصلوات على المضايقة.

إن قلت: إن المشهور من القدماء أفتوا بذلك.

نقول: إنّه لا يستكشف من فتواهم وجود نص في المسألة غير ما وصل بأيدينا، بل يمكن كون نظرهم في فتواهم إلى ما وصل بأيدينا من الأخبار المستدل بها على المضايقة، و قد عرفت عدم دلالتها، فافهم.

[الطائفة الثانية ما يكون متعرضا لاعتبار الترتيب]
اشارة

و امّا الأخبار المربوطة بالجهة الثانية أعنى ما يكون متعرضا لاعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدم اعتباره.

أمّا ما يمكن ان يستدل بها على اعتبار الترتيب فروايات:

الأولى: ما رواها حريز عن زرارة المشتملة على فقرات و من جملتها هذه الفقرة: (و إن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها، فصل العصر، ثمّ صل المغرب، فإن كنت قد صليت المغرب، فقم فصل العصر، و ان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فاتمها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّى المغرب، فإن كنت قد صليت العشاء الآخرة و نسيت المغرب فقم فصل المغرب و ان كنت ذكرتها و قد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة، فإن كنت قد

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 197

نسيت العشاء الآخرة حتّى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة، و ان كنت ذكرتها و أنت في الركعة الأولى و في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة و اذّن و اقم، و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة، ابدا بالمغرب ثمّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة ان بدأت بالمغرب فصل الغداة، ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدا بأولهما لأنّهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا تصلهما الا بعد شعاع الشمس. قال: قلت: و لم ذلك؟ قال: لانك لست تخاف فوتها.) «1»

اعلم ان هذه الرواية تدلّ بظاهرها على أنّه لوفات عن المكلف فريضة نسيانا فتذكر نسيانها بعد دخول وقت الصّلاة اللاحقة عليها كما ترى من الامثلة المذكورة في الرواية، ففرض فيها مثلا نسيان العصر و قد دخل

وقت المغرب، أو نسيان المغرب و قد دخل وقت العشاء «2»، و كذلك فرض نسيان العشاء و قد دخل وقت الغداة، فمن كل ذلك يستفاد ان الترتيب الّذي يدلّ عليه الرواية هو بين خصوص الصّلاة السابقة الفائتة مع اللاحقة الحاضرة فظاهر الرواية هو اعتبار الترتيب في خصوص هذا المورد.

و لا مطلقا، فلو فرض فوت غير السابقة مثلا فات صلاة يوم السابق أو أيام السابقة فلا اطلاق للرواية يشمل هذه الصورة.

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب المواقيت من الوسائل.

(2)- (اعلم ان التعبير في الرواية بما يدلّ على كون وقت المغرب غير وقت العشاء و كذلك وقت العصر غير وقت الظهر و أن لكل منها وقتا خاصا يكون موافقا مع مختار العامة و لا يناسب ما هو الحق عندنا من كون الوقت مشترك بين الظهر و العصر، و المغرب و العشاء).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 198

و بعبارة اخرى نقول إنّه تارة يفوت صلاة و يتذكر فوتها في وقت صلاة لا حقة عليها بحسب الوقت، فالرواية تدلّ على لزوم الترتيب بين هذه الفائتة و هذه الحاضرة.

و يمكن أن يقال: بأن مثلها ما يكون شريكتها في وقتها مثلا نسى الظهر و العصر، فتذكر في وقت المغرب، أو تذكر نسيان المغرب و العشاء في وقت الغداة فكون الترتيب بمقتضى الرواية بين العصر و المغرب، و بين العشاء و الغداة معلوم، و يمكن كون هذا الترتيب بين الظهر الّتي شريكة في الوقت مع العصر و بين المغرب، و بين المغرب الّتي شريكة في الوقت مع العشاء و بين الغداة بقرينة قوله عليه السّلام: (و ان كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة ابدأ

بالمغرب ثمّ العشاء) كما ربّما يكون دليلا عليه الرواية 6 من الباب 62 من أبواب المواقيت من الوسائل، نذكرها ان شاء اللّه.

و تارة فاتت عن الشخص صلاة أو صلوات في أيام سابقة مثلا قبل سنة أو اكثر، أو قبل شهر أو اكثر، فتذكر نسيانها في سنة لا حقة أو شهر لاحق في وقت صلاة، فهل يستفاد من هذه الرواية كون الصّلاة الّتي تذكر في وقتها نسيان صلاة أو صلوات قبل سنة أو شهر مرتبة عليها، و أنّ بين هذا القسم من الفائتة و هذا القسم من الحاضرة ترتيب أولا.

اعلم أنّ الرواية بظاهرها لا يشمل هذا الفرض، و لا إطلاق لها يشمله إلا أن يقول احد بشمولها بإلغاء الخصوصية، و إنّه لا خصوصية بنظر العرف بين كون الفائتة متصلا بحسب الوقت بوقت الحاضرة الّتي تذكر نسيانها فيه أولا، بل الملاك في هذا الحكم ليس الا مجرد كون الصّلاة الفائتة بحسب الترتيب مقدمة على الحاضرة، سواء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 199

كان وقت كل منهما متصلا بوقت الآخر أم لا.

و فيه أن القطع بكون الملاك هذا و عدم كون خصوصية في هذا الحكم أى لزوم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة في كونهما متّصلتين بحسب الوقت، لا يحصل ابدا فلا بدّ من الاقتصار بالمورد، و هو ما قلنا.

الثانية: ما رواها عمر بن أذينة عن زرارة أيضا عن أبى جعفر عليه السّلام (أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور، أو نسى صلاة لم يصلها او نام عنها؟ فقال: يقضيها إذا ذكرها في اىّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فاذا دخل وقت الصّلاة و لم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصّلاة الّتي

قد حضرت، و هذه أحق بوقتها فليصلها، و اذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى). «1»

و قوله عليه السّلام: إذا دخل وقت الصّلاة و لم يتم ما قد فاته أيضا لا يستفاد منه اطلاق يشمل لزوم الترتيب بين مطلق الفائتة و الحاضرة، و إن لم يكن اتصال بينهما من حيث الوقت، لأنّ الظاهر أو المتقين من الرواية هو صورة فوت الصّلاة لأجل فقدها الطهور أو نسيانها و تذكر ذلك في وقت الصّلاة اللّاحقة، و من البعيد كون موردها غير هذه الصورة، فليس اطلاق للرواية بظاهرها.

الثالثة: ما رواها عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى، فإن كنت تعلم انك إذا صليت الّتي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتى فاتتك، فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول «أقم الصّلاة لذكرى» و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت الّتي فاتتك فاتتك الّتي بعدها فابدأ بالتى أنت في وقتها

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 200

و اقض الاخرى.) «1»

و الظاهر من هذه الرواية هو فرض فوت صلاة و تذكرها في وقت صلاة اخرى متصلة بها، لا أنّه فات عنه صلاة و تذكر بعد أيام أو شهور أو سنين في وقت صلاة فوتها، فلا تشمل روايات الثلاثة الّتي رواها حريز و عمر بن أذينة و عبيد عن زرارة إلا صورة اتصال وقت الفائتة بالحاضرة و عدم فصل وقت صلاة بينهما، فلو تذكر في وقت صلاة الظهر نسيان الغداة أو في وقت المغرب نسيان العصر او نسيان الظهر و العصر على ما قلنا من امكان شمول الرواية للشريكة

في الوقت، أو في وقت الغداة نسيان العشاء أو نسيان المغرب و العشاء بناء على شمولها للشريكة، فلو كنّا نحن و هذه الروايات يلزم عليه الترتيب، و أمّا في غير هذه الصورة فلا تدلّ على لزوم رعاية الترتيب.

الرابعة: ما رواها صفوان بن يحيى عن ابى الحسن عليه السّلام (قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس، و قد كان صلّى العصر؟ فقال: كان ابو جعفر عليه السّلام أو كان أبى عليه السّلام يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن يفوته المغرب بدأ بها، و إلا صلى المغرب ثمّ صلاها.) «2»

قد يتوهم دلالة الرواية على كون الترتيب بين مطلق الفائتة و الحاضرة لا خصوص الفائتة السابقة المتصلة بالحاضرة، لأنّه مع فرض فوت الظهر و تذكر فوتها في وقت المغرب، و عدم كون الظهر متصلة بها لفصل العصر، مع ذلك لزم رعاية الترتيب بمقتضى هذه الرواية.

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 201

و لكن فيه أنّ رعاية الترتيب في هذا المورد لا يدل على اطلاق الحكم بالنسبة إلى الفائتة المتصلة و المنفصلة، بل ربما يكون من أجل ما قلنا في ذيل الرواية الأولى من أن المستفاد من رواية زرارة و كذا هذه الرواية هو ثبوت حكم الترتيب بين شريكة الفائتة و الحاضرة المتصلة بها كما ثبت بين نفس الفائتة و الحاضرة المتصلة بها، فكما أنّه لو تذكر في وقت المغرب أو الغداة فوت صلاة العصر أو العشاء يلزم رعاية الترتيب من أن يؤتى أولا بقضاء العصر أو العشاء ثمّ المغرب أو الغداة، كذلك لو نسى الظهر و

العصر أو المغرب و العشاء أو خصوص الظهر أو المغرب و تذكر نسيانهما بعد دخول وقت المغرب أو وقت صلاة الغداة، فهذه الرواية ممكن الحمل على هذا الاحتمال، و لأجل هذا أى كون حكم الترتيب بين الفائتة و شريكتها و بين الحاضرة اللاحقة المتصلة بها، ترى في بعض الكلمات الاحتياط في رعاية الترتيب في فائتة اليوم و الليلة.

الخامسة: ما رواها ابن مسكان عن ابى بصير (قال: سألته عن رجل نسى الظهر حتّى دخل وقت العصر؟ قال: يبدأ بالظهر و كذلك الصلوات تبدأ بالتى نسيت إلا أن تخاف أن تخرج وقت الصّلاة فتبدأ بالتى انت في وقتها ثمّ تقضى نسيت.) «1»

و هذه الرواية لا اطلاق لها بالنسبة إلى الجهة الّتي ذكرناها فلا تدلّ على لزوم الترتيب بين كل فائتة و ان كانت منفصلة و بين الحاضرة، لأنّ المفروض نسيان الظهر حتى دخل وقت العصر، و هذا موافق مع القول بكون لكل منهما وقت خاص على خلاف مذهبنا.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 202

و أمّا قوله عليه السّلام: و كذلك الصلوات تبدأ بالتى نسيت. فهو لا يدلّ على الاطلاق من هذا الحيث، بل يمكن أن يكون المقصود هو ما قلنا من رعاية الترتيب بين الظهر و العصر، و يكون هذا الحكم في كل صلاة يكون من قبيلهما أعنى كل فائتة متصلة بالحاضرة و بعبارة اخرى يكون هذا الحكم في مثل العصر و المغرب، و المغرب و العشاء و الغداة، و الغداة و الظهر لانها صلوات مثل الظهر و العصر من هذا الحيث لاتصال وقت كل منها و عدم فصل صلاة بينهما، فافهم.

السادسة: ما رواها عبد الرحمن بن

أبى عبد اللّه، (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام من رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى؟ فقال: إذا نسي الصّلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، فاذا ذكر و هو في صلاة بدأ بالتى نسي، و إن ذكرها مع امام في صلاة المغرب اتمها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان العتمة وحدة فصلى منها ركعتين، ثمّ ذكر أنّه نسى المغرب اتمها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلث ركعات، ثمّ يصلى العتمة بعد ذلك.) «1»

و الظاهر منها هو رعاية الترتيب بين خصوص الفائتة و الحاضرة المتصلة بها و قوله: فإذا ذكر و هو في صلاة، يمكن أن يكون المراد في وقت صلاة.

السابعة: ما رواها معمّر بن يحيى (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل على غير القبلة ثمّ تبينت القبلة و قد دخل وقت صلاة اخرى؟ قال: يعيدها قبل أن يصلى هذه الّتي قد دخل وقتها الحديث.) «2»

و هي أيضا مثل ساير الأخبار من حيث كون الظاهر أو المتقين منها اعتبار

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب القبلة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 203

الترتيب بين خصوص الفائتة و الحاضرة المتصلتين كل منهما بالاخرى من حيث الوقت، فتحصل لك أنّه لو كنا نحن و هذه الأخبار مع قطع النظر عن المعارض، لا تدلّ الأخبار الاعلى لزوم الترتيب بين الفائتة و الحاضرة المتصلتين كل منهما بالاخرى، فافهم.

و امّا ما يستدل بها على عدم اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة

فروايات:

الأولى: ما رواها أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إن نام رجل و لم يصل الصّلاة المغرب و العشاء، أو نسي، فإن استيقظ قبل الفجر

قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، و إن خاف أن تطلع الشّمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلها.) «1»

تدلّ على أنّه لو استيقظ بعد الفجر، يصلى الفجر ثمّ ما فات منه من المغرب و العشاء، بل ربما يقال كان ظاهرها وجوب تقديم الحاضرة على الفائتة لقوله عليه السّلام:

فليصل الفجر.

الثانية: ما رواها فضالة عن ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: ان نام رجل او نسى ان يصلى المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كليتهما فليصلهما، و إن خاف ان تفوته إحداها فليبدأ بالعشاء الآخرة، و ان

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 204

استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع (و عن فضالة عن ابن سنان يعنى عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله). «1»

و دلالتها كالسابقة.

الثالثة: ما رواها الحسن بن على الوشاء عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبى عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: تفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب و ذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فانّه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى.) «2»

يحتمل أن يكون المراد هو أنّه إذا دخل وقت صلاة فيبدأ بها، و لكن تطبيق هذا الحكم بمورد العشاء يكون موافقا لمذهب

العامة من كون وقت العشاء غير وقت المغرب، اللهم إلا أن يقال: بأن نظر الإمام عليه السّلام ليس الا بيان هذا الحكم الكلى، لا تطبيق هذا الحكم بمورد العشاء، و سكوته عن بيان عدم كون العشاء بالنسبة إلى المغرب هكذا- لأنّ الوقت مشترك بينما على مذهبنا- يكون من باب التقية.

و يحتمل أن يكون مورد الرواية مورد تذكر فوت الأولى و العصر و المغرب في الوقت المختص بالعشاء أى آخر الوقت، فلاجل هذا امر بأن يبدأ بالعشاء لضيق وقتها، فعلى هذا لا تكون الرواية دليلا على عدم وجوب الترتيب،

و يحتمل ان يكون نظره عليه السّلام من قوله: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، إلى أنّه يأتي بكل صلاة يكون الوقت وقتا لها، و يقضى بعدها بما خرج وقتها، و تكون النتيجة

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 62 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 205

إتيان المغرب و العشاء فعلا و الابتداء بهما، و سكوته عن بيان هذا كان لعلمه بأن السائل يعلم بكون الوقت مشتركا بينهما، فتكون الرواية على هذا دليلا لعدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة لو لم نقل بكونها دليلا على وجوب تقديم الحاضرة.

الرابعة: ما رواها عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشّمس و هو في سفر، كيف يصنع، أ يجوز له أن يقضى بالنهار؟ قال: لا يقضى صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا تجوز له و لا تثبت له و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل.) «1»

تدلّ على عدم وجوب الترتيب، لأنّه بعد عدم جواز قضاء صلاة الفجر في

النهار و الفرض أنّه يأتي بالظهر و العصر فيبدأ بهما قبل قضاء الفجر، فلو كان الواجب تقديم الفائتة لما كان يقول: لا يقضى صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار.

و الإشكال في الاستدلال بالرواية بأن النهى عن القضاء في النهار يكون لأجل النهى عن الصّلاة في المحمل فجواز تأخير القضاء يكون لأجل هذا المحضور اى الصّلاة في المحمل، غير وارد و لا يضر بالاستدلال بها، لانّ في تمام النهار لا يكون في المحمل حتّى يكون النهى لأجل ذلك، و كلما يصلّ الظهر و العصر في هذا اليوم يصل القضاء أيضا.

الخامسة: ما روى عن قرب الاسناد للحميرى عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام (قال سألته عن رجل نسي المغرب

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 2 من ابواب القضاء من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 206

حتى دخل وقت العشاء؟ قال: يصلى العشاء ثمّ المغرب. و سألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر، كيف يصنع؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ الفجر. و سألته عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر؟ قال: يبدأ بالظهر، ثمّ يصلى الفجر، كذلك كل صلاة بعد صلاة.) «1»

أقول و لكن المنقول في الوسائل في الباب الأوّل من أبواب القضاء نقلا عن قرب الاسناد هكذا قال: سألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ المغرب. و قال: سألته عن رجل نسي العشاء ثمّ ذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟ قال: يصلى العشاء، ثمّ الفجر. و قال: و سألته عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر؟ قال يبدأ بالفجر؟ ثمّ يصلى الظهر، كذلك كل صلاة بعدها صلاة. «2»

فعلى هذا

أمّا الفقرة الأولى فلعل وجه تقديم العشاء كان لضيق الوقت و كون آخر الوقت مختصا بها، و في الفقرة الثانية على خلاف ما نقل ابن طاوس عن قرب الاسناد امر بتقديم العشاء، و كذلك في الفقرة الثالثة، فالرواية على هذا دليل على الترتيب.

السادسة: ما رواها الشهيد في الذكرى عن إسماعيل بن جابر (قال: سقطت عن بعير فانقلبت على أم راسى فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ، فسألته عن ذلك؟

فقال: اقض مع كل صلاة صلاة.) «3»

______________________________

(1)- بحار الانوار، ج 88، ص 322.

(2)- الرواية 7- 8- 9 من الباب 1 من ابواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(3)- الرواية 15 من الباب 4 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 207

السابعة: ما في الفقه الرضوى (أنّه سئل العالم عن رجل نام او نسي فلم يصلّ المغرب و العشاء؟ قال: ان استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصلّيهما جميعا يصلّيهما، و إن خاف أن يفوت إحداهما أبدا بالعشاء الآخرة، فإن استيقظ بعد الصبح فليصلّ الصبح، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب، و يدع العشاء الآخرة حتّى تبسط الشّمس و يذهب شعاعها، و أن خاف ان يعجّله طلوع الشّمس و يذهب عنهما فليؤخّر هما حتّى تطلع الشّمس و يذهب شعاعها. «1»

الثامنة: ما رواه ابن طاوس في الرسالة عن كتاب الصّلاة للحسين بن سعيد ما لفظه: صفو ان عن عيص بن القسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أو نام عن الصّلاة حتّى دخل وقت الصّلاة اخرى؟ فقال: إن كانت صلاة الأولى فيبدأ بها و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء، ثمّ يصلّى العصر. «2»

التاسعة: ما

ذكره ابن طاوس عن كتاب الفاخر للجعفى الّذي ذكر في اوله أنّه لا يذكر فيه الا المجمع عليه و ما صح عنده من قول الائمة إنّه قال: و الصلوات الفائتات تقضين ما لم يدخل عليه وقت صلاة، فاذا دخل عليه وقت صلاة بدء بالّتى دخل وقتها و قضى الفائتة متى احبّ. «3»

العاشرة: ما قريب منه، و هو عبارة الفقيه حيث قال: و متى فاتتك صلاة فصلّها إذا ذكرت، فإن ذكرتها و انت في وقت فريضة اخرى، فصلّ الّتي انت في

______________________________

(1)- الفقه الرضوى.

(2)- بحار الانوار، ج 88، ص 329.

(3)- بحار الانوار، ج 88، ص 328.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 208

وقتها، ثمّ صلّ الصّلاة. «1»

و قال السيّد العاملى في مفتاح الكرامة و حكى مثل هذا عن على بن بابويه أيضا انتهى. «2»

هذا كلّه الروايات الّتي استدل بها أو يمكن الاستدلال بها على عدم وجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة.

[الكلام في مقام الجمع بين الروايات]

هذا كلّه حال الأخبار و بقي الكلام بعد ذلك في تعارض كل طائفة مع الاخرى، و وجه الجمع بينهما، و ما ينبغى أن يقال في المقام.

فنقول بعونه تعالى: هذا كله الأخبار المربوطة بالمقام و يكون التعارض بين الطائفتين: تدلّ إحداهما على الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و الاخرى على عدم وجوب ذلك.

ففي مقام رفع التعارض بينهما ما نقول؟ هل تكونان قابلين لأنّ يجمع بينهما بالجمع الدلالى إمّا بالتخيير بينهما بنظر العرف و إمّا بحمل ما دل على الترتيب على الاستحباب بقرينة ما يدل على جواز تقديم الحاضرة على الفائتة.

و إمّا أن يقال بعدم الجمع الدلالى بينهما لعدم مساعدة العرف على ذلك، فيقع بينهما التعارض، فإن كان لاحدى الطائفتين ترجيح على الاخرى فناخذ ذى المزية و نطرح مخالفها،

و لو لم يكن بينهما ترجيح فيقال: إمّا بالتخيير بينهما أو التساقط على خلاف في الخبرين المتعارضين، لا يبعد كون الترجيح مع ما يدلّ على الترتيب لكون

______________________________

(1)- من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 355.

(2)- مدارك الاحكام، ج 5، ص 298.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 209

ذلك مشهورا حسب الفتوى و قلنا: بأن المراد بالشهرة الّتي هى أول المرجحات هو الشهرة الفتوائية.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه يمكن أن نجمع في مقام الجمع الدلالى بين الطائفتين بالتخيير، بمعنى أن المكلف مخير بين الطرفين بيان ذلك أن يقال: إن الأخبار الدالة على اعتبار الترتيب ناظرة إلى بيان رفع المانع و إن كان وقتا من الاوقات- لا من جهة نفس الوقت، و لا من جهة وجود صاحبة الوقت و اشتغال الذمّة بالحاضرة- لا يكون مانعا من إتيان الفائتة.

و بعبارة اخرى يكون الأمر فيها امرا واقعا مورد توهّم الحضر، لأنّه كان بنظر السائلين باعتبار كون بعض الصّلاة في الأوقات ممّا فيها الحضاضة و المنقصة، لأجل ما ورد من النهى في بعض الأوقات مثل عند طلوع الشّمس و غروبها، و باعتبار كون الوقت وقتا للحاضرة و عدم الفراغة منها، فيكون الأمر باتيان الفائتة في وقت الحاضرة و مقدما عليها لبيان رفع هذا التوهم، و ان الاشخاص لا يتخيلون عدم جواز اتيان الفائتة، فالامر في هذا المقام لا يدل الا على مجرد الجواز، فيكون هذه الطائفة من الروايات في مقام بيان رفع المانع، و أن كون الوقت وقتا للحاضرة و عدم اتيانها لا يكون مانعا من إتيان الفائتة.

و ما يدلّ من الأخبار على عدم اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة تدلّ على جواز تأخير الفائتة، و كون تقديم الحاضرة على الفائتة

جائزا، بل ربما يقال:

بكون تقديمها افضل باعتبار ما في الرواية من كون صاحب الوقت أحق، فتكون نتيجة هذا الجمع هو التخيير بين إتيان الفائتة أولا ثمّ الحاضرة و بين العكس مع كون الافضل تقديم الحاضرة عليها، و هذا الجمع ممّا يساعده نظر العرف، و لم أر في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 210

الكلمات الجمع بين الأخبار بهذا النحو في المقام.

و يظهر من بعض المتاخرين الجمع بين الأخبار الدالة على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة و بين ما يدلّ على خلافه بحمل الأخبار الدالة على الترتيب على استحباب التعجيل في القضاء، و ما دل على تقديم الحاضرة عليها على أن تعجيل الصّلاة في وقت فضيلتها مستحب، لكن يكون الثانى أفضل فحمل الأخبار على وقت الفضيلة، و يكون كلامه هذا متخذا ظاهرا من الشّيخ الانصارى رحمه اللّه، و ما قلنا في مقام الجمع أوفق بنظر العرف.

و أمّا الأخبار الدالة على المضايقة و الفورية و الأخبار الدالة على خلافها فبينهما التعارض في بدء النظر، و لكن يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على وجوب القضاء فورا على الاستحباب بقرينة الأخبار الدالة على جواز التأخير.

هذا كله على فرض دلالة الأخبار المتمسك بها على الفورية على هذا أى على الفورية، و لكن قد عرفت أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على ذلك، بل تدلّ على أن ما بعد حدوث التذكر بالفوت يكون زمان اتيان ما فات و قضائها، فعلى هذا لا يبقى وجه لاستحباب الفورية أيضا فافهم.

و أمّا الكلام في العدول من الحاضرة إلى الفائتة لو تذكر الفائتة حين الاشتغال بالحاضرة فنقول: إنّه قد عرفت ما يدلّ عليه من الأخبار، و لكن بعد ما عرفت من عدم وجوب تقديم الفائتة على

الحاضرة و عدم وجوب ترتيب بينهما و أنّه يجوز تقديم الحاضرة على الفائتة، بل ربما يقال باستحبابه لكونها أحق بوقتها، فعلي هذا لو فرض دلالة رواية زرارة على وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة لا بدّ من التصرف فيها، لعدم وجوب ترتيب بينهما حتّى يجب العدول من اللاحقة بحسب

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 211

الترتيب بينهما إلى الاخرى، فتكون النتيجة جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة.

فتحصل ممّا مر في المباحث الثلاثة أن الحق في المسألة الأولى أى المضايقة و المواسعة كون الأمر مبينا على المواسعة.

و في المسألة الثانية أى وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و عدمه أن الحق عدم وجوب الترتيب.

و في المسألة الثالثة أى العدول من الحاضرة إلى الفائتة إذا تذكر في اثناء الحاضرة كون الفائتة على عهدته أن الحق عدم وجوب العدول، بل يجوز العدول، هذا تمام الكلام في هذه المسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 213

فصل في تتمة قضاء الصّلاة

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 215

تتمة قضاء الصّلاة

هل يعتبر الترتيب بين الفوائت
اشارة

، بمعنى لزوم رعاية الترتيب بينها بترتيب فوتها، فلو فات عن الشخص صلوات يوم من الفجر إلى العشاء، فيجب في مقام القضاء قضائها بهذا النحو: بأن يأتي أولا صلاة الفجر، ثمّ الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب، ثمّ العشاء، أو لا يجب ذلك؟

[الأقوال في المسألة]

اعلم ان من العامة من قال بوجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة كاحمد، أو من قال منهم بذلك في خصوص فائتة اليوم يقول بالترتيب بين الفوائت أيضا لكون الملاك في وجوب الترتيب واحدا في كل منهما، لأنّ الملاك في نظرهم هو كون الصلوات مرتبة بحسب الوجوب في صورة إتيانها اداء، فكذلك لو كان بعضها فائتة و بعضها حاضرة، أو كان كلها فائتة، و أمّا من يقول منهم بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة كالشافعى، فهو يقول بعدم وجوب الترتيب بين الفوائت أيضا.

و أمّا فقهائنا رضوان اللّه عليهم فمن يرى من القدماء تعرض لهذه المسألة كالسيد رحمه اللّه في جمل العلم و العمل، فهو يقول: بوجوب الترتيب بين الفوائت، كما يقول:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 216

بوجوبه بين الفائتة و الحاضرة، و هل يكون ذلك من باب كون الملاك في كل من المسألتين واحدا، أو لا يكون من هذا الباب، كل محتمل ..

و يمكن كون ذلك من باب كون وجوب الترتيب في كل من المسألتين بملاك واحد، و هو ما قلنا سابقا من أنّه كما يكون بين الصلوات ترتيب تكوينا من باب تقدم زمان بعضها على بعض- فالصّلاة الفجر مقدمة على الظهر زمانا، و الظهرين على المغرب و العشاء، لأنّ الفجر واقع في قطعة من الزمان يكون هذا الزمان مقدما على الزمان الواقع فيه الظهرين، و كذا الظهرين بالنسبة إلى العشاءين.

هل يكون بينها ترتيب

شرعا، بمعنى اشتراط كون صلاة الفجر من هذا اليوم مقدمة على الظهرين، و هما على العشاءين، أولا يعتبر ذلك؟

و الحق كما قلنا عدم كون تقدم البعض المتقدم بحسب الزمان على البعض شرطا، أو تاخر البعض للتأخر عن البعض بحسب الزمان شرطا فيه، لعدم دليل على ذلك في غير الظهرين و العشاءين من يوم واحد، فاشتراط كون العصر بعد الظهر و العشاء بعد المغرب، قد ثبت بالدليل، و إلّا لو لم يكن دليل خاص فلا يكون مجرد تقدم بعضها على بعض بحسب الزمان تكوينا دليلا على كون ترتيب بين المتقدم بحسب الزمان على المتاخر.

و لكن يمكن أن يكون نظر القدماء من اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة بهذا الملاك، و كذا بين الفوائت، هذا كله في نظر القدماء رحمه اللّه.

و أمّا المتاخرون منهم مع إفتائهم بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، قالوا: بوجوب الترتيب بين الفوائت. هذا حال الأقوال في المسألة، و محل الخلاف في هذه المسألة يكون في جهات ثلاث:

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 217

[في جهات ثلاث في المسألة]
الجهة الأولى: في وجوب الترتيب و عدمه مع علم الشخص بما فات منه

أولا ثمّ ثانيا ثمّ ثالثا و هكذا، مثلا يعلم أنّه فات منه أولا صلاة الفجر، ثمّ الظهرين، ثمّ العشاءين.

الجهة الثانية: بعد وجوب الترتيب في صورة العلم، يقع الكلام في وجوب الترتيب و عدمه

في ما لا يعلم ترتيب الفوت، مثلا يعلم بأنّه فات عنه صلوات، و لكن لا يعلم أن ما فات منه أولا أيا منها سواء كان جاهلا به من أول الأمر، أو كان عالما مدة ثمّ نسي ذلك.

الجهة الثالثة: لو قلنا بوجوب رعاية الترتيب، فهل يجب ذلك في خصوص ما إذا كان الشخص بنفسه يباشر للقضاء

و بعبارة اخرى من فات عنه يكون في مقام القضاء، أو يجب حتّى على من يقضى عن الاخر مثل ما يقضى الولد الأكبر أو الأجير أو المتبرع فكل هذه الجهات محل الخلاف.

[في ذكر الروايات المربوطة]
اشارة

إذا عرفت ذلك نذكر بعونه تعالى أولا روايات الباب، ثمّ ما هو الحق في الجهات الثلاثة:

الرواية الأولى: ما رواها الحسن بن على الوشاء

عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: قلت له: تفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب، و ذكرها عند العشاء الآخرة؟ قال: يبدأ بالوقت الّذي هو فيه، فانّه لا يأمن الموت، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت، ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى.) «1»

وجه الاستدلال هو أنّه عليه السّلام بعد ما أمر بإتيان العشاء قال (ثمّ يقضى ما فاته

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 2 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 218

الأولى فالأولى) يعنى في فرض السائل يأتي أولا الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب في مقام قضاء هذه الصلوات، فتدل على وجوب الترتيب بين الفوائت.

و فيه أن الأمر باتيان خصوص العشاء، و قضاء المغرب كالظهر و العصر لا ينطبق على مذهبنا من كون الوقت مشتركا بين المغرب و العشاء، و بالنسبة إلى هذه الجهة أى قضاء المغرب بعد الظهر و العصر، مخالف مع مذهبنا، و يكون حكما صادرا على وجه التقية، فلا يمكن العمل بالرواية في خصوص كون المغرب قضاء فيبقى قضاء الظهر و العصر، و إنّه يقضيها الأولى فالاولى، و الترتيب بينهما نحن نقول به من باب وجوب الترتيب بين حاضرة الظهر و العصر، و بين المغرب و العشاء، و هذا غير وجوب الترتيب بين جميع الفوائت حتّى غير الظهرين و غير العشاءين، فما الرواية عليه- و هو الترتيب بين فائتة الظهرين- نحن نقول به، و أمّا وجوب الترتيب بين مطلق الفوائت الّذي يكون لازمه رعاية الترتيب في مقام القضاء بين صلاة الغداة و الظهرين،

و بين الظهرين و العشاءين، في ما فات عنه أو لا صلاة غداة، الظهرين، ثمّ العشاءين، فلا تدلّ عليه الرواية. «1»

______________________________

(1)- (أقول لو حملنا الرواية على ما احتملنا عند ذكرها في طى الأخبار الدالة على عدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة من أن الإمام عليه السّلام قال فى مقام جواب السائل (يبدأ بالوقت الّذي هو فيه) فيمكن كون مراد المغرب و العشاء كليهما لأنّ الوقت وقتهما و لم بين ذلك صريحا تقية، فيكون على هذا الاحتمال عدم دلالته الرواية على وجوب الترتيب بين الفوائت أوضح، لأنّه على هذا يأتي المغرب و العشاء في وقتهما، ثمّ يقضى الظهر و العصر الاولى فالاولى، و الترتيب بينهما مسلم و هذا لا يدل على وجوب الترتيب بين مطلق الفوائت، حتّى بأنّه لو فات عنه أولا صلاة ظهر، يجب أولا فى مقام القضاء قضاء الغداة، ثمّ الظهر. نعم، لو حملت الرواية على صورة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 219

فتحصل عدم دلالة هذه الرواية على وجوب الترتيب بين الفوائت.

الثانية: ما رواها حريز عن محمد بن مسلم

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة، ثمّ ذكر بعد ذلك. قال:

يتطهر و يؤذن و يقيم في أولهنّ ثمّ يصلى، و يقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلى بغير أذان حتّى يقضى صلاته.

وجه الاستدلال الأمر بالأذان و الإقامة في اوّلهنّ و الإقامة للصلوات بعدها، فيستفاد من ذلك كون اللازم الشروع في الأولى بحسب الفوت، و لهذا امر بالأذان و الاقامة قبلها.

و فيه ان ما يستفاد من الرواية هو إتيان الأذان و الإقامة في اولهن، و أمّا لزوم الشروع أولا في ما فات أولا، فلا دلالة لها على ذلك، و بعبارة

اخرى هل يستفاد من الرواية حكمان: الأوّل وجوب الابتداء بأول ما فات من المكلف، و الثانى الأذان و الإقامة قبله، أو يستفاد حكم واحد و هو أن يؤذن و يقيم في اولهن؟ الظاهر الثانى لأنّه قال عليه السّلام: يتطهر و يؤذن و يقيم في اوّلهنّ.

إن قلت: إن الرواية تدلّ على أن يؤذّن و يقيم في اوّلهنّ، و المراد من أوّلهنّ أوّلهنّ بحسب الفوت، و بعد كون الأذان و الإقامة مطلوبا في أولهنّ بحسب الفوت

______________________________

ضيق الوقت بحيث لم يكن الوقت باقيا الا بمقدار إتيان العشاء، فتدل الرواية على ما ادعي من وجوب الترتيب بين الفوائت، لأنه على هذا فات عنه الظهر و العصر و المغرب، و مقتضى قوله (ثمّ يقضى ما فاته الأولى فالاولى) هو إتيان الظهر، ثمّ العصر، ثمّ المغرب، و هذا معنى وجوب الترتيب بين الفوائت و لكن لا ظهور للرواية فى هذا الاحتمال، و لم يكن هذا الاحتمال ارجح عن الاحتمالين السابقين لو لم نقل بكون كل منهما أقوى منه، فافهم). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 220

و الاقامة في ما بعدها، فهذا يدلّ على كون المطلوب الشروع من أولهنّ بحسب الفوت.

أقول: إن الرواية ليست إلا في مقام بيان كفاية اذان واحد في مقام إتيان الفوائت، و ليس في مقام بيان انّ الابتداء لا بد و أن يكون بأى من هذه الفوائت، و قوله عليه السّلام (يؤذن و يقيم في أولهن) يمكن أن يكون أولهنّ بحسب بناء الشخص و أنّه في ما يبتدأ به يؤذّن و يقيم، فما يبتدأ به منها فهو يصير أولهن، فلا يستفاد من الرواية أولهنّ بحسب ترتيب الفوت، فلا دلالة للرواية على الترتيب بين الفوائت.

الثالثة: الرواية المفصلة الّتي رواها حريز عن زرارة

عن أبي جعفر عليه

السّلام، و الاستدلال بها للمسألة بفقرتين منها: إحداهما ذيل الرواية و هو هذا (و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء، ابدأ بأولهما لانّهما جميعا قضاء الخ). «1»

وجه الاستدلال بها هو أنّه قال عليه السّلام: صل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء.

و لكن قال: ابدأ بأولهما و علل ذلك بأنّه (لأنهما قضاء) فيستفاد أن الصّلاة القضائية تقتضى أن يكون الابتداء في مقام القضاء بأولهما.

و فيه أنّه بعد ما عرفت من لزوم رعاية الترتيب بين قضاء المغرب و العشاء كما يكون الترتيب بين الأدائية منهما، لعل كون الحكم بالابتداء بأوّلهما يكون من باب كون الترتيب الشرعى بينهما، و يكون قوله (لأنهما جميعا قضاء) علّة لجواز تاخير هما جميعا، لأنّ في الفقرة السابقة قال: (و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 221

جميعا، فابدأ بهما قبل أن تصلى الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابد بالمغرب، ثمّ صل الغداة، ثمّ صل العشاء) ثمّ بعد ذلك قال (و إن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثمّ صل المغرب و العشاء ابدأ بأولها لانّهما جميعا قضاء) فقوله (لانّهما جميعا قضاء) يكون علّة لجواز تأخير المغرب أيضا كالعشاء لو خشى فوت الغداة، و أنّه يجوز تاخير كل منهما، لأنّ كلا منهما يكون قضاء، و بعد كونهما قضاء لا مانع من تأخير هما، فهذا دليل على عدم المضايقة في الفوائت، فعلى هذا لا دلالة لهذه الفقرة على وجوب الترتيب بين الفوائت.

ثانيهما قوله عليه السّلام في صدر الرواية

(قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات، فابدأ بأوّلهنّ، فأذن لها و أقم، ثمّ صلها، ثمّ صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة الخ). «1»

وجه الاستدلال هو أن قوله عليه السّلام (فابدأ بأوّلهنّ) يدلّ على وجوب الابتداء بأول ما فات ثمّ الأولى فالاولى.

و فيه أن هذه الرواية و إن كانت اقوى ما يمكن أن يستدل به للمسألة، و لكن مع ذلك حملها على ما استدل به بحسب ظهورها العرفى مشكل، و ليس بحيث يمكن الالتزام بالترتيب بين الفوائت بأن يؤتى بها الاولى فالاولى بهذه الرواية، لأنّ قوله (فابدأ بأولهنّ فأذن لها و أقم، ثمّ صلها) يحتمل أن يكون فى مقام بيان كون المطلوب الأذان في ابتداء الشروع بالفوائت فقط مع الإقامة و الإقامة فقط بعدها كما قلنا في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 63 من ابواب مواقيت الصّلاة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 222

الرواية السابقة، و بيان (فابدأ بأوّلهنّ) يكون توطئة للحكم بأن (أذن لها و أقم) و أنّ الشروع في ما تجعله الأوّل أى في الصّلاة الّتي تبدأ بها بحسب بنائك، و قبلها أذّن و أقم فلا ظهور للرواية في أن تكون فى مقام بيان حكمين: الابتداء بأول ما فات، ثمّ الاذان و الاقامة قبلها.

مضافا إلى أن الرواية لا تدلّ على الترتيب مطلقا حتّى في ما بعد الأولى، لانه لو فرض دلالتها على ما توهم، تدلّ على أنّه يلزم الابتداء باول فائتة فاتت من الشخص، و أمّا بعدها يجب الابتداء بما فات بعد الأولى و هكذا، فلا دلالة للرواية على ذلك، فالدليل أخصّ من المدعى، فظهر من ذلك كله أن الاستناد في هذا الحكم على مجرد هذه

الرواية مع ما فيها من الإشكال مشكل، هذا حال الروايات و مقدار دلالتها.

[توضيح الجهات الثلاثة في ضوء الروايات]
اشارة

اذا عرفت ذلك فنقول: كما قلنا إن الكلام في مسئلة وجوب الترتيب بين الفوائت يقع في جهات ثلاث:

فإذا نقول:

أمّا الجهة الأولى: فهل يجب الترتيب بين الفوائت في صورة العلم

بترتيب الفوت أم لا؟ فإن قلنا بدلالة صدر رواية زرارة- و هى الرواية الثالثة من الروايات الثلاثة المتقدمة- فقدر المتيقن منها هو هذا المورد أعني صورة العلم بالترتيب.

أمّا الجهة الثانية: أعني صورة الجهل بترتيب فوت الفوائت

، فلو فرض دلالة رواية زرارة المتقدمة على وجوب الترتيب في صورة العلم، هل تدلّ على وجوبه في صورة الجهل بالترتيب أم لا؟

اعلم أنّه كما قلنا سابقا تارة نقول: بأن منشأ فتوى المشهور من القدماء

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 223

رضوان اللّه عليهم بوجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت هو استكشاف شرطية تقدم كل من الحواضر على الآخر بحسب تقدمه في الزمان، بل يقال بأنّه بعد ما نرى من تقدم بعض الصلوات على بعض اخرى تكوينا، و تأخر بعضها من بعض تكوينا، باعتبار وجوب بعضها في زمان متقدم على زمان وجوب بعض آخر- فالصّلاة الغداة الأدائية من اليوم متقدمة تكوينا على الصّلاة الظهرين- من هذا اليوم بحسب الزمان، و الظهران متأخرتان عنها بحسب الزمان، و هكذا العشاءين بالنسبة إلى الظهرين، نستفاد ترتيبا شرعيّا بينها، و كون تقدم المتقدم بحسب الزمان شرطا في المتأخر، فصلاة الظهر من شرائطها كونها بعد الغداة، و كذا العصر بالنسبة إلى الظهر، و كذا المغرب و العشاء بالنسبة إلى الظهرين، و هكذا كل صلاة متقدمة زمانا على الصّلاة المتاخرة عليها زمانا وجودها شرط للمتأخرة.

فاعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت يكون لأجل اعتبار ذلك في أصل الصلوات أى في الحواضر، فحيث كانت كل صلاة حاضرة متأخرة مشروطة بوجود الحاضرة المتقدمة بحسب الزمان عليها، فاذا صارت بعض الصلوات فائتة و بعضها حاضرة تجب رعاية هذا الترتيب، و كذا لو صارت كلها فائتة يجب رعاية هذا الترتيب بينها.

فعلى هذا و

إن كان الحكم بوجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، أو بين الفوائت للروايات المتقدمة يكون بحسب مقام الأثبات، و لكن في مقام الثبوت يكون هذا الحكم بملاك واحد، و هو اشتراط ترتب الصّلاة المتاخرة زمانا على المتقدمة زمانا شرعا، كما تكون متأخرة على المتقدمة عليها تكوينا.

فإن قلنا بهذا و كون منشأ اعتبار الترتيب بملاك واحد، و هو ما قلنا، فيمكن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 224

أن يقال في مقام الجهل بترتيب الفوائت باشتراط الترتيب، و لزوم رعاية هذا الشرط أيضا مثل ما إذا علم الترتيب، لأنّ في كون الصّلاة المتاخرة مشروطة بالمتقدمة عليها زمانا لا فرق بين العلم بالترتيب و عدمه، و لا يرى في نظر العرف دخل في خصوصية العلم، بل يرى أن المناط و الملاك هو كون المتقدم شرطا في المتاخر، سواء كان الشخص عالما بكون ما هو المتقدم و ما هو المتاخر، أو كان جاهلا بذلك.

و ربما يقال بمنع ذلك و عدم وجوب ذلك إلا في صورة العلم بالترتيب.

و أمّا لو لم نقل بهذا المبنى من كون وجه اعتبار الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و بين الفوائت هو كون الصّلاة المتقدمة زمانا، شرطا للمتأخرة زمانا كما هى متقدمة عليها تكوينا، بل قلنا بعدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة و ان قلنا بوجوب الترتيب فنقول بذلك تعبدا من باب دلالة دليل خاص، و هو صدر رواية زرارة المتقدمة، فنقول: بأن ما دل عليه رواية زرارة على فرض دلالتها هو الأمر بالابتداء بأولاهن، و ظاهرها هو صورة العلم، لأنّ في صورة العلم يعلم ما هو المبتدأ، فيصح أن يقال (ابدأ باوّلهنّ) فلا تشمل الرواية إلّا الصورة العلم بما هو الأوّل ففي هذا الفرض

اعتبر الترتيب، و أمّا في غيره فلا.

إن قلت: بأنّه و إن فرض كون المفروض في الرواية صورة العلم بالترتيب، و لكن يمكن أن يقال بشمولها لصورة الجهل به أيضا من باب الغاء الخصوصية و ان العرف يلغى خصوصية العلم و لا يرى فرقا بين صورة العلم و صورة الجهل.

نقول: بأنّه ليس الأمر هكذا، و بعد كون الحكم بالترتيب بين الفوائت مجرد وجود دليل تعبدى عليه، كما هو كذلك على هذا المبنى، فقدر المتيقّن منه صورة دلالة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 225

الدليل، و ربما يكون للعلم خصوصية، فلا يلغى العرف خصوصية العلم، فلا يتعدى منه إلى صورة الجهل بالترتيب، و الفرق بين هذا المبنى و المبنى الأوّل هو أنّه على المبنى الأوّل قلنا بانا نكشف في مقام الثبوت ملاكا و هو كون الصّلاة المتقدمة بحسب الزمان شرطا في المتاخرة زمانا، و لهذا قلنا بأنهم قالوا باعتبار الترتيب بين الصلوات الحواضر و بين الفائتة و الحاضرة، و بين الفوائت، ففي هذا الملاك يمكن أن يدعى عدم فرق في وجوب الترتيب بين الفوائت بين العلم بالترتيب و جهله. «1»

و أمّا الجهة الثالثة: و هى أنّه لو قلنا باعتبار الترتيب في صورة العلم به أو مطلقا فهل يجب ذلك على القاضى عن الغير أم لا؟

مثلا لو كان القاضى الولد الأكبر، أو متبرع يتبرع عن الميت، أو أجير استاجره شخص للقضاء عن الميت صلاته، فهل يجب عليه رعاية الترتيب أم لا؟

اعلم أن للمسألة صورا:

______________________________

(1)- (أقول: و لكن الفرق من هذا الحيث بين المبناءين مشكل إذ على المبنى الأوّل و لو أستفيد كون وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و كذا بين الفائتة بملاك واحد، و هو كون الترتيب واجبا بين الصلوات الحواضر و لكن مع ذلك هل يكون بنحو الشرطية الواقعية او العلمية، فإن كان على سبيل شرطية الواقعية يجب الترتيب حتّى في

صورة الجهل به، و أمّا إن كان على سبيل الشرطية العلمية فتكون في خصوص صورة العلم بالترتيب فمن مجرد استفادة شرطية الصّلاة المتقدمة زمانا للمتأخرة زمانا لا يستفاد كون الشرطية الشرطية المطلقة حتّى في حال الجهل بالترتيب، و كذا الأمر على المبنى الثانى، فلا بدّ من استفادة الشرطية من الرواية الدالة على أنّه ابدأ بأولهن، فيقع الكلام في أنّه بعد كون ظاهر الرواية خصوص صورة العلم بالترتيب، فهل يمكن الغاء خصوصية العلم بدعوى عدم الفرق في نظر العرف بين العلم بالترتيب و جهله أولا فلا فرق في هذا الحيث بين المبناءين). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 226

اوّلها: فرض صورة علم كل من الميت و القاضى عنه بالترتيب.

ثانيها: فرض جهل كل منهما به.

ثالثها: فرض علم الميت و جهل القاضى به.

رابعها: العكس.

فنحن نتكلم في الصورة الأولى و يظهر منها حال ساير الصور لو لم نقل بوجوبه في الصورة الأولى.

فنقول بعونه تعالى: استدل على عدم وجوبه أولا بالأصل و به استدل الكاشف الغطاء رحمه اللّه «1» على عدم وجوب رعاية الترتيب على القاضى عن الغير، لأنّ الشك يكون في الشرطية شي ء بشي ء فيكون مجرى البراءة.

و ثانيا بأن رعاية الترتيب مع الجهل يوجب الحرج.

و استشكل على ذلك بأنّ الاصل يكون في صورة عدم الدليل و معه لا وجه للأصل، و يدل على اعتباره أنّه يجب على القاضى عن الغير قضاء الميت، و على الفرض بعد ما لم يأت الشخص بصلاته في الوقت صار قضاء، و بعد ما صار قضاء كان الواجب عليه قضاء ما فات من صلواته مع رعاية الترتيب، فاذا مات و لم يقضها، فمن يقضى عنه الصلوات لا بد و أن يقضيها كما كان واجبا عليه، فيجب

عليه قضائها عنه مع الترتيب المعتبر، هذا حاصل ما ذكره صاحب الجواهر رحمه اللّه. «2»

و استشكل على ذلك الحاج آغا رضا الهمدانى رحمه اللّه بأن الواجب على القاضى

______________________________

(1)- كشف الغطاء، ص 270.

(2)- جواهر الكلام، ج 13، ص 30- 25.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 227

عن الميت هو قضاء ما فات عن الميت أى ما تركه من الصلوات في وقتها، فإذا تركها صار قضاء و يجب قضائها عنه، فالقاضى يقضي ما فات من الصّلاة أى ما فات في وقتها، لا أنّه يقضي قضاء الصلوات، و بعبارة اخرى بعد ما فاتت الصّلاة في وقتها فتارة يقضيها نفس الشخص الّذي فاتت عنه، و تارة يقضيها غيره عنه، لا أنّه بعد ما فاتت الصّلاة يتعلق قضائها بالشخص، ثمّ لو لم يأت بها حتّى مات يقضى القاضى عنه القضاء الّذي بذمة الشخص، فيكون صلاة القاضى عنه قضاء قضاء صلاته.

فعلى هذا نقول: المطلوب عن القاضى هو قضاء الصّلاة الّتي فات عنه، و الصلوات الّتي فاتت عنه غير مشروطة بالترتيب، لأنّ من لا يقول بما قاله القدماء رحمه اللّه من كون الترتيب بين الحواضر، و قال بما قاله المتأخرين من وجوب الترتيب بين الفوائت فقط، فلا يجب الترتيب بين الحواضر، فما فات عن الميت هو صلوات بدون تقيد تقدم بعضها على بعض، فبعد ما فات فالمطلوب من القاضى عنه قضاء ما فات من الصلوات، و هى غير مشروط بالترتيب على الفرض.

نعم، لو كان المطلوب عن القاضى قضاء قضاء الميت كان لدخل هذا الشرط وجه، إذ على هذا الفرض تعلق بالميت قضاء الصلوات مشروطة بالترتيب، و هذا القضاء انتقل على عهدة القاضى عنه بكيفية تعلقه بالميت، فقد تعلق به مع شرط الترتيب، فيجب

على قاضى عنه كذلك.

و لكن المطلوب ليس إلا قضاء ما فات عنه، لا قضاء قضاء صلواته، و بهذا البيان صار في المصباح بسدد أن الترتيب غير واجب على القاضى عن الغير. «1»

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، كتاب الصّلاة، ص 611.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 228

و لكن فيه ان ما قاله رحمه اللّه يتم لو لم يكن في البين رواية زرارة المتقدمة الدالة على وجوب الابتداء باوّلهنّ و بعد ورود هذا الدليل نقول: بأن موردها و إن كان الخطاب على نفس من فات عنه صلوات و خوطب- (ابد بأولهن) إلا أن خصوصية كون القاضى نفس المكلف الّذي فات عنه ملغى بنظر العرف، فتشمل الرواية ما إذا كان الغير قاضيا عن المكلف بعد موته، لأنه يقضى عنه و يعمل عمله، فهو هو في إتيان القضاء، فقوله (ابدأ بأولهن) يشمل القاضى عن الغير بإلغاء الخصوصية بنظر العرف، و قد اشار بما قلنا من الإشكال في كلام صاحب المصباح نفسه في المصباح أيضا. «1»

[فروع المسألة]
[الفرع الأول حول بعض العلم الإجمالي في الفائتة]

فرع: قد عرفت ممّا مر في طى المباحث المتعلقة بوجوب الترتيب بين الفوائت و عدمه، أن الدليل عليه هو رواية زرارة على فرض دلالتها و غمض العين عما قلنا من عدم دلالتها مطلقا حتّى على وجوب الابتداء باول ما فات و عدم دلالتها على وجوب الابتداء بغير الصّلاة الفائتة أولا الأولى، فالاولى لا تدلّ إلّا على وجوب

______________________________

(1)- (أقول: لم يتعرض سيدنا و استادنا الاعظم مد ظله العالى لبيان حكم الصور المتقدمة إلا صورة واحدة، و هي ما إذا كان من فات عنه الصلوات و القاضى عنه كلا هما عالمين بالترتيب، و أمّا إذا كانا كلاهما جاهلين أو أحد هما جاهلا و الآخر عالما فلم يتعرض لهما.

فاقول:

أمّا إذا كانا كلاهما جاهلين فإن قلنا بعدم وجوب الترتيب على الجاهل، فلا يجب في الفرض على القاضى، و ان قلنا بوجوب الترتيب على الجاهل فيجب على القاضى لما قلنا من الغاء خصوصية كون المباشر القضاء الشخص من رواية زرارة، و أمّا إن كان القاضى عالما و من فات عنه الصّلاة جاهلا بالترتيب، فيجب رعايته لكون رواية زرارة شاملا له، و إن كان الميت عالما و القاضى جاهلا، فإن قلنا بوجوبه على الجاهل فأيضا يجب عليه، لأنّه المكلف برعاية الترتيب لشمول رواية زرارة له بإلغاء الخصوصية و إن لم نقل بوجوبه على الجاهل، فلا يجب على القاضى رعاية الترتيب، لأنّه على هذا لا تدلّ رواية زرارة على وجوب الابتداء باوّلهنّ إلا في فرض العلم بما هو الأوّل فافهم) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 229

الترتيب في خصوص صورة العلم بالترتيب، و أمّا مع الجهل به ففيما لا يعلم به أصلا فالرواية لا تشمله، نعم في ما إذا علم بالترتيب أوّلا ثمّ نسيه، فقد يقال بشمول الحكم أعني وجوب الترتيب له أيضا.

إذا علم الشخص بأنّه فات عنه إحدى الصلوات من خمسة صلواته اليومية، بأن يعلم إجمالا بأنّه فات عنه إمّا صلاة الغداة، أو الظهر، أو العصر، او المغرب، أو العشاء من ذلك اليوم، فهل يجب عليه أن يصلى خمس صلوات كما نسب إلى أبي الصلاح في الكافى، و ابن حمزه في الوسيلة، أو يكفى في امتثال الأمر القضائى الإتيان بصلوات ثلاث: ركعتين، و ثلاث ركعات، و اربع ركعات كما هو المشهور.

اعلم أنّه بعد العلم الإجمالي بوجوب صلاة عليه، لعلمه بفوت صلاة منه، فلو أتى بصلوة واحدة ركعتين، و واحدة ثلاثة، و واحدة أربع ركعات فقد حصل الامتثال،

لأنّه إن كانت الفائتة الغداة فقد أتى بركعتين، و إن كانت المغرب فقد أتى بثلاث ركعات، و ان كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد أتى بصلوة مشتملة على أربع ركعات.

و الإشكال في ذلك من باب انّه بأى منها يقصد التقرب أوّلا.

و بعدم تعيين المامور به، و الحال أن قصد التعيين لازم حتّى يصير الفعل الخارجى معنونا بعنوان المامور به ثانيا.

لا وجه له، لأنّه يقصد التقرب و الامتثال بهذه الصلوات لأنّ داعيه ليس إلا مطلوب المولى فقط، فهو يأتي بها بهذا الداعي.

و أمّا قصد التعيين فحيث يقصد بهذه الصلوات الثلاثة ما هو المأمور به في الواقع فمع هذه الاشارة ينطبق العمل الخارجى مع ما هو عنوان المامور به واقعا.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 230

و يمكن أن يكون وجه قول أبى الصلاح و ابن حمزة بلزوم إتيان خمسة، هو لزوم قصد التعيين، و لا يمكن بأربع ركعات واحدة قصد الظهر و العصر و العشاء، لا أن يكون وجه قولهم لزوم الجهر و الاخفاف، و إلّا كان المناسب أن يقول بأربع صلوات: ركعتين، و ثلاث ركعات، و أربع ركعات للعشاء، و يكفى أربع ركعات للظهر و العصر.

و يدلّ على هذا الحكم أى على ما أفتى به المشهور روايتان:

الأولى: ما رواها على بن اسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من نسي من صلاة يومه واحدة، و لم يدر أىّ صلاة هى، صلّى ركعتين و ثلثا و أربعا). «1»

و على بن اسباط و إن كان فتحيا إلّا أنّه معتمد عليه في نقله، و المراد من غير واحد من أصحابه يكون على الظاهر من مشايخه الذين يروي عنه.

الثانية: ما رواها احمد بن أبى

عبد اللّه البرقى في المحاسن عن أبيه عن العباس بن معروف عن على بن مهزيار عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث (قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدرى أيّتها هى؟ قال: يصلّى ثلاثة و أربعة و ركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى اربعا و ان كانت المغرب أو الغداء فقد صلّى). «2»

و هذه الرواية مرفوعة لأنّ الحسين بن سعيد رفعه و الفاصلة بينه و بين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 11 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 231

أبى عبد اللّه عليه السّلام رجلان لفصل طبقتين، و على أىّ حال تدلّان الروايتان على الحكم و لسانهما واحد إلّا أن في رواية المحاسن ذيل بيّن فيه وجه الحكم بكفاية صلوات ثلاث، و يمكن أن يكون هذا الذيل أى (فان كانت الخ) من الراوى أو من صاحب المحاسن و يجير ضعفهما عمل المشهور بهما.

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بكونه على القاعدة، لأنّه بإتيان ركعتين، و ثلاث ركعات و أربع ركعات يحصل الامتثال المعلوم بالاجمال، لما قلنا من عدم إشكال من حيث تحقق القربة و قصد التعيين، لأنّه يصح قصد التقرب و قصد التعيين بنحو الاشارة.

نعم يبقى الإشكال من حيث شرطية الجهر و الاخفات و أنّه بأربع ركعات مع اعتبار ذلك لا يتحقق الامتثال، لأنّه إن كان ما فات هو العشاء يلزم الجهر و إن كان الظهر أو العصر يجب الاخفات، فان جهر في هذه الأربعة فربما كانت الفائتة الظهر أو العصر و إن أخفت فيها فربما كانت الفائتة العشاء، فلا يحصل

القطع بامتثال المعلوم الإجمالي إلا أن يقال: بأن الدليل الدال على الجهر في العشاء و الاخفات في الظهرين لا يشمل هذه الصورة الّتي لا يدرى أن الواجب عليه العشاء أو الظهران، و على كل حال إن كان الحكم على القاعدة فهو، و إلّا فقد دلت الروايتان عليه، و ضعفهما يجبر بعمل الأصحاب، فلا إشكال في البين.

ثمّ إنّه لو فات عنه صلاة من صلوات يومه و هو مسافر فهل يكفى ركعتان و ثلث ركعات في مقام امتثال المعلوم بالاجمال أم لا يكفى، بل لا بدّ من الإتيان بخمس صلوات.

الحق كفاية ركعتين و ثلث ركعات، أمّا إن كان الحكم على القاعدة فواضح،

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 232

لأنّه إن فات عنه المغرب واقعا فقد أتى بثلاث ركعات و إن فات الغداة، أو الظهرين، أو العشاء فحيث إنّه مسافر فحيث عليه ركعتان للظهرين و العشاء كالغداة، فإتيانه بركعتين محقّق للامتثال.

و إن لم يكن الحكم على القاعدة فمن الروايتين المتقدمتين يستفاد ذلك بإلغاء الخصوصية، لأنّ ملاك الحكم فيهما معلوم و هو تحقق الامتثال بركعتين و أربع ركعات و ثلاث ركعات في الحضر فيكفي ركعتان في السفر من باب حصول الامتثال به، فافهم.

ما فات عن الشخص من الصلوات في الحضر يقضيها كما فات و إن كان يقضيها في السفر، و ما فات عنه في السفر يقضيها كما فات و إن كان يقضيها في الحضر، فلو فات عنه الظهر مثلا في الحضر يقضيها أربع ركعات و إن كان يقضيها في السفر، و لو فات عنه الظهر في السفر يقضيها ركعتين و إن كان يقضيها في الحضر، و هذا الحكم و إن كان فيه خلاف عند العامّة و لكن لا يكون فيه خلاف

عندنا فتوى، و يدل عليه بعض النصوص، فارجع الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل، فهذا الحكم في الجملة لا يكون محل كلام، إنما الكلام في البعض الفروع فرع عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه، و بعضها غير مربوط بالمقام.

فنذكر بعض الفروع إن شاء اللّه:

الفرع الأوّل: هل يكون المساوات بين الفائتة و قضائها من حيث السهو أم لا؟ مثلا لو كان الشخص إذا صلّى في الوقت و نسي سجدة واحدة مثلا كان حكمه إذا مضى محلّه قضائها بعد الصّلاة، فهل يجب في مقام القضاء لو ترك في صلاته سجدة واحدة أن يقضى السجدة بعد الصّلاة، أو لا يكون كذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 233

الحق التساوى بينهما في هذه الجهات، لأنّ أحكام السهو احكام للصّلاة سواء صلّى في الوقت أو خارجه، لأنّ اطلاق هذه الادلة كما يشمل حال الأداء يشمل حال القضاء، و مثل هذا الفرع غير مربوط بالمسألة المتقدمة أى مراعات القصر و الاتمام في مقام قضاء الفائتة.

الفرع الثاني: لو فات عن الشخص صلاة اضطرارية

، بمعنى أن صلاة فاتت عنه في وقت كانت وظيفته الصّلاة، قاعدا أو مضطجعا، أو مستلقيا فهل يجب في مقام القضاء قضائها قاعدا، أو مضطجعا أو مستلقيا، أو يجب عليه في مقام القضاء الإتيان بصلوة تامة من حيث الأجزاء و الشرائط أى الصّلاة الكامل المختار.

وجه دعوى قضائها على كيفية فاتت، هو وجوب قضائها كما فاتت لدلالة النبوى و بعض الروايات الواردة في وجوب قضاء ما فات سفرا ركعتان، ما و فات حضرا، أربع ركعات، لدلالته على وجوب القضاء كما فات.

و لكن الالتزام بذلك غير ممكن كما ادعى الاجماع على وجوب قضائها بالنحو الصّلاة الكامل المختار.

الفرع الثالث: إذا فات عن الشخص صلاة ظهر مثلا حال الخوف

، فهل يجب قضائها ركعتين لكون الواجب حال الخوف ركعتين، أو يجب عليه اربع ركعات؟

اعلم أن النزاع يكون في ما يكون مورد صلاة الخوف إلى ما دون المسافة الشرعية الموجبة للقصر، لأنّ مع فرض كون مورده في السفر الشرعى فهو مسافر و أيضا يعتبر أن تكون الوظيفة حال الخوف الصّلاة الجماعة، حتّى يفرض كون تكليفها حال الفوت ركعتين، أو نختار في صلاة الخوف بكون الوظيفة للمنفرد أيضا

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 234

ركعتين على خلاف فيه، ففي الصورتين يقع الكلام في أنّه بعد كون وظيفته حال الفوت ركعتين للظهر و العصر و العشاء، و فرض فوتها فهل يجب قضائها ركعتين أو اربع ركعات؟

وجه كون قضائها ركعتين هو التمسك بالنبوى «1» (من فاتت فريضته فليقضها كما فاتته) و بعض الروايات الواردة في وجوب قضاء ما فات حضرا أربع ركعات و إن كان مسافرا، و ما فات سفرا يقضيها قصرا و إن كان حاضرا لا يزيد و لا ينقض، فيقال بأنّه يستفاد منها كون الوظيفة رعاية الكمية في مقام القضاء مع ما

فات عنه.

وجه وجوب قضائها تماما هو أن الدليل ورد في خصوص المسافر و الحاضر، و أن قضاء صلاة الحاضر هو التمام و إن كان في السفر و قضاء ما فات حال السفر هو القصر و ان قضاه في الحضر، و في بعض الروايات المربوطة بالمقام المذكورة في الباب 6 من أبواب قضاء الصلوات من الوسائل، منها ما عن زرارة قال فيها: (يقضى ما فاته كما فاته ان كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها الخ «2». و رواية موسى بن بكر عن زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام قال: إذا نسي الرجل صلاة أو صلّها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر، فذكرها فليقض الّذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه الخ). «3»

قال: (يقضى ما فاته كما فاته) أو (فليقض الّذي وجب عليه لا يزيد على ذلك و لا ينقص) فلا يتعدى من موردها إلى غيره بإلغاء الخصوصية، لأنّه ربّما يكون في

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

(2)- الرواية 4 من الباب 6 من ابواب قضاء الصّلاة من الوسائل.

(3)- غوالى اللئالي، ج 2، ص 54- 143، ج 3، ص 107، ص 150.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 235

خصوص السفر خصوصيّة امر يوجب القصر و ليست هذه الخصوصية في صلاة الخوف، مضافا إلى أن قوله عليه السّلام في رواية حريز عن زرارة (يقضى ما فاته كما ما فاته) أو في النبوى (فليقضها كما فاتته) على فرض حجية الثانية، يكون النظر إلى بيان أن القضاء يكون كما فاتته من حيث أنواع الصّلاة مثل المسافر و الحاضر، فحيث انّها نوعان فيقال (اقضها كما فاتتك) أى مثل النوع الّذي فاتتك

من كونك مسافرا أو حاضرا، و صلاة الخوف ليس فردا او نوعا في قبال فرد آخر او نوع آخر.

و لو قيل بكون قوله (كما فاتته) دالّا على كون القضاء مثل الأداء من حيث الكمية و الكيفية فلا بدّ من الالتزام بأنّه لو فات عنه صلاة الخوف في حال لا يجب عليه بعض الأجزاء و الشرائط، فلا يلزم في مقام القضاء هذه الأجزاء و الشرائط، أو لو فات عن الشخص صلاة الغرقى فكان الواجب قضائها كذلك.

و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فتكون النتيجة أن الالتزام بكون الواجب على من فات عنه صلاة الظهر مثلا في حال الخوف ركعتين أن يقضى ركعتين مشكل فافهم.

الفرع الرابع: لو فاتت عن الشخص صلاة حال الصحة أى الصّلاة الكامل المختار

، فهل يجوز قضائها في حال عدم تمكنه ألّا عن الصّلاة الاضطرارية، مثلا فاتت صلاة عنه في حال كان متمكنا عن الصّلاة الكامل المختار، فهل يجوز قضائها حال عدم تمكنه من تحصيل شرائط الصّلاة الكامل المختار، مثلا لا يتمكن الا عن الصّلاة عن جلوس، أو فات عنه صلاة معتبر فيها الجلوس، هل يجوز أن يقضيها حال عدم قدرته الا عن الاضطجاع، او لا يجوز مطلقا؟ أو يجوز مع عدم رجاء زوال العذر إلى آخر عمره، و لا يجوز مع رجاء زوال العذر مطلقا؟ أو التفصيل في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 236

عدم الجواز مع رجاء زوال العذر بين ما إذا قلنا بكون وجوب القضاء فوريّا فيجب المبادرة، و بين عدم الفورية فلا يجوز المبادرة، فالاحتمالات في المسألة أربعة.

أمّا في ما لا يرجو زوال عذره إلى آخر عمره، فلا إشكال في جواز الإتيان بها على هذا الحال، لأنّه بعد مطلوبية الصّلاة على كل حال و عدم رفع يده الشارع عنها، و على الفرض

لا يتمكن إلى آخر الّا على هذا الوجه أى: على كيفية اضطرارية، فيجوز له قضائها على هذه الحالة.

و كذلك في ما يرجو زوال العذر و لكن قلنا بوجوب القضاء فورا بحيث لا يجوز الاشتغال بشي ء إلا بمقدار الضرورة حتّى يقضيها، سواء قلنا بكون زمان تذكر فوتها وقتا لها أولا، بل مجرد فورية قضائها موجب لجوازه، بل بوجوب المبادرة إليه، لأنّه على الفرض مأمور بالصّلاة، و لا يتمكن إلا بهذه الكيفية. «1»

و أمّا في ما يرجو زوال العذر و لم نقل بوجوب القضاء فورا، فهل يجوز البدار

______________________________

(1)- (أقول على فرض كون ما دل على وجوب القضاء فورا في مقام بيان حكم فعلى بمعنى أنّه يجب قضاء الصّلاة فورا على أىّ وجه يتمكن منه، فيقع التعارض بين هذه الادلة و بين ما دل على اعتبار الشرائط و الأجزاء في الصّلاة مثل ما دل على شرطية القيام، لأنّ مفاد هذه الادلة اعتبار شرطية القيام مطلقا، ففي زمان لم يتمكن من الصّلاة قائما، و لكن يرجو زوال عذره و تمكنه من القيام، فلا يجوز البدار و إتيان الصّلاة فاقدا لهذا الشرط، و مقتضى إطلاق ما دل على فورية القضاء إتيان الصّلاة فورا على أىّ وجه يمكن و لو فاقدا لشرط القيام، و مقتضى ما دل على شرطية القيام شرطيته إذا تمكن منه، و على الفرض هو متمكن عن حفظه بتأخير الصّلاة إلى زوال العذر، و لكن بعد وجوب إتيانها فورا لا يجوز تأخير الصّلاة مثل، ما إذا كان في آخر الوقت و هو لا يتمكن من القيام، فيجب إتيانها بلا قيام، فيجب أن يصلى فورا، و على الفرض لا يتمكن إلا من الصّلاة فاقدة لشرط القيام).

تبيان الصلاة، ج 7،

ص: 237

و قضاء الصّلاة فاقدة للشرط أو لا يجوز ذلك؟

و لا فرق في الحكم بجواز البدار و عدمه بين ما فات عنه صلاة الكامل المختار و لم يتمكن فعلا إلا عن صلاة العاجز، و بين ما إذا فات عنه صلاة العاجز و لا يتمكن فعلا إلا عن صلاة العاجز، لأنّه على الثانى بعد ما اخترنا من أن الواجب على من فات عنه صلاة اضطرارية في حال العجز عن القيام، يجب في مقام القضاء قضائها بصلوة اختيارية أى الصّلاة الكامل المختار، فعلى هذا لو فاتت عن الشخص صلاة هكذا، و فرض عدم تمكنه بعد الوقت إلا عن مرتبة اضطرارية أو مرتبة أنزل منها، فيقع الكلام في أنّه هل يجوز مع رجاء زوال العذر البدار و قضائها بهذا الحال، أولا يجوز ذلك؟

إذا عرفت ذلك نقول: قد ذكر صاحب الجواهر رحمه اللّه «1» عن عدة، النص على عدم الوجوب إلى زوال العذر، بل عن ثلاثة منهم بأنّه لا يستحب، بل لا اجد فيه خلافا صريحا، و يكون نقل أقواله عن مفتاح الكرامة، ثمّ بعد ذلك قال: و قد عرفت ممّن سمعت بصحّة القضاء معه، و هو قوى جدا بناء على المضايقة، ثمّ ذكر وجوها ثلاثة لجواز البدار:

الوجه الأوّل: إطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لسائر الاوقات المقتضى لصحّة الفعل من المكلف فيها جميعا على حسب تمكنه.

الوجه الثانى: ما ورد من قولهم عليهم السّلام كلما غلب اللّه عليه فهو اولى بالعذر.

الوجه الثالث: عدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء في سائر

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 115- 116.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 238

هذه الاعذار لظهور الأدلة من أخبار الصّلاة على الراحلة و غيرها، و قد سمعت أن القضاء

عين الأداء إلا في الوقت، بل هو بعد مجي ء الدليل به صار كالواجب الواحد الّذي له وقتان: اختيارى و اضطرارى فوقت الأداء للاول و وقت القضاء للثانى، فجميع ما ثبت للفعل في الحال الأوّل يثبت للثانى.

ثمّ بعد ذكر الادلة استشكل على الوجه الأوّل بما هذا عبارته (لكن قد يشكل ذلك كله- بعد منافاته لإطلاق ما دل على شرطية الامور المفروض تعذرها و جزئيتها، و اقتضائه الجواز، مع العلم بالزوال في أقرب الازمان الّذي يمكن دعوى تحصيل القطع بفساد الدعوى فيه، بمنع اقتضاء إطلاق الأمر ذلك، لأنّه متعلق بالفعل الجامع للشرائط و إن كان المكلف مخيرا في الإتيان به في أىّ وقت، و بذلك و نحوه صار افرادا متعددة، و إلّا فهو في الحقيقة شي ء واحد أوقاته متعددة. لا أن الأمر متعلّق «1» في كل وقت بالصّلاة الّتي تمكن فيه، فيكون لكل جزء من الوقت متعلق غير الآخر و إن اتّفق توافق بعضها مع بعض، و لهذا لا يجرى حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأوّل للأداء مثلا من قصر، أو تمام، أو غير هما في الوقت الثانى، لاختلاف متعلق الأمر فيها، و ليس هو عينه كى يصح استصحاب ما ثبت له في الوقت الأوّل، ضرورة فساد جميع ذلك، بل هو سفسطة، إذ لا يشكّ أحد في أن المفهوم من مثل هذه الأوامر شي ء واحد إلا أن أوقاته متعددة حتّى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث بدليل آخر، لا أنّه يستفاد من نفس إطلاق الامر الشامل لمثل هذا الوقت الّذي فرض تعذّر الجزء فيه مثلا و إلّا لم يجب السعى في تحصيل شي ء من مقدمات الواجب المطلق اصلا) انتهى

______________________________

(1)- (الظاهر ان الصحيح هو (لا) لا (إلا) كما في بعض نسخ الجواهر (الا ان الامر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 239

كلامه قدس سرّه. «1»

اعلم أن نظره في الإشكال على الوجه الأوّل يكون إلى أن الأمر بالقضاء، لا يوجب ذلك.

و لكن فيه:

أولا: بأن إطلاقها مناف مع إطلاق أدلة الشروط المعتبرة في الصّلاة.

و ثانيا: لازم ذلك جواز البدار و إن علم الشخص زوال العذر عن قريب، و الحال أنّه لا يمكن الالتزام به.

و ثالثا: فإن إطلاق هذا الأمر لا يقتضي ذلك، لأنّه متعلق بالفرد الجامع للشرائط و إن كان المكلف مخيرا في امتثاله في اىّ وقت شاء، و لكن ليس المطلوب منه إلا الفرد الجامع للشرائط، فالتخيير بين الا زمان لا بين الأفراد، فعلى هذا في أول زمان تذكر الفوت لو تمكن من الصّلاة بمرتبتها العليا فيأتي بها، و إلّا فيصبر إلى أن يقدر على امتثال التكليف في زمان آخر، فيكون النتيجة عدم جواز البدار.

و لكن الحق في المقام هو أن يقال في مطلق الاعذار- في مقام إعطاء قاعدة كلية في الوقت ما يفيد لمقامنا أى: لخارج الوقت أيضا-: إنّه بعد دخول وقت المفروض كونها واجبة موقتة موسعة، يتعلّق الأمر بالمكلّف، و الأمر يكون مطلقا، و لذا يجب تحصيل شرائطها، و له تعلق بموضوع و هو الصّلاة، و من هذا الحيث يكون مطلقا، و له تعلق بالمكلف و من هذا الحيث يكون مطلقا.

______________________________

(1)- جواهر الكلام، ج 13، ص 117.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 240

فقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ «1» يكون أمرا مطلقا متعلقا بموضوع مطلق و بمطلق المكلفين، فان كان بعد دخول الوقت مطلقا من هذه الجهات فلازمه صحة امتثاله و ان لم

يكن المكلف واجدا لما هو معتبر في الكامل المختار.

و إن قيل بعدم جوازه، فلا بدّ من أن يقال: بأن الوجوب بعد الوقت و إن كان فعليا، و لكن حيث يكون الواجب هو الصّلاة الكاملة- مثلا الصّلاة مع القيام- فلا بد من الصبر إلى ان يحصل التمكن له من امتثالها مع القيام، يكون بنحو الوجوب المعلق أعنى يكون الوجوب فعليا مع كون الواجب استقباليا، لأنّه على هذا بعد دخول الوقت تعلق الوجوب فعلا على المكلف على الصّلاة قائما، و مع فرض عدم تمكنه فعلا من القيام، و تمكنه بعد ذلك، يكون الوجوب متعلقا بالواجب اللاحق، و هذا معنى الوجوب المعلق.

و هذا خلاف ظاهر الدليل الدال على الوجوب بمجرد دخول الوقت، لأنّ ظاهره كونه من حيث الوجوب و الواجب و المكلف مطلقا، فإطلاق الدليل يقتضي الإطلاق و مقتضى الإطلاق هو كون بعد الوقت ظرفا للتكليف، و للمكلف ايجاد الطبيعة في أىّ جزء من الوقت، و مع فرض عدم تمكنه من القيام يجب عليه ايجاد الطبيعة في اى جزء من الوقت، و مع فرض عدم تمكنه من القيام يجب عليه ايجاد الطبيعة جالسا أو مضطجعا، أو مستلقيا، و لا يلزم عليه الصبر إلى زمان التمكّن من القيام.

______________________________

(1)- سورة الاسراء، الآية 78.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 241

إذا عرفت ما بينا لك، تعرف أنّه يجوز البدار في أول الوقت للعاجز عن المرتبة العليا من مراتب الصّلاة إلا في ما دل الدليل بالخصوص على عدمه، مثل ما ربما يقال في من كان عاجزا عن الطهارة المائية في أول الوقت و يرجو تمكنه في آخر الوقت، بعدم جواز البدار له و وجوب الصبر.

و ما قال صاحب الجواهر رحمه اللّه من أنّه لو

فرض إطلاق للدليل الدال على وجوب الصّلاة بعد دخول الوقت، فلا يمكن الاخذ بإطلاقه لمنافاته مع إطلاق ادلة اعتبار الشروط مثل دليل وجوب شرطية القيام، فهذا الدليل مطلق، و مع إطلاقه يجب الصبر ما دام يكون ظرف التكليف باقيا، فإذا بقى العذر إلى آخر الوقت، لا بد من التنزل إلى الفرد الناقص أى: الصّلاة عن جلوس، فمقتضى ذلك عدم جواز البدار.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 7، ص: 241

ليس في محلّه لأنّه كما قلنا يكون مقتضى الدليل الدال على وجوب الصّلاة، هو تعلق الوجوب بطبيعة الصّلاة فتمام المطلوب في هذا الطلب ليس الا نفس طبيعة الصّلاة، فالامر تعلق بنفس الطبيعة فعلى الفرض لا تقييد في الأمر، و لا في المامور، و لا في المامور به فالاطلاق يقتضي جواز البدار و صدق الامتثال بايجاد الطبيعة، فمن هنا يظهر لك أن الأمر تعلق بطبيعة الصّلاة لا بفرد خاص من هذه الطبيعة، نعم إذا أتى بما هو فرد لها فقد امتثل التكليف، و إذا لم يكن فرد لها لا يتحقّق به الامتثال، ففي حال الإتيان بما هو فرد للطبيعة إذا أتى به، فقد حصل به الامتثال من باب وجود الطبيعة بايجاده.

و امّا الدليل الدال على اعتبار بعض الأشياء فيها كالدليل الدال على اعتبار القيام في الصّلاة إذا تمكن منه، فان كان مفاده تقييد الصّلاة به، و عدم صحتها بدونه

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 242

إذا كان متمكنّا من تحصيله في جزء من الوقت و لو في جزئه الآخر، فكان اللازم تقييد إطلاق الدليل الدال على وجوب أصل الصّلاة، و لازمه عدم جواز

البدار، و أمّا لو لم يكن مفاده ذلك، بل غاية ما يدلّ هذا الدليل هو أنّه بعد ظرف التكليف إذا تعلق إرادة الشخص بإتيان المامور به فلكلّ ما هو فرد للطبيعة بحسب حال من القيام و الاضطجاع و الاستلقاء يتحقق به الامتثال.

إذا عرفت ذلك نقول: إن دليل الدال على اعتبار القيام لا يدل على أزيد من الاحتمال الثانى، فقوله مثلا (الصحيح يصلى قائما، و المريض يصلى جالسا) يدلّ على أن المكلف بعد ما تعلق عليه الوجوب حصل له الداعى إلى ايجاد طبيعة الصّلاة، فإن كان صحيحا يصلى قائما، و إن كان مريضا يصلى جالسا، و لا يدلّ على أنّه بعد ظرف التكليف و توجهه و حصول الداعى له بايجاد المكلف به ينظر إلى حاله، فإن كان قادرا على القيام يصلّى قائما، و لو لم يقدر فى أوّل ظرف التكليف مثلا على القيام، لكن يرجو تجدد القدرة في ساعة من الساعات اللاحقة من الوقت مثلا في آخر الوقت، فيجب عليه الصبر و لا يجوز له امتثال الأمر بالنحو المقدور، فليس لدليل اعتبار شرط القيام إطلاق يشمل صورة عدم تمكنه في أول الوقت و تجدد تمكنه في آخر الوقت، فقدر المتقين من الدليل الدال على شرطيته هو كون الطبيعة مقيدة به في كل مورد توجه التكليف، و حصل للمكلف الداعى على الامتثال، و كان في هذا الحال متمكنا عن القيام. «1»

______________________________

(1)- (أقول: و لو شككنا في أن مفاد الدليل الدال على اعتبار القيام هو اعتباره مطلقا حتّى في صورة عدم تمكنه منه في أول الوقت و رجاء تمكنه في ما بعد من الوقت، أو اعتباره في

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 243

إذا عرفت جواز البدار في الوقت مع

كون المصلّى غير متمكن من القيام في فرض رجاء زوال العذر في ما بقى من الوقت.

فنقول: إن الحق في المقام بعد ما قلنا من أن الأخبار الدالة على القضاء المعبر فيها بأنّه (فليقضها متى ذكرها) لا تدلّ على الفورية، بل تدلّ على أن حدوث يكون بعد زمان التذكر، و أنّه بعد ما ذكر نسيانها يكون محل إتيانها بعد حدوث التذكر، فلو أتى بعد ساعة، أو يوم، أو اكثر من زمان التذكر، يصدق أنّه أتاها بعد التذكر و نقول بأن مقتضاها هو تعلق الوجوب على الشخص بقضاء الصّلاة، و بعد عدم تقيد ذلك الخطاب بشي ء فيكون الوجوب مطلقا، و الواجب المطلق متعلق بمطلق المكلفين، فبعد ما تذكر الشخص فوت صلاة أو صلوات منه، و بنى على قضائها فيقضيها و يمتثلها و يحصل امتثالها بايجاد طبيعة الصّلاة و وجودها بايجاد ما هو فرد لها في هذا الحال فان كان متمكنا عن القيام يقضيها عن قيام، و إن لم يكن متمكنا عنه يقضيها عن جلوس، أو مضطجعا، أو مستلقيا بحسب وظيفته، و لو لم يكن متمكنا حين بنائه على القضاء من القيام، لا يجب عليه الصبر و انتظار زوال العذر.

و كيف يمكن أن يقال بوجوب التأخير إلى آخر العمر مثلا لمن يرجو زوال العذر في آخر العمر و كما قلنا دليل اعتبار القيام لا يدل على هذا الأمر أى عدم جواز البدار، و بعد فرض كون الأمر كما قلنا بطبيعة الصّلاة، و فرض كون صلاة العاجز

______________________________

خصوص مورد يكون ظرف التكليف من الصّلاة و حصل للمكلف الداعى على امتثالها و فى هذا الحال يتمكن من القيام، فيجب عليه إيجاد الطبيعة في ضمن الفرد الواجد للقيام، فيكون الدوران في

التخصيص بين الأقل و الأكثر، ففي الأكثر المشكوك يرجع إلى العموم الدال على وجوب طبيعة الصّلاة) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 244

عن القيام كصلاة الممكن منه فردا للصّلاة، و كون الأمر مطلقا غير مقيد، فلا بدّ من أن يلاحظ المكلف حال امتثال التكليف أن ايجاد أىّ فرد من الأفراد محصل لامتثال الأمر بالطبيعة، و على الفرض هو في حال العجز غير متمكن عن الصّلاة عن قيام، فيأتي عن جلوس مع قدرته على الجلوس و يتحقق الامتثال.

فتحصل ممّا مرّ أنّه يجوز لمن فات عنه الصّلاة التام الكامل المختار أن يقضيها متى شاء و لو حال العجز عن الصّلاة الكامل المختار، و لا يجب عليه الصبر إلى زوال العذر، سواء لم يرج زوال العذر أو يرجوه، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 245

[خاتمة مرتبطة بالمقصد السادس في صلاة الجماعة]

فصل في المتابعة المأموم للامام

اشارة

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 247

بسمه تعالى و له الحمد و الصّلاة و السلام على رسوله و آله و اللعن على اعدائهم و اعدائه «1» اعلم ان المتابعة اى: وجوب متابعة المأموم للإمام من أحكام الجماعة و وجوبها في الجملة ممّا لا اشكال فيه، و هى تنقسم إلى القسمين:

احدهما: هو وجوب المتابعة و عدم وجوبها من حيث عدم جواز تقدم المأموم على الإمام، و بعبارة اخرى وجوب المقارنة أو تاخره حسّا عن الإمام في الافعال بمعنى إتيانه الافعال معه أو بعده و قد مضى الكلام في هذه الجهة سابقا مع بعض الفروع الراجعة إليها.

ثانيهما: وجوب المتابعة و عدمه من حيث عدم جواز تاخر المأموم عن الإمام في الافعال، بحيث لا يقع الفصل الفاحش بين ايجاد الإمام فعلا و ايجاد المأموم

______________________________

(1)- و بعد فقد شرع سيدنا الاعظم و استادنا المعظم آية اللّه العظمى الحاج آقا

حسين البروجردي متعنا بطول بقائه في التدريس في اليوم الثالث و العشرين من ربيع الأوّل 1378 و شرع في المسألة الّتي نكتب الآن ان شاء اللّه.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 248

هذا الفعل و جوازه و يعبّر عن هذا المعنى من المتابعة بعدم جواز تخلف المأموم عن الإمام، و ينبغى بيان الروايات المربوطة بالمسألة.

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]
اشارة

فتقول بعونه تعالى: إن الروايات المربوطة بالمقام أربعة:

الأولى: ما رواها محمد بن الحسن

باسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عبد الرحمن عن أبى الحسن عليه السّلام (قال سألته عن الرجل يصلّى مع امام يقتدى به فركع الإمام و سها الرجل و هو خلفه، فلم يركع حتّى رفع الإمام رأسه و انحطّ للسجود، أ يركع ثمّ يلحق بالامام و القوم في سجودهم، أم كيف يصنع؟

قال: يركع ثمّ ينحط و يتم صلاته معهم و لا شي ء عليه). «1»

يستفاد منها عدم كون تأخر المأموم عن الإمام في الركوع سهوا مضرا ببقاء القدوة و صحة الصّلاة.

الثانية: ما رواه محمد بن الحسن

باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن محمد بن سليمان عن عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة، و إمّا في غير ذلك من الايام، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط و إمّا إلى اسطوانة، فلا يقدر على أن يركع و لا يسجد حتّى رفع الناس رءوسهم، فهل يجوز له ان يركع و يسجد وحده، ثمّ يستوى مع الناس في الصف؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك). «2»

و مورد هذه الرواية هو عدم تمكن المأموم من المتابعة، و تدلّ على عدم

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 249

موجبية هذا النحو من التخلف لبطلان الصّلاة و الجماعة.

الثالثة: ما رواها محمد بن الحسين

باسناده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن عليه السّلام في رجل صلّى (في جماعة يوم الجمعة، فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو اسطوانة، فلم يقدر على أن يركع، ثمّ يقوم في الصّف و لا يسجد حتّى رفع القوم رءوسهم، أ يركع ثمّ يسجد و يلحق بالصّف و قد قام القوم، أم كيف يصنع؟ قال يركع و يسجد و لا بأس بذلك). «1»

و لسان هذه الرواية يكون كسابقها، غاية الأمر يكون مورد السؤال في هذه الرواية خصوص الجماعة في يوم الجمعة، فتدل على عدم مضرية التخلف في الركوع و السجود من الإمام، فى ما إذا كان ذلك من باب عدم تمكنه عن المتابعة.

الرابعة: ما رواها محمد بن على بن الحسين

باسناده عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، و كبر مع الإمام و ركع، و لم يقدر على السجود و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم فركع الإمام، و لم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام، و قدر على السجود كيف يصنع؟ فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أمّا الركعة الأولى فهى إلى عند الركوع تامة فلما لم يسجد لها حتّى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له، فلمّا سجد في الثانية، فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الأولى، فقد تمت له الأولى، فاذا سلّم الإمام قام فصلى ركعة، ثمّ يسجد فيها، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الأولى لم تجز عنه الأولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين و ينوى بهما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب

7 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 250

للركعة الأولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامة يسجد فيها) «1».

رواه الكلينى عن على بن ابراهيم عن أبيه و على بن القاسانى عن القاسم بن محمد عن سليمان بن داود عن حفص بن غياث مثله إلى قوله لم تجز عنه الأولى و لا الثانية.

و رواه الشّيخ باسناده عن سعد بن عبد اللّه عن بن الحسين عن عباد بن سليمان عن القاسم بن محمد هذه الرواية مع ذيل.

و اعلم أن هذه الرواية الأخيرة مشتملة على أمرين:

الأوّل: اعتبار القصد في كل جزء بمعنى أن يقصد أنّه جزء لأىّ ركعة و إلّا لم يقع لها، لأنّه قال: إن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الأولى فقد تمت له الأولى، و هذا خلاف ما نلتزم به، لعدم اعتبار ذلك القصد، بل اللازم هو قصد جزئية من كل جزء.

الثانى: عدم بطلان الصّلاة بزيادة الركن و هو السجدتين إذا أوقعهما بلا قصد، و هذا أشكل.

[في ذكر جهات في الباب]
اشارة

هذا كلّه الروايات المربوطة بالباب، فنقول بعد ذلك: إنّ هنا جهات:

الأولى: المستفاد من الروايات في الجملة هو عدم فساد الصّلاة

و القدوة بتأخر المأموم عن الإمام في بعض الأفعال لأجل السهو، أو عدم التمكن من التعبية لأجل الزحام.

الثانية: بعد دلالة الرواية الأولى على اغتفار عدم التعبية السهوية في الركوع،

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 7 من أبواب صلاة الجمعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 251

و دلالة الرواية الثانية و الثالثة على اغتفار تخلف المأموم عن الإمام في الركوع و السجود كليهما في صورة عدم التمكن عن التبعية، و دلالة الرواية الرابعة على ذلك لأجل اغتفار الزحام في السجدتين من الركعة الأولى و الركوع من الثانية، فهل يمكن أن يقال باغتفار التخلف في السجدة سهوا، و كذلك باغتفار التخلف في الركوع و السجود كليهما سهوا، أو لا بد من الاقتصار بمورد النص و هو التخلف في خصوص الركوع سهوا؟

لا يبعد عدم الفرق من باب الغاء الخصوصية بأن يقال: نحن نفهم من حكم الشارع باغتفار تخلف المأموم عن الإمام في الركوع سهوا و اضطرارا على ما في الرواية الأولى و الثانية، كون كل من السهو و عدم القدرة موضوعا للاغتفار بوزان واحد، فكما يغتفر تخلف المأموم عن الإمام لأجل الزحام في الركوع و السجود لأجل النص، كذلك في السهو، فلو تخلف سهوا عن الإمام في الركوع و السجود أو في السجود فقط، يغتفر ذلك، و ان لم يكن هاتان الصورتان منصوصتين.

الثالثة: ظاهر الروايات المتقدمة في مورد وقوع التخلف في الركوع و السجود

سهوا أو اضطرارا كون صلاة المأموم جماعة قبل طرو التخلف، و كذلك تكون جماعة بعد إتيانه بما تخلف عن الإمام من الركوع و السجود، و وصوله به في ما بقي من الصّلاة، لأنّ هذا مفاد ظاهر قوله عليه السّلام: و يتم صلاته معهم، و قول السائل: ثمّ يستوى مع الناس في الصف، و جواب الإمام عليه السّلام: نعم لا بأس بذلك، فتكون صلاته متصفة بالجماعة في ما قبل طروّ هذه الحالة و ما بعده إذا أتى بما تخلف، و وصل بالامام.

و هل الصّلاة جماعة

حتّى في حال تخلفه عن الإمام مع كونه تاركا للمتابعة في أفعال الصّلاة في هذه الحالة أو تصير صلاته فرادى في هذا المقدار؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 252

يمكن أن يقال بكون صلاته جماعة حتّى في حال حصول التخلف إمّا بدعوى ظهور الروايات في ذلك، و إمّا بأن المعتبر في صيرورة صلاة المأموم جمعة، و سقوط الظهر عنه هو إدراكه من الجمعة ركعة مع الإمام، و لو فرض صيرورة صلاة المأموم فرادى في المقدار الغير المتمكن من المتابعة، فلازمه عدم إدراكه مع الإمام ركعة تامة من الجمعة، فينا في هذه النصوص مع ما دل على اعتبار ذلك في صيرورة صلاة المأموم جمعة، لأنّه على الفرض لم يدرك السجدتين من الركعة الأولى و الركوع من الثانية مع الإمام، فلم يدرك ركعة تامة من الجمعة مع الإمام.

و ربما: يقال: بصيرورة صلاته في حال عدم المتابعة فرادى بدعوى أن المرتكز مع عدم المتابعة هو كون الصّلاة فرادى.

و لكن لو قلنا: بكون وجوب المتابعة تكليفيا لا وضعيا يمكن أن يقال: بأن هذا المصلّي و إن كان تخلف عن الإمام في السجدتين و الركوع، لكن كان مع الإمام في الركعتين فهو أدرك الإمام في الركعة التامة فتصح منه الجمعة.

الرابعة: مقتضى النصوص اغتفار ترك المتابعة لأجل السهو و الزحام

، فهل يغتفر لغير السهو و الزحام من أعذار أخر أم لا؟

لا يبعد عدم الفرق، لأنّ النص و إن كان في الموردين الا ان العرف يلغى خصوصية السهو و الزحام، و يحكم بأنّ وجه اغتفار التخلف لأجل السهو و الزحام، هو عدم قدرة المأموم للمتابعة، فلا فرق بين السهو و الزحام و بين غير هما من الاعذار.

الخامسة: هل يجوز ترك المتابعة و التخلف عن الإمام عمدا

و بلا عذر أو لا يجوز ذلك؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 253

اعلم أنّه تارة يقال: بكون وجوب المتابعة و عدم جواز التأخر عن الإمام وضعيا فلا يجوز ذلك و تفسد الجماعة، و إن قلنا بكونه تكليفيا فلا يجوز التخلف، لكن لو تخلف لا تبطل الصّلاة و الجماعة.

السادسة: مورد النصوص المذكورة على ما عرفت

هو ما إذا ترك المأموم المتابعة سهوا أو اضطرارا فى الركوع من الركعة الأولى، ثمّ يأتي و يلحق بالامام فى السجود، أو تخلف في الركوع و السجود و يلحق بالامام حال القيام فى الركعة الثانية، أو تخلف في السجود من الأولى و يلحق به في القيام الثانية، فتخلّف في الركوع من الثانية عن الإمام سهوا أو اضطرارا، هذا المقدار مورد النص.

[في ذكر بعض الفروع المربوطة بالمقام]
اشارة

و هنا بعض الفروع ليس مورد النص، و نذكره حتّى نعلم أنّه هل يلحق بالصور المنصوصة من حيث اغتفار ترك المتابعة و عدم مضريته لبقاء القدوة أم لا؟

فنقول بعونه تعالى:

الفرع الأوّل: ما إذا ترك المتابعة في الركوع و السجود من الركعة الأولى

و الثانية في صلاة الجمعة و لم يتمكن من الإتيان بهما و اللحوق بالامام حتّى سلم الإمام، فهل تصح جماعته و صلاته أم لا؟

الحق في هذا المورد بطلان صلاته لأنّه لم يدرك حال كون الإمام مصلّيا ركعة تامة معه.

الفرع الثانى: الفرع بحاله مع فرض إتيانه بالركوع و السجود من الركعتين

و لحوقه بالامام قبل أن يسلّم و يفرغ من صلاته.

لا يبعد صحة صلاته فى هذه الصورة و جماعته لأنّ في هذه الصورة و إن لم

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 254

يدرك ركعة تامة مع الإمام أى في الحال الّذي يؤتى بها الإمام إلا أنّه نستفيد من النصوص المذكورة هو ان السهو و الزحام يوجب عدم دخل هذه المعية في صورة الزحام و السهو.

إن قلت: ان المعتبر في صحة صلاة الجمعة من المأموم إدراك ركعة تامة أقلا مع الإمام، و هو على الفرض لم يدرك ركعة تامة معه، لأنّه لم يكن معه في ركوعه و سجوده في ركعتى صلاة الجمعة.

أقول: بأن المعتبر إدراك ركعة معه، فإن كان اللازم كونه متابعا له في جميع افعال الركعة في حال السهو و الضرورة فهو لم يدرك ركعة تامة معه على الفرض، و لكن بعد دلالة النصوص باغتفار عدم المتابعة، فهو كان مع الإمام في تمام الركعتين، و عدم كونه تابعا له في بعض أفعاله لا يضر بالمعية بمقتضى النصوص، فلا إشكال في صحة جماعته و جمعته.

الفرع الثالث: أن يترك المتابعة في الركوع و السجدتين من الأولى

و يأتى بهما و يلحق بالامام بعد رفع رأسه عن ركوع الركعة الثانية، أو في السجدة الأولى أو الثانية من الثانية، فحاله أيضا حال السابق.

الفرع الرابع: الفرع السابق بحاله و لكن يأتى بهما و يلحق بالامام

في ركوع الركعة الثانية فأيضا تصح جمعته و جماعته كالفرع السابق.

الفرع الخامس: لو ترك المتابعة في السجدة الثانية من الركعة الأولى

لأجل الزحام، و الحق بالامام في السجدة الثانية من الثانية، فيأتي بها ثمّ يقوم و يأتي ركعة اخرى فتصحّ صلاته لما قلنا من أنّه كان مع الإمام في ركعة تامة و إن لم يكن متابعا له في بعض الافعال لأجل السهو أو الزحام.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 255

الفرع السادس: الفرع السابق بحاله و لكن يلحق بالامام في السجدة الأولى

من الثانية ففي السجدة الأولى من الإمام يسجد بعنوان السجدة الثانية من ركعته الأولى تركها سهوا أو اضطرارا.

إنما الكلام في أنّه ما ذا يصنع في السجدة الثانية من الركعة الثانية من الإمام؟

فهل يتابع الإمام بمعنى أنّه يسجد سجدة بعنوان المتابعة، ثمّ يأتي بعدها ما بقى من صلاته الباقية على عهدته و لا تضر زيادة هذه السجدة الواقعة متابعة للامام، أو يدوم السجدة الّتي يأتي مع الإمام بعنوان السجدة الثانية من الركعة الأولى تركها سهوا أو لأجل الزحام حتّى يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية من الثانية، ثمّ يأتي ببقية صلاته، أو يجلس حتّى يسجد الإمام السجدة الثانية من الثانية ثمّ يأتي ببقية صلاته؟ كلّ محتمل.

وجه الأوّل: أن يقال: بأنّه كما لو رفع المأموم رأسه عن الركوع و السجود قبل الإمام سهوا يجب العود و اللحوق بالامام إن امهله الإمام، و يغتفر هذه الزيادة بمقتضى ما مرّ وجهه سابقا، كذلك نقول في الفرض: بأنّه يأتي مع الإمام سجدة بعنوان المتابعة و يغتفر لأنّ الوجه في تجويز رجوعه إلى الركوع و السجود و اغتفار هذه الزيادة ليس إلا وجوب المتابعة، و هذا الملاك موجود في المقام، و بما ورد في من يدرك الإمام في السجود من الركعة الأخيرة و إنّه يلحق به و يتابعه ثمّ بعد سلام الإمام يقوم و يأتي بصلاته (إمّا مع تجديد النية بعد السلام، أو

عدم لزومه على الكلام في ذلك) و قلنا: بأن صلاته صلاة جماعة حقيقة بعد دخوله في السجود، لا مجرد إدراكه فضيلة الجماعة كما توهّم بعض، ففي هذا المورد لا يكون ما يأتي من السجدة سجدته، بل يأتي به متابعة، و لا مانع منه بمقتضى النص، كذلك في المقام لأنّ في المقام

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 256

يأتي بهذه السجدة متابعة للامام.

وجه الثانى: أن يقال: بأنّه لا يجوز له إتيان سجدة اخرى مع السجدة الثانية من الإمام، فيبقى في سجدته الّتي أتى بها مع السجدة الأولى من الإمام حتّى يرفع الإمام رأسه من السجدة الثانية.

وجه الثالث: أن يقال: بعد عدم جواز إتيانه سجدة اخرى، يجلس حتّى يرفع الإمام رأسه عن سجدته الثانية، و هذا المقدار من التأخر عن الإمام و عدم متابعته لا يضرّ بالجماعة.

و لا يبعد تمامية وجه الاحتمال الأوّل، فتأمّل.

ثمّ إنّه بعد ما عرفت ذلك كله هل نقول: بكون وجوب المتابعة بهذا المعنى اى بمعنى عدم تأخر المأموم عن الإمام في الأفعال تكليفيّا أو وضعيّا؟

قد يقال: بأن هذا المعنى من المتابعة من مقوّمات ماهية الجماعة كما نسب إلى شيخنا الانصارى رحمه اللّه قال: إن المتابعة بمعنى عدم التقدم عن الإمام الجامع إمّا مع التقارن أو البعدية المتصلة من مقومات ماهية الجماعة، و لكن المتابعة بمعنى عدم التأخر عنه في الافعال من مقدماتها.

و لكن لا يخفى عليك ضعف هذا المبنى إذ لو كانت المتابعة بهذا المعنى من مقدماتها فلا بدّ من الالتزام بمقومتها حتّى حال السهو، و إلّا فلا بدّ من الالتزام بكون الجماعة طبيعتين: طبيعة دخيلة في ماهيتها المتابعة بهذه المعنى، و هو في غير حال السهو و الزحام و طبيعة اخرى غير معتبر

في ماهيتها هذا المعنى من المتابعة، و هو في حال السهو و الزحام، و لا يمكن الالتزام بذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 257

فمن يقول: بدخل هذا المعنى من المتابعة في الجماعة لا بد و أن يقول: بكونها من شروط الجماعة لا من مقوّمات ماهيتها.

فاذا لم يصح ما نسب إلى الشّيخ الانصارى رحمه اللّه هل نقول: بكونها من شروط الجماعة و دخلها فيها بحيث لو لم يراعها لا تكون الصّلاة جماعة، أو نقول: بعدم كونها شرطا فيها بل يجب فيها تكليفا، فلو تركها عصى و لكن لا تفسد جماعتها و صلاتها؟

لا يبعد الثانى كما قلنا سابقا: من أن الأمر بالمتابعة يكون لأجل حفظ انتظام الجماعة، و هذا يناسب مع وجوبها التكليفى لا الوضعى، فافهم.

في حكم القراءة خلف الإمام

اشارة

اعلم أن الروايات المربوطة بالمقام كثيرة، و بعد الرجوع و التأمل فيها يظهر أن النظر فيها يكون إلى التعرض عن جهات.

الجهة الأولى: في حكم المأموم و وظيفته في الصّلاة الجهرية و الاخفاتية في إتيان القراءة و عدمه فيها.

الجهة الثانية: في دخل سماع صوت الإمام و عدمه في إتيان القراءة و عدمه.

الجهة الثالثة: في وظيفته في الركعتين الأخيرتين من حيث القراءة.

الجهة الرابعة: في دخل كون الإمام مرضيا أو غير مرضى في عدم لزوم إتيان القراءة و لزومه.

اعلم أن الأخبار المربوطة كثيرة أعدّ لها صاحب الوسائل رحمه اللّه أبواب 30 و 31 و 32 و 33 و 34 و 35 من أبواب الجماعة و لكن بعض ما ذكره رحمه اللّه من الأخبار غير مربوط بالمقام.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 258

اعلم ان الكلام يقع في مقامات:
المقام الأوّل: في حكم القراءة للمأموم في صلاة الجهرية.
اعلم أن ظاهر بعض الروايات هو النهى عن القراءة خلف الإمام في الأولتين من الصّلاة الجهرية
اشارة

إذا سمع صوت الإمام و الأمر بها لو لم يسمع المأموم صوته.

الأولى: ما رواها الحلبى

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال: اذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع إلا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة و لم تسمع، فاقرأ). «1»

و هذه الرواية متحدة مع الرواية 12 في هذا الباب.

الثانية: ما رواها عبيد بن زرارة

(عنه عليه السّلام إن سمع الهمهمة فلا يقرأ) «2».

الثالثة: ما رواها زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام (قال: إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئا في الاولتين و انصت لقراءته و لا تقرأنّ شيئا في الأخيرتين فإن اللّه عز و جل يقول للمؤمنين: و اذا قرء القرآن- يعنى في الفريضة خلف الإمام- فاستمعوا له و انصتوا لعلكم ترحمون، فالأخيرتان تبعان لاوّلتين). «3»

الرابعة: ما رواها حريز عن زرارة و محمد بن مسلم

(قالا: قال ابو جعفر عليه السّلام:

كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: من قرء خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 31 من أبواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 259

غير الفطرة). «1»

الخامسة: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: أمّا الصّلاة الّتي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصّلاة الّتي يجهر فيها فانّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت، و إن لم تسمع فاقرأ). «2»

السادسة: ما رواها زرارة عن أحدهما عليه السّلام

(قال: إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك). «3»

تدلّ إمّا على الإنصات مطلقا حتّى في الاخفاتية و إمّا في خصوص الجهرية، و لا يبعد كون الظاهر هو الثانى، لأنّ الأمر بالانصات لا يناسب إلا مع الجهرية و صورة سماع صوت الإمام بقرينة قوله عليه السّلام: فأنصت.

السابعة: ما رواها قتيبة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف امام ترضى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته، فاقرأ أنت لنفسك و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ). «4»

الثامنة: ما رواها سماعة

في حديث (قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول؟ فقال: إذا سمع صوته فهو يجزيه، و اذا لم يسمع

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 260

صوته قرأ لنفسه). «1»

التاسعة: الرواية الّذي تدلّ على وجوب الإنصات في ما يجهر

، و الأمر بالإنصات قرينة على كون مفروض كلامه صورة سماع صوت الإمام) «2».

هذا كله الروايات الدالة على التفصيل بين سماع الصوت و الهمهمة و عدمهما، فالنهى في الأوّل، و الأمر بالقراءة في الثانى.

و لسان بعض الروايات هو النهى عن القراءة مطلقا.
الأولى: ما رواها الحسين بن كثير

(بشير بنقل الشيخ) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: لا، إن الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة). «3»

الثانية: ما رواها سماعة

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: لا، إن الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، انّما يضمن القراءة). «4»

و يمكن ان يقال في الروايتين: بأنّه و إن قال عليه السّلام فيهما: لا، و ظاهره النهى، لكن بقرينة قوله بعد ذلك: إن الإمام ضامن. يمكن كون المراد مجرد سقوط القراءة و عدم وجوبها لا الحرمة و عدم الجواز.

______________________________

(1)- الرواية 10 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 15 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 14 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 3 من الباب 30 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 261

الثالثة: ما رواها الحلبى

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صليت خلف امام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع). «1»

بناء على كونها غير الرواية الأولى الّتي رواها الحلبى و إلّا فإن كانت متحدة معها، فلها ذيل على ما عرفت يدلّ على التفصيل بين أن يسمع صوت الإمام و بين ان لا يسمع في الجهرية.

الرابعة: ما رواها يونس بن يعقوب

(قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن خلف من ارتضى بها أقرأ خلفه؟ قال: من رضيت به فلا تقرأ خلفه). «2»

اذا عرفت ذلك نقول: بأنّه لو كنا و هاتين الطائفتين من الروايات، كان مقتضى الجمع بينهما هو حمل المطلقات الناهية بناء على اطلاقها بالمقيدات، فتكون النتيجة هو وجوب القراءة في صورة عدم سماع صوت الإمام، و عدم جوازها في صورة سماع صوته في الجهرية.

و لكن هنا رواية اخرى تدلّ على أن في صورة عدم سماع صوت الإمام في صلاة الجهرية يكون المأموم مخيرا بين القراءة و الصمت أى ترك القراءة، و هى الرواية الّتي رواها على بن يقطين (قال: سألت أبا الحسن الأوّل عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلا يسمع القراءة، قال: لا بأس ان صمت و ان قرأ). «3»

فلا بدّ من حمل الأمر في الروايات الدالة على الأمر بالقراءة في الجهرية في

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 14 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 11 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 262

صورة عدم سماع صوت الإمام على الاستحباب.

و يمكن أن يقال: بأن الأمر بالقراءة في الجهرية في صورة عدم سماع صوت الإمام، كما في

الطائفة الأولى من الروايات، يكون في مقام توهّم الخطر، و لا يدل على الأزيد من الجواز، فعلى هذا لا يستفاد منها الا الجواز مثل ما يكون لسان رواية على بن يقطين، فلا دليل على استحباب القراءة في الجهرية في صورة عدم سماع صوت الامام.

المقام الثانى: في حكم قراءة المأموم في الركعتين الأولتين من الإخفاتية،
و لنذكر أولا الأخبار المربوطة بهذا المقام

، ثمّ ما ينبغى أن يقال فيه.

فنقول: الأولى: الرواية الأولى من الروايات السابقة من الطائفة الأولى اعنى رواية الحلبى، فإن فيها النهى عن القراءة خلف الإمام إلا في صلاة تجهر فيها و لا يسمع صوت الإمام.

الثانية: الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة في الطائفة الأولى.

الثالثة: الرواية الخامسة المتقدمة في الطائفة الأولى

الرابعة: الرواية السادسة منها بناء على اطلاق لها يشمل الإخفاتية و لكن لا يبعد عدم اطلاق لها.

الخامسة: الرواية الأولى من الطائفة الثانية.

السادسة: الرواية الثانية منها.

السابعة: الرواية الرابعة منها.

الثامنة: ما رواها سليمان بن خالد (قال: قلت لابي عبد اللّه عليه السّلام: أ يقرأ الرجل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 263

في الأولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال: لا ينبغى له أن يقرأ يكله إلى الامام). «1»

و لا يبعد ظهورها في الكراهة بقرينة قوله: لا ينبغى.

التاسعة: ما رواها عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا كنت خلف امام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ، و كان الرجل مأمونا على القرآن، فلا تقرأ خلفه في الاولتين، و قال: يجزيك التسبيح في الأخيرتين. قلت: أى شي ء تقول انت؟ قال: أقرا فاتحة الكتاب). «2»

العاشرة: ما رواها على بن يقطين في حديث (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيها بالجهر و هو إمام يقتدى به؟ فقال: إن

قرأت فلا بأس، و إن سكت فلا بأس). «3»

و هذه الرواية تدلّ على التخير بين القراءة و السكوت في الاولتين من الاخفاتية بناء على حمل قوله (عن الركعتين يصمت فيهما الإمام) على مطلق الركعتين اللتين يصمت فيها الإمام، سواء كانتا الركعتين الأخيرتين من الجهرية أو الاخفاتية، أو الاولتين من الاخفاتية و أمّا نباء على الأخيرتين، فغير مربوطة بالمقام اصلا.

الحادية عشرة: ما رواها بكر بن محمد الازدى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال:

إنى اكره للمرء أن يصلى خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كانّه حمار

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 9 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 12 من الباب 31 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 264

قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال يسبح). «1»

الثانية عشر: ما رواها على بن جعفر عن أخيه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صلى خلف إمام يقتدى به في الظهر و العصر يقرأ؟ قال: لا، و لكن يسبح و يحمد ربه، و يصلّى على نبيّه). «2»

و هذه الروايات في حدّ نفسها غير الرواية العاشرة، تدلّ على نهى المأموم عن القراءة في صلاة الإخفاتية، و لكن بقرينة الرواية الّتي رواها إبراهيم على المرافقى و عمرو بن الربيع البصرى عن جعفر بن محمد عليه السّلام (أنّه سئل عن القراءة خلف الإمام، فقال: إذا كنت خلف الإمام تولاه و تثق به فإنه يجزيك قراءته و ان احببت أن تقرأ فاقرأ فيها يخافت فيه، فاذا جهر فأنصت، قال اللّه تعالى: وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الحديث.

يمكن أن يقال: بجواز القراءة بحمل الأخبار الناهية عن القراءة في

صلاة الاخفاتية على الكراهة بقرينة هذه الرواية.

ثمّ يقع الكلام في إنّه متى يمكن للمأموم الدخول في صلاة الجماعة، و بما يدرك الركعة و الصّلاة.

اعلم أن هنا مسائل لم يتعرض لها الفقهاء رضوان اللّه عليهم في موضع واحد، و لكن نحن نتعرض لها في محل واحد، لشدة ارتباط بعض هذه المسائل مع بعضها الاخر فنقول بعون اللّه تعالى: إن دخول المأموم في الجماعة تارة يكون في الركعة

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 32 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 265

الأولى، و تارة في الثانية، و تارة في الثالثة، و تارة في الرابعة، و في الأولى تارة يدخل فيها حال تكبيرة افتتاح الإمام، و تارة قبل أن يكبر الإمام للركوع، و تارة في الركوع حال ذكره، أو قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع، و تارة بعد رفع رأسه من الركوع، أو في حال سجود الإمام، و الصور في غير الركعة الأولى يفرض هكذا غير حال تكبيرة الافتتاح، لأنّه ليس في غير الأولى تكبيرة الافتتاح، فهنا مسائل:

[في ذكر مسائل في الباب]
المسألة الأولى: لا يجوز للمأموم أن يكبر قبل تكبير الإمام للافتتاح

مسلّما، لعدم صلاة يأتمّ به، و هذا ممّا لا إشكال فيه، كما أنّه لا إشكال في جواز الاقتداء و تحقق الجماعة و صحة الصّلاة في ما يقتدى المأموم بعد فراغ الإمام من تكبيرة الافتتاح، لتحقق موضوع الاقتداء، و هو كون الإمام في الصّلاة كما يأتى إن شاء اللّه.

إنما الإشكال في أنّه هل يصح الاقتداء و الدخول في الجماعة حال اشتغال الإمام بتكبيرة الافتتاح، و لم يفرغ بعد من التكبير بل مشتغل به، مثل ما إذا فرغ من ذكر (اللّه) و لم يقل (أكبر) فهل يصح الاقتداء أم

لا؟

و إن صح هذا هل يصح الدخول في الجماعة مع تكبير افتتاح الإمام معية حقيقة، بأن كان أول دخوله في الصّلاة متحدا زمانا مع أول دخول الإمام في الصّلاة، فكان شروعهما في تكبيرة الاحرام معا.

قد يقال: بعدم جواز دخول المأموم في الجماعة حال اشتغال الإمام بتكبيرة الاحرام، و لا بدّ من صبره حتّى يفرغ الإمام منها إمّا من باب عدم صلاة بعد يقتدى

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 266

به فيها، و إمّا من باب قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما في النبوى «1»: أنّما جعل الإمام أماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا و اذا سجد فاسجدوا، و إمّا من باب ما روى عن مجالس الصدوق مسندا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: إذا قمتم إلى الصّلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفرج، و إذا قال إمامكم: اللّه اكبر، فقولوا: اللّه اكبر، و إذا قال: سمع اللّه لمن حمده فقالوا: اللهم ربنا و لك الحمد. «2»

و الحق عدم تمامية هذه الوجوه، أمّا عدم صلاة ما لم يفرغ الإمام من تكبيرة الافتتاح فلأنّ المصلّى بمجرد شروعه في الصّلاة و اشتغاله باول حرف و كلمة من صلاته فهو مشتغل بالصّلاة و يعدّ عرفا أنّه في الصّلاة،

و أمّا النبوى فلا يستفاد منها أيضا وجوب تأخر تكبيرة المأموم عن تكبيرة الإمام، بل المراد من امثال هذه العبارة هو المعية و المقارنة، و أنّه يأتي بها مقارنا لتكبير الإمام، كما هو المراد من نظائره، فإذا قال: إذا قلت: اللّه اكبر، ارفع يديك أو فانظر مثلا إلى السماء، أو غير ذلك، ليس المراد إلا أن المطلوب وقوعهما مقارنا له.

و من هنا يظهر

لك ما في الاستدلال بما روى في المجالس فإن المراد منها وقوع تكبيرة المأموم مقارنا لتكبيرة الإمام، و الشاهد قوله: و إذا قال: سمع اللّه لمن حمده.

فقولوا: اللهم ربّنا و لك الحمد. فليس المراد أنّه إذا فرغ الإمام من قوله سمع اللّه فقل:

اللهم، بل معناه أنّه إذا كان الإمام مشتغلا بقول: سمع اللّه قل انت: اللهم ربّنا.

فتخلص أنّه يجوز وقوع تكبيرة افتتاح المأموم قبل تمامية تكبيرة الإمام، بل

______________________________

(1)- كنز العمال، ج 4، ص 250 و الحديث هكذا (أنّما جعل الامام أماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا و اذا سجد فاسجدوا.

(2)- الرواية 6 من الباب 70 من ابواب صلاة الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 267

مقارنا لتكبيرته بلا تأخر منها اصلا و إن كان في جواز الدخول في هذا الفرض و صحة الاقتداء و الجماعة خفاء عند بعض، فلا ينبغى الإشكال في الفرض الأوّل، و هو الدخول بعد شروع الإمام بالتكبيرة قبل أن يتمها و يحسب ركعة.

بل يمكن أن يدعى جواز ذلك بالإطلاق المقامى، بأن يقال: بعد ما يكون بناء الناس على الدخول في الصّلاة بمجرد شروع الإمام تكبيرة الافتتاح و لو لم يتمها، و عدم لزوم الانتظار إلى أن يفرغ الإمام عن التكبيرة في صحة الايتمام، فإن كان المعتبر عند الشارع هو صحة الايتمام في ما كان شروع المصلّي في الصّلاة بتكبيرة الافتتاح بعد فراغ الإمام عنها، فكان اللازم بيانه فمن عدم بيانه نكشف عدم اعتباره، فافهم.

المسألة الثانية: هل يجوز الدخول و يصح الصّلاة و الجماعة بدخول المأموم بعد تكبيرة افتتاح الصّلاة

حال اشتغال الإمام بقراءة الحمد أو السورة أم لا؟

اعلم أن هذا المورد ليس مورد نص بالخصوص و لا تعرض له في كلمات الفقهاء رحمه اللّه، و لكن لا إشكال في صحة الاقتداء في هذه الصورة و

أنّه يحسب ركعة، أمّا أولا فلانه مع اشتغال الإمام بالقراءة فهو في الصّلاة و يصح الاقتداء بصلوة الإمام و أمّا ثانيا فلدلالة الأخبار الدالة على صحة الاقتداء و إدراك الركعة بدرك الركوع على موردنا بطريق الأولى.

المسألة الثالثة: هل يصح الاقتداء و يحسب ركعة إذا أدرك المأموم تكبير ركوع الامام قبل ركوع الإمام أم لا؟

الظاهر الجواز بدلالة بعض الروايات- أعنى ما يدل على التفصيل بين ما إذا أدرك تكبيرة ركوع الإمام و عدمه- على ذلك نذكره ان شاء اللّه في المسألة الرابعة.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 268

المسألة الرابعة: هل يدرك المأموم الركعة و تصير صلاته جماعة إذا لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام

بل أدركه فى ركوعه حال ذكر الركوع، أو بعده قبل أن يرفع رأسه من الركوع أم لا؟

اعلم أن بعض الأخبار يدلّ على عدم الاعتداد بالركعة الّتي لم يدرك تكبير الركوع.

و منها الرواية الّتي رواها عاصم عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال:

إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصّلاة). «1»

و هذه الرواية تدلّ على عدم الاعتداد بالركعة لو لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام بالمفهوم.

و منها الرواية الّتي رواها جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: قال لى: ان لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة). «2»

و منها الرواية الّتي رواها العلاء عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام (قال:

لا تعتد بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الامام). «3»

و منها الرواية الّتي رواها جميل بن دراج عن محمد بن مسلم (قال: قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 269

و هذه الروايات يروى ثلاث نفر و هو جميل و عاصم و العلاء عن محمد بن مسلم و هو يروى

عن أبى جعفر عليه السّلام على ما في الثلاثة الأولى و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام على ما في الرابعة، و لا يبعد كون كلها رواية واحدة رواها محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السّلام و النقل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يكون من اشتباه بعض الروايات الواقع في الطريق، و على كل حال لسان هذه الروايات عدم إدراك الركعة لو لم يشهد المأموم تكبير ركوع الإمام.

و في قبال ذلك بعض الأخبار يدلّ على أن بادراك ركوع الإمام يدرك الركعة:

الأولى: ما رواها سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال في الرجل: إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبر الرجل و هو يقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة). «1»

الثانية: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا أدركت الإمام و قد ركع و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة). «2»

الثالثة: ما رواها ابو اسامة يعنى زيدا الشحام أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام (عن رجل انتهى إلى الإمام و هو راكع؟ قال: إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك). «3»

الرابعة: ما رواها معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال: إذا جاء

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 44 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 270

الرجل مبادرا و الإمام راكع اجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في و الركوع).

«1»

الخامسة: ما رواها احمد بن على بن أبى طالب الطبرسى في الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان عليه السّلام (إنّه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع، فيركع معه و يحتسب بتلك الركعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له ان يعتد بتلك الركعة، فأجاب إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة و ان لم يسمع تكبيرة الركوع). «2»

و يدلّ عليه بعض الأخبار الواردة فيمن خاف أن يرفع الإمام رأسه من الركوع قبل أن يصل إلى الصفوف و أنّه جاز أن يركع مكانه و يمشى راكعا. «3»

اذا عرفت ذلك كله يظهر لك ان مقتضى الطائفة الاولى من الطائفتين من الروايات كون إدراك الركعة بادراك تكبيرة ركوع الإمام، و مقتضى الطائفة الثانية منها عدم لزوم ذلك، بل يدرك بإدراك ركوع الإمام، فهل يمكن أن يجمع بينهما؟

قد يقال: بامكان الجمع بينهما بأن يتصرف في ظاهر النهى في الطائفة الأولى المقتضى لعدم جواز الدخول لو لم يدرك تكبيرة ركوع الإمام بمقتضى النص على الجواز في الطائفة الثانية، فتكون النتيجة كراهة الدخول حال الركوع او استحباب الدخول في فرض إدراك تكبيرة ركوع الإمام.

و لكن الجمع بينهما مشكل لكونه جمعا تبرعيّا إذ لو كان الجائز الاقتداء حال

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 45 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 و 6 من الباب 46 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 271

ركوع الإمام كما هو مقتضى الطائفة الثانية من الروايات، فكيف نهى عنه في الطائفة الأولى الموجب هذا النهى

لفوت فضل الجماعة ممّن يتمكن من الدخول و الاقتداء في الركوع، و الحاصل أنّه لو أمكن الاقتداء لا معنى للنهى حتّى النهى التنزيهى، و إن لا يمكن بحسب الواقع فلا معنى لتجويزه. «1»

و بعد عدم إمكان الجمع بين الطائفتين فإن قلنا: بأن روايات الطائفة الأولى كلها من راو واحد و هو محمد بن مسلم و عن إمام واحد و هو أبو جعفر عليه السّلام و أن ما ذكر في أحد روايات محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان من اشتباه بعض الناقلين و إلّا فهو روى عن أبى جعفر عليه السّلام و قلنا في باب تعارض الروايتين: بأن احد المرجّحات هو كون المروى عنه الإمام المؤخر مثلا روى رواية عن الباقر عليه السّلام الدالة على حرمة شي ء، و روى رواية عن الصادق عليه السّلام الدالة على جواز هذا الشي ء، فيؤخذ بقول الإمام المؤخر و هو الصادق عليه السّلام فنقول هنا: بأنّه لا بد من الاخذ بالروايات الدالة على أنّه يصح الاقتداء في ما أدرك الإمام في الركوع، لأنّ هذه الروايات من الإمامين المؤخرين عن أبى جعفر عليه السّلام، و هو أبو عبد اللّه و صاحب الأمر عليهما السّلام.

و ان لم نقل بذلك فأيضا لا بد من طرح الطائفة الأولى و الأخذ بالثانية في مقام التعارض من باب كون الطائفة الثانية معتضدة بالشهرة الفتوائية، و قلنا بأنّ أول

______________________________

(1)- (أقول: مضافا إلى ان التعبير في بعض روايات الطائفة الأولى بأنّه لا تعتد بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الإمام، و التعبير في الطائفة الثانية بالاعتداد بالركعة الّتي أدرك الإمام في الركوع غير ممكن الجمع، لأنّ الاعتداد و عدم الاعتداد لا يكون الجواز و

النهى حتّى يحمل النهى على الكراهة فتأمل). (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 272

المرجّحات هو الشهرة الفتوائية لا الروائية، كما قال الشّيخ الانصارى (ره).

ثمّ إنّه كفى درك المأموم ركوع الإمام و لو لم يدرك ذكر الركوع لأنّه و إن كان في مكاتبة صاحب الأمر عليه السّلام صحّة الاقتداء في خصوص صورة دركه ذكر ركوع الإمام، و لكن في بعض الروايات كان التصريح بكفاية مجرد دركه ركوع الإمام.

المسألة الخامسة: لو أدرك الإمام قبل الركوع الإمام بعد ما كبر الإمام للركوع فهل يصح له الاقتداء و يحسب له ركعة أم لا؟

اعلم أنّه بعد ما قلنا من كفاية إدراكه في الركوع بمقتضى الروايات كما عرفت في المسألة الرابعة، ففي هذا الفرض يكفى بالاولوية و لو لم يكن خصوص هذا الفرض منصوصا.

المسألة السادسة: لو أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين من الصّلاة، فما هو وظيفته؟
اشارة

اعلم أن بعض العامة يقولون: بأنّه لو أدرك مع الإمام الأخيرتين فيجعل أول صلاته آخرها و آخرها اولها، فهو في غير هذا المورد كان مكلفا بأن يقرأ في الأولتين من صلاته، و لكن في صورة إدراكه الإمام في الأخيرتين فيجعل آخر صلاتها أولا يعنى لا يقرأ، و يجعل آخر صلاتها أولها يعنى يقرأ في الأخيرتين، فهو مع كون صلاته بحسب الطبع أولها اولها و آخرها آخرها يجعل بجعل نفسه آخرها أولها و أولها آخرها، و قال ابو حنيفة بنحو آخر.

و أمّا اهل البيت عليهم السّلام فهم انكروا ذلك، و قالوا: بفساد ما قاله العامة، فلنذكر أوّلا الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ نتكلم في ما ينبغى التكلم فيه إن شاء اللّه فنقول:

الأولى: ما رواها الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (أنّه قال: إذا فاتك شي ء مع

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 273

الإمام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها، و لا تجعل أول صلاتك آخرها). «1»

الثانية: ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصّلاة و هى له الأولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: يتجافي و لا يتمكن من القعود، فاذا كانت الثالثة للامام و هى له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد، ثمّ يلحق بالامام. قال: و سألته عن الرجل الّذي يدرك الركعتين الأخرتين من الصّلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: اقرا فيهما فإنهما لك الاولتان و لا تجعل أول صلاتك آخرها).

«2»

الثالثة: ما رواها عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سبقك الإمام بركعة، فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هى ثنتان لك فإن لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها و فى الّتي تليها، و إن سبقك بركعة جلست في الثانية لك و الثالثة له حتّى تعتدل الصفوف قياما الحديث). «3»

الرابعة: ما رواها زرارة عن أبى جعفر عليه السّلام (قال: إذا أدرك الرجل بعض الصّلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصّلاة خلفه، جعل أول ما أدرك أول صلاته إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين، و فاتته ركعتان، قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أمّ الكتاب، فاذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأنّ الصّلاة إنّما يقرأ فيها (في) بالاوّلتين في كل ركعة بامّ الكتاب و سورة، و في الأخيرتين

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 274

لا يقرأ فيها، إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء، ليس فيهما قراءة، و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام، فاذا سلم الإمام قام فقرأ بامّ الكتاب و سورة، ثمّ قعد فتشهد، ثمّ قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة). «1»

الخامسة: ما رواها معاوية بن وهب (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أول صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى

يقرأ، فيقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم). «2»

يحتمل أن يكون المراد من قوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) أى بعد الفراغ من صلاته و هو احتمال بعيد، و يحتمل أن يكون المراد من (آخر صلاته) الأخيرتين من صلاته، فعلى هذا هل تنطبق الرواية مع ما قاله العامة من أنّه في الفرض يجعل أول صلاته آخرها و بالعكس لقوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) يعنى: ما كان وظيفته من القراءة في أول صلاته فيجعل الأوّل الآخر و يقرأ فيه فى صورة اقتدائه في الأخيرتين لا أن يقرأ في أولتين من صلاته، و ذلك لأنّ في الفرض صار بالبناء أول صلاته آخرها و آخرها أولها، فيجب عليه القراءة في أول صلاته الواقع بحسب بنائه آخر صلاته في هذه الصورة اى في فرض اقتدائه في الأخيرتين.

أو لا تنطبق الرواية مع فرض كون المراد من قوله (في آخر صلاته) هو الأخيرتين من صلاته مع قول العامة، لأن ما قاله العامة في المأموم المسبوق الّذي يقتدى في الركعة الثالثة أو الرابعة يجعل بالبناء أول صلاته آخرها و آخرها أولها فهو إذا اقتدى في الثالثة من الظهر مثلا فهو و ان كانت الركعتان اللتان يقتدى فيهما

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 275

بالامام و يكون فيهما معه أولتى صلاته واقعا، لكن بحسب بنائه تصير آخرتين من صلاته، و بالركعتين اللّتين يأتي بعد ذلك فرادى تصير أولتى صلاته جعلا.

و لكن المستفاد من الرواية هو كون أول صلاته و آخرها هو أوّلها و آخرها الطبيعى لا أوّلها و آخرها البنائى و الجعلى، لانه

قال فيها (عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أوّل صلاة الرجل) و قال أيضا فيها (فيقضى القراءة في آخر صلاته) فما هو أول الصّلاة و آخرها طبعا عبّر بأولها و آخرها.

و أمّا المراد من سؤاله من أنّه (يقضى القراءة في آخر صلاته) لعله كان من باب أنّه حيث لم يتمكن من القراءة في الأولتين يأتي بهما في الأخيرتين كى لا تكون صلاته بلا قراءة، قال عليه السّلام: نعم.

و لو كان له ظهور في وجوب ذلك يرفع اليد عنه بمقتضى ما يدلّ على عدم وجوب القراءة في الأخيرتين. «1»

السادسة: ما رواها طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام (قال: يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال جعفر: و ليس نقول كما يقول الحمقى). «2»

هذا كله الروايات المربوطة بالمسألة فنقول بعد ذلك: إن الكلام يقع في موارد:

المورد الأوّل: لو أدرك المأموم الإمام في إحدى ركعتى الأخيرتين، و أمهله الإمام لأن يقرأ الفاتحة و السورة، و يدرك ركوع الإمام، يجب عليه قراءة الفاتحة

______________________________

(1)- (أقول ما عرفت من الوجه لعدم كون الرواية منطبقا على مذهب العامة قلت أنا بحضرته مد ظله العالى و ختم درسه و لم يبين ما يدلّ على أنّه صار مرضيه أم لا، و على أنّه صار مرضيه أم لا، و على كل حال لو كانت الرواية منطبقة على ما قاله العامة فتحمل الرواية على التقية، فافهم) (المقرّر).

(2)- الرواية 6 من الباب 47 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 276

و السورة لدلالة الرواية 2 و 3 و 4 من الأخبار المتقدمة على ذلك.

المورد الثانى: ما إذا أدركه في إحدى ركعتى الأخيرتين و لا يمهله

الإمام إلّا لقراءة الفاتحة فإن قرء السورة لا يمكن له درك ركوع الإمام، فهل يجوز ترك السورة و اللحوق به في الركوع أم لا؟ المستفاد من الرواية 4 من الأخبار المتقدمة إجزاء أمّ الكتاب و ترك السورة.

المورد الثالث: ما إذا أدركه في إحدى ركعتى الأخيرتين و لا يمهله الإمام لأن يقرأ أمّ الكتاب بتمامه أو مطلقا حتّى بعضه، فإن قرئها لا يدرك ركوع الإمام، فهل يجب عليه أن يقرئها و يلحق به في أى محل أمكن له إمّا بعد رفع الإمام رأسه من الركوع، أو في سجوده، أو في تشهده، و الحاصل يلحق به قبل أن يفرغ الإمام من صلاته و تصح صلاته و جماعته.

أو يجب عليه ترك القراءة و إدراك ركوع الإمام و لا يضر ترك الفاتحة و تصح صلاته و قدوته.

أو يقال: بأنّه في الأخيرتين لو أدرك الإمام حال قيامه و علم أنّه لو اقتدى لا يتمكن من القراءة مع إدراك الركوع الإمام فلا يجوز له الاقتداء، و لكن لو اقتدى بتخيّل أنّه يتمكن من القراءة و درك ركوعه، و لكن بعد ما اقتدى لم يمهله الإمام لأن يقرأ الفاتحة يعدل صلاته إلى الفرادى، لعدم تمكنه من إتمام صلاته جماعة مع رعاية ما هو وظيفته من القراءة و درك ركوع الإمام.

اعلم أن الحق هو الاحتمال الثانى من أنّه إذا شرع في الفاتحة و لم يتمها و الإمام دخل في الركوع و لم يمهله حتّى يتمها فيرفع اليد عن الفاتحة، و يتابع الإمام في الركوع، و يدل عليه الرواية 5 من الروايات المتقدمة، و هى ما رواها معاوية بن

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 277

وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل

يدرك آخر صلاة الإمام، و هو أول صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال: نعم) لأنّ المفروض فيها عدم إمهال الإمام حتّى يقرأ و لم يجب الإمام عليه السّلام يفسد صلاته، أو تصير فرادى أو يقرئها و يلحق به في أى موضع أمكن له و ان لم يدرك الركوع معه.

و كون ذيل الرواية و هو قوله (فيقضى القراءة في آخر صلاته) مورد الإشكال من باب ما قلنا سابقا عند نقلها في طى أخبار الباب من أنّه ربما يقال: إن هذه الفقرة موافق مع قول العامة القائلين بجعل المأموم الّذي يقتدى في الأخيرتين آخر الصّلاة أولها و بالعكس، لا ينافي مع الاستدلال بالرواية على وجوب رفع اليد عن الفاتحة في صورة الاقتداء في الأخيرتين.

أمّا أوّلا فلأن الرواية قابلة للحمل على خلاف ما قاله العامة (بل هو ظاهرها).

و امّا ثانيا لو كانت فقرة من الرواية مورد الإشكال، و لا يمكن الالتزام بها لاشتمالها على خلاف ما يقتضيه المذهب، فلا يوجب ذلك لعدم امكان التمسك بها في غير هذه الفقرة.

و يدلّ عليه أيضا الخبران المرويان في دعائم الاسلام و هما يدلان على وجوب رفع اليد عن القراءة للمأموم المقتدى في الأخيرتين إن لم يمهله الإمام. «1»

و يمكن الاستدلال على ما قلنا من رفع اليد عن الفاتحة لو لم يمهله الإمام و متابعة الإمام في الركوع بالاخبار المذكورة سابقا في مسئلة أن المناط في إدراك

______________________________

(1)- دعائم الاسلام، ج 1 ص 191 و 192؛ بحار الانوار، ج 88، ص 113.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 278

الركعة للمأموم إدراك ركوع الإمام، و المستفاد منها أن المأموم إذا أدرك ركوع الإمام فقد أدرك الركعة، و هذه الأخبار

كانت بلسانها مطلقا يشمل اطلاقها الأوّلتين و الأخيرتين، فتدل هذه الأخبار على أن تمام المناط لإدراك الجماعة و إدراك الركعة هو إدراك الركوع و لو لم يدرك قراءة الإمام و لم يقرأ المأموم القراءة اصلا.

فبعد كون عدم الإتيان بتمام القراءة غير مضرّ في إدراك الركعة فبعضها بطريق الأولى، لأنّه بعد كون إطلاق هذه الأخبار شامل للأخيرتين و لو يقتدى المأموم و لم يدخل في الصّلاة في الثالثة أو الرابعة من صلاة الإمام إلا بعد ما دخل الإمام في الركوع، فمقتضى هذه الأخبار هو أن تركه تمام القراءة لا يضر بادراكه الركعة، فمن هنا نكشف أن ترك بعضها يجوز لأجل درك الركوع بطريق الأولى، ففي المسألة لو شرع المأموم في الفاتحة في الثالثة أو الرابعة و لم يمهله الإمام و لو كان يتم الفاتحة لا يدرك ركوع الإمام، فيجب ترك بقية الفاتحة لأن يدرك الركوع و تصح صلاته. «1»

مسألة: المذكور في الرواية 2 من الروايات المتقدمة الواردة في المأموم

المسبوق هو أن المأموم إذا اقتدى في الركعة الثانية من الإمام، فإذا يجلس الإمام بعد ركعة الثانية لأن يتشهّد يتجافي المأموم، فهل يجب التجافى أو يستحبّ ذلك؟

قد يقال: بعدم دلالة ذلك على أزيد من الاستحباب، لأنّه بعد ما كان المناسب مع المتابعة المعتبرة في الجماعة، هو كون وضع المأموم كوضع الإمام في الافعال

______________________________

(1)- (أقول: لو حملت الروايات الدالة على أن المأموم لو أدرك ركوع الإمام فقد أدرك الركعة على صورة وصول المأموم و الحال أن الإمام في الركوع، لا على مطلق من يقتدى في الركوع و لو كان متمكنا من أن يقتدى قبل ذلك و يأتي بالقراءة، فلا دلالة لهذه الأخبار على جواز ترك القراءة على المأموم المسبوق و إن تمكن منها، بأن لا يقتدي حتّى

دخل الإمام في الركوع) (المقرر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 279

و الجلوس و القيام و الكيفيات الواقعة في الصّلاة، فيناسب ذلك أن المأموم أيضا يجلس مثل جلوس الإمام في التشهّد لا أن يتجافى، غاية الأمر نقول باستحبابه لأجل الرواية.

و فيه أنّه لو كان ما قلت هو المعتبر، فهذا يدلّ على عدم استحباب التجافي، بل عدم جوازه أيضا، فلا وجه لما ذكر، فلا يبعد الوجوب بمقتضى ظاهر الرواية المتقدمة.

مسألة: هل يجب متابعة المأموم المسبوق في تشهد الإمام أم لا؟

بمعنى أن الإمام إذا يتشهّد بعد ركعته الثانية و الحال ان المأموم بعد ركعته الأولى، فيتشهد الإمام على حسب وظيفته، هل يجب على المأموم متابعته بأن يأتي بذكر التشهّد فيه بعنوان المتابعة و إن لم يكن موضع تشهده أم لا؟

اعلم أنّه لو قلنا بوجوب المتابعة في الاقوال لا يبعد وجوبه بعنوان المتابعة.

مسألة: المأموم المسبوق بعد ركعته الثانية يأتي بالتشهد الواجب عليه وحده

و يلحق بالامام لدلالة الرواية 2 من الروايات المتقدمة عليه.

المسألة السابعة: في حكم إدراك المأموم الإمام بعد رفع رأسه من الركوع،
اشارة

سواء أدركه حال القيام بعد الركوع، أو في حال السجدة، أو حال التشهّد فنذكر ابتداء الأخبار المربوطة بالباب.

ثمّ ما ينبغى أن يقال إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى:

[في ذكر الأخبار في الباب]

الأولى: ما رواها محمد بن مسلم (قال: قلت له: متى يكون يدرك الصّلاة مع الإمام؟ قال: إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 280

الصّلاة مع الامام). «1»

و هل تدلّ الرواية على أنّ بإدراكه السجدة الأخيرة يدرك فضل الجماعة فقط بدون صيرورة صلاته صلاة، أو تدلّ على أنّه يدرك الصّلاة بادراكه السجدة الأخيرة و لو لم يدرك الركعة فتكون فائدته أن يتم صلاته بهذه التكبيرة، كلاهما محتمل.

الثانية: ما رواها المعلى بن حنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا سبقك الإمام بركعة فادركته و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها). «2»

و هل المراد من قوله عليه السّلام (و لا تعتدّ بها) اى لا تعتد بالركعة، و لا ينافي وقوع صلاته صحيحة و ان لم يعتد بتلك الركعة الّتي و اقتدى بعد رفع الإمام رأسه من الركوع.

او المراد أنّه لا تعتد بتلك الصّلاة رأسا حتّى يكون لازمه تجديد التكبيرة لصلاته الّتي تجب عليه.

الثالثة: ما رواها عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يدرك و هو قاعد يتشهد، و ليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟ قال: لا يتقدم الإمام و لا يتأخر الرجل، و لكن يقعد الّذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتم صلاته). «3»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية

3 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 281

الرابعة: ما رواها عمّار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين؟ قال: يفتتح الصّلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم). «1»

الخامسة: ما رواها عبد الرحمن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في حديث قال: إذا وجدت الإمام ساجدا فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه، و إن كان قاعدا قعدت و إن كان قائما قمت). «2»

السادسة: ما رواها معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا جاء الرجل مبادرا و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصّلاة و الركوع، و من أدرك الإمام و هو ساجد كبر و سجد معه و لم يعتد بها، و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة، و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلم فعليه الأذان و الاقامة). «3»

السابعة: ما رواها الحسن بن محمد الطوسى في مجالسه و ينتهى السند بأبى هريرة (قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: إذا جئتم إلى الصّلاة و نحن في السجود فاسجدوا، و لا تعدّوها شيئا، و من أدرك ركعة فقد أدرك الصّلاة). «4»

هذا كلّه في الروايات المربوطة بالمقام.

ثمّ اعلم أن في الرواية الأولى لا يكون ذكر من تكبيرة الاحرام، فلا دلالة لها

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 6 من

الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 7 من الباب 49 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 282

على أنّه بالتكبير و الدخول في الصّلاة في السجدة الأخيرة يوجب درك فضل الصّلاة مع الإمام، أو بمجرد و روده لأن يقتدى و الحال أن الإمام في السجدة الأخيرة يدرك فضل الصّلاة مع الإمام و لو لم يكبر و لم يدخل في الصّلاة مع الإمام. «1»

فهذه الرواية لا تدلّ على أن المكلف لو أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة اى أدركه في السجدة الأخيرة فكبر تكبيرة الافتتاح، و دخل في الصّلاة معه، يمكن له إتمام صلاته بعد فراغ الإمام من الصّلاة بدون أن يجدد التكبيرة حتّى لا يكون محتاجا إلى تجديد التكبيرة بعد ذلك.

و مثلها في عدم الدلالة على عدم لزوم تجديد التكبيرة الّتي يفتتح بها الصّلاة لو أدرك الإمام في السجدة من الركعة الأخيرة الرواية الثانية لعدم كونها متعرضة الا لعدم الاعتداد بالسجدة الّتي أتى بها مع الامام.

و مثلها في عدم الدلالة الرواية الثالثة على عدم لزوم تجديد التكبيرة لو أدركه في السجدة الأخيرة فإن موردها إدراك الإمام في التشهد، و ظاهرها هو أنّه كبّر للصّلاة لأنّه قال عليه السّلام: فاتم صلاته، فهذا شاهد على صيرورة صلاته صلاة و لا تصير إلا بالتكبيرة و بعد ما كبر فيتم به الصّلاة، و لا حاجة إلى تجديد التكبيرة، و لكن الرواية لا تدلّ على أنّه لو أدرك الإمام في السجدة فما حكمه.

______________________________

(1)- (أقول: مضافا إلى أنّه لو كان مفروض الرواية هو أن المأموم يكبر و يسجد مع الإمام فيدرك فضل الجماعة كما لا يبعد، فلا تدلّ الرواية على أنّه بهذا التكبير

يتم صلاته و لا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام، بل غاية ما تدلّ الرواية هو عدم الاعتناء بهذه السجدة أو بهذه الركعة دخل في سجودها مع الامام) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 283

و مثلها الرواية الرابعة فإنها غير متعرضة لإدراك السجود، بل هى متعرضة لادراكه حال التشهد، و لا يبعد كون المفروض التشهّد الأوّل بقرينة (حتى يقوم) اى حتى يقوم الإمام و تدلّ على أن المأموم لو أدرك الإمام حال تشهده الأوّل يكبر و لكن لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم الإمام.

و مثلها الرواية الخامسة فانها لا تدلّ إلا على أنّه لو أدركت الإمام حال السجدة فاثبت مكانك، و لا تعرض فيها على أنّه كبّر أصلا أم لا، و على فرض وقوع التكبير و الدخول مع الإمام هل يكتفى بهذه التكبيرة و يتم صلاته بها أم لا.

و امّا الرواية السادسة أعني ما رواها الصدوق رحمه اللّه المشتملة على فقرات ففيها و ان ذكر هذه الفقرة (و من أدرك الإمام و هو ساجد، كبر و سجد معه و لم يعتد بها) الظاهر أنّه يكبّر إذا أدرك الإمام في السجدة و أنّه يسجد معه و لا يعتد بالسجدة، و مفادها الاكتفاء بهذا التكبير لصلاته.

و لكن نقول بأنّه لا يبعد عدم كون هذه الفقرة جزء الرواية أمّا أولا فلعدم كون هذه الفقرة و ما بعدها في نقل الشيخ رحمه اللّه، و أمّا ثانيا فلأن الصّدوق غالبا يكون بنائه ذكر فتاويه في ذيل الروايات، و لا يبعد كون هذه الفقرة و ما بعدها فتوى الصدوق رحمه اللّه خصوصا مع كونه منفردا في نقل هذه الفقرة و ما بعدها. «1»

______________________________

(1)- أقول، كما قلت بحضرته مد ظله العالى في مجلس البحث:

بأنّه لو فرض كون هذه الفقرة جزء الرواية، و لكن مع ذلك لا يستفاد منها أزيد من أنّه يكبّر و يسجد و لا يعتد بالسجدة، أو بالركعة، أو بالتكبيرة، فإن كان ضمير بها في قوله (لم يعتد بها) راجعا إلى التكبيرة فتدل الرواية على خلاف ما توهّم أى تدلّ على أنّه لا يعتنى بالتكبيرة الّتي كبّرها، فلا بدّ لأن يكبر بعد ذلك لصلاته، و لا يكتفى بما كبر، و إن كان ضمير بها راجعا إلى السجدة أو إلى الركعة فيستفاد من

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 284

و امّا الرواية السابعة فهى أيضا لا تدلّ على أنّه يكبّر و يسجد، ثمّ يكتفى بهذه التكبيرة لصلاته و لا حاجة إلى تجديد التكبيرة، بل يمكن أن يقال: بأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

إذا جئتم إلى الصّلاة و نحن في السجود و لا تعدّوها شيئا، هو عدم الاعتبار بما فعل اصلا و لا يحسب شيئا، فلو كبر و سجد لا يعدّوها شيئا تدلّ على أنّه يجب تجديد التكبيرة و ان كبّر و سجد.

ثمّ بعد ذلك نقول تتميما للفائدة: بأن الكلام يقع تارة في ما يدرك المأموم الإمام في التشهّد الاخير، فلا إشكال في أنّه لو كبر بقصد الصّلاة و متابعة الإمام، يتم صلاته بعد ما سلم الإمام، و لا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام. «1»

و تارة يقع الكلام في ما يدرك الإمام في السجدة من الركعة الأخيرة، فهل يقال: بأنّه يكبر بقصد الصّلاة و يدخل معه في السجود و يتابعه حتّى إذا سلم الإمام، ثمّ يتم صلاته بدون تجديد التكبيرة، أو يقال: بأنّه يكبر بقصد درك فضيلة الجماعة في هذا المقدار الباقى من صلاة الإمام، ثمّ بعد

ما سلم الإمام يكبر و يأتي بصلاته، فلا يدرك بهذا إلا مقدارا من فضل الجماعة، أو يقال: بأنّه يكبر بقصد الصّلاة و يصبر قائما حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته؟

______________________________

الرواية أنّه لا يعتد بالتكبيرة، و لا دلالة لها على الاكتفاء بتكبيره لصلاته، بل الرواية ساكتة عن هذه الجهة أصلا، فافهم) (المقرّر).

(1)- (أقول: و هل يجب أن يقعد حال تشهد الإمام، كما هو مقتضى الرواية الثالثة أولا يقعد، بل يصبر قائما حتّى يسلم الإمام كما هو مقتضى الرواية الرابعة، أو يكون بالخيار بين الجلوس و القيام بحمل النهى في الرواية الرابعة على الكراهة بمقتضى الرواية الثالثة أولا تعارض بينهما أصلا لأنّ الرواية الرابعة وردت في من يدرك الإمام في التشهّد الأوّل فلو أدرك الإمام في الأخير يكبر و يتابعه حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته بلا حاجة إلى تجديد تكبيرة الاحرام) (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 285

اعلم أنّه يمكن أن يقال: بأن المفروض في بعض الروايات المتقدمة الواردة انّه لو أدركه في السجدة من الركعة الأخيرة، أن يكبر و يدخل في الصّلاة و لا يعتد بالسجدة، هو صيرورة صلاته صلاة فيتمّها بعد ما سلّم الإمام، بدعوى أنّ مفاد بعض الروايات هو عدم الاعتداد بهذه السجدة، لا عدم الاعتداد بصلاته، فعلى هذا يبنى على التكبير الأوّل، و لا حاجة إلى تكبير مستأنف.

و لكن مع ذلك استفادة ذلك من الروايات المتقدمة حيث لم يكن خال عن الاشكال.

نقول: بأنّه لو أدرك المأموم الإمام في الركعة الأخيرة في سجدتها فلو قيل ينوى الصّلاة و يكبر بقصد الصّلاة و يسجد معه، ثمّ يستأنف التكبيرة من باب أن صلاته تبطل بزيادة السجدة، فنقول: إن هذا غير معقول، إذ من يعلم أنّه يسجد

و بسجدته تبطل صلاته، فكيف يقصد الصّلاة التامة، فلا يمكن الالتزام بذلك و إن نسب إلى الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و إلى العلّامة رحمه اللّه في بعض كتبه.

و إذا كبر بقصد درك ما بقى من فضل الجماعة رجاء، ثمّ بعد سلام الإمام يستأنف التكبيرة فلا إشكال فيه.

و كذلك يمكن بنحو آخر بأن يكبر بقصد الصّلاة و يصبر قائما لا أن يسجد مع الإمام حتّى إذا سلم الإمام يتم صلاته فلا إشكال فيه لو لم يوجب هذا الانتظار الفصل الطويل، و رعاية الاحتياط هو ان يعيد صلاته بعد ذلك.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 286

[فى كلام المحقّق رحمه اللّه في استحباب أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلّى جماعة إماما كان أو مأموما]

اشارة

قال المحقق رحمه اللّه و يستحبّ أن يعيد المنفرد صلاته إذا وجد من يصلى تلك الصّلاة جماعة إماما كان أو مأموما.

اعلم أنّه يتصور صورا كثيرة لمن صلّى و يريد إعادتها، فلنذكر ابتداء الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ نبين ما هو المختار من شمول الأخبار لهذه الصور كلها أو بعضها إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى: أمّا الأخبار:

[في ذكر الروايات المربوطة بالمقام]

الأولى: و هى ما رواها هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (إنّه قال في الرجل يصلّى الصّلاة وحده، ثمّ يجد جماعة قال: يصلى معهم و يجعلها الفريضة ان شاء). «1»

تدلّ بظاهرها أن الرجل اذا صلّى صلاته فرادى، ثمّ يجد جماعة يصلّى معهم و إن شاء جعلها فريضته و من قوله (يجعلها الفريضة ان شاء) يستفاد أن الأمر بيده في اختيار ما صلّى وحده أو ما يصلى جماعة هو الفريضة.

الثانية: (و هى بعض الرواية الّتي عدّها صاحب الوسائل الرواية الأولى من الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة) و تمام الرواية هذا، عن زرارة أنّه (قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل دخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة و أحدث

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 287

إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه، فصلى بهم، أ تجزيهم صلاتهم بصلاته، و هو لا ينويها صلاة؟ فقال: لا ينبغى للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم و هو لا ينويها صلاة، بل ينبغى له أن ينويها صلاة و إن كان قد صلى، فإن له صلاة اخرى و إلا فلا يدخل معهم، و قد قال: تجزى عن القوم صلاتهم و إن لم ينوها). «1»

تدلّ الرواية على مطلوبية إعادة الصّلاة

لمن صلّى و أنها صلاة اخرى له و إطلاق قوله (و إن كان قد صلى) يشمل صورة وقوع صلاته الأولى فرادى أو جماعة إماما أو مأموما.

الثالثة: ما رواها محمد بن على بن الحسين مرسلا (قال: و قال رجل للصادق عليه السّلام: اصلى في أهلى ثمّ أخرج إلى المسجد، فيقدمونى. فقال: تقدم، لا عليك و صلّ بهم). «2»

الرابعة: قال: و روي أنّه يحسب له أفضلهما و أتمهما. «3»

الخامسة: ما رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع (قال: كتبت إلى أبى الحسن:

إنى احضر المساجد مع جيرتى و غيرهم فيامروننى بالصّلاة بهم، و قد صليت قبل أن آتيهم، و ربما صلّى خلفى من يقتدى بصلاتي و المستضعف و الجاهل، فاكره أن أتقدم و قد صليت لحال من يصلى بصلاتي ممّن سمّيت ذلك فمرني في ذلك بأمرك انتهى إليه و أعمل به إن شاء اللّه، فكتب عليه السّلام: صلّ بهم). «4»

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 39 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 3 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(3)- الرواية 4 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- الرواية 5 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 288

تدلّ على مطلوبية الاعادة، و مفروض السائل هو أن يعيد إماما، و هل كان ما صلّى أو لا فرادى أو جماعة كلاهما محتمل، و إن كان لا يبعد كون ما صلّى فرادى

السادسة: ما رواها يعقوب بن يقطين (قال: قلت لأبى الحسن عليه السّلام جعلت فداك تحضر صلاة الظهر فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا، فننزل معهم فنصلى، ثمّ يقومون فيسرعون فنقوم و نصلّى العصر و نريهم كأنّا نركع ثمّ ينزلون للعصر فيقدمونا

فنصلى بهم. فقال: صل بهم لا صلى اللّه عليهم). «1»

هذه الرواية و ان كانت تدلّ على جواز إعادة الصّلاة، بل الأمر بها، لكن هذا في مورد الابتلاء بالتقية و الصّلاة مع العامة، فلا تكون مربوطة بمسألتنا.

السابعة: ما رواها داود (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يكون مؤذّن مسجد في المصر و إمامه، فاذا كان يوم الجمعة صلّى العصر في وقتها، كيف يصنع بمسجده؟ قال: صل العصر في وقتها، فاذا كان ذلك الوقت الّذي يؤذن فيه أهل المصر فأذن و صلّ بهم في الوقت الّذي يصلى بهم فيه أهل مصرك). «2»

تدلّ على جواز إعادة الصّلاة لأنّ مفروض السائل إتيان هذا الشخص صلاة عصره، و مع ذلك قال عليه السّلام (فاذا كان ذلك الوقت الّذي يؤذن فيه أهل المصر فأذن و صلّ بهم) و هل مفروض الكلام ما صلّى الإمام صلاة عصره فرادى أوّلا أو بالجماعة، قد يقال: بأن السائل قال: فاذا كان يوم الجمعة صلّى العصر في وقتها كيف يصنع بمسجده؟ قال عليه السّلام: صل العصر في وقتها، فاذا كان الخ، فقوله (صل العصر) يشمل بإطلاقه إتيان العصر فرادى أو جماعة إماما أو مأموما.

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 7 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 289

الثامنة: ما رواها عبيد اللّه الحلبى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: إذا صلّيت و أنت في المسجد و اقيمت الصّلاة فإن شئت فاخرج و إن شئت فصل معهم و اجعلها تسبيحا). «1»

و هل الرواية واردة مورد التقية أى في مورد اقامة الجماعة من قبل العامة، و الحال أنّه صلّى أو لا. «2»

التاسعة: ما

رواها عمار (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يصلى الفريضة، ثمّ يجد قوما يصلون جماعة، أ يجوز له أن يعيد الصّلاة معهم؟ قال: نعم، و هو افضل. قلت: فإن لم يفعل؟ قال: ليس به بأس). «3»

تدلّ على استحباب إعادة الصّلاة. «4»

العاشرة: ما رواها أبو بصير (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اصلى ثمّ أدخل المسجد، فتقام الصّلاة و قد صليت؟ فقال: صل معهم يختار اللّه احبهما إليه). «5»

يحتمل كون هذه الرواية واردة مورد التقية و يحتمل عدمه.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- (أقول: قوله عليه السّلام: فإن شئت فاخرج و إن شئت فصل معهم. يدلّ على عدم كونها واردة مورد التقية لأنّ مع التقية لا يخير الإمام عليه السّلام المكلف بين الخروج و البقاء و إتيان الصّلاة، و أمّا قوله (و اجعلها تسبيحا) أيضا لا يدل على كونها واردة مورد التقية. إلّا أن يقال في مورد التقية بعدم كون صلاته صلاة، بل هو صورة الصّلاة حتّى يجعلها تسبيحا) (المقرر).

(3)- الرواية 9 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(4)- (أقول: و ظاهر قوله عليه السّلام (و هو افضل) كون ما صلّى أولا هو الفرادى، و إلّا لا معنى لأفضلية الثانية من الاولى) (المقرر).

(5)- الرواية 10 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 290

الحادية عشرة: ما رواها حفص البخترى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يصلى الصّلاة وحده ثمّ يجد جماعة قال: يصلى معهم و يجعلها الفريضة). «1»

هذه الرواية من حيث المتن متحدة مع الرواية الأولى غير أن في الأولى زيادة و هى (ان شاء) بعد قوله يجعلها الفريضة.

[في ذكر الصور في المسألة]

هذا

كله في الأخبار المربوطة بالباب، ثمّ بعد ذلك نقول: إن للمسألة صور كثيرة:

الأولى: ان صلّى صلاته الأولى فرادى.

الثانية: ان صلّى صلاته الأولى جماعة و لكن كان إماما.

الثالثة: ان صلّى الأولى جماعة مأموما.

ثمّ في كل هذه الصور الثلاثة صورتين:

الأولى: أن يصلى الثانية في الجماعة إماما.

الثانية: أن يصلى مأموما.

و في كل الصور إمّا أن يريد أن يصلى ثانيا صلاة توافق مع صلاة الامام أو المامومين من حيث نوع الصلاتية، بأنّه يعيد صلاته الظهر بصلوة الظهر أو مخالف لهم، و كذلك تارة موافق معهم من حيث الأدائية و القضائية مثلا صلّى صلاة الظهر الأدائى و يريد إعادتها و الحال أن في الصّلاة الثانية يأتون بصلوة الظهر الأدائى أو يكون مخالفا.

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 54 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 291

و في كل الصور تارة يكون الكلام في جواز الاعادة في المرة الأولى أو يقال بالجواز في المرة الثانية و الثالثة و هكذا، و يمكن تصوير صور اخرى.

اعلم أن القدر المتيقن هو شمول الروايات لصورة أتى الشخص صلاته الأولى فرادى، و هل تشمل ما إذا صلّى صلاته الأولى جماعة أم لا؟ «1»

مسألة: هل يجوز الاقتداء بمن يصلى صلاة فات عن الغير قضاء تبرعا

، أو استيجارا أو لا يجوز؟

اعلم بأنا استشكلنا في صحة الاقتداء بصلوة يصلى المصلّى عن الغير و منشأ الإشكال هو مقتضى ما قلنا في مقام دفع الإشكال العقلى على النيابة في الصّلاة عن

______________________________

(1)- (أقول: لم يتعرض سيدنا الاعظم مدّ ظله العالى لحكم الأقسام و أن الأخبار تشمل غير المورد المتيقن أم لا؟ و أنا أقول: بأنّه يمكن دعوى شمول الاخبار لبعض الصور كما إذا كانت الأولى فرادى أو جماعة و في الجماعة إماما أو مأموما بإطلاق بعض الروايات و ترك الاستفصال

في بعضها كما أنّه لا فرق في شمول الحكم بين ما إذا يعيد صلاته بالجماعة إماما أو مأموما، لأنّ في الروايات ما يدلّ على ذلك.

كما أنّه يمكن أن يقال: بعدم الفرق في شمول الحكم بين أن يكون ما صلّى و يريد إعادته جماعة موافقا مع صلاة أهل الجماعة من حيث شخص الصّلاة، أو مخالفا مثلا صلّى صلاة العصر، ثمّ يعيد عصره في جماعة تكون صلاتهم عصرا أو في جماعة تكون صلاتهم ظهرا، كما أنّه لا فرق بين كونهما متحدين في الأدائية و القضائية أو مخالفين.

و لكن مع ذلك الحكم بشمول الأخبار لغير صورة صلّى صلاته فرادى ثمّ أعادها في جماعة إماما أو مأموما و في خصوص كون صلاته الأولى موافقا مع صلاة يصلى جماعة من حيث الظهرية و العصرية، و من حيث الأداء و القضاء مشكل، لأنّ غير الصورة المذكورة ربما لا يكون متعارفا، فلو فرض إطلاق لبعض الروايات يشمل غير هذه الصور، فينزّل على المتعارف فتأمّل) (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 292

الغير، من أنّه لا بد في صيرورة عمل النائب عمل المنوب عنه بحيث يصير عمل النائب مقربا للمنوب عنه، هو أن يجعل نفسه منزلة المنوب عنه، أو فعله منزلة فعل المنوب عنه، و لا يمكن دفع الإشكال العقلى بمجرد إتيان الصّلاة أو ساير العبادات بقصد المنوب عنه بدون هذا التنزيل.

فعلى هذا يكون صلاة النائب، بعد هذا التنزيل، صلاة المنوب عنه، فالنائب عن عمرو إذا صلى، يكون المصلّى على هذا هو عمرو لا النائب، فيصير الاقتداء بهذه الصّلاة مورد الإشكال، لأنّ المتيقن من الجماعة المشروعة، و ما هو المتعارف منها من صدر الأوّل، هو الاقتداء بصلوة الشخص نفسه، لا بصلوة ليس بصلاته، بل هو

صلاة الميت، لأنّ هذا المصلّى في صلاة القضاء تنزّل منزلة الميت، فيكون صلاته صلاته.

نعم لو قلنا في مسئلة النيابة: بأنّه لا حاجة في جعل النائب منزلة المنوب عنه، بل كما هو مقتضى ظاهر بعض الادلة يكفى مجرد كون الصّلاة عنه، و كون النائب قاصدا للقضاء عنه و إن لم يجعل نفسه منزلته، فما يصلى من الصّلاة يكون صلاة نفسه و إن كان يصليها عن المنوب عنه، فيصح الاقتداء بصلاته لأنّ هذه الصّلاة صلاته بحسب الاعتبار.

و لكن الإشكال في أنّه هل يكفى ذلك في دفع الإشكال في النيابة من أنّه كيف يصير عمل النائب مقربا للمنوب عنه بإتيان العبادة عنه و بقصد كونها قضاء عنه كما يكون في قضاء الدين، و أن مجرد أداء الوجه بقصد قضاء دين شخص آخر يعد قضاء دينه و يبرأ ذمته و لو لم يجعل القاضى عنه دينه نفسه منزلة المديون و لا فعله منزلة فعله.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 293

و حيث إن الاكتفاء بهذا المقدار في صيرورة العبادة عبادة المنوب عنه مشكل، فلا بدّ كما قلنا من تنزيل في البين بأن يجعل النائب نفسه أو فعله، منزلة نفس المنوب عنه أو فعله، يكون الاقتداء بمن يقضى الصّلاة عن الغير مشكلا، إذ هذه الصّلاة ليست صلاة هذا الشخص، بل هى صلاة الميت المنوب عنه، لعدم شمول إطلاقات الجماعة له لو كان في البين إطلاقات، لعدم تعارف ذلك، مضافا إلى أنّه بعد كون الصّلاة صلاة الميت، فلم يكن الصّلاة صلاة الإمام حتّى يقتدى بصلاته. «1»

______________________________

(1)- (أقول لو فرض كون ما أفاده مدّ ظله العالى من لزوم تنزيل في البين من جعل النائب نفسه منزلة المنوب عنه أو فعله منزلة فعله، و لكن

مع ذلك يمكن أن يقال: بصحة الاقتداء لو كان في الجماعة إطلاقات إلا أن يقال: بأن الإطلاقات منزلة على التعارف، و لم يكن الايتمام بالصّلاة القاضى عن الغير متعارفا.

و إن كان الأمر كذلك فلو قلنا: بكفاية كون صلاته قضاء عن المنوب عنه، و أن صلاته مع كونها صلاته و مستندا به، تكون قضاء عن المنوب عنه فأيضا صحة الاقتداء مورد الإشكال، لعدم تعارف الايتمام بالإمام الّذي يقضى عن الغير.

و أمّا ما أفاده مد ظله العالى في وجه الإشكال في صحة الاقتداء من باب أن صلاة النائب صلاة المنوب عنه.

فنقول: أمّا أولا فلو فرض لزوم التنزيل، فهل يجعل الميت منزلة الحى أو يجعل الحى منزلة الميت، فإن كان الأوّل أى يجعل الميت منزلة الحى، فلا ينبغى الإشكال إذ المأموم يقتدى بشخص حىّ فى صلاة نفسه، لأنّه على هذا فرض الميت حيّا تنزيلا.

و ثانيا على فرض كون معنى التنزيل جعل الحى منزلة الميت و تكون نتيجة التنزيل أن الميت يكون مشتغلا بالصّلاة حال اشتغال النائب، فعلى هذا يكون شخصا مشتغلا بالصّلاة صلاة نفسه، فلا مانع من الاقتداء.

لكن مع ذلك كله تكون المسألة محل إشكال، و على تقدير الإشكال فيها يمكن أن يستشكل في صحة اقتداء هذا الشخص، فمن يصلى عن الغير لا يجوز له الايتمام كالإمامة، لأنّ الشّك يكون

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 294

مسألة إذا كان الشخص مشتغلا بصلاة الفريضة فأقام صلاة الجماعة فهل يستحبّ أن ينقل نيته إلى النفل للدخول في الجماعة أم لا؟

نذكر بعض الأخبار الواردة المربوطة بالمقام فنقول بعونه تعالى:

الأولى: ما رواها سليمان بن خالد (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصّلاة فبينما هو قائم يصلى اذ أذّن المؤذن و أقام الصّلاة؟ قال:

فليصل ركعتين، ثمّ ليستأنف الصّلاة مع الإمام، و لتكن الركعتان تطوعا). «1»

و الظاهر منها أنّه إذا

راى حال اشتغاله بالصّلاة إقامة الجماعة يجعل ما بيده نافلة أى ينقل نيته من الفرض إلى النفل، لا أن ما بيده من الصّلاة تصير نفلا قهرا بمجرد إقامة الجماعة و لو لم ينقل نيته من الفرض إلى النفل.

الثانية: ما رواها سماعة (قال: سألته عن رجل كان يصلى فخرج الإمام و قد صلى الرجل ركعة من صلاة الفريضة قال: إن كان إماما عدلا فليصل اخرى فينصرف و يجعلهما تطوعا، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلى ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول (أشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ثمّ يتم صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية الا و صاحبها مأجور ان شاء اللّه). «2»

______________________________

في مشروعية الجماعة في هذه الصّلاة، و لا إطلاق في البين يشملها، و لو كان إطلاق لا بد من حمله على المتعارف فتأمّل) (المقرر).

(1)- الرواية 1 من الباب 56 من ابواب الجماعة من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 56 من ابواب الجماعة من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 295

و هذه الرواية صريحة في أنّه يجعل الركعتين نفلا، و جعلها نفلا بأن ينقل نيته من الفرض إلى النفل.

اعلم أنّ المستفاد من الروايتين هو استحباب نقل نية الفرض إلى النفل و جعل الفريضة النافلة، و إتمامها ركعتين تطوعا لدرك الجماعة، و لا يجب ذلك و إن كان ظاهر الروايتين الأمر بذلك.

و مورد هذا الحكم ما إذا كان الشخص في الركعتين الاولتين، فيمكن له جعل صلاته

نافلة إذا كان في الركعة الأولى أو الثانية، أو في التشهّد الأول، فيجعل بالقصد صلاته تطوعا، و يسلّم على رأس الركعتين و يدخل في صلاة الجماعة.

و لو كان في حال القيام من الركعة الثالثة قبل أن يركع فيقيم الجماعة، فهل يستحبّ له أيضا نقل نية الفريضة إلى النافلة بأن يعدل إلى النافلة، و يهدم القيام و يجلس و يسلّم، لأنّ يدخل في الجماعة أم لا؟

لا يبعد استحبابه و إن كان مورد الرواية ما إذا اقيمت الجماعة و هو في الركعتين الاولتين، و لكن بإلغاء الخصوصية يكون الحكم شاملا لهذه الصورة أيضا، لأنّه يفهم أن مصلحة إدراك الجماعة صارت موجبة لاستحباب نقل نية الفرض إلى النفل في المحل الّذي يمكن جعل الصّلاة نفلا، و في حال القيام في الثالثة قبل الركوع يكون كذلك.

ثمّ إنّه بعد فرض استحباب جعل الفريضة نافلة لدرك الجماعة، فهل يستحبّ قطع النافلة لدركها أم لا؟ مثلا كان مشتغلا بصلوة النافلة فاقيمت الجماعة، أمّا قطع صلاة النافلة فلا إشكال في جوازه فيجوز له قطعها، إنما الكلام في أنّه هل يستحبّ قطعها لدرك الجماعة أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 7، ص: 296

ثمّ لو فرض استحباب القطع في هذه الصورة، فلو اشتغل بالفريضة فاقيمت الجماعة فنقل نيته إلى النفل، فحيث صارت الصّلاة نافلة يجوز قطعها، بل يستحبّ قطعها لدرك الجماعة أم لا؟

لا دليل لنا على استحباب القطع لدرك الجماعة إلا رواية فقه الرضا، و هى تدلّ على ذلك لكن الإشكال في سندها.

*** تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء السابع من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على احكام الخلل و قضاء الصّلاة و وجوب المتابعة فى الجماعة و يتلوه الجزء الثامن إن شاء اللّه

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى،

تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.